|
ورقة: مشروع ميثاق أهل القبلة بقلم: الإمام الصادق المهدي
|
بسم الله الرحمن الرحيم المنتدى العالمي للوسطية – فرع تونس 17/12/2013م- مدينة الباجة ندوة بعنوان: (الوسطية في مواجهة الغلو والتطرف) ورقة: مشروع ميثاق أهل القبلة بقلم: الإمام الصادق المهدي المقدمة:
العالم كله شهد منذ الخمس الأخير من القرن العشرين الميلادي صحوة دينية قال عنها أحد المفكرين الغربيين، جورج ويقل George Weigel: إن "انحسار العلمانية في العالم هو الظاهرة الاجتماعية في عالم أواخر القرن العشرين". والسبب الأظهر هو أن ثقافة العولمة شكلت تهديداً للقيم الروحية والأخلاقية. ولكن الصحوة الإسلامية كانت لها أسبابٌ إضافية أهمها: - أن حضارتنا تعرضت لغزو فكري وثقافي هدد أهلها في هويتهم وإرادتهم، ولم تستطع الأجندات الوطنية ولا القومية التصدي له. - صارت المنطقة أكثر من غيرها معرضة لأجندات الهيمنة الدولية بسبب ما فيها من بترول ولموقعها الجغرافي المفصلي المهم لمطالب الحرب الباردة التي عمت العالم منذ نهاية الحرب الأطلسية الثانية (1939م- 1945م). - تعرضت المنطقة شرق الأوسطية لاحتلال استيطاني أقام دولة ذات غطاء ديني، وباسم طائفة من الأسباب اغتصبت حقوق الشعب الفلسطيني. - اعتقاد المسلمين الراسخ الشائع أن الإسلام هو آخر الرسالات الإلهية، وأنه مهما تقلبت الظروف بالمسلمين سوف يبعث لهداية الإنسانية. الحضارة الغربية الراكدة في عصورها الوسطى تعرضت لتيار استنارة منبعث من الحضارة الإسلامية، فاندفعت بموجب أربع ثورات لبناء الحضارة الحديثة: ثورة ثقافية أعلت من شأن العقلانية، وثورة سياسية حررت الشعوب من الوصاية، وثورة تكنلوجية أطلقتها حرية البحث العلمي، وثورة اقتصادية سخرت قوى الطبيعة للإنسان. هذا بينما أدى قفل باب الاجتهاد في العالم الإسلامي إلى ركود فكري، وقفل باب الاجتهاد السياسي الذي فرضه الاستبداد أدى للركود السياسي، فأدى ذلك لضعف جعل المنطقة كلها عرضة للاحتلال فاحتلت قطراً قطراً. الحضارة الغربية لم تنس أنها كانت في وضع اليد السفلى بالنسبة للحضارة الإسلامية حتى أن أحد أهم المستشرقين، الأستاذ مونتجمري واط، قال إن "الحضارة الغربية أغفلت الاعتراف بدور الحضارة الإسلامية في إيقاظها خوفا على هويتها الحضارية". وقال "بعد أن زال ذلك الخطر بما حل بالحضارة الإسلامية من أفول ينبغي الجهر بذلك الاعتراف". الحضارة الغربية بعد هيمنتها على المعمورة في القرن التاسع عشر، وبعد هزيمة التحدي النازي ثم الشيوعي في القرن العشرين أوحى تفوقها لبعض المفكرين الحديث عن صراع الحضارات وعلى لسان برنارد لويس، ثم صموئيل هنتنجتون أشاروا إلى أن الحضارة الإسلامية لأسباب ذكروها هي الأكثر استعداداً للتصدي للهيمنة الغربية. آخرون رأوا أن الحضارة الحديثة صنيعة الحضارة الغربية حتما تقرر مصير الإنسان. هنالك مفكرون غربيون أكثر إحاطة بتاريخ الإنسانية أمثال ارنولد توينبي شجبوا النظرة الأحادية وطالبوا الغربيين بالتخلص منها والاعتراف بتعددية طرائق الإنسان الحضارية في الماضي وفي المستقبل. مفكرون آخرون دقوا طبول الخوف من انبعاث مارد إسلامي ونشروا كتب تحذر مثل الكاتبة بات يائور وكتابها "يورابيا"[1]، والكاتب باتريك بوكانان وكتابه "موت الغرب"[2]، وتوني بلانكي وكتابه "فرصة الغرب الأخيرة"[3]، وبروس باور وكتابه "بينما الغرب نائم"[4]، ومايكل أورن وكتابه "القوة والإيمان والخيال"[5]، وغيرهم. وصار المتحدثون باسم الفاتيكان يقولون: لأول مرة في التاريخ لم نعد نحن ديانة الأغلبية البشرية بل الإسلام. هذا الخوف جعل بابا الفاتيكان يترك اللغة الدبلوماسية التي يتحدث بها عن الأديان الأخرى ويوجه في عام 2006م هجوماً مركزاً على الإسلام بأنه دين عنف ولا عقلانية. منذ حرب فرنسا في فيتنام ثم أمريكا برزت محدودية القوة العسكرية في خوض الحروب غير المتكافئة. وفي مرحلة لاحقة استعانت الولايات المتحدة بالفدائية الإسلامية في محاربة السوفيت في أفغانستان فخبروا مدى فاعلية تلك الفدائية لا سيما بعدما تحولت ضدهم في مرحلة لاحقة. تعددت الأسباب التي حولت كثيرين في الغرب من الاستهانة بالإسلام بأنه حضارة محتضرة إلى خوف من الإسلام بلغ درجة الإسلاموفوبيا. كثيرون صاروا يعترفون أن الإسلام يتمدد رغم ضعف المسلمين، ويلاحظون أن الإسلام عالمياً هو القوة الثقافية الأكبر، وأنه في البلدان الإسلامية حائز على الرأسمال الاجتماعي الأكبر. وصار المفكرون الإستراتيجيون يرون أن أفضل سبيل لدرء هذا الخطر هو خطة: فرق تسد. لماذا نحتاج للميثاق؟
فيما يلي أقدم بياناً ببعض مفردات خطة (فرق تسد) المذكورة، وعوامل الاختلاف التي قد تستثمر لإنجاحها، والتي تستوجب من الأمة هندسة معينة للتعامل معها بحيث لا تكون منافذ للتفتيت. وفي القسم الثاني من حديثي أدلف إلى مشروع الميثاق الجامع لأهل القبلة المنوط به تنظيم اختلافاتهم الحتمية بما ينقض غزل أعداء الأمة ويبطل مفعول خططهم لتدميرها من الداخل. ملامح لخطة فرق تسد
الإسرائيليون وقد تصوروا أنهم هم طليعة الحضارة الغربية في الشرق الأوسط صاروا لا سيما بعد نهاية الحرب الباردة (1989م) يدقون طبول الذعر من زحف الإسلام. قال الكاتب الإسرائيلي حاييم بارام إنه منذ انهيار الاتحاد السوفييتي حاول زعماء إسرائيل حشد الولايات المتحدة وأوربا في المعركة ضد الأصولية الإسلامية وصوروها على أنها أكبر عدو للحياة. يؤكد ذلك قول الرئيس الإسرائيلي الأسبق هيرتزوج أمام البرلمان البولندي عام 1992: إن وباء الأصولية الإسلامية ينتشر بسرعة ولا يمثل خطراً على الشعب اليهودي فحسب، بل وعلى البشرية جمعاء[6]. وبعد اندلاع الحرب العراقية الإيرانية في 1980م قال الرئيس الأمريكي الأسبق ريتشارد نيكسون في كتابه "نصر بلا حرب"[7] "إذا كان للمرء أن يتمنى فإنه يتمنى وقوع هذه الحرب ويتمنى ألا ينتصر أحد طرفيها". المقصود هو دورها في الاستقطاب الحاد بين المسلمين سنة وشيعة. وقال أوربيون –مثلاً- باري بوزان: إن الحرب المجتمعية الباردة ضد الإسلام تدعم الهوية الأوربية في وقت يحتاج فيه الأوربيون لعوامل الوحدة. ولا يخفي الإسرائيليون أن خطة الدفاع الإستراتيجي بعيدة المدى عن وجودهم المرفوض في المنطقة هو تفكيك الدول المحيطة بهم. قال آفي ديختر Avi Dichter وزير الأمن الإسرائيلي السابق في عام 2008م: إن خريطة الشرق الأوسط الحالية غير واقعية لأنها تتجاوز هويات الشعوب ما يوجب تفكيك دول المنطقة على أسس مذهبية وثقافية وإثنية. الخطة الأكثر جدوى في درء الخطر الإسلامي هي في نظر كثيرين تفكيك دول المنطقة على أساس طائفي بين المسلمين والآخرين، ومذهبي بين السنة والشيعة، وإثني بين العروبة والآخرين، ما سوف يدفع المنطقة كلها لاستقطابات حادة وحروب "تبلقنها". من حكم الطغاة للتمزّق
