|
مستقبل السودان بين الاستقطاب والتوافق د.صبري محمد خليل/ أستاذ فلسفه القيم الاسلاميه بجامعه الخرطوم
|
مستقبل السودان بين الاستقطاب والتوافق د.صبري محمد خليل/ أستاذ فلسفه القيم الاسلاميه بجامعه الخرطوم [email protected] مستقبل السودان بين خيارين: هناك خياران- رئيسيان- يحددان مستقبل السودان: الخيار الأول(استمرار الاستقطاب) : الخيار الأول يقوم على ترك الامتداد التلقائي لواقع الاستقطاب"الصراع" السياسي،الاقتصادي،الاجتماعي... المجال السياسي ( مشكله التخلف الديمقراطي) : حيث يقوم هذا الخيار- في المجال السياسي- على الاستمرار في الأخذ بجمله من الآليات السياسية ، التي تسهم – موضوعيا- في استمرار مشكلة التخلف الديموقراطي (السياسي)،التي تتمثل في ضعف التقاليد الديمقراطية ، نتيجة لعوامل خارجية "كالاستعمار" وداخليه "كالاستبداد" متفاعلة، ومن هذه الآليات السياسية الأحزاب ذات الشكل الليبرالي، والتي هي معادل سياسي للنظام الاقتصادي الرأسمالي ، والقائم على المنافسة الحرة من اجل الربح، والتي أدى شيوعها في الواقع السياسي السوداني ، إلى أن أصبحت صله هذه الأحزاب بالواقع الاجتماعي ،انعكاس لواقع تخلف النمو الوطني والقومي، فأصبحت تعبيراً سياسياً عن الانغلاق القبلي أو الطائفي، ولا يمكن التحرر من هذا الانغلاق إلا بالتحرر من هذا الشكل الليبرالي ، والتحول من نخبه سياسيه إلى طليعة للمجتمع ، ومن هذه الآليات السياسية الخلط بين الدولة (بما هي مجموع: السلطة"الحكومة" والأرض "الوطن" والشعب على مر الأزمان)، والنظام السياسي (بما هو السلطة "الحكومة" في زمان ومكان معين)، هذا الخلط يتمظهر في عدة ظواهر أهمها شيوع معيار الولاء بدلا من الكفاءة لدى النظم المتعاقبة ، وعدم تمييز بعض قطاعات المعارضة بين استهداف الحكومة واستهداف مؤسسات الدولة، ولا يمكن التحرر من هذا الخلط إلا بالأخذ بالكفائه كمعيار وحيد للوظيفة العامة ، والتمييز بين السلطة والدولة. مجال العلاقة بين الدين والدولة(بين الثيوقراطيه والعلمانية) : كما يقوم هذا الخيار على استمرار الاستقطاب بين النخب السياسية السودانية ، في قضيه العلاقة بين الدين والدولة ، حيث تتبنى بعض هذه النخب السياسية مذاهب سياسيه تقارب مذهب الثيوقراطيه (الدولة الدينية بالمفهوم الغربي)، والقائم على جعل العلاقة بين الدين والدولة علاقة خلط (وليست علاقة ارتباط )، وهو ما يلزم منه انفراد فرد معين أو فئة معينه بالسلطة الدينية " الروحية"(وبالتالي السلطة السياسية أيضا) دون الشعب، وهذه النخب السياسية تتجاهل حقيقة أن هذا المذهب مرفوض إسلاميا لأنه يودى إلى تحويل المطلق (الدين) إلى محدود (الدولة أو السلطة) أو العكس ، وبالتالي إضفاء قدسيه الدين على البشر ، و هو ما رفضه الإسلام حين ميز بين التشريع كوضع الهي ثابت ، والاجتهاد ككسب بشرى متغير. كما تتبنى بعض هذه النخب السياسية مذهب العلمانية والقائم على جعل العلاقة بين الدين والدولة علاقة فصل ،(وليست علاقة تمييز) فصل الدين عن الدولة، اى فصل السلطة الدينية (الروحية) عن السلطة السياسية ، وهذه النخب تتجاهل حقيقة أن العلمانية التي كانت في الأصل جزء من الديانة المسيحية، تحولت إلي تيار فكرى معين ، ظهر في مرحله معينه من مراحل التاريخ الاوربى، تحول إلي ثوره ضد تدخل الكنيسة في الحكم ، انتهى إلي أقامه نظام علماني في موقفه من الدين ، فردى في موقفه من المجتمع ، راسمالى في موقفه من الاقتصاد، ديمقراطي ليبرالي في موقفه من الدولة، كان محصله عوامل ثقافية ونفسيه وتاريخية وحضارية... ، سادت أوربا نحو سبعه