|
غازي صلاح الدين بين المسرحية والجدية/فتح الرحمن عبد الباقي
|
غازي صلاح الدين بين المسرحية والجدية .
لا أحد يشك في أن الإنقاذ تدير عملها وحياتها عبر ربع قرن من الزمان بسياسة النعامة ، والتي تدفن رأسها في الرمال لكي تتفادى العدو ، ولكن بعد ذلك استحدثت ما هو جديد في علم السياسة السودانية ، وفي علم سياسة القهر والذل ، فاتخذت منهج المسرحيات ، وما يسمى باللعب على الذقون ، فها هو منهجها ، وهذه هي طريقتها لإدارة معظم ما الم بها من محن ومشاكل ، وما الم بالبلد من كوارث وفظائع متجددة ومتعددة .
مسلسل المسرحيات الحديث تغير في الفترة الأخيرة فهو متغير ومتجدد على حسب طبيعة الحال والمآل ، فبدلا من المذكرات المحاكة والمعدة ممن يسمون أنفسهم صادقي الحركة الإسلامية ، وليس منتفعيها ، وبين من يسمون أنفسهم بذلك ويسمون غيرهم بالسداحين المداحين ، عبيد السلطة ، بدؤوا يعدون المذكرة تلو الأخرى ، ويا لغريب الأمر ، فمؤتمر الشورى يفرد لذلك أجهزة الإعلام المتعددة والمتجددة ، من مرئية ومسموعة ومقروءة . ورغم أن هنالك مذكرات شديدة اللهجة في وقتها ، إلا أن أعضاءها ما زالوا يتنسمون عبير الإنقاذ ومؤتمرها الوطني ، ولم نرى منه سوى هدر الوقت . وشغل الناس فيما لا ينفع .
تحركت المسرحيات من المربع الأول الى المربع الذي يليه ، لتقول لنا بأن المسالة أصبحت إنشقاق وليس مذكرة فقط ، وليقوم المؤتمر الوطني بشطب عضوية من قدموا مذكرة الإصلاح الأخيرة ، وكان اعتراضهم على التوقيت وليس على مضمون المذكرة ، ويا لغرابة الأمر اعترض المؤتمر الوطني على توقيت المذكرة ، في حين أن المذكرة كان مضمونها ، رفض قرارات تمت صياغتها من قبل حكومة المؤتمر الوطني ، فمتى تريد الحكومة من أصحاب المذكرة أن يقدموا اعتراضهم ، وأن يقدموا مذكرتهم ، هل مطالبون بتقديمها قبل صياغة القرار ، أم تقديمها بعد عام من القرار الذي يعترضون عليه؟
تم تقديم المذكرة ورغم أن معظم المحللين السياسيين ، يعتبرونها مجرد ألعوبة من المؤتمر الوطني ، وربما تكون حكومة ثانية للمؤتمر الوطني إذا ما نجحت الاحتجاجات الأخيرة ، ليتم تقديمها بعد زوال حكومة المؤتمر الوطني وربما أبعدت عن حكومة المؤتمر الوطني شبح المساءلة والمطاردة ، إن لم تأت ببعض كوادر الحكومة السابقة . ويكون بذلك حكم الوجه الثاني من العملة .
لكن ومهما يكن نوع الحزب الذي يعلن في هذه الفترة ، ومهما يكن منبعه ومقصده ، ومهما كانت دوافعه وأهدافه ، في ظل الإحباط السياسي ، الذي يعيشه الشارع السوداني من قهر وظلم وفقر وتراجع في جميع مناحي الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية جراء سياسات الحكومة ، غير المدروسة ، وغير الموفقة ، وفي ظل تخبطها ، وتخبط وزرائها ، أمثال وزير المالية الذي يمرر قرار رفع الدعم عبر مجلس الوزراء ، ويطالب البرلمان تمرير قرار زيادة المرتبات عبر المجلس الوطني ، وفي ظل خيبة أمل الشارع السوداني من معارضي حكومة المؤتمر الوطني ، وعدم قدرة هذه المعارضة من فعل أي شيء ، أو أي أمل يلوح في الأفق القريب ، أو البعيد ، وما أحداث سبتمبر التي قدم فيها الشعب السوداني ، وجاد بنفسه رخيصة فداء للوطن .
في ظل هذه الظروف رحب المؤتمر الشعبي بقيادة زعيم الحركة الإسلامية في السودان ، ومهندس انقلاب 1989م الذي جاء بالبشير إلى الحكم ، وخروج الدكتور بعد المفاصلة في 1999م ، والتي يرى قليل من المحللين بأنها ، إحدى مسرحيات الإنقاذ الأولى ، رحب المؤتمر الشعبي بحزب الدكتور غازي العتباني ومجموعته ، واسماهم بالعائدين من صفوف المؤتمر الوطني ، وأكد بأنه مستعد للجلوس والتفاوض والتحاور والتعاون معهم ، وهذين المجموعتين ، مجموعة المؤتمر الشعبي ، ومجموعة الدكتور غازي العتباني الجديدة ، تمثل عمقا استراتيجيا لحزب المؤتمر الوطني ، وهما الأكثر خبرة ودراية بكل ما يدور في دهاليز وكواليس هذا الحزب .
في ظل هذا الوضع ، لمَ لا تستخدم بقية القوى المعارضة الدهاء والذكاء السياسي ، وتستفيد من هذه المجموعات ، والتي انضم إليها حديثا ، السيد الصادق المهدي ، وأكد بأنه على استعداد ، للجلوس والتفاوض مع هذه المجموعة الجديدة ، بعد أن أكد قبلها استعداده للسفر لمقابلة مسئولي الجبهة الثورية في الخارج ، لمَ لا تستغل القوى المعارضة ، هذه الفرصة التي قدمها لها فرعون المؤتمر الوطني ، وذلك باعتبار أن كل ما يدور الآن ما هو سوى لعبة أو مسرحية سياسية من قبل المؤتمر الوطني ، ولكنها مهما تكن ، فهي فرصة لتوحيد المعارضة السياسية ،ولو على بعض الأطر المتشابهة ، وجمع كلمة المعارضة ، ولو على إسقاط النظام ، رغم اختلاف آليات إسقاط النظام ، لمَ تفوت المعارضة على نفسها ما قدم إليها في طبق من ذهب ، وهو بمثابة القوة الإضافية التي يكتسبها لاعب الألعاب في طريقه إلى هدفه ، وحتى ولو رفض حزب غازي العتباني المعارضة فان مجرد ، إعلان استعداد المعارضة لوضع يدها على يد الدكتور غازي العتباني ، فان ذلك يشكل هما ، ويزلزل الأرض من تحت أقدام المؤتمر الوطني ، ويجعله أكثر تجاوبا مع مطالب الشعب ، بإنشاء حكومة انتقالية ، وصياغة دستور جديد ، وقيام الانتخابات في أقرب فرصة ممكنة ، فجرح البلد ينزف كل يوم ، ولا أمل لشفائه غير ذلك .
فتح الرحمن عبد الباقي
31 أكتوبر 2013
[email protected]
|
|
|
|
|
|