خالد الحاج عبدالمحمود/(2) التعقيب على البيان الثاني

دعواتكم لزميلنا المفكر د.الباقر العفيف بالشفاء العاجل
مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 12-12-2024, 08:45 PM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
12-24-2013, 10:42 PM

خالد الحاج عبدالمحمود
<aخالد الحاج عبدالمحمود
تاريخ التسجيل: 10-26-2013
مجموع المشاركات: 164

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
خالد الحاج عبدالمحمود/(2) التعقيب على البيان الثاني

    بسم الله الرحمن الرحيم
    "الَّذِينَ يَنقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِن بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَن يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ أُوْلَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ"
    (2) التعقيب على البيان الثاني
    أ- فصل الدين عن الدولة:
    بدأ الإتجاه للسياسة يتضح، عندما قامت الأستاذة أسماء محمود، بإنشاء ما أسمته: "مركز الأستاذ محمود".. وهو عملٌ قد تمت مناقشته من قبل أسماء والنعيم وآخرين، في أمريكا قبل أن يسمع به الجمهوريون في السودان.. وفي أمريكا قُرِّرَ إنشاء المركز، وحضرت أسماء للتنفيذ.
    وقد قام المركز تحت شعار العمل على نشر الفكرة الجمهورية، رغم أنه منظمة مجتمع مدني!!.
    وبعد قيام المركز، ظهر أنه يتلقى تمويلاً مالياً أجنبياً، رغم موقف الأستاذ المتشدد ضد هذا الأمر.. وتلقي التمويل الأجنبي، أدى إلى نقاش شديد من قبل مؤيدي المركز، والرافضين له.. واستقال بعضُ أعضاء المركز بسبب هذا التمويل.. وأمر التمويل هو الآخر مرتبط بالنعيم!!.
    ثم اتجهت أسماء ومن معها، إلى إنشاء حزبٍ تحت مظلة نظام الإنقاذ وقوانينه وضوابطه.. وبذلك توكد الإتجاه إلى السياسة.. وتوكد ضعف الحركة كلها.. فعملياً، إقامة حزب، وفق شروط الإنقاذ، هو تأييد صريح لنظام الإنقاذ، وأي معارضة له بعد ذلك، هي مجرد جعجعة لا معنى لها، ولا قيمة لها.. قيام الحزب، يجعل معارضة النظام، في أحسن أحوالها، معارضة من داخل النظام لا يمكن لها العمل على إسقاطه.
    وبالبيان الأخير أصبحت الدعوة للعلمانية ـ فصل الدين عن الدولة ـ سافرة.. تم التحول الواضح عن الفكرة، كدعوة دينية، إلى السياسة ـ التي تعتمد على العقل وحده في مجال العمل العام ـ كما أصبح تأييد العلمانية أمر مؤكد.. وظهر الارتباط بالنعيم، ودعوته.
    الغرض المعلن من البيان، هو إصلاح حال السودان، وجاء هذا في قول البيان: "ولكن هذا لا يمنعنا من الإسهام مع بقية أبناء الوطن في إصلاح شأنه الراهن، بالقدر الذي تسمح به المعطيات والظروف، ويمكن للشعب أن يتجاوب معه، في هذه المرحلة الهامة، من مراحل تطوره"!؟ ما هو هذا القدر الذي يمكن أن يعيه شعبنا، ويقدر عليه!؟ حسب البيان، هو النظام العلماني الذي يقوم على فصل الدين عن الدولة.. يقول البيان: "أكبر ما أدى الى الوضع السيئ الذي تمر به بلادنا، الفهم الإسلامي، الإقصائي، المتخلف، والتعالي العنصري البغيض. وليس هنالك من سبيل يراعي ويحترم هذا التنوع، ويتجاوز هذين المأزقين، إلا إقامة نظام حكم ديمقراطي، يقوم، الآن، على أساس فصل الدين عن الدولة، واحترام حقوق الإنسان وحرياته الأساسية، بمرجعية إنسانية، تحكمها المواثيق الدولية. فلا بديل عن الديمقراطية، التي تصاحبها التوعية، حتى يظهر للناس كيف ان الديمقراطية ضد الدكتاتورية، وضد التعصب، وضد العنصرية، وضد الطائفية".
