|
ثورة الشباب المستنير ستخرج من بين ضلوع الوطن المنهار أحمد يوسف حمد النيل
|
ثورة الشباب المستنير ستخرج من بين ضلوع الوطن المنهار
أحمد يوسف حمد النيل
النهايات تشبه بعضها , و التاريخ لا يعرف المداهنة , و الاشياء تُعرفُ باضّادها , انحرف الحكام عن شِرعة الدولة التي يدعون , و ضرب الترف مفاصل الدولة , فعجزت الدولة عن حماية الاقتصاد من السقوط , فغدت حياة الناس بلا أمن , و رهنت الدولة سيادتها لقوى خارج حدودها , فتفجرت عن غموض النوايا الصراعات , فانفلت زمام الدولة , و تشظى الحزب الحاكم الى اجساد و أشلاء , فخمدت مبادرة الدولة الأولى , و علا صوت الصراع القبلي و الديني , و نتيجة للصراع على المناصب , دُبرت المكائد , و احتدمت حرب الملاسنات , فصُعِقت الدولة ببأس قادتها فيما بينهم , و تفرق دمها بين فرقائها , فعادت كينونات متشظية , و لكنها تحاول ان تستجمع قواها و أن تلبس ثيابا ً حاولت حياكتها و زركشتها من جديد , لتدخل في خانة الشعب , الذي ظل ينظر كل هذه السنين بإرادة العاجز للدولة , التي تعيش مرحلة الشيخوخة و الهرم.
فدولة الانقاذ المزعومة قد استنفذت شتى السبل للمُضي قدما ً في الحفاظ على الدولة و ادارتها بطرق حكيمة , و قد أُصيبت في أعز ما تملك في الحزب الذي يقبض بزمام الحكم , فأخذ ينمو في اتجاه التمزق و التشظي , فخرج لنا بتجربة انفصالية تعددت سبلها و اتجاهاتها , فهنالك جماعة سمت نفسها (تحالف القوى الاسلامية الوطنية) و جماعة ثانية أطلقت على نفسها (الحركة الوطنية للتغيير) و مجموعة ثالثة سمت نفسها (بالإصلاحيين). و لكن كل ذلك الحراك لا يعنينا في شيء , فقد تيقنوا جميعهم بزوال شمس دولتهم , فهرعوا للخروج من عباءتها , و وقفت الدولة عارية بلا نصير , و خلت الا من التناقض الواضح في المواقف , و أخذت تطرح بضاعتها الكاسدة و التي سوقت لها منذ صبيحة انقلابها , و أخذت تزين وجهها من جديد , بالرغم من ضعفها الظاهر , و يُعزى ذلك لضعف التنسيق الواضح بين أحزاب المعارضة , التي استمدت تجربة الانشطار من هذه الحكومة , و لكن في ظل غياب أطروحة وطنية صادقة , ظل حال الحكومة في ركود مميت , في سياساتها و اقتصادها و أمنها و حتى سيادتها , فكان واجبٌ علينا أن نقود حركة وطنية , يكون قوامها الشباب المستنير و الوطني الغيور. فالجو لا يبشر إلا بالعمل و التطبيق , فالتاريخ لن يغفر لنا اتكالنا و تواكلنا , و لن يغفر لنا الإسهاب في عدم الجدية , فلتعلو عزيمة العمل دون الشعارات الفضفاضة , و لنتجنب تلك الأحزاب الجديدة التي انقسمت عن جسد الحزب الحاكم و الدولة , حتى لا تذوب جهود الوطنيين فيها , فليحذر الشباب من السقوط الطوعي في معية الاحزاب و الجماعات المتشظية من الحركة الاسلامية. و عدم ادارة أفكارهم بعاطفة دينية , بل عليهم أن ينهضوا بشخصية الوطن الواحد و الموحد.
