|
جنوب السودان: حصاد المصير..آمال في مهب الريح/حامد جربو
|
جنوب السودان: حصاد المصير..آمال في مهب الريح
جمهورية جنوب السودان الدولة الوليدة, التي لم تكمل عامها الثالث, لا يبدو البلد آمناً , إرهاصات الصراع تبدو في الأفق , رفقاء السلاح بدءوا في تململ ,على ما يبدو لي, لم تنعم هذه المولودة بطفولة هانئة ,إذا سارت الأمور في هذا المنحى أكثر من مما هي عليها الآن , على الرئيس سلفا كير وأعوانه في الحركة الشعبية أن يتصرفوا بحكمة , وبمنتهى المسئولية وبسرعة تلقاء ما يجري في البلد , وإلا ,سوف يقضي صراع الأطراف على الأخضر واليابس , ويضع مستقبل البلاد في كف عفريت , وتذهب آمالهم سدىً.
كنا قد كتبنا في هذا المضمار قبل الانفصال , عن رؤى وتداعيات ما بعد الانفصال ,وقلنا يومذاك ,أن مستقبل الدولتين المفصلتين ليس بأفضل حالاً من وحدتهما , السطور التالية توضح ما ذهبنا إليه آنذاك :
الواقع يفرض وضعاَ جديداَ يجب
على الشعوب والأمم أن تشكل تكتلات وفضاءات بشرية , تحمي بها مصالح
واستراتيجيات هذه الشعوب , في ظل سباق التكتلات والكل يريد
الهيمنة على كوكبنا , وهذا يتطلب التكيف والتوليف مصالح الشعوب والأمم
مع بعضها في بوتقة واحدة بمعطيات عصرية منصفة , تجنب أصحابها
التنافر والتناحر , ويضمن لها الاستمرارية. إن إصرار المحافظة
على الكيانات الثقافية والاثنية والعرقية والدينية الصغيرة في دويلات الفتات , بمنأى
عن هذه التجمعات والتكتلات الإستراتيجية قد يعرض مصالح ومستقبل هذه الكيانات في
خطر, لا سيما إذا كانت في منطقة حيوية وجاذبة مثل شرق الأوسط.
مع اعتبار ما ذكرنا في الفقرة السابقة, نلقي نظرة على الوضع في السودان
الذي يتأرجح بين مجاذب الوحدة ومآرب الانفصال ومطامع الخارج , هناك
أسئلة كثيرة تطرح في هذا المجال, والإجابة عليها تتطلب قراءة صحيحة
ونظرة فاحصة للمنظومة السودانية في إطارها الإقليمي ومرجعيتها التاريخية
وبنيتها الثقافية والقومية وإستراتيجيتها المستقبلية, ومن ضمن الأسئلة:
أين تكمن مصلحة الأمة السودانية, في الوحدة أم في الانفصال ؟ (نعني بالانفصال
هنا, انفصال الجنوب أو أي إقليم يتوقع منه ذلك افتراضا ), هل الوحدة تضمن لها
التقدم والازدهار ؟ ما رأي الأغلبية السودانية في مسألة تقرير المصير.. ؟ وهل الانفصال يعني التشرذم والفرقة والانحطاط..؟
أسئلة لا أحد يستطيع الإجابة عليها جازمة في الوقت الراهن, أو من السابق لأوانه الإجابة عليها إجابة قاطعة, نسبة لضبابية بانو راما (panorama ) السودانية
, ولكننا نحاول نلتمس الأجوبة بقدر إمكان من هنا وهناك
ومن مقارنات الأوضاع المتماثلة عسى ولعل نتوفق في ذلك ,
فلنتفق أولاَ ,أن العبرة في الكيف وليس الكم , بمعنى أن القلة يمكن أن تبدع
وهذا لا يعني أن الكثرة فاشلة والعكس, هناك شعوب وقوميات استحالت
أو فشلت العيش سوية فاختارت تقرير المصير وانفصلت عن وطن الأم
, وكونت كيانها الخاص , ولكنها لم تكن أفضل حالا
من ذي قبل, أو لم تحقق آمالاَ كانت تصبو إليها, فلنضرب مثلاَ: دول مثل
بنغلاديش , رواندا , إريتريا , اليمن الجنوبية سابقاَ , انفصلت عن وطن الأم
أو عن الوطن التي كانت تنتمي إليها , وبعد نصف قرن بنغلاديش أفقر دولة
في العالم , ورواندا التي فصلت نفسها من اتحاد مع بوروندي كلاهما من
أسوأ وأفزع وأفقر بلاد العالم - تذكرون كارثة هوتو وتوتسي ! التي
راحت ضحيتها قرابة مليون شخص , هي الأفظع في القرن الماضي بعد
(هلوكست ), أما إريتريا التي ناضلت ربع قرن من أجل هويتها , الآن لا
تختلف عن إثيوبيا في شئ , ولا نضالها تناسب ما كسبتها , بل تقدمت
عليها إثيوبيا بالديمقراطية والحرية , واليمن الجنوبي رجعت إلي أمها
وقرت عينها 0 هناك أمثلة كثيرة, اخترنا هذه الدول نسبة لتماثل ظروف
هذه الدول قبل الانفصال بوضع السودان الآن . هذه الأمثلة توضح
جلياَ أن الشعوب التي فشلت أن تتعايش وتتقدم وتزدهر معاَ, لا تستطيع
أن تفعل ذلك ولو انقسمت وتشرذمت, أو انفصلت عن بعضها كما تري, وليس حال السودان
بخارج عن هذا سياق ولو تباين الحال وتفاوت الزمان واختلف المكان نسبياَ.
إن, دعاة الانفصال إن كانوا جنوبيين أو شماليين ليس بإمكانهم أن يقدموا
أفضل بتغير دولة أو تقرير المصير, أو تغيير المكان ما لم يغيروا ما بأنفسهم, (إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم ) إذا كنت تفعل دائماً ما تفعله كل يوم تحصل على نفس النتيجة التي حصلت علية أول مرة , دوران في حلقة مفرغة ..!
, النخب التي أدمت الفشل في منظومة السودانية سوف تواصل هوايتها في
الدولتين ولو انقسمت بشرعية جديدة , تنتقل جينات الفشل إلى الدولة الجديدة , ما لم يحصل , فهم جديد . فلذا يجب الثورة على كل قديم فاشل
وخلق جيل جديد بأسس ومبادئ المساواة والإخاء , قادر على بناء علاقات
اجتماعية وثقافية متعايشة , أدراك وفهم الاعتقاد والتدين بصورة مستنيرة
بعيداَ عن التعصب والمزايدة والمتاجرة بالمقدسات , كبح جماح المغامرين
ومآرب الانفصاليين, ويعمل الكل في فضاء السودان الموحد من أجل مستقبل
أفضل لأجيالنا .
حامد جربو / السعودية
اسم العمود : من أقصا المدينة
|
|
|
|
|
|