    اذن تشخيص البيان لمشكلة السودان الأساسية هو أنها: الفهم الإسلامي المتخلف، والتعالي العنصري البغيض.
    هذا عن تشخيص المشكلة، أما الحل، حسب البيان، فيكمن في تجاوز هذين المأزقين، وهذا يكون بـ "إقامة نظام حكم ديمقراطي، يقوم، الآن، على أساس فصل الدين عن الدولة، واحترام حقوق الإنسان وحرياته الأساسية، بمرجعية إنسانية، تحكمها المواثيق الدولية". يلاحظ، أن هذا هو طرح النعيم بالضبط!!.
    هذا التشخيص ضعيف جداً، ومتهافت جداً.. فمشكلة السودان الأساسية، كما هي مشكلة جميع دول العالم، هي مشكلة أخلاق في المكان الأول، ثم هي مشكلة جهل.. والجهل وأزمة الأخلاق مرتبطان.. فلولا جهل الشعب، وخيانة المثقفين، لما قام الحكم الإسلامي المتخلف، ولما استمر كل هذا الوقت.. وعلى كلٍ نحن لم نكن تحت حكم دائم، بواسطة الفهم الإسلامي المتخلف، وظلت مشكلتنا قائمة.. لقد ظل أثر الفهم الإسلامي المتخلف يظهر من خلال الطائفية، وبالتجربة الطويلة، أصبحت الطائفية، تكاد تكون في حكم الزوال.. كما أن تجربة حكم الإسلام المتخلف، أدت إلى تعليم الشعب، وتوعيته بفساد حكم الإسلام السياسي، ما لا يمكن أن تحققه ملايين الكتب.. فما يذكره البيان عن فساد النظام، وظلمه، وجوره، معروف الآن عند الشعب السوداني بصورة تقصر عنها معرفة أصحاب البيان، بأمد بعيد.. وذلك، لأن الأمر بالنسبة للشعب، ليس مجرد تنظير، وإنما هو تجربة عملية عاشوها في أنفسهم.. عاشوها في الفقر، غلاء الأسعار، والجوع، والإضطهاد، ومصادرة الحريات، والتقتيل.. فالشعب السوداني، لا يحتاج لمنظرين، لم يعيشوا تجربته ليحدثوه عنها.. هو قطعاً لا يحتاج لمترفين أمثال النعيم، ليحدوثه عن الفقر والجوع، الذي لم يجربوه، في حين هو جربه.. لا يحتاج لهم ليحدثوه عن بيوت الأشباح، والقتلى من الأهل، فقد جرب كل ذلك، في حين لم يجربوه هم.. يلاحظ أن أصحاب البيان كلهم عاشوا خارج السودان ـ في الغرب ـ لفترة طويلة، وليس منهم من هو بالسودان، الآن، سوى أسماء، التي عاشت سبعة عشر عاماً، من تجربة الإنقاذ، في الولايات المتحدة!!.
    هل مشكلة السودان، أو أي بلد في العالم، هي عدم فصل الدين عن الدولة!؟ لم يبين لنا البيان كيف أن هذه هي المشكلة، ولا كيف يؤدي الفصل إلى حل المشكلة!! أكثر من ذلك، لم يوضح البيان ما هو مفهوم فصل الدين عن الدولة، وإنما هي مجرد عبارات إنشائية، وضعت بصورة تقريرية، ليس فيها أي مستوى من الفكر.. وهذا هو أسلوب النعيم!!.