أما ما يخص طريقة الحكم و من يحكم السودان , فالأمر يحتاج الى جرأة و جدية , ففزاعة ضعف المعارضة التي أخذت الحكومة تبني عليها ثقافة راسخة في أذهان الشعب و الشباب , و التي مفادها , من سيحكم السودان غيرنا بعدما اندرست الاحزاب التقليدية؟ و التي اتخذتها الحكومة كأداة لإحباط كل محاولة لتغيير نظام الحكم. قد نحتاج لوجوه جديدة تدحض هذا الادعاء و تطرد الاحباط عن الشعب و تدفع الشباب الثائر الى الامام , وجهتها العلوم و الثقافة و الأكاديميات و الانشطة الانسانية , دون ارتهان طائفي أو عقدي أو اثني أو قبلي أو جهوي , فليخرج الينا الخلصاء من ابناء شعبنا , من بين ضلوع الوطن المنهار , و لينفضوا من سلوكهم سمة الزهد في الحكم , من أجل وطن فيه ضعفاء و أطفال و نساء و شيوخ يحتاجون من يأخذ بأيديهم. فليأتوا الينا من كل جهات الدنيا , من أراضي المهجر التي تفخر بهم دون أرض السودان , فليتركوا ذلك الخوف من المجهول , و ليبتعدوا عن ألسنة المُخذّلِين , فهذه لحظات تاريخية , يُسأل فيها كل من رضع من ثدي هذا الوطن عن واجبه تجاهه ,هذا الوطن الذي شخصت عيناه في فراش الموت و هو بين يدي أبناء عاقين هم طلاب السلطة من جماعة البشير و أعوانهم. هذا النداء ليس به الا الجِدّية , و المطلوب هو المتعلم و المتخصص و الاكاديمي المثقف. فالحكم أدواته الوطنية و الصدق و الأمانة و فوق ذلك كله الجدية و استشعار المسئولية.
و بما أن شباب السودان الثائر , ابتدر هذا الطرح العملي , فلا تخيبوا ظنه , فكونوا له أب حكيم و معلم و قائد و دليل. يحتاج الشباب الى من يخطط له , ليقتفي هذا الأثر , و يدفع بثورته الى الأمام. فقد أجمعت كل الآراء على التنسيق من أجل انجاح هذه الثورة و التي هي ثورة ليست سياسية فحسب , بل هي اجتماعية و اقتصادية و ثقافية بمفاهيم عصرية حديثة , ترتكز على العلمية و الواقعية في الطرح. فمن باب أولى أن نلتف على بعض , و ان فشلنا فيكون الشعب صادق في زعمه و إحباطه تجاه المثقف , و الذي بهذا الفعل يكون قد ثبت صفة (الابن اللامسئول) في ذاكرة الشعب. فلندخل في الخطوات العملية :
أولا : نحتاج لكيان جامع خارج سياق الحكومة الحالية , هذا الكيان يتطلب مساحة للعمل , على المستوى السري و العلي حسب مقتضيات التكوين , في البداية يأخذ مكانه في مساحات الشبكة العنكبوتية و بكل جدية , خاصة في مراحل التكوين هذا بالصورة العلنية , و في الجانب الآخر السري تنشط الجماعات بطريقة ذكية و ان تتحرك بلطفٍ حتى لا تعاق مسيرتها. و ان تذوب في هذه المجموعات كل فئات المجتمع من المستنيرين , اساتذة جامعات و محاميين و قضاة شرفاء و أطباء و صيادلة و نقابيين و مهندسين و زراعيين و غيرهم , ففي هذه المرحلة يتم تكوين جسد متماسك و متفاهم و متفهم لقضية الوطن. و يكون مخبراً تنضج فيه الرؤية الوطنية التي ينشدها الكل , تنأى بهذا الهدف النبيل عن كل ما يعكر صفو الجماعة. ثم عمليا يبدأ الشروع في رسم خارطة طريق بين المواطنين و الشباب , فيعكفوا على استلهام روح الثورة السلمية , ثم يدفعوا بها الى الامام.
ثانيا ً : أن يقوم القانونيون بالشروع في صياغة دستور يستلهم روحه من تعدد الثقافات و الأديان , و التمهيد لحكومة انتقالية حتى لا يكون هنالك فراغ دستوري , في حال وقعت الثورة و سقطت الحكومة بيسر , نظرا لما ستسفر عنه الايام المقبلة و حال السودان يسير نحو الأسوأ. فالأحزاب التي قد تشظت من الحركة الاسلامية ستسبق لفعل هذه الخطوات بحكم تنظيمها و معرفة مفاصل الدولة و توفر الامكانيات المادية لها , و دافعيتها للحكم من وجهتين , الأولى : انها تريد الانتقام من اخوانهم النافذين في الحكم و الذين أذلوهم بطردهم من الحزب و الحكومة , والثانية : عودة اشواق تكوين حكومة اسلامية و احساسهم بالدور المنوط بهم من قبل شباب الحركة الاسلامية , فلربما ينقضوا على الحكم و يسلكون نفس الطريق الذي سلكوه من قبل , و بهذا تكون قد ضاعت الثورة بسبب فشل التنسيق من قبل كيانات الشعب المختلفة من معارضة الى منظمات المجتمع المدني و الكيانات الشبابية و المرأة.
