|
عن الحزب السبعين أو التسعين أو حزب التغيير! محمد وقيع الله
|
عن الحزب السبعين أو التسعين أو حزب التغيير! محمد وقيع الله
أحيانا يبدو لي أنه لا أحد أذكى من أحد بين القادة السياسيين الحزبيين السودانيين! وخاصة أولئك الذين ينسلخون من الأحزاب القديمة ويتجهون إلى إنشاء أحزاب سياسية جديدة خاصة بهم وكأنما هذا عمل سهل ميسور ممكن. ومن هؤلاء الصحاب الذين اتجهوا أخيرا إلى إنشاء الحزب السوداني السبعين أو التسعين. ويا ليتهم سموه بالحزب السبعين أو التسعين. فذلك خير وأهدى من أن يسموه بحزب التغيير. فهذه الكلمة متى وردت في القرآن الحكيم وردت بصفة ذم ومعنى سلبي! فقد وردت في (الأنفال) و(الرعد) بمعنى زوال النِّعمة! وقد كان أحرى بمؤسسي حزب يزعمون أن مرجعيتهم إسلامية أن ينتبهوا إلى هذه النُّكتة من نُكت العلم الشريف! وقد جاء معنى التغيير أيضا في الحديث النبوي بمعنى سلبي. قال أبو السعادات في شرح حديث الاستسقاء:" من يكفر بالله يلق الغِيَر" أي تغيُّر الحال وانتقالها من الصلاح إلى الفساد! وإذا انتقلنا من الإسم إلى المسمى فليس في إعلان ما سمي بالحركة الوطنية للتغيير إلا محض تكرير لكلام هواة التنظير. وهيهات أن تسمع الجماهير العادية إلى مثل هذا الخطاب النخبوي الذي صاغه مثقفون نخبويون يتناجون به مع مثقفين نخبويين. والبادي بجلاء أن من هم وراء ما يسمى بالحركة الوطنية للتغيير ما هم إلا صفوة مثقفين ابتعدوا كثيرا عن العامة التي تدعى بالجماهير. وأفراد هذه الصفوة قد علت بهم - لسوء الحظ - السن كثيرا فكلهم داروا حول الستين. فكلهم عجائز إذن وليس فيهم إلا شبه شاب واحد هو محمد محجوب هارون! وليس في طوق هؤلاء أن يناضلوا ويراكموا نضالا طويلا عبر السنين يستلزمه إنشاء الحزب السياسي الموعود. فتكوين الحزب السياسي يستلزم نضالا شديدا شاقا شائكا دونه خرط القتاد. ولا يكفي في أمره أن تجتمع نخبة صغيرة بعضها يعيش خارج أرض الوطن لتصوغ بيانا تأسيسيا وتطلب من أتباع لها مزعومين أو مأمولين أن يناضلوا بالنيابة عنها وينشئوا الحزب ليأتي هؤلاء المثقفون المغتربون ويترأسوه. وعلى فرض أن بمَكِنَة هؤلاء المثقفين التأسيسيين الذين تراخت أعمارهم أن يناضلوا فإن نشأة الأحزاب السياسية لا تكفي فيها الرغبة ولا يحققها الكفاح. وإنما للزمن أحكامه التي تحدد شروط الصلاح. وكل حزب نجحت صيغته وصحت بنيته إنما تم ذلك لأن الحزب قد ظهر في الظرف التاريخي الصحيح. وهذا ظرف لا يسنح كل عام ولا كل شهر ولا كل يوم. وربما كان الانشقاق الحزبي الوحيد الذي نجح في تاريخ السودان السياسي هو انشقاق حزب الشعب الديمقراطي بقيادة علي عبد الرحمن الأمين الضرير. فقد انشق عن الحزب الوطني الاتحادي وكون كتلة حزبية ذات تأثير لابأس به. ولكن ما كان لهذا الحزب أن ينجح لولا أن استند على قوى التخلف الطائفي. وقد جاء نجاحه وبالا على الحركة الاتحادية لأنه ما لبث أن استولى عليها بعد أن عاد وتوحد مع الحزب الوطني الاتحادي وأضاف من اسمه زورا لفظ الديمقراطي إلى اسم الحزب الذي أصبح حزبا طائفيا بامتياز ولا مكان للديمقراطية فيه. وقد أفرغ حزب الشعب الديمقراطي الحزب الوطني الاتحادي من كتلة مثقفيه وجعل من بقي منهم رموزا بلا تأثير. وفيما عدا ذلك فقد فشلت فشلا ذريعا كل الانشقاقات التي طرأت على بنية الأحزاب القومية السودانية الصغيرة منها والكبيرة. ودونك تجارب المنشقين عن حزب الأمة وهم لا يمثلون إلا فتاتا حزبيا أبرزه فتات المدعو مبارك الفاضل المهدي. ودونك تجارب المنشقين عن الحزب الشيوعي وأبرزه فتات المدعو الخاتم عدلان المدعو حقا وما هو بحق. ودونك تجارب المنشقين عن المؤتمر الوطني الذين كونوا حزب المؤتمر الشعبي وحزب العدالة التي انشق بدوره إلى أكثر من شق. وللبعثيين شقوقهم الوفيرة كما للناصريين شقوقهم الغفيرة. وهكذا يبدو أن من العبث العابث أن تتوالد الأحزاب وتتكاثر وتنشق شقوقها عن شقوق جديدة فتعبث بالبلاد وتعصف بالعباد. ولذلك تراني شخصا كافرا بصيغة العمل الحزبي كفرا لا إيمان بعده! وليس ذلك عن جهل وإنما عن بصر عميق بالسياسة المقارنة وفقه الأحزاب. ولست أرى من خطر مهدد لمصالح الوطن ومبدد لمستقبله أكثر من الضلال الحزبي المقيت. ولذلك لم أنضم إلى حزب سياسي في حياتي الطويلة وقد بلغت من الكبر عتيا. ولن أنضم إلى حزب سياسي ولو جاء مبرأ من كل عيب. وهيهات أن يأتي حزب مثل هذا في البيئة السياسية الحزبية السودانية الوخيمة الوالغة في اللغط والنائية عن المبدأ والمجردة عن التجرد والإخلاص! ولذلك تراني مبدئيا وحرفيا أنشد مع العباسي القائل: إن السياسةَ في شتَّى مذاهبِها ما شاقَني لونُها الزَّاهي وما رَاقا فلـو درى القومُ بالسُّودانِ أين همُ من الشُّعوبِ قَضَوْا حُزناً وإشفاقا جهلٌ وفقرٌ وأحزابٌ تَعيثُ به هدَّتْ قوى الصَّبر إرعاداً وإبراقا إن التحزُّبَ سُمٌّ فاجعلوا أبداً يا قومُ منكم لهذا السُّمِّ تِرْياقا!
|
|
|
|
|
|