قرون. وبالتالي فانه بالاضافه إلى أن الحل الذي قدمته العلمانية لا يعبر عن الحل الإسلامي للمشكلة ، فان جوهر الدعوة إلى العلمانية في مجتمع اسلامى ،هو أن تستبدل المفاهيم والقيم والقواعد الاسلاميه، بالمفاهيم والقيم والقواعد الغربية، لتحقيق قدر من الشعور المستقر بالانتماء إلى الحضارة الغربية ، وهو مضمون التغريب. المجال الاقتصادي(تخلف النمو الاقتصادي) : كما يقوم هذا الخيار - في المجال الاقتصادي - على الاستمرار في الأخذ بجمله من السياسات الاقتصادية ، التي تسهم – موضوعيا- في استمرار مشكلة تخلف النمو الاقتصادي السوداني، والمتمثلة في عجزه عن الاستغلال الأمثل لموارده المادية والبشرية المتاحة له، ومن هذه السياسات الاقتصادية، اتخاذ موقف القبول المطلق للخصخصة، وهى الاليه الاساسيه للنظام الاقتصادي الراسمالى- والذي تم تطبيقه في السودان عبر مراحل ونظم متعاقبة ، وتزايدت وتيرة تطبيقه في الفترة الاخيره - بحجه انه في ظل هذه الخصخصة ، تم تحقيق قدر كبير من التقدم الاقتصادي ، مع تجاهل حقيقة أن الذي يستفيد من التقدم الاقتصادي ، في اى نظام اقتصادي راسمالى هم الاقليه وليس الاغلبيه. المجال القانوني(المقياس الخاص للاستقرار): كما يقوم هذا الخيار - في المجال القانوني -على الاستمرار في الأخذ بمقياس خاص واستثنائي للاستقرار غير المقياس القانوني له ، وإذا كان المسوغ الذي يستند إليه هذا الخيار هو تحقيق الاستقرار، فان الأخذ بهذا المقاس للاستقرار لن يؤدى – على المدى البعيد- إلا إلى عدم الاستقرار ، إذ لا يستطيع أحد من الناس وهو يمارس حياته ، ويدخل في علاقات خاصة أو عامة مع غيره ،أن يعرف مقدما أن ما يقوم به يطابق أو لا يطابق مع هذا المقياس الخاص. مجال العلاقة بين دولتي السودان (الانفصال الاجتماعي): كما يقوم هذا الخيار- في مجال العلاقة بين دولتي السودان،على العمل على محاوله إلغاء الروابط الموضوعية (الجغرافية،التاريخية،الاجتماعية،الحضارية…) بين الشمال والجنوب ، بعد الانفصال السياسي للجنوب ، اى الانتقال من الانفصال السياسي إلى الانفصال الاجتماعي، وإذا كان المسوغ الذي يستند إليه هذا الخيار هو حسم الخلافات بين دولتي السودان، فان هذه المحاولة وان كانت غير قادرة على إلغاء هذه الروابط،إلا أنها قد تمهد الطريق، أمام مزيد من التفتيت،على أساس شعوبي أو قبلي في دولتي السودان . التغيير (الشروط الذاتية للثورة): واستمرار الأخذ بهذا الخيار يؤدى (موضوعيا) إلى اكتمال نضح الشروط الذاتية للثورة (امتلاك الجماهير المقدرة الشعبية على فرض إرادتها)، ومن ثم حتمية قيامها، بصرف النظر عن النوايا (الذاتية) لأصحابه. وهنا نجد أن دعوه الشعب إلى عدم القيام بالثورة- بدلا من العمل على القضاء على العوامل التي تؤدى إليها- يتناقض مع حقيقة أن الثورة ليست فكره( ذاتيه) ، بل هي فعل جماعي تلقائي، تضبط حركته سنن إلهيه (قوانين) موضوعيه، (غير متوقفة على الوعي أو عدم الوعي بها)، كما أنها ليست قرار فردى ارادى (اختياري)، بل هي ظاهره اجتماعيه تتحقق (حتما) في حال توافر شروطها. كما ان نفى صفه الثورة عن الاحتجاجات والهبات الشعبية قائم على أساس غير علمي هو تجاهل الخاصية التراكمية (الظاهرة أو الباطنه) للثورة. الخيار الثاني(التوافق) : أما الخيار الثاني فيقوم على وقف الامتداد التلقائي لواقع الاستقطاب ، والانتقال إلى التوافق " المشاركة" السياسي ، الاقتصادي، الاجتماعي... المجال السياسي: حيث يقوم هذا الخيار – في المجال السياسي- على حل مشكلة التخلف الديمقراطي(السياسي)، بالأخذ بجمله من الآليات السياسية