ثالثا ً : في حالة الجاهزية من قبل ابناء الشعب و نضوج التكوين المقنع , سيجعل كل الكيانات الحزبية الأخرى ان تلتف حولهم , و بالتالي يمكن ان ينبني المفهوم الديمقراطي على احترام الآخر دون تبييت النوايا الخبيثة كل ٍ تجاه الآخر. و ان يكون داخل هذا الكيان الوطني , جناح يقوم على تنسيق الخطاب الموحد و التفاهم و الارتباط مع الجبهة الثورية و الحركات المسلحة توطئة لوضع خارطة طريق يتفقون عليها من أجل الوصول الى هدف واحد هو اسقاط هذه الحكومة بالطرق السلمية من داخل العاصمة الخرطوم بواسطة الشعب كافة.
رابعاً : ان يقوم كل الاكاديميين و المثقفين و السياسيين في أرض المهجر بتكوين رابط قوي و عملي , في شكل لقاءات يُحدد لها مكان ما في أي دولة , على أن يقوموا بتكاليف التنقل من حر أموالهم حتى يتم ضمان السرية و تكريس الحس الوطني , بعيدا عن التدخلات الاجنبية. و ينبغي على المغتربين في كل بلاد المهجر الدعم المادي و المعنوي. و من ضمن ذلك الدعم انشاء قناة تلفزيونية تيسر عملية الاعلام و الدعم المعنوي للثورة. و تبث الاناشيد الوطنية لتلهب حماس الشعب للثورة و تعرض فيها الخطط و المشاريع الحالية و المستقبلية.
خامساً : بعد تفكيك الأحزاب الكبيرة في السودان من قبل الحكومة , ثم تفكيك حزب المؤتمر الوطني ذاتيا بعد ان ضاق بآراء أعضائه المستنيرين , أصبحت حكومة الانقاذ حكومة بلا مؤسسية حزبية , اذ يسير دفة الحكم اشخاص معروفين بلا سند شعبي من جمهور و شباب الحركة الاسلامية ,فقد انشغلوا بأنفسهم أكثر من انشغالهم بأوضاع السودان , و ان استمر الحال هكذا فسيضيع السودان من بين أيدهم , و لربما يسقط فريسة في يد المستعمر الحديث , نسبة لأن الحكومة الحالية عبارة عن أداة تنفذ شروط المنظمات المالية العالمية الدائنة , و لن يكون الوقت مناسبا ً لها أكثر من هذا الوقت لتنفذ بنودها و أجندتها. لذا لابد من ان يبرز دور الشباب السوداني الغيور على وطنه , فليستغلوا كل وسائط الاعلام المتاحة لتوصيل صوته و شخصيته , و من ثم اقناع الشعب السوداني بمقدرته على الحل. فعلى الشباب كسر الاسطورة القديمة التي لا تعترف بغير رموز الحكم القديمة , فالشعب قد جربهم و تم احباطه , لذا على الشباب لعب هذا الدور الجديد فان نجحوا ستكون فعلا ثورة تاريخية سياسية و اجتماعية , لا تحمل سمات الثورات السودانية السابقة. و تكون لها مميزاتها الخاصة بهذا الجيل و متطلباته.
سادسا ً : على الشباب الابتعاد عن مثيرات الفتن و الصراعات العرقية و الاثنية و العقدية و التركيز على الفهم العادل , تطبيق مبدأ الوطن للجميع و الناس كلهم سواسية في الحقوق و الواجبات في هذه الرقعة التي تسمى السودان. و على الشباب تكوين جدار حماية قوي ضد افتراءات الاعلام الحكومي المضلل و صحافته المرتزقة و المرتشية. و ذلك بممارسة الكتابة في المواقع الاسفيرية بحكمة و اتزان بعيدا عن أي تعصب من أي جهة كانت. و لكي تنبني الارضية الاعلامية الراسخة التي تقود الشباب لجوء اعلامي عادل و نزيه و صادق فيما يقوله و يؤمن به.
و أخيراً ندع المجال مفتوحاً للاقتراحات و المبادرات ،، ،، ،،
|
|
|
|
|
|