|
عودة إلى الشعارات المخادعة سليمان حامد الحاج
|
عودة إلى الشعارات المخادعة سليمان حامد الحاج
لم يندهش شعب السودان وهو يستمع إلى تصريحات رئيس الجمهورية أمام المؤتمر الرابع عشر لاتحاد الطلاب السودانيين العام التابع لحزب المؤتمر الوطني الحاكم. جاء ضمن تلك التصريحات أن السلطة ستعيد العمل بشعار:(نأكل مما نزرع ونلبس مما نصنع) للتحرر من الهيمنة الاقتصادية الغربية. ما دايرين حاجة من برة. قلنا من قبل لا للبنك الدولي ولا لصندوق النقد الدولي ولنادي باريس ورفضنا الخضوع والخنوع سنتوجه شرقاً لكسر الحصار الاقتصادي. نقول لم يندهش شعب السودان لأنه اعتاد على مثل هذه التصريحات المخادعة المنافية للواقع وما يعاني منه الاقتصاد السوداني من أزمة ستقود حتماً إلى انهياره التام. قبل أن نرد على واقعية أو عدم واقعية شعار نأكل ونشرب نشير، إلى التناقض المهين الذي يصوغه رئيس الجمهورية. فهو يريد أن يخرج من حصار الغرب إلى التوجه شرقاً لكسر الحصار الاقتصادي. وكأنما العالم قد انقسم إلى عالمين غربي يفرض الحصار وشرقي لا مكان فيه للحصار الاقتصادي . أو لم يسمع رئيس الجمهورية بالعولمة وكنهها. لقد أوضحنا في أعمال المؤتمر الخامس لحزبنا، إن العولمة فترة جديدة في تطور النظام الرأسمالي . وقد ارتبط هذا النظام منذ بداية تشكله وتخلقه بالحاجة إلى الأسواق في كل أنحاء المعمورة، وبالتالي أصبح طابعاً عالمياً في الإنتاج والاستهلاك. العولمة في جوهرها تعبير عن اتجاه موضوعي في مسار اقتصاديات وأسواق العالم نحو التكامل تحت هيمنة الاحتكارات العالمية. فالمدخلات الخارجية عبر الاستغلال الاستعماري للمواد الخام والسيطرة على أسواق التصريف ضربة لازب للنظام الرأسمالي ليعيد إنتاج ذاته ويتجاوز أزماته. إن العولمة تعبر عن سيطرة الرأسمالية العالمية ومؤسساتها وشركاتها العابرة للحدود الوطنية على الاقتصاد العالمي. وبذلك تدخل الامبريالية باعتبارها الرأسمالية الاحتكارية، مرحلة جديدة في تطورها. إنها نظام عالمي للرقابة على السياسات المالية والنقدية يجرد الدولة الوطنية وبنوكها المركزية من السلطات السيادية في تقرير سياستها الاقتصادية والمالية والنقدية والأسعار التبادلية لعملاتها الوطنية. يمارس هذا النظام نفوذه عن طريق صندوق النقد الدولي والبنك الدولي ونادي باريس. ويفرض خصخصة مؤسسات القطاع العام وتسليع الخدمات وحرية تداول النقد الاجنبي وحرية الاستثمار الخاص الاجنبي والمحلي وانشاء أسواق للأوراق المالية النقدية والاسهم وضمان ذلك الاستثمار ضد التأميم والمصادرة…الخ. نظام عالمي للمعلومات يسمح بجعل العالم (سوقاً عالمياً واحداً) يساعد في عقد الصفقات الضخمة السريعة وإجراء الدفعيات والتحويلات المصرفية وشراء وبيع الاسهم. ويسمح بانتقال أدق المعلومات عبر شبكات الانترنت والأقمار الصناعية(من التقرير السياسي للمؤتمر السادس) فأين المفر؟ وكيف المهرب؟ من كل ذلك ياسيادة الرئيس البشير . فأينما اتجهتم شمالاً ، شرقاً، غرباً أو جنوباً تدرككم العولمة بثالوثها الرهيب صندوق النقد الدولي والبنك الدولي ونادي باريس. من الممكن أن يقال حديثك هذا أمام الطلاب في حزبكم الذين ينصاعون للتلقين، ولكنه لا يمكن أن ينطلي على المتابعين للوضع العالمي بما في ذلك الطلاب المستنيرين وما تفعله العولمة بوسائلها المختلفة . فأنتم لا زلتم راكعين ومنصاعين لأوامر البنك الدولي وصندوق النقد الدولي . حزبك بسياسته الاقتصادية الراهنة، محاصر تماماً وبكل ما تعني هذه الكلمة من قبل الاحتكارات