ومنها: العمل على ترسيخ الديموقراطيه (كقيمه وممارسه )، وإقرار الحريات والحقوق السياسية والاقتصادية والاجتماعية ، والحوار بين مكونات الشعب المختلفة، من اجل التوافق على ما هو مشترك من ثوابت الوطن، والجمع بين معياري الاغلبيه والتوافق (الديموقراطيه التوافقية )، وذلك بالتوافق على صيغه للحكم تجمع بين حكم الاغلبيه (البرلمانية)،وإقرار دور فاعل لكافه مكونات المجتمع : الاجتماعية والدينية والعرقية والوظيفية... وحفظ حقوق هذه المكونات على المستوى الدستوري ، و تفعيل مؤسسات المجتمع المدني... مجال العلاقة بين الدين والدولة:(مدنيه السلطة ودينيه التشريع "مصدره الاساسى" ) : كما يقوم هذا الخيار على تجاوز الاستقطاب بين الثيوقراطيه(الدولة الديني بالمفهوم الغربي) والعلمانية،إلى التوافق على مدنيه السلطة ودينيه التشريع ، ففيما يتعلق بمدنيه السلطة نجد ان المنظور السياسي الاسلامى لا يتناقض مع الدلالة العامة - المشتركة لمصطلح الدولة المدنية التي تسند السلطة للشعب، والتي يكون الحاكم فيها نائب عنه ، لا تنفرد بها دونه كمحصله لانفراده بالسلطة الروحية، لأنه استند كل من السلطة السياسية (التي عبر عنها القران الكريم بمصطلح الأمر )، والسلطة الدينية (والتي عبر عنها القران بمصطلح الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر) إلى الجماعة بموجب عموم الاستخلاف، قال تعالى(وأمرهم شورى بينهم)، وقال تعالى (كنتم خير أمه أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر) ولان الحاكم وكيل عن الجماعة ، له حق تعينها ومراقبتها وعزلها ، يقول أبو يعلي أن الخليفة ( وكيل للمسلمين ) (الماوردي، الأحكام السلطانية، ص 7 ).أما فيما يتعلق بدينيه التشريع فان المقصود بالتشريع هنا مصدره الاساسى، وذلك بأن تكون أصول الشريعة (التي مصدرها النصوص اليقينية الورود القطعية الدلالة)،هي المصدر الاساسى للتشريع،على أن تكون فروعها(التي مصدرها النصوص الظنية الورود والدلالة) احد مصادر التشريع ، فتكون نقطه بداية للاجتهاد التشريعي وليست نقطه نهاية له ، بالاضافه إلى مصادر أخرى للتشريع كالعرف والإسهامات القانونية للمجتمعات المعاصرة ،بشرط عدم تعارضهما مع أصول الدين، وهذا التوافق على مدنيه السلطة ودينيه التشريع " اومصدره الاساسى" يتفق مع الحل الإسلامي الصحيح ، لقضية العلاقة بين الدين والدولة،والذي يجعل العلاقة بينهما علاقة ارتباط (وليست علاقة خلط كما في الثيوقراطيه) لان السلطة في الإسلام مقيده بجمله من القواعد الآمرة أو الناهية التي لا يباح مخالفتها، وعلاقة تمييز(وليست علاقة فصل كما في العلمانية)، لان الإسلام ميز بين التشريع كوضع الهي ثابت ، والاجتهاد ككسب بشرى متغير. المجال الاقتصادي (التقدم الاقتصادي): كما يقوم هذا الخيار - في المجال الاقتصادي - على الأخذ بجمله من السياسات الاقتصادية التي تسهم في تجاوز تخلف النمو الاقتصادي ، و تحقيق التقدم الاقتصادي ومنها: التأكيد على دور الدولة في الاقتصاد ، مع العمل على إصلاح القطاع العام،ودعم السلع الضرورية والاستراتيجيه، ووضع ضوابط للسوق، وتوجيه القطاع الخاص والاستثمار الاجنبى نحو المجالات الانتاجيه التي تحقق الفائدة للمجتمع، وليس المجالات الاستهلاكية على حساب المجتمع، وتفعيل مؤسسات الضمان الاجتماعي، ومؤسسات المجتمع المدني ذات الصلة كالجمعيات التعاونية والنقابات، وتجاوز موقفي القبول المطلق أو الرفض المطلق للخصخصة ، إلى الموقف النقدي منها قائم على: عدم خصخصة المؤسسات الإستراتيجية، وضمان ديمقراطية خصخصة المؤسسات الأخرى بالرجوع إلي