    إن فصل الدين عن الدولة، قضية مرتبطة بالتاريخ الأوروبي، والفكر السياسي الأوروبي، الذي يقوم أساساً، على العلمانية.. فالسبب الأساسي للقضية، هو هيمنة الكنيسة على السلطة الزمنية في القرون الوسطى، وما أدت اليه من استغلال الناس لمصلحة رجال الكنيسة، ومن إرهاب بشع، تمثل في محاكم التفتيش، وما قامت به من أعمال.. وقد كان المقابل ، هو الاتجاه في عصر النهضة وما بعده، إلى التخلص التام، من تدخل الكنيسة في قضايا السلطة الزمنية، وإبعادها عن الحكم.. ولما كانت الكنيسة عنيفة في تسلطها، فمن الطبيعي أن يجيء رد الفعل موازياً للفعل.. وما زاد من توكيد، ضرورة إبعاد الكنيسة عن السلطة الزمنية، الحروب الدينية الطاحنة، التي دخلت فيها أوروبا، بعد ظهور المذاهب الدينية المختلفة، وبصورة خاصة حرب الثلاثين عاماً.
    ولقد أورد المفكرون، والساسة الغربيون أسباباً عديدة، لضرورة فصل الكنيسة عن الدولة، نورد هنا الأساسي منها:
    يقول كوربت، تحت عنوان (الفصل بين الدولة والكنيسة)، مانصه: "يستند سحب التأييد والاعتراف بالكنيسة الرسمية الى مبدأين أساسيين: الأول، أن الدين هو أمر نابع من الضمير الشخصي، ولا يمكن فرضه بالإكراه، سواء من جانب الحكومة العلمانية أو من جانب أي جماعة دينية.. أما الثاني، فبالرغم من أن معتقدات الأشخاص الدينية قد تؤثر على سلوكهم السياسي، إلا أنه ليس هناك أي صلة رسمية قانونية بين الدين والسياسة.. بمعنى آخر، لا ينبغي أن يكون هناك تأييد غير مستحق من الدولة للكنيسة، كما لا ينبغي للكنيسة أن توثر على الدولة بشكل غير مستحق عن طريق الإكراه أو التأييد.. ففي مجال السياسة، لابد أن تتخذ القرارات على أساس الاعتبارات السياسية، والإنسانية، وليس على أساس تعاليم جماعة دينية معينة.. إن سحب التأييد أو الاعتراف بالكنيسة هو فصل قانوني بين مؤسسات الدين ومؤسسات الحكومة".
    لابد من ملاحظة النقاط الهامة التالية:
    1. إن الفصل المقصود، هو فصل بين مؤسسات: مؤسسات الدين (الكنيسة)، ومؤسسات الحكومة.. فالمعني بالفصل الكنيسة بالذات.. فحتى عندما لا يرد لفظ الكنيسة كمؤسسة ـ وهو في الغالب يرد ـ فهو المقصود، لأن الدين المسيحي في الغرب، قائم على الكنيسة كمؤسسة، ولأن التسلط الذي عانى منه الإنسان الغربي، السبب فيه، ليس المسيحية كدين، وإنما الكنيسة كمؤسسة وهي في تسلطها تخالف جوهر الدين الذي تتبناه، كما تخالف أهم وصايا المسيح.
    2. الفصل يستهدف منع إكراه الكنيسة الناس على الإنتماء لمذهب واحد بعينه، من خلال تبني الدولة لدين رسمي، كما كان يجري بالفعل.. ومنع الاختيار للمناصب الحكومية الرسمية على أسس الانتماء الديني كما كان يجري بالفعل.
    3. المسيحية، سواء أن كانت كما هي في الغرب ـ مسيحية بولس ـ أو كما هي في أصلها عند السيد المسيح، ليس فيها تشريع جماعي، يمكن أن تقوم عليه دولة، وإنما هي وصايا أخلاقية، يمكن أن يقوم عليها التزام ديني فردي، تكون فيه العلاقة بين العبد وربه وهذا هو معنى العبارة أعلاه (أن الدين هو أمر نابع من الضمير الشخصي، ولا يمكن فرضه بالإكراه..)