العالم الإسلامي لا سيما العربي خضع لحكم طغاة احتلوا السلطة عبر انقلابات رفعت شعارات رنانة ولكنها في النهاية أقامت ديكتاتورية حققت لبلدانها استقراراً سطحياً منع الاجتهاد الفكري، والسياسي، ووضع المجموعات الوطنية المختلفة تحت السيطرة الأمنية. لذلك عندما تحررت الشعوب عن طريق الثورات الشعبية وأطاحت بالطغاة اندفعت المجموعات الشعبية تعبر عن تطلعاتها ومصالحها بصورة فكرية، وطائفية، ومذهبية، وإثنية حادة. وزاد الأمر سوءاً أن الثورات كانت تلقائية، فلم يملأ صناعها فراغ السلطة بقيادة وبرنامج بديل. إن التمزق الفكري، والطائفي، والمذهبي، والإثني الجاري حالياً في العالم الإسلامي مندفع بعوامل ذاتية، ولكنه يجد دعماً خارجياً لأنه يساعد على السيطرة على المنطقة. هذه الحالة مدمرة لمصير الأمة ونتيجتها المحتملة هي بلقنة دولها. فما العمل؟ مشروعية الاختلاف ومحاذيره
جاء إسحاق بن بهلول إلى الإمام أحمد بن حنبل بكتاب سماه: «كتاب الاختلاف». فقال له أحمد: بل سمِّه: «كتاب السَّعَة»! إن خلاف المذاهب الفقهية حقيقة صحية، ونتيجة حتمية لحرية الاجتهاد والمهم أن يتفق على الاعتراف المتبادل بين المذاهب ونفي التعصب والتعامل مع البعض بالتي هي أحسن. ولكن هناك خمسة عوامل تتطلب هندسة فكرية لكيلا تؤدي للتعصب، والاستقطاب، ثم الصدام، هي: - الخلاف بين أهل السنة والشيعة. - الاختلاف بين التوجه الإسلامي والعلماني. - اختلاف القوميات. - الاصطفاف الاجتماعي بين الثراء والفقر. - التعامل مع المحيط الدولي. المطلوب بإلحاح هو الاعتراف بهذه العوامل وبأنها موجودة في الواقع وليست مفتعلة، وأن الأعداء سوف يستغلونها ولكنها ليست من صنعهم، وأن السبيل الوحيد للتعامل معها هو القوة الناعمة، وأن أية محاولة لحسمها عن طريق القوة تأتي بنتائج عكسية. إن في دفاتر الوحي الإسلامي متسعا لحلها إذا صدقت النوايا ونهضت العزيمة، ولتحقيق هندسة مجدية يستطيع أهل القبلة أن يدرسوا ويصدروا ميثاق أهل القبلة، وفحواه: مشروع ميثاق أهل القبلة: أولاً: القطعيات الملزمة ووظيفة الإحياء
نحن أمة رسولها هو خاتم الرسل وكتابها القرآن، ونلتزم بالقطعي وروداً والقطعي دلالة وهو التوحيد، والنبوة، والمعاد، والأركان الخمسة. ما عدا هذه العقائد اختلافات مذهبية تلزم أصحابها ولا تلزم غيرهم. ومع ذلك، إن للإمام علي رضي الله عنه مكانة خاصة أكدتها السنة، قال النبي محمد صلى الله عليه وسلم في غدير خم: "مَنْ كُنْتُ مَوْلَاهُ فَعَلِيٌّ مَوْلَاهُ، اللَّهُمَّ وَالِ مَنْ وَالاهُ، وَعَادِ مَنْ عَادَاهُ"[8]. وعندما ولاه على المدينة أثناء غيابه قال معزياً علياً رضي الله عنه: "أَمَا تَرْضَى أَنْ تَكُونَ مِنِّي بِمَنْزِلَةِ هَارُونَ ، مِنْ مُوسَى[9]"؟ هذه الأحاديث يعتبرها الشيعة استخلافاً لعلي رضي الله عنه، ولدى أهل السنة هي تزكية له لا استخلاف. وهنالك نصوص أخرى في تزكية كثير من الصحابة لا سيما أبا بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم، مثلاً، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (لَوْ كُنْتُ مُتَّخِذًا خَلِيلًا لَاتَّخَذْتُ أَبَا بَكْرٍ خَلِيلًا)[10]، وحينما مرض (أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبَا بَكْرٍ أَنْ يُصَلِّيَ بِالنَّاسِ فِي مَرَضِهِ)[11] ورتب البعض على ذلك أحقية في الاستخلاف بمنطق: رضينا لدنيانا من رضي به النبي صلى الله عليه وسلم لديننا. وقال صلى الله عليه وسلم (لَا يُبْغِضُ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ مُؤْمِنٌ ، وَلَا يُحِبُّهُمَا مُنَافِقٌ[12]) وقوله (عُمَرُ مِنِّي، وَأَنَا مِنْ عُمَر، وَأَحِلُّ حَيْثُ يَحِلُّ عُمَرُ) وقال صلى الله عليه وسلم لامرأة عثمان (أَكْرِمِيهِ؛ فَإِنَّهُ مِنْ أَشْبَهِ أَصْحَابِي بِي خُلُقًا[13]) وهكذا. الاختلاف بين الصحابة حول تفسير هذه التزكيات حقيقة تاريخية لا سبيل لحسمها، ومع ذلك فإن توقير صحابة النبي محمد صلى الله عليه وسلم واجب على كل مسلم، كما أن محبة آل بيت النبي واجبة والدعاء لهم ملزم للمسلمين في تحيات الصلاة. المهم ألا يترتب على الاختلاف في هذه المسائل سب متبادل ولا تكفير متبادل. وهنالك اختلاف آخر حول تعاقب أئمة الشيعة وحول المهدية، وهذه اختلافات لا سبيل لحسمها بل الواجب أن يتفق الجميع على أن إحياء الدين وظيفة تدل عليها آيات كثيرة: (وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ)[14] وقوله تعالى (فَإِنْ يَكْفُرْ بِهَا هَand#1648;ؤُلَاءِ فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْمًا لَيْسُوا بِهَا بِكَافِرِينَ[15]) وقوله: (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ[16]). هذه الوظيفة مطلوبة وواجبة مهما اختلف الناس حول المهدية. والمهم ألا يترتب على هذه الخلافات المذهبية تكفير ويفوض أمرها لله: (وَلَيُبَيِّنَنَّ لَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ[17]). ثانياً: تبادل الاعتراف وأدب الاختلاف:
وجوب الاعتراف المتبادل بالمذاهب المعتمدة لدى جماعات المسلمين: الحنفي، والمالكي، والشافعي، والحنبلي، والجعفري، والزيدي، والإباضي، ومنع التعصب والتكفير المتبادل في كافة المسائل الاجتهادية والالتزام بأدب الاختلاف بالحكمة والموعظة الحسنة والتي هي أحسن. ثالثاً: الخلافة والإمامة:
أهل السنة يتطلعون للخلافة ويضعون لها شروطها ومن بينها النسب القرشي. والشيعة يتطلعون للإمامة ويحصرونها في سلالة الحسين رضي الله عنه. والاعتقاد بولاية الفقيه في حالة الغيبة. هذه قضايا خلافية وعقائدها ملزمة لأصحابها ولا تلزم غيرهم لعدم وجود دلائل قطعية الورود وقطعية الدلالة فيها. وعلى أية حال فالمسلمون اليوم يعيشون في ظل دول وطنية ويضعون لها دساتيرها ويتعاملون مع بعضهم الآخر بموجب نظام الدولة الوطنية وهو نظام يسمح بالالتزام بمباديء الإسلام السياسية، وبالتعاقد بين الدول الإسلامية للتعبير عن قيم ومصالح مشتركة. هذا هو الواقع ولكل أن يعتقد ما يشاء في أمر الخلافة والإمامة، ما دام الجميع يدرك عدم وجود إجماع حول هذه المسائل ويلتزم بالدعوة لرأيه بالتي هي أحسن دون إكراه. ويتفق على أن الدعوة للمواقف المذهبية تكون دائماً بالتي هي أحسن وتتجنب أنشطة التجنيد المثيرة للجدل. رابعاً: قضايا دولية مهمة:
ينبغي أن يشمل ميثاق أهل القبلة اتفاقاً حول القضايا المهمة وهي: - الموقف الداعم لأهل فلسطين لاسترداد حقهم السليب. - اتفاق اقتصادي للمعاملة التفضيلية فيما بين المسلمين. - اتفاق أمني يمنع العدوان ويلتزم بحسن الجوار وبفض النزاعات عبر الآليات القضائية. - الدعوة لامتلاك المسلمين كافة المعارف التكنلوجية بما في ذلك النووية لأغراض مدنية. - الالتزام بتحريم أسلحة الدمار الشامل باعتبارها لا أخلاقية إذ تبيد مدنيين أبرياء. - التعامل مع الملل الأخرى على أساس التعايش السلمي و(لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ)[18]. - التعامل مع كافة الدول على أساس(لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ)[19]. وعلى أساس العدالة وتبادل المصالح وبلا عداء ولا تبعية. خامساً: فك الاشتباك الديني العلماني:
النزاع الحاد الإسلامي العلماني كما تجري أحداثه الآن في كثير من البلدان خاصة مصر وتونس، يهدد الوحدة الوطنية داخل البلدان وينذر باستقطاب أممي حاد. الإسلام في حقيقة أمره يعتبر الوجود الطبيعي كتاب الله المنظور بل يستشهد به على وجود الخالق: (وَفِي الْأَرْضِ آَيَاتٌ لِلْمُوقِنِينَ)[20]. وقوانين الطبيعة هي سنن راتبة وهي من تجليات الحق الذي نصت عليه الآية (وَمَا خَلَقْنَا السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلاَّ بِالْحَقِّ)[21]. لذلك فإن عالم الشهادة منضبط بسنن راتبة: (رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى)[22] تعبير قرآني فسره ابن خلدون في المقدمة بقوله: كل ظاهرة في الوجود سواء كانت طبيعية أو اجتماعية خاضعة لقوانين. وهي قوانين متاح للإنسان أن يكتشفها ويطور بها معارفه. والإنسان مؤهل بحواسه وعقله لمعرفة عالم الشهادة. عندما سئل النبي محمد صلى الله عليه وسلم: (يَا رَسُولَ اللَّهِ ، أَرَأَيْتَ دَوَاءً نَتَدَاوَى بِهِ ، وَرُقًى نَسْتَرْقِي بِهَا ، وَتُقًى نَتَّقِيهَا ، هَلْ يَرُدُّ ذَلِكَ مِنْ قَدَرِ اللَّهِ شَيْئًا ؟ قَالَ : فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " ذَلِكَ مِنْ قَدَرِ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى[23]). الحداثة في مجال استخدام العقل والعلم التجريبي والتكنلوجيا نهج مشروع بل واجب إيماني وإنساني. ولكن كما قال عمانويل كانط إهم فلاسفة الغرب: في الوجود أمور تدركها الحواس حللها في كتابه عن القطعيات اللازمة. ولكن كما قال في الوجود أمور غائبة عن الحواس وعن مدركات العقل فصلها في كتابه: اللوازم العملية. هذه مجالها الغيبيات والقيم الأخلاقية. هذه الأمور مع ذلك جزء من تكوين الإنسان إلى جانب حواسه. الإنسان بموجب وجوده البيولوجي والحسي جزء من الطبيعة ولكن بموجب جوانبه الروحية والأخلاقية الإنسان مفارق للطبيعة. عدم الاعتراف بهذه الحقيقة معناه إخضاع الإنسان بالكامل لقوانين الطبيعة. الفكر العلماني الذي ينادي بعالم مجرد من هذه المعاني إنما يقيم عالماً منفصلاً عن الإنسان. في الإطار السياسي هنالك شعاران متقابلان هما: شعار يقول به دعاة المرجعية الإسلامية بقولهم الإسلام دين ودولة. وشعار