الشعب ورقابه الدولة ، والعمل على اعتبار أن تحقيق العدالة الاجتماعية هو احد الغايات الاساسيه للنشاط الاقتصادي للدولة، وتحقيق التوازن بين تحفيز النمو الاقتصادي ، وعدالة توزيع نائج هذا النمو الاقتصادي.... المجال القانوني(المقياس القانوني للاستقرار) : كما يقوم هذا الخيار – فى المجال القانوني- على الحفاظ على الاستقرار طبقا للمقياس القانوني،اى اتفاق علاقات الناس مع القانون . مجال مكافحة الفساد: كما يقوم هذا الخيار- في مجال مكافحه الفساد - على وضع آليات وقوانين لمكافحه الفساد مثل : وضع ضوابط للمنافسة بين القطاعين العام والخاص كدعم القطاع العام ، وتفعيل الرقابة فيه ،وتحفيز العاملين به ، وان يكون لكل قطاع مجالات محدده مقصورة عليه وحده . و تطوير نظام اختيار وتعيين وترقية العاملين اعتمادا على مبدأ الكفائه وليس الولاء، و إصدار قوانين صارمة لمكافحة الفساد وتطبيق مبدأ من أين لك هذا... مجال حل مشكله التهميش : كما يقوم هذا الخيار- في مجال حل مشكله التهميش- على الإقرار بمشكله التهميش باعتبار أنها مشكله ذات أبعاد متعددة " تاريخيه ، اقتصاديه ، سياسيه، عرقيه…" ، وليست ذات بعد واحد، وإنها مشكله عامه وليست مشكله خاصة، وأنها محصله تراكم تاريخي طويل، وبالتالي فان حلها على المستوى العملي يكون بالعمل المشترك والتدريجي "بالانتقال من ما هو كائن ،إلى ما هو الممكن، إلى ما ينبغي أن يكون",أما حلها على المستوى الفكري فيكون من خلال رفض مذاهب الوحدة المطلقة ، وتبنى مذهب العلاقة الجدلية بين الوحدة والتعدد في مجالات الهوية،المجال السياسي، الاقتصادي،القانوني،الثقافي…. مجال العلاقة بين دولتي السودان (الانفصال السياسي):كما يقوم هذا الخيار – في مجال العلاقة بين دولتي السودان- على ضمان عدم التراجع خطوات أخرى للوراء بمزيد من التفتيت ، وذلك عبر التوافق بين النخب السياسية السودانية في الشمال والجنوب ، على جمله من القواعد والقوانين والاتفاقيات..القانونية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية…التي تتيح للروابط الموضوعية (الجغرافية،التاريخية،الاجتماعية،الحضارية…)،التي ستظل تشد أجزاء الوطن الواحد رغم الانفصال السياسي، أن تعبر عن ذاتها بأقصى درجه ممكنه في ظل هذا الانفصال السياسي، و تقلل من مقدره الحدود السياسية على تعطيلها، والعمل على حل الخلافات عبر التفاوض، والتوافق على تحقيق الاستقرار في دولتي السودان، والعمل على اتخاذ كل الخطوات – الممكنة - للأمام باتجاه الوحدة . الإصلاح: هذا الخيار يقوم على- في مجال التغيير- على إعطاء الاولويه للإصلاح كأسلوب للتغيير يتصف بالسلمية والتدرج ، مع الإقرار بأن هذه الاولويه مقصورة على حاله عدم اكتمال توافر شروط الثورة "الذاتية والموضوعية"، كما أن الخيار يدعو إلى تجاوز الرؤية الجزئية للعلاقة بين الأبعاد المتعددة للتغيير، والقائمة على التركيز على بعد معين للتغيير، وتجاهل أبعاده الأخرى، والأخذ بالرؤية الشاملة للعلاقة بين الإبعاد المتعددة للتغير، والتي تجعل العلاقة بين هذه الأبعاد المتعددة ، علاقة تحديد وتكامل وليست علاقة إلغاء وتناقض ، فتجمع هذه الرؤية بين التغيير الادارى كنمط تغيير ذاتي يتصل بالأشخاص، والتغيير السياسي كنمط تغيير موضوعي يتصل بالنظم، والتغيير الحضاري كنمط تغيير يجمع بين الذاتي والموضوعي ، ويتصل بالبنية السياسية/الاجتماعية للمجتمع (التي تتضمن أنماط التفكير و النظم الاجتماعية) . -للاطلاع على مقالات أخرى للدكتور صبري محمد خليل يمكن زيارة العنوان (http://drsabrikhalil.wordpress.com.
|
|
|
|
|
|