    والمسيحية في هذا الجانب تختلف بصورة جذرية، عن الإسلام ـ ففي الإسلام، الدين أمر فردي وجماعي في آنٍ معاً.. وفيه الشريعة الفردية تقوم على الضمير المغيب في علاقة الفرد بربه.. أما الشريعة الجماعية، فتفرض بسلطة القانون.. وهذا في مرحلة أمة المؤمنين، يشمل حتى الطقوس التعبدية!! فالطقس لابد أن يؤدَى ويُكرَه الفرد على أدائه، ولكن الإيمان في الضمير المغيب، متروك لله، وحتى المنافق لو أدى أركان الإسلام، فهو مسلم، وحتى لو علم النبي صلى الله عليه وسلم بنفاقه ـ وهو قد كان يعلم ـ فليس من حقه، أن يسأله، أو يحاسبه على ما في ضميره ـ فالشريعة ظاهر ـ ولا من حقه أن يقول له أنه غير مسلم وهذا هو معنى الحديث: "أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا ألا إله إلا الله ، وأن محمداً رسول الله، وأن يقيموا الصلاة....فإذا فعلوا عصموا مني دماءهم وأمرهم الى الله".. هذا الأمر ليس له مقابل في المسيحية.
    جذور فصل الدين عن الدولة، كما ذكرت، قديمة، ولكنها تبلورت لاحقاً.. بالنسبة للولايات المتحدة، كان روجر وليام، هو أول من أسس دولة علمانية، تفصل الدين عن الدولة، في مستوطنة رود آيلاند (فقد حصل روجر وليام على ميثاق ملكي يؤسس مستوطنة رود آيلاند، في عام 1644م التي كان لفترة بين عامي 1654-1656م رئيسها التنفيذي) أسس بداية دولة علمانية، بدون كنيسة رسمية، وبدون الإقرار بإيمان ديني محدد، وبدون ضرائب موجهة لتمويل الكهنة أو لتشجيع بناء المعابد الدينية.. وكان النظام الذي أسسه روجر وليام مفتوحاً لكل الطوائف، وكان أول شهادة أمريكية للدفاع المنظم عن نظام تسامح ذي وجهة عالمية.
    ولقد كان مؤسسو الجمهورية الأمريكية متأثرين بفلسفة التنوير، وبفكر الفيلسوف الإنجليزي جون لوك.
    وقد أقام لوك، فصلاً دقيقاً بين المجتمع السياسي والجماعة الدينية ومن أقواله: "أؤكد على أنه ينبغي التمييز قبل أي شيء آخر بين شئون المدينة، وشئون الدين، وأنه ينبغي تمييز الحدود الدقيقة بين الكنيسة والدولة".. وفي رأي لوك أن الكنيسة والدولة يتميزان عن بعضهما بطبيعتهما وبوظائفهما المختلفتين وهو ما يجعل الفصل بينهما ضرورياً..
    وكان دستور 1787م هو البداية العملية لمبدأ الفصل بين الكنيسة والدولة الذي كان في طريقه للتبلور عندما نشبت حرب الاستقلال.. ثم جاء ميثاق الحقوق وتعديلاته العشرة، والتي كانت أولاها عام 1791م، والميثاق يدعو إلى: (ألا يشرع الكونغرس أي قانون يتعلق بسيادة دين محدد في الدولة أو يمنع الممارسة الحرة له).. وفي تعديلات 1868م، أصبح دستورياً للسود المحررين حديثاً، حق المواطنة، وفي عام 1781م كان مجلس النواب قد أقر قانون جيفرسون المسمى (قانون ولاية فرجينيا للحرية الدينية) ، وهو أول قانون علماني، ينص على إلغاء أي تمويل رسمي للكنيسة، ويضمن لفرجينيا حرية دينية فعلية.. وحتى عام 1789م كانت لا تزال هناك ست ولايات محافظة على وجود كنيسة رسمية، وعلى سياسات دعم رسمي للدين، وكانت إحدى عشرة ولاية من أصل ثلاث عشرة لا تزال تشترط إعلاناً عن الإيمان الديني كشرط لتقلد الوظائف الأكثر أهمية.
