|
أبو الجهالات العظمى الدكتور حيدر إبراهيم علي محمد وقيع الله (8)
|
أبو الجهالات العظمى الدكتور حيدر إبراهيم علي محمد وقيع الله (8)
كتب الدكتور حيدر إبراهيم مقالا مادحا في كتاب مادح لفكر الأستاذ محمود محمد طه. وقد انخرط مصنف الكتاب المادح، الأستاذ عبد الله الفكي البشير، في تبجيل شيخه، محمود محمد طه، على مدى أكثر من (1188) صفحة هي متن الكتاب. وقد أخطأ الدكتور حيدر في عدِّ صفحات المتن فأرفق معها الهوامش وقال:" فتأليف مثل كتاب (عبدالله الفكي) حوالي1277 صفحة، يعني أن هذا الشاب قد كرس وقتا طويلا، وبذل جهدا، وصحة، وراحة، ونور عين من أجل الإنجاز. وهذا السلوك، عدا التجويد والصرامة العلمية، يعكس وفاءا (يقصد وفاءً!)، وإخلاصا، وتضحية، وهي خصال لا تجدها كثيرا إلا لدي الإخوة الجمهوريين ". وهكذا انعدمت هذه الفضائل والمحاسن أو انحسرت أو كادت في البشر أجمعين، في رأي الدكتور حيدر إبراهيم، وتوفرت فقط لدى أصحابه الجمهوريين! فما هذا التطرف العارم في إطلاق الأوصاف والأحكام على العواهن؟! وما هكذا ينزلق البشر العاقلون إلى تحجير نعمة الله تعالى في حسن الخلق وتجريد البشر منها أجمعين وحصرها وقصرها على الجمهوريين. ثم أطنب الدكتور حيدر في مدح لغة الكتاب ومنهجه فقال:" أتحفنا (عبدالله الفكي البشير) بكتاب أقرب إلي قصائد (أم كلثوم) المغناة في كامل فخامتها، وجلالها، وسموقها وحتي في الترديد والإعادة. وكتاب (يقصد وكتابه!) هو أقرب للمنحوتات الصخرية والمعدنية منه إلي اللوحات التشكيلية. وهذا يعني أن الكتاب احتاج لقدر كبير من الصبر والجلد، والمثابرة، والعمل الدؤوب، (المثابرة هي العمل الدؤوب نفسه فلم التكرار؟!) وهذا (يقصد وهذه!) خصال من يريد أن ينجز عملا عظيما ". كلام الطير في الباقير! وقد فشل الدكتور حيدر فشلا ذريعا في تخير الأوصاف والتشبيهات المناسبة المطابقة لواقع الحال الذي وصفه. وبهذا بدت (شتَارَة) الدكتور وقلة (بصارَته) الأدبية والعقلية في أشنع حالاتها. فإنك لا تصف كتابا بأنه أغنية أو شبيه بالأغنية إلا إذا كان كتابا لين المراس من نوع الأدب الرخيص الذي يكتب من أجل التسلية وتزجية أوقات الفراغ. أو كتابا من كتب الخواطر الإنشائية الروماتنيكية الناعمة، أو كتاب من كتب القصص الطوال أيا كان موضوعها، أو كتابا من كتب القصص القصار، أو كتابا سرديا لحكايات السمر كألف ليلة وليلة، والزير سالم، وسيف بن ذي يزن. ولا يوصف بأنه شبيه أغاني الطرب كتاب جاد من الكتب الفكرية موضوعه قضايا الجدل المذهبي الحاد. وتتجلى (شَتَارَة) الدكتور حيدر أيضا في أن كم الأوصاف والتشبيهات التي أطلقها على الكتاب تبدو متعارضة غير متناسقة ولا يجمعها خيط واحد. فما أبعد أغاني أم كلثوم وهي في مجملها سلاسل آهات تتردد في الفضاء عن المنحوتات الخامدة التي قدَّت من الصلب أو الجلمود. وما أبعد أغاني أم كلثوم وكلها من رقيق القول وأعذبه عن ألفاظ مصنف هذا الكتاب الحاد. وهذه طائفة من ألفاظه اخترناها من عناوين فصول الكتاب لنقف على خشونتها وعدائيتها وتطرفها: - تكلس حقبة السكوت وتراجع حظ الأوصياء على العقول - الحسد والدسائس وإرث العداء للمبادرات الخلاقة - الأزهر والمعهد العلمي: العجز عن المواكبة وركاكة سبل الرشاد - رسوب الأكاديميا السودانية في امتحان الأستاذ محمود - الاستنتاجات العرجاء والخلاصات البكماء تجلب الظلام - الاستتابة والانحدار إلى درك العصور الوسطى ثم تتكشف سذاجة الدكتور الفكرية عندما شرع في عقد مقارنة غير مستساغة بين الفيلسوف الكبير كارل ماركس الذي جاء بعمل أصلي تحليلي عظيم مهيب، وكان فيه مفترعا ولم يك مصنفا أو تابعا، وبين هذا الجمهوري السوداني الدوغمائي الحدث الذي لفق كتابا عن شيخه ولم تكن له فيه فكرة أصيلة واحدة. وإنما كان مقلدا ساذجا لقطب من أقطاب