|
الإسلام و الحداثة بقلم / نوري حمدون – الأبيض – السودان
|
الإسلام و الحداثة بقلم / نوري حمدون – الأبيض – السودان معلوم أن الإسلام ظهر قبل أكثر من 1400 عام في شبه صحراء الجزيرة العربية وسط قوم لم تعرف لهم حضارة من صنيعهم قبل ذلك التاريخ . فألأرض كانت أقسى من أن تحتمل أي شكل من أشكال الحياة الطبيعية . و لعل النازحين الأوائل الذين شكلوا فيما بعد السكان الأصليين لتلك المنطقة قد جاؤوا اليها فرارا بأرواحهم من المناطق الحضرية حول الجزيرة العربية في اليمن و الشام أو مصر و أفريقيا . فهجرة الناس الى الجزيرة العربية لم تكن كهجرة الناس الى الأرض الجديدة في أمريكا حيث كل شئ مثمر و يانع و أخضر . و الجزيرة العربية كانت الأرض التي لا تعرف غير الحجر و الغبار و السعير . و كان أفضل شكل للحياة يمكن تكوينة هو الحياة الجاهلية القائمة على القوة و القسوة و الجفاف . و مع مرور الزمن صار لتلك البيئة الجاهلية قبائل و أعراف و أديان و حوار مع السكان المجاورين من أدنى الجنوب الى أقصى الشمال . و أبرز ما نتج عن ذلك المجتمع الجاهلي هو التعددية الدينية لأن الحياة كانت أشرس من أن تترك مجالا للتقاتل بسبب الدين . عرف المجتمع الجاهلي الحنيفية و اليهودية و المسيحية و الوثنية و الإلحاد .. و لكنه لم يعرف الحروب الدينية . عرف المجتمع الجاهلي كعبة مكة التي كانت يقبع فيها مئات الأصنام إلى جانب صورة مريم البتول . فإذا جاء دين جديد يخاطب أولئك الناس فماذا سيكون فحوى ذلك الخطاب ؟ لقد جاء الدين الإسلامي ليجمع الناس حول المفهوم الحقيقي للدين و هو الإيمان بالله و العمل الصالح . و كان بعضهم بعيدين عن عبادة الله لدرجة عبادة الأصنام .. و كان بعضهم بعيدين عن العمل الصالح لدرجة قتل الموؤودة . و لقد سلك الخطاب الإسلامي مسالكهم في الكلام و التعبير و في الإفحام و التبرير و أدواتهم في العمل و الإنجاز . و كان البون شاسعا بين الذي يطلبه الإسلام و بين الذي عليه الجاهليين . و لم يكن ممكنا و لا حتى بعد عشرة قرون من الدعوة في مكة أن يخرج بأفضل مما خرج به بعد عشرة أعوام و هو في طريقه الى يثرب . و عندما مات الرسول (ص) لا يستطيع أفضل المتفائلين أن يقول أكثر من أن الرسول قد بلغ الرسالة أو الخطاب الذي فحواه كما قلنا هو الإيمان بالله و العمل الصالح . أما القول ان الجاهليين قد صاروا مؤمنين و يعملون العمل الصالح فذلك ما لا سبيل الى قوله بالفم الملآن إلا أماني . فذلك أبوبكر تمردت عليه القبائل و أضطر الى حربها الى أن مات . و هذا عمر ينطلق بالناس لفتح الدول المجاورة . و هذا عثمان يحاصره الثوار فيقتلونه بدم بارد . و هذا على يخرج من عاصمته ليخمد الثورات المتعددة هنا و هناك و لا يعود الى تلك العاصمة إلا مقتولا . و هذا معاوية جاء الى الخلافة فجعلها ملكا عضوضا . لقد كانت رسالة الإسلام واضحة و محددة .. الإيمان بالله و العمل الصالح . كما قدمت رسالة الإسلام آليات واضحات و محددات لمعالجة أهم الآفات في ذلك المجتمع مثل السكر و الزنا و قذف المحصنات و مثل السرقة و الربا و قتل النفس التي حرم الله . و لم يحتج ذلك المجتمع الى قانون أو دستور مكتوب بل و لم يحتج الى قرآن مكتوب في أفضل فتراته . و أما الحديث النبوي فلم يكتبوه حتى بعد أن كتبوا القرآن . و رغم ذلك فلم تكن رسالة الإسلام بسيطة و سهلة ليهضمها الجاهلييون في عشرة أعوام . و لكنها أيضا لم تكن واسعة و ناطقة بلسان زمانها و الزمان الآتي أيضا . لقد فهمها أفضل تلاميذ الرسول (ص) .. و هم الصحابة .. علي خير وجه لدرجة أن مارسوا معها الإجتهاد في أفضل صوره على النحو الذي أشرنا اليه أعلاه . ثم .. مضت الأيام .. و السنين .. و القرون .. لنجد أنفسنا نحن أبناء القرن الحادي و العشرين أمام مطلبين : الأول يدعونا الى إعمال الآليات التي أصلحت المجتمع الجاهلي و المتمثلة فيما يسمى أحكام الشريعة الإسلامية . و الثاني يدعونا الى أن نصدق بأن رسالة الإسلام تحمل نفس مفاهيم القرن الحادي و العشرين و التي تسمى بأفكار الحداثة . و الواقع , فإن تطبيق الشريعة اليوم لأسهل بكثير من تصديق أن رسالة الإسلام