|
رحم الله الدكتور الإنسان يحيى محمد محمود الملك د محمد احمد بدين- جدة
|
رحم الله الدكتور الإنسان يحيى محمد محمود الملك د محمد احمد بدين- جدة
نسال الله ألعلي القدير أن يتغمد الأخ يحيى بواسع رحمته، وان يدخله فسيح جناته... وان يغفر لي هذا التأخير في رثائه، ولكنه الحزن الذي يلم بالمرء فيشل تفكيره ويصيبه بالعجز... رغم ذلك كنت واثقا من أنني سوف ارثي الأخ يحيى ولو بعد حين. واشكر الأخ العزيز الدكتور حسين ادم الحاج، والأخ الشاعر عالم عباس محمد نور، اللذان شجعاني بمقاليهما الرائعين في رثاء الأخ دكتور يحيى، وعن الفاشر وأعيانها، وعن الملك رحمة الله ووالده، على رثاء الأخ يحيى. والاخ عالم هو الذي هاتفني ليلا ونقل إلي فجيعة وفاة الأخ يحيى عند حدوثها مباشرة، وحتى قبل دفنه. لا يمكن لشخص مهما أوتي من فصاحة الكلم أن يوفي وصف صفات وأخلاق، وشهامة، ومروءة الأخ يحيى. وحسبك أن تقول في الفاشر " يحيى الملك" وكفى... كان ملكا في أخلاقه، وفي وفائه لأصدقائه، وفي كل شيء. كان – كما قال الأخ الدكتور حسين ادم الحاج في رثائه ، علما من أعلام مدينة الفاشر، وعن جدارة.. يحيى كان أخي، والصديق الحبيب إلى نفسي؛ وان أنسى كل شيء لا يمكنني قط أن أنسى عند خروجي من السودان إلى المملكة العربية السعودية في عام 1983ن، كان في وداعي في مطار الخرطوم، شخصان فقط رافقاني حتى الصالة الداخلية، هما الأخ يحيى والأخ محمد صالح موسى رحمهما الله. يحيى يتمتع بشجاعة نادرة، منها ما خبرتها بنفسي، ومنها من حكي لي عنها. اذكر في رحلة لنا أيام الشباب إلى جبل مرة، ضمت مجموعة من الأصدقاء من أبناء الفاشر البررة من ضمنها الأخ يحيى. وكانت هناك بركة كبيرة وعميقة في نرتتي تسمى بركة الفيل، لأنها ابتلعت فيلا بأكمله كما تروي الروايات. وكي يعبر الناس من طرف إلى طرف آخر كان هناك ما يشبه جذع الشجرة يستخدمه الناس جالسون ويزحفون إلى الجانب الآخر في حيطة وحذر، والبحيرة عميقة لكنها غير متسعة. وبينما الكل يعبر بهذه الطريقة، إذا بنا نرى الأخ يحيى يعبر البحيرة مشيا على أقدامه، إن لم نقل مهرولا!!! وحكى لي الأخ الصديق الطيب عبد المجيد عند تعزيته لي هاتفيا، كيف أن الأطباء الذين كانوا يعالجون الدكتور يحيى يحكون عن شجاعته الملفتة في تعامله مع المرض، وتقبله للأمر الواقع، دون جزع أو رهبة.. لم نتزامل في المراحل الدراسية، فالأخ يحيى يكبرني بحوالي الثلاثة أعوام، لكن جمعتنا المدرسة الكبرى، مدينة الفاشر العريقة، نلتقي شلة من الأصدقاء، البروفيسور محمود موسى، الأخ سعيد ،وعبد الماجد، وعبد الحميد أبناء العم المرحوم احمد أمين ، والأخ مختار محمد علي والأخ يحيى ليلا ونهارا، في جميع المناسبات، في شتى أطراف الفاشر؛ نمرح ونسرح في برد الشباب،ولم نكن ندري أن الدنيا سوف تصبح كئببة يوما ما... اذكر إننا كنا ذات يوم نردد في فرح وسرور في دارنا مع المغنية الكردفانية " ام بلينة السنوسي أغنيتها المشهورة" الحياة حلوة، والجمال خلاب، يسحر الألباب" وكانت الوالدة رحمها الله تستمع إلينا، فقالت" والله يا عيالي الدنيا ما حلوة.. الدنيا شينة.. لكن الله ما يوريكم شناتها!