العلمانية المخففة الذي يقول الدين لله والوطن للجميع. شعار الإسلام دين ودولة ينبغي أن يراجع لأن الدين من الثوابت أي العقائد بينما الدولة من المتحركات أي العادات. والمساواة بينهما تمنع حركة المجتمع واستيعاب المستجدات. التعبير الصحيح في هذا المجال أن الإسلام دين ومقاصد اجتماعية ما يفتح المجال واسعاً أمام حركة المجتمع. إن الإسلام محمول عقدي وثقافي مطلوب لإلهام الجماعة وحفظ تماسكها، والإسلام يفعل ذلك مع الاعتراف بالحقوق الدينية والمدنية لغير المسلمين على نحو ما فعل النبي محمد صلى الله عليه وسلم في صحيفة المدينة. شعار الدين لله والوطن للجميع إذ يعني الاهتمام بالمصالح المدنية للجماعة الوطنية ينطلق من حقيقة موضوعية على ألا يعني هذا ألا يكون للدين سيما الإسلام دوراً في هذا الجانب، فالإسلام يمنح بعداً روحيا وأخلاقياً لتلك المصالح المدنية. هذه هي أسس مراجعة شعار الدين لله والوطن للجميع. بناءاً على هذه المفاهيم ينبغي أن تجري الحركات ذات المرجعية الإسلامية مراجعات. كما تجري الحركات ذات المرجعية العلمانية مراجعات، وتصاغ معادلة تضم لميثاق أهل القبلة توفق بين التطلعات الإسلامية ومطالب المساواة في المواطنة، والعقلانية، وحقوق الإنسان. العلمانيون في بلداننا متأثرون بالتجربة الغربية وكثير منهم يسقط تلك التجربة على الإسلام والمسلمين. ولكن مع ما في المسيحية من تحاشٍ للمسائل السياسية فالمسيحية دخلت في الشأن العالم حتى في البلدان التي أعلنت أنها علمانية. قال جورج واشنطن في أول خطاب له بعد انتخابه: كل خطوة نحو استقلال أمريكا امتازت بعلامة من علامات العناية الإلهية. وقال إذا لم يكن المسؤول الذي يقسم على الإنجيل مؤمناً بقدسية وإلزامية قسمه فلا معنى لهذا الإجراء. وقال رئيس آخر هو ودورد ولسون: إن في الولايات المتحدة طاقة روحية تؤهلها للمساهمة في تحرير البشرية. وأغلبية التابعين للكنيسة البروتستانتية يصوتون للحزب الجمهوري، وغالبية التابعين للكنيسة الكاثوليكية واليهود يصوتون للحزب الديمقراطي. وقال شاعر أمريكا الأشهر الاسكندر بوب: إذا الدين حياءاً حجب ناره المقدسة بلا مقدمات ماتت الأخلاق Religion bushing veils her sacred fires And, unawares Mortality expires وقال القاضي الأمريكي وليام برنان في عام 1980م أثناء نقاش عام حول صلاحيات القضاة: إن للقرارات القائمة على صوت الأغلبية مجالها في ظروف معينة. ولكنني اعتقد أن ذلك لا يجوز في كل الظروف. على المحكمة أن تعلن أن بعض القيم مستعلية على اعتبارات الأغلبية السياسية وهناك أعداد كبيرة من الأحزاب السياسية الكبيرة في أوربا تصف نفسها بالمسيحية. إن الصراع القائم اليوم في تونس وفي مصر لا يمكن أن يحسم بوسائل إدارية وأمنية، بل يتطلب إدراك أن للتطلع الإيماني حق في مجال قطعيات الوحي الغيبية ومكارم الأخلاق، وأن لمقولة المساواة في المواطنة، وحرية الأديان، وحرية البحث العلمي حقاً مشروعا ولا يجوز ولا يمكن للطرفين أن يلغيا بعضهما الآخر ما يوجب معادلة للتوفيق بين حقائق الوحي الغيبية ومطالب العقلانية في عالم الشهادة. الحرب الباردة، وأحيانا ساخنة، الدائرة الآن في مصر، وإلى درجة أقل في تونس، ما لم تدفعها المراجعات المتبادلة لمعادلة توفيقية سوف تؤدي حتما لاستقطاب حاد تقف في جانبيه قوى اجتماعية حقيقية، ويستدعي تحالفات إقليمية وخارجية تزيد من حدة الاستقطاب وتدفع به إلى نهاياته: إما إلى الفوضى أو إلى وأد الديمقراطية ثمرة الربيع العربي. كما جاء في جريدة الأهرام يوم الجمعة 15/11/2013م إذ تساءلت الصحيفة أتكون العسكرة هي الحل؟ وردت على السؤال بالإيجاب! سادساً: المسألة القومية