الرأسمالية وثالوثها الذي لا يرحم والذي تسبب في كل هذا البلاء الذي يعاني منه الشعب والوطن. لا أعتقد أن شخصاً في منصب رئيس جمهورية مثل البشير لم يسمع أو يقرأ عن تجربة بلدان شرق اسيا أو بلدان ما تسمى بالنمور الاسيوية. فتجربة هذه البلدان أكدت على أرض الواقع أن نهج التبعية وغياب البعد الاجتماعي للتنمية وطريق استجلاب التكنولوجيا والديون بأرقام فلكية لن يقود في الواقع العملى إلا لإفراز العطالة والفساد والأزمة الاقتصادية / المالية وانهيار أسعار العملة وعدم الاستقرار السياسي. وهذا ما حدث في بلدان النمور الاسيوية التي يريد أن يتجه إليها البشير. لقد انبهر الدائرون في الفلك الرأسمالي بتلك التجربة ووصفوها بأنها تجربة رائدة قبل أن تنهار. وفي الواقع لم تقد الجهود الهائلة والتوظيفات الضخمة بعشرات المليارات من الدولارات لصندوق النقد الدولي إلا لعلاج جزئي ومؤقت للأزمة(راجع اعمال المؤتمر الخامس ص28). لقد أصبح الاتجاه شرقاً كما ذكر البشير كالمستجير بأم عمرو. وينطبق عليه المثل القائل :- والمستجير بأم عمرو عند كربته كا المستجير من الرمضاء بالنار. أما شعار: نأكل مما نزرع ونلبس مما نصنع، فقد تبرأ منه حتى شاعره الذي ذهب بعد المفاصلة مع المؤتمر الشعبي واعتقل هو وصديقه كمال عمر المحامي. فقد روى الأخير أنه رأى شاعر نأكل ونلبس وهو على حصيرة في المعتقل ساهياً محدقاً في السماء، فسأله عن هذا الاستغراق الذي طال أمده فقال الشاعر:( إنني تبينت الآن إننا نأكل مما زرعنا ونلبس مما صنعنا). من أين يزرع البشير، مع الديون الخارجية التي بلغت (42.5) مليار دولار والديون الداخلية التي زادت عن (11) مليار دولار ومع الفجوة في الميزان التجاري التي تجاوزت الـ(6)مليارجنيها سوداني إضافة للعجز السنوي في الموازنة والذي وصل (10) مليار جنيها في عام 2013 ناهيك عن التضخم الذي فاق الـ (47%) في سبتمبر 2013. ألا يعلم رئيس الجمهورية إننا نستورد معظم ما نأكله وعلى رأسه القمح والدقيق من الخارج ونستورد حتى النبق الفارسي والثوم الصيني، ناهيك عن معظم السلع الأساسية للمعيشة. وإن ارتفاع أسعار مدخلات الإنتاج يهدد بإفشال زراعة القمح في الشمالية. فالقمح الذي كان من المفترض أن تبدأ زراعته في منتصف اكتوبر لم تبدأ حتى الآن منتصف نوفمبر بسبب التكلفة العالية لبرميل الجاز التي فاقت ال (700) جنيها. ووصل جوال السماد (200)جنيها. ولهذا تدنت المساحة المفترض زراعتها قمحاً من (300) ألف فدان إلى (100) الف فدان فقط. نقول للسيد رئيس الجمهورية أنكم تستطيعون خداع بعض الناس لبعض الوقت، ولكنه من المستحيل خداع كل الناس كل الوقت كما يقول المثل. كشف الشعب سياساتكم القائمة على الكذب والخداع وممارساتكم لها خلال ربع قرن من الزمان. ولهذا هبَّ من ثباته وأعلن بوضوح أنه خرج للتظاهر في كل انحاء البلاد وهو يهتف:(مرقنا ضد الناس السرقو عرقنا) وستتكرر الملحمة الجماهيرية مرة أخرى، لأن الظروف الموضوعية التي فرضتها لا زالت قائمة وستتفاقم أكثر وعلى رأسها النهب المقنن الذي يمارسه القلة القابضة على مفاصل السلطة والثروة، وقادت الشعب والبلاد إلى هذا الفقر المدقع. قرر شعب السودان في هبته إسقاط نظام الرأسمالية الطفيلية مهما بلغت التضحيات، وهذا ما سيحدث . فلا راد لإرادة الشعب الغلابة.
الميدان العدد and#1634;and#1639;and#1635;and#1640; الثلاثاء and#1633;and#1634; نوفمبر and#1634;and#1632;and#1633;and#1635; الموافق and#1640; محرم and#1633;and#1636;and#1635;and#1636; ه
|
|
|
|
|
|