التفكير الروحي الطوبي الحلولي الباطني الغنوصي الشاطح. وقد لاحظنا أن مصنف الكتاب لم يحسن عمله حتى في إطار مهمتي التجميع والتصنيف. إذ أعجزه أن يتخذ طريقة موحدة تفضي به إلى إدراج كل نص في مكانه الصحيح من الكتاب. وقد ضرب صفحا عن النصوص التي سطرت في تناول الفكر الجمهوري من ناحية نقدية، أو تناولها بإيجاز مخل، وإسفاف لفظي فاحش،. وتوسع في إيراد أقوال من تناولوا الفكر الجمهوري وشخص زعيمه بلهجة عاطفية تطبيلية وأكثر من تكرار هذه الآراء. فافتقد مزية التوازن ولم يعد كتابه مرجعا صالحا من الناحية الأكاديمية التدريسية أو البحثية. إذ لا يمكن لعالم نزيه جاد أن يحترم كتابا مثل هذا ذا رؤية آحادية حادة. والغريب ألا يفطن الدكتور حيدر (وهو أكاديمي ويزعم أنه باحث أيضا!) إلى هذا الخلل الواضح في جوانب الكتاب. وأشدُّ من ذلك إغرابا أنه لم يفطن إلى عدم توازن الكتاب رغم تيبنه لإحدى مظاهره حين رأى تجاهل المصنف لكتاب صديقه الملحد الدكتور محمد أحمد محمود الذي عنوانه:
(Quest for Divinity: A Critical Examination of the Thought of Mahmud Muhammad Taha) فعنوان الكتاب هو الذي نفَّر المصنف منه ومنعه من إدراجه أو إدراج بعض مادته أو التعرض له بشكل أوفي في مصنفه. وأبعد من ذلك إغرابا أن الدكتور محمد أحمد محمود قد عرف بتعاطفه مع الفكر الجمهوري وسبق أن اعتنقه في فترة من فترات ضلاله المتمادي. ولكن كل ذلك ما شفع له عند المصنف (الدوغمائي) الذي لا يؤمن أن محمود محمد طه من البشر الذين يمكن أن يخطئوا وينتقدوا من أجل ذلك! وقد قال الدكتور حيدر وهو يثني على جهود المصنف الجمهوري:" ولك أن تتصور حال (ماركس) وهو يجلس الساعات الطوال في المتحف البريطاني الرطب ليجمع مادة (رأس المال) فقد لزمه قدرا كبيرا (يقصد قدرٌ كبيرٌ .. أنت لا تعرف الفاعل من المفعول به يا حيدر وتدعي أنك مفكر؟!) من الصبر والجلد. فالكتابة الجادة نوع من العبادة والتبتل، لأن الكاتب يحرم - طواعية - من المتع الصغري: الونسة، القعدات، الولائم، النميمة، الشللية ". ولنغض النظر عن المستوى المتدني من التعبيرات السوقية عن القعدات الشللية وما شابهها من سلوكيات النميمة التنويرية. ولنركز بصرنا على هذا الخطأ البيِّن الذي انحدر إليه حيدر الذي لا يرعوي عن التردي في المهاوي. وهو ذِكرُه أن كارل ماركس جمع مادته التي أنجز منها كتاب (رأس المال) من مكتبة المتحف البريطاني بلندن. وهذا ما يخالف الواقع التاريخي لأن المراجع التي تتحدث عن كارل ماركس وتوضح مراحل تطوره الفكري لا تختلف في أنه جمع المادة التي حرر منها كتابه (رأس المال) من المكتبات الفرنسية، وذلك في غضون إقامته بباريس بين عامي 1843- 1845م. وقد انخرط ماركس في هذه الفترة في دراسة آثار آدم سميث، وديفيد ريكاردو، وجيمس مل، وسانت سيمون، وفولرير. كما انخرط في دراسة تاريخ في فرنسا من الناحية العامة وتاريخ الحركة الرأسمالية فيها بنوع خاص. ومن هذه المادة حرر المجلد الأول (رأس المال) وبعد مهلكه حررت الجزئين الثاني والثالث زوجه بالتعاون مع صديقه إنجلز. صحيح إن ماركس كان يعتكف كثير بمكتبة المتحف البريطاني في لندن وقيل إنه كان له به كرسي لا يمكِّن أحدا من الجلوس فيه بسبب وجوده المستمر بالمكتبة. ولكنه كان قد جمع مادة كتاب (رأس المال) قبل ذلك من مكتبات باريس. وأما الصفحات الثمانمائة التي حرر فيها ماركس ملاحظاته من قراءاته بمكتبة المتحف البريطاني في عام 1857م فقد أفاد منها في تحرير كتابه (إسهام في نقد الاقتصاد السياسي). وكتاب (إسهام في نقد الاقتصاد السياسي) كتاب منفصل عن كتاب (داس كابتال) وإن حمل الأخير عنوانا فرعيا هو (في نقد الاقتصاد السياسي)! وهذا ما اشتبه على حيدر الذي تشتبه عليه بسائط الأمور فهو دوما وأبدا في هرج ومرج مريج!
|
|
|
|
|
|