    عندما انتخب توماس جيفرسون رئيساً لعام 1801م وفي رد على خطاب تهنئة وصله، جاءت عبارته: "الدين ينتمى لمجال الرأي الفردي ويخرج عن مجال صلاحيات القانون الفدرالي".
    ونحن إنما يعنينا، بصورة خاصة، التعديل الأول، والذي ينص على: "لا يسن الكونغرس أي قانون ينص على إضفاء صفة رسمية على دين ما، ولا يمنع حرية ممارسة دين". وكان هذا القانون ينطبق على الكونغرس (الفدرالي) فقط ولم ينطبق على الولايات، ولم يتم التعميم على كل الولايات، إلا بعد التعديل الرابع عشر.
    والتعديل، كما سبق أن عرضناه، ينص على أمرين، الأمر الأول: بند الكنيسة الرسمية، والأمر الثاني: بند حرية الممارسة الدينية.. والخلاف حول تفسير البندين لا يزال قائماً إلى اليوم، ولكن ما يهمنا هو المرجعية التي على أساسها يتم التفسير.
    وكذلك مفهوم حياد الدولة.. فهو مفهوم غربي مرتبط بالنظام الرأسمالي.. وهو في هذا المجال يعني ببساطة عدم تدخل الدولة في المجال الإقتصادي.
    قضية فصل الدين عن الدولة، قضية مرتبطة بملابسات التاريخ الغربي، والصراع بين الكنيسة كمؤسسة دينية لها سلطة زمنية، وبين الدولة.. فهو تعبير عن صراع بين مؤسسة ومؤسسة.. وهذا الأمر ظاهرة تاريخية، انتهت الآن تماماً، بانتهاء السلطة الزمنية للكنيسة.
    بالنسبة للإسلام، أساساً، وبصورة مبدئية، لا توجد مؤسسة دينية، يمكن أن تدعي أنها صاحبة سلطة زمنية.. هذا، والإسلام ليس كالمسيحية، يقوم فقط على شريعة العبادات، التي تنظم علاقة الفرد بربه.. وإنما إلى جانب هذه، هنالك التشريع الجماعي.
    فالظاهرة تتعلق بظروف تاريخية معينة، وقد انتهت هذه الظروف.. كما أنها بصورة مبدئية لا علاقة لها بالإسلام.
    وأهم من هذا كله، أين هو الدين الذي يراد فصله عن الدولة!؟ أساساً الدين، بمعنى الأديان الكتابية، غائب اليوم عن حياة الناس.. نحن لا نعيش في عهد بعثة، وإنما في عهد فترة، وقد نَصَلَ الدين عن حياة الناس، وهذا أمر معلوم.
    الدين الوحيد الذي له أثر على حياة الناس، هو دين العلمانية، أو الدين المدني، كما يسمى في أمريكا.. فكيف نفصل الدين عن الدولة، وهو أساساً غير موجود!؟ قد يتبادر إلى أذهان البعض، أن دولة الأخوان المسلمين أو جماعات الإسلام السياسي، تقوم على الدين، وهذا خطأ شنيع، يعطي للأخوان المسلمين فضيلة، ليست لهم.. حكم جماعة الأخوان المسلمين في السودان أو غيره، لا يقوم على الدين، وإنما يقوم على إستغلال الدين لأغراض السياسة.. هو حكمٌ علمانيٌ كله.. مرتبط بالحياة الدنيا، وبالعقل المجرد، وليس له نصيب من الدين.. هم لا يعيشون الدين، لا فكراً، ولا سلوكاً.. وقوانينهم كلها قوانين مدنية، وحتى عندما يضعوا قوانين يزعمون أنها من الإسلام، هي ليست كذلك.. فهم مثلاً، يقننون لما أسموه الزكاة.. وعملهم هذا، ليس له علاقة بالزكاة الشرعية، وإنما هي ضريبة اقتصادية، ضمن ضرائب أخرى، ليس لها علاقة بالزكاة الشرعية، إلا الاسم.. وكذلك عندما يسنون قوانين يسمونها الحدود، فهي قوانين تقع خارج إطارها الديني، وبعيدة كل البعد عن غايات الدين، وحكمته.. وهي لا تُسَنّ إلا لإرهاب الناس.