هنالك تقاطع آخر مشحون باحتمالات التفرقة في الملف القومي. إن العروبة حقيقة لغوية، وثقافية، وتاريخية، وجغرافية. لم يحدث في التاريخ أن قامت دولة عربية واحدة بل كانت المجتمعات العربية في العهود الأموية، والعباسية، والعثمانية جزءاً من الدولة الإسلامية. والآن مع حرية الشعوب، ومنظومة حقوق الإنسان ومنها حق الانتماء الثقافي صار واجباً أن تعترف الأغلبيات العربية بوجود مجموعات وطنية أخرى غير عربية تعيش معها في مجتمعات واحدة ومواطنة متساوية كالأمازيغ، والأكراد، والزنوج، والنوبة وغيرهم. هذا التنوع جزء من مقاصد الكون: (وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّلْعَالِمِينَ)[24]. شعوب هذه المجموعات الوطنية تتطلع لحق المساواة في المواطنة، والاعتراف بهويتها الثقافية. والمطلوب صيغة تعبر عن القومية العربية والقوميات المشاركة لها في الأوطان. أية سياسة تنكر حقوق هذه المجموعات القومية إنما تمثل نافذة للاحتقان والصدام والانفصال. سابعاً: القضية الاجتماعية
هنالك عامل آخر مهم من عوامل التفرقة والاستقطاب. العامل الاجتماعي. إن الفقر والعطالة والوعي بهما عبر الإعلام واليقظة السياسية يشكلان قنابل قابلة للانفجار ونسف السلام الاجتماعي والقضاء على الوحدة الوطنية والاستقرار. إن اهتمام الهداية الإسلامية بالبعد الاجتماعي كبير (أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ * فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ * وَلا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ)[25]. واستعاذة النبي محمد صلى الله عليه وسلم من الكفر والفقر مقترنين: (اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْكُفْرِ، وَالْفَقْرِ)[26] وما جاء في الأثر: (الجوع أخو الكفر). إن الفوارق الاجتماعية في نطاق العالم الإسلامي عامة والعربي خاصة فادحة وهي إلى اتساع. إن أهداف الألفية التي أعلنتها الأمم المتحدة عام 2000م ليست كافية وهي حتى الآن متعثرة. هذا الأمر داخل كل قطر وفيما بين الأقطار يتطلب مشروع نجدة اجتماعية عاجل للقضاء على الفقر، وعلى العطالة، وتوفير الخدمات الاجتماعية الصحية والتعليمية، وتشييد البنية التحتية. الولايات المتحدة قامت بمشروع نجدة لأوربا بعد الحرب الأطلسية الثانية بأكثر من ترليون دولار. وألمانيا الغربية أسعفت ألمانيا الشرقية كذلك بأكثر من ترليون دولار. وأنفق الاتحاد الأوربي كذلك ترليونات من الدولارات لإلحاق الشرق الأوربي الفقير به. لا بد من مشروع تكافل تنموي سواء على النطاق الإسلامي عامة أو العربي خاصة. بل وينبغي أن نولي الدعم التنموي في أفريقيا جنوب الصحراء اهتماماً خاصاً، فالعائد الاستثماري الأكبر موجود هناك، كما أن الأمن الغذائي القومي والسوق التجاري الأكبر موجود هناك. ثامناً: إنصاف المرأة