تحمل أفكار الحداثة . نحن هنا أمام منتجات فكرية منوط بها تغيير وجه الحياة تعود الى حقبتين زمنيتين بينهما زهاء ألف و أربعمائة عام . فهما إذن ليسا في موقع التنافس و لا نحن إزاءهما في موقع الإختيار أصلا . فما أسهل أن تحمل الشريعة بيد , و الحداثة باليد الأخرى و تواصل المسير الحثيث الى المستقبل الموعود . فنحن نرى أن الإسلام لا يتناقض (عند القراءة الحثيثة) مع أفكار الحداثة . و لكننا نؤكد على أن الإسلام لم يأت على ذكر أفكار الحداثة . إن البعض الذين يرون أن الإسلام قد حوى أفكار الحداثة يدفعهم الحنين الكبير الى الماضي الجميل من جانب و التقديس المفرط لأهم مفردات ذلك الماضي التي يمثلها القرآن من جانب آخر . و إلا فأين نجد أن الرسول قد تحدث الى المكيين و اليثاربة عن الديمقراطية و حقوق الإنسان و العولمة و الحكومة المدنية و المنهج العلمي ؟ إن الدعوة للمشاورة في الأمر تحتاج الي آلية تشير اليها كلمات مثل : الدستور و القانون و الأحزاب و الإنتخابات و الترشيح و التصويت و الفرز و لجان المراقبة و المراقبة الدولية و إعلان الفائز و قبول النتيجة و البرلمان و ممثل الدائرة و الناخبين و تكوين الحكومة و رقابتها و محاسبتها و عزلها . فأين الشورى من كل ذلك ؟ و أما القول أن الله قد كرم بني آدم فقول يجب ان تدعمه الآليات التي تشير اليها كلمات مثل : تحريم الرق .. و المساواة بين الرجل و المرأة في الحقوق و الواجبات في الزواج و العمل و الدراسة .. و عدم تفضيل أحد على أحد بالتقوى أو الدين أو اللون أو الجنس أو العنصر أو اللغة .. و الشراكة في ماء الشرب النظيف و التعليم و الصحة و الأمن .. و المشاركة في إتخاذ القرار .. و الحق في تكوين جماعات و نقابات و أحزاب . و هل البشرية إستوعبت هذه المفاهيم في عشرة قرون ليستوعبها الجاهليون في عشرة أعوام إن كانت قد قدمت لهم فعلا ؟ كيف للجاهليين أن يستوعبوا مفاهيم العولمة و هم لم يعرفوا عن العالم سوى أسواق رحلتى الشتاء و الصيف و معظمها أسواق للنخاسة ؟ و كيف يكون القرآن قد جاء على ذكر العولمة و قد كان خطابه خاصا للناس في مكة ثم المؤمنين في يثرب .. ثم خاطب ما عداهم بالمشركين و الكافرين و أهل الكتاب و المنافقين و أشار الى مكانهم المميز في نار جهنم ؟ و هل تحدث القرآن عن الحكومة المدنية و عن مفهوم الفصل بين السلطات و أن الدولة لا دين لها و أنها على الأصح تقف على مسافة واحدة من أصحاب الأديان .. و أن القوانين يؤلفها البشر وفق منظورهم الثقافي و يعدلوا فيها كل حين وفق مصالحهم المتجددة ؟ و أخيرا .. ماذا قال القرآن عن المنهج العلمي القائم على الملاحظة و التجربة و الإستنتاج بوجدان و عقل تم عزله عن جميع المؤثرات بما فيها المؤثرات الغيبية و الأخرى المتعلقة بالحلال و الحرام ؟ و عند هذه النقطة بالذات يتضح جليا أننا نتحدث عن مستويين من المفاهيم و الأفكار و العوالم . و لا يمكن لأى عنصر في أحد المستويين أن يكون فاعلا و نشطا بنفس الدرجة و الكفاءة في المستوى الآخر . و القرآن نفسه يقول أنه قد جعل لكل أمة شرعة و منهاجا . فلم يكن ممكنا للرسول (ص) أن يحدث الجاهليين عن أفكار الحداثة قبل زمنها بألف و أربعمائة عام . إن القمر يبعد عنا بعدا واضحا . و لطالما أعجبنا منظره الجميل و ضوؤه الفضي و أعجبنا منه أكثر ذلك التقلب السحري في حجمه من حين لآخر . و لكن الحقيقة هي أننا لا يمكننا أن نفكر في العيش فوق سطحه كما نحيا على سطح الأرض . و إذا كنا عنيدين بما يكفي لنفعل ذلك فإننا حتما سنحتاج لكبسولة تحقق لنا شروطنا التي نعرفها و نحيا عليها في بيئة الأرض و في نفس الوقت تقوم هذه الكبسولة أيضا بحمايتنا من أضرار و شروط بيئة القمر . لقد أصبح كل واحد منا في مستوى مختلف و عالم آخر . و لذلك يكفي أن نأخذ من القمر ضوءه الفضي الساحر الكافي ليؤثر علي كل المسطحات المائية مدا و جزرا و يدفع بإتجاه الحياة الإيجابية فوق الأرض .. تلك الحياة المتشوقة للمستقبل و التي تستعصي على الوقوف عند اللحظة .. و يستحيل ان تبذل أي جهد بإتجاه العودة الى الماضي . بقلم / نوري حمدون – الأبيض – السودان
|
|
|
|
|
|