    فالتعبير الدقيق، والمنضبط هو استغلال الدين لأغراض السياسة، وليس فصل الدين عن الدولة.. وحتى استغلال الدين لأغراض السياسة، لا يمكن محاربته، محاربة فعّالة، إلا بالتوعية، بتوضيح مفارقته للدين، وتقديم الدين الصحيح.. فهو لا يمكن محاربته المحاربة الفعّالة، إلا من خلال الدين نفسه، وهذا ما تقوم به الفكرة، وهو ما انصرف عنه أصحاب البيان.
    الدول التي تطبق فصل الدين عن الدولة، حسب تصور أصحاب البيان، مثل الدول الغربية، هل قام هذا الفصل بحل مشاكلها!؟ من المؤكد لا!!.
    الفهم المتخلف للإسلام، ليس هو الخطر الأساسي، لا على السودان، ولا على بقية دول العالم.. هو خطر على الدول الإسلامية، التي تُحكم بالأخوان المسلمين، وجماعات الإسلام السياسي، ولكنه خطر أخذ فرصته الكافية في التجربة، خصوصاً في السودان، وهو الآن في مرحلة لفظ أنفاسه الأخيرة، دون حاجة لبيان أصحاب البيان.. أين كان أصحاب البيان، في فترة الربع قرن، الذي ظل فيها الفهم الإسلامي المتخلف يحكم!؟ ليأتوا الآن ويركبوا الموجة، ويحدثوننا عن الخلاص، حديثاً، لا قيمة له ولا وزن.
    ثم هل العنصرية في السودان، هي بالحجم الذي يصورها بها البيان!؟ وهل العلمانية وفصل الدين عن الدولة، هما العلاج لمشكلة العنصرية!؟.
    إن أي إنسان ينظر إلى التاريخ القريب، بأمانة وصدق، يعلم دون أدنى شك، أن العنصرية التي سادت في إطار العلمانية وفصل الدين عن الدولة، ليس لها أي نظير، في تاريخ الحضارة البشرية.. إن أسوأ صور العنصرية، هو ما قامت عليه السياسات القومية، تلك القومية التي طبقها موسيليني وهتلر، خصوصاً الأخير.. هي عنصرية، عند هتلر، اتجهت إلى إبادة أو استعباد جميع القوميات، والعناصر، سوى العنصر الآري، لا لأي سبب سوى أن عنصرهم منحط، بصورة تجعلهم عبئاً على الحضارة البشرية.. ولا يوجد شبيه للعنصرية التي قام عليها الاستعمار الغربي وتم فيها استعباد معظم دول العالم الثالث، لزمن طويل.. ولا يوجد شبيه في مجال العنصرية، لما يسمى بتجارة الرقيق عبر الأطلنطي، التي أشعلت الحروب الدامية في أفريقيا، وحوَّلت ملايين البشر، إلى الولايات المتحدة كرقيق.. وهنالك ظلوا مستغَلين كرقيق، لوقت طويل.. والأبرتهايد!! هل هي أمر مارسه السودانيون، أو قام في ظل نظام إسلامي فاسد!! رحم الله مانديلا، خاتم السياسيين العظام، فهو ممن يعيدون الثقة في الإنسان، لمن فقدوا هذه الثقة!!
    ولقد فلسف الغرب للعنصرية، بصورة ليس لها شبيه في تاريخ الحضارة البشرية.. وأوضح ما يكون هذا في "الداروينية الاجتماعية".. واليوجينيا.
    وحتى الآن العنصرية قائمة في الغرب، وتطالعنا الأخبار بصورة تكاد تكون يومية بأخبار الصيحات العنصرية ضد لاعبي كرة القدم السود.
    كل هذا، جرى، ويجري، في ظل العلمانية والنظام الديمقراطي الغربي.. وفصل الدين عن الدولة.. وإذا، بعد كل هذا، حدثنا أصحاب البيان عن معالجة الديمقراطية وفصل الدين عن الدولة، لمشكلة العنصرية، فإما أنهم يجهلون أو يعتبروننا جهلة.. والمجالات المذكورة، من ممارسات العنصرية في الغرب، تحتاج تفاصيلها إلى كتب عديدة.
    والحديث عن حقوق الإنسان، الذي تبناه أصحاب البيان وجعلوه مرجعية، أخذاً بفلسفة أستاذهم النعيم، هو أكثر تهافتاً، من الحديث عن العنصرية.. فالذين يتحدثون عن حقوق الإنسان هم أكثر الناس إهداراً لحقوق الإنسان، وذلك لأنهم يفتقرون إلى القيم الإنسانية، بصورة أساسية.. فهم صنّاع أسلحة الدمار الشامل، ومستخدموها، والمتاجرون بها، على أسس رأسمالية، لا يتوانون عن إشعال الحروب المهلكة والمدمرة، لمجرد تنشيط سوق السلاح.. ويكفي أن نشير إلى حرب فيتنام، وحربي العراق الأخيرتين.. حقوق الإنسان، عند الغرب، هي حقوق الإنسان الغربي، وليست حقوق الإنسان من حيث هو.. وحقوق الإنسان، والنظام الرأسمالي الحديث، يتناقضان، ولا توجد أي إمكانية ليلتقيا.
    وديمقراطية الغرب، التي يتحدث عنها البيان، ليست ديمقراطية حقيقية، وإنما هي ديمقراطية شكلية، ومن المستحيل قيام نظام ديمقراطي حقيقي، في ظل الرأسمالية ـ راجع كتاب الإسلام ديمقراطي إشتراكي.. والرأسمالية كرست الظلم، والتفاوت الطبقي في العالم كله.. وعلى كلٍ، هي فلسفة، ونظام إقتصادي، ليس فيه للإنسان كرامة، ولا أمن، فقد خلقت نظاماً مشكلاته الطاحنة، تتفاقم كل يوم، الأمر الذي يستوجب البديل له، الآن وليس غداً.
    الفصل والوصل:
    العلمانية، بطبيعتها المادية، تقوم على الفصل.. والفصل بين كل الأشياء، والفصل بين البشر.. والنعيم، في منظوره النسبوي، ينكر المجتمع نفسه، ويفصل بين الأفراد، وكأن كل واحد منهم جزيرة قائمة بذاتها.. وفي الإسلام، الوصل، هو الذي تقوم عليه طبيعة الوجود، وما ينبغي أن تقوم عليه علائق البشر.. وهذا ما يعمل الإسلام على تحقيقه.. فجوهر الإسلام يقوم على الصلة.. ومنهاجه، موظفٌ لتحقيق هذه الصلة.. فالدين كله يقوم على الصلة بالله، ورد الأشياء إليه تعالى.. فالدعوة لفصل الدين عن الدولة، هي دعوة لفصل ما أمر الله به أن يوصل، وفي كل مجالات الحياة العامة!!.
    وفصل الدين عن الدولة، بمعايير الدين، يعني إبعاد معايير الدين وقيمه، من المجالات التي يتم فيها الفصل.. يعني قطع الصلة بالله في هذه المجالات، وعن قصد.. وهذا في الإسلام، حسب الفكرة، أمر بعيد، كل البعد.. فالإسلام يستوجب أن يكون كل شئ لله، وبالله "قل، إن صلاتي، ونسكي، ومحياي، ومماتي، لله رب العالمين، لا شريك له، وبذلك أمرت، وأنا أول المسلمين".. فكل عمل لا يراد به وجه الله هو باطل.. والحرام، في الإسلام، في الحقيقة هو ما يؤخذ من غير يد الله، والحلال هو ما يؤخذ من يده تعالى، وهذا يجعل الحرمة هي عدم الوصل بالله، بسبب رؤية الأغيار ـ نحن لنا عودة إلى موضوع الفصل والوصل، نتناوله فيها بصورة أصولية.
    وصاحبكم، الذي تتبعونه ـ النعيم ـ يعرف ما يريد، في هذا الأمر، أو يعرف ما يراد له أن يريد ـ فهو يدعو إلى الفصل ـ حتى في مجال الحلال والحرام!! هو يبعد الله تعالى من أن يكون مصدر التحليل والتحريم، ويدعو غيره لفعل ذلك.. أسمعه يقول: "لذلك فإن نقطتي هي أن أي مسألة تتعلق بسياسة الدولة، سواء كانت تشريعا أو سياسة، يجب أن تتم عبر المنطق المدني، وليس من أي منظور ديني أو مرجعية دينية. مثلا، موضوع الحدود، وأنا أعارض أيضا فرض الحدود من قبل الدولة، فسواء كان الموضوع يتعلق بالحدود أو العلاقات الجنسية، أو أي موضوع آخر، يجب علينا أن نناقش الموضوع ونضع أسباب تكون قابلة للنقاش أو القبول دون أي مرجعية للدين أو العقيدة الدينية". (الحلقة الثانية من توثيق أقوال)
    يقول الأستاذ محمود: "في الحق، أن الدين، سواء كان مسيحية أو إسلاماً، إن لم يستوعب كل نشاط المجتمع، ونشاط الأفراد، ويتولى تنظيم كل طاقات الحياة الفردية والجماعية، على رشد، وعلى هدى، فأنه ينصل من حياة الناس، ويقل أثره، ويخلي مكانه لأي فلسفة أخرى، مهما كان مداها من الضلال، ما دامت هذه الفلسفة قادرة على تقديم الحلول العملية لمشاكل الناس اليومية، أو حتى ما دامت قادرة على تضليل الناس، إلى حين، بإسم خدمة مصالحهم المعيشية..".. فأنتم ، بدعوتكم لفصل الدين عن الدولة، تدعون إلى أن ينصل الدين عن حياة الناس جميعها، ولمصلحة العلمانية، التي تضلل الناس، وأنتم تساعدونها في هذا التضليل.. بل إنكم لتدعون لأكثر صور العلمانية ضلالاً ـ علمانية النعيم ـ .
    والنعيم يزعم أنه لا توجد دولة دينية، ولا يمكن أن توجد، لا في الحاضر ولا في المستقبل.. ودولة المدينة عنده سياسة وليست دين.. فوفق هذا التصور، الحديث عن فصل الدين عن الدولة، حديث لا معنى له، طالما أنهما لا يمكن أن يجتمعا.
    فالنعيم يزعم أن الفكرة الجمهورية، لا تدعو إلى دولة ولا إلى تشريع جماعي.. وعنده الشريعة، أساساً وضعها الفقهاء.. بل الدين كله، علماني وصناعة بشرية، مثله في ذلك، مثل الثقافة.
    النعيم له مصلحته ـ حسب وهمه ـ في كل ذلك، فما هو دافعكم أنتم، في تبني هذا الضلال، ودعوة شعبكم لتضليله به!؟ إن الأمر كله، يدعو للحيرة.. ولا يمكن أن يقال فيه إلا: أقام العباد فيما أراد!!.
    خالد الحاج عبدالمحمود
    رفاعة في 24ـ12ـ2013م























                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>

تعليقات قراء سودانيزاونلاين دوت كم على هذا الموضوع:
at FaceBook




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de