أفلح الإعلام المعادي في الربط بين الإسلام واضطهاد المرأة. المرأة نصف المجتمع وشعورها بأن دينها يهدد كرامتها الإنسانية والإيمانية كما يقول بذلك بعض الفقهاء ويروج لذلك الإعلام المعادي مسألة في غاية الأهمية ما يتطلب نفي البنية الذكورية التي يحرص عليها بعض الفقهاء، وتأكيد حقوق المرأة الإنسانية والإيمانية التي توجبها الآيات المحكمة. قال تعالى: (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ)[27]. وقوله: (أَنِّي لاَ أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِّنكُم مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى بَعْضُكُم مِّن بَعْضٍ)[28]. وقول النبي محمد صلى الله عليه وسلم: (النِّسَاءُ شَقَائِقُ الرِّجَالِ)[29]. لقد استطاع كثير من الرافضين للمرجعية الإسلامية أن يستقطبوا كثيرا من نسائنا لمواقفهم والحجة الدافعة لذلك هي أنهن لا يجدن حقوقهن المستحقة إلا خارج نطاق المرجعية الإسلامية. إن الحلول المقترحة ههنا مستمدة من مرجعيات إسلامية وتجد في نصوص الوحي أقوى دعم لشرعيتهاـ فإن استطاع اجتماع المساعي الحميدة أداء تشخيص شامل لأزمات العالم الإسلامي، ووضع الحلول المجدية لها فإن اجتهادنا هذا سوف يكون مبادرة مباركة تساهم مساهمة قوية في مناصحة الأمة. مناصحة تقوم على فهم اجتهادي لنصوص الوحي وهو المطلوب شرعاً إذ قال تعالى: (أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا)[30]؟ وإحاطة مطلوبة بالواقع والتزاوج المنشود بينهما أي بين الواجب المستنبط اجتهاديا والواقع المستقصى إحاطة. هذا عين ما نصح به ابن القيم إذ قال على الفقيه أن يعرف الواجب اجتهادا ويحيط بالواقع ويزاوج ينهما. إن عزمنا القيام بمساع حميدة سعي حميد ولكي تكون له جدوى وقيمة مضافة عليه أن يسعف المعنيين بالنصح بما يجدي. وعلى الله قصد السبيل وبالله التوفيق.
[1] Bat Ye'or Eurabia: The Euro-Arab Axis (2005) [2] , Patrick J. Buchanan. The Death of the Wes, Publisher: St. Martin's Griffin (October 15, 2002) [3] Tony Blankley "The West's Last Chance" (2005) [4] Bruce Bawer "While Europe Slept" (2006) [5] Michael Oren Power, Faith and Fantasy (2007) [6] العدد 514 - 2001/9 - مكتبة العربي - خالد الفيشاوى أمـريـكا والإسلام [7] Victory Without War : Richard Nixon, Publisher: Pocket Books; First Edition edition (April 1989) [8] رواه ابن حنبل وابن ماجة والترمذي [9] متفق عليه [10] متفق عليه [11] متفق عليه [12] رواه أحمد بن حنبل [13] رواه أحمد بن حنبل والحاكم والطبراني [14] سورة آل عمران الآية رقم 104 [15] سورة الأنعام الآية رقم 89 [16] سورة المائدة الآية رقم 54 [17] سورة النحل الآية رقم 92 [18] سورة البقرة الآية رقم 256 [19] سورة الممتحنة الآية 8 [20] سورة الذاريات الآية رقم 20 [21] سورة الحجر الآية رقم 85 [22] سورة طه الآية رقم (50) [23] رواه أحمد بن حنبل [24] سورة الروم الآية 22. [25] سورة الماعون الآيات من 1-3. [26] رواه أبو داؤد [27] سورة التوبة الآية 71 [28] سورة آل عمران الآية 195 [29] رواه أبو داؤود [30] سورة محمد الآية 21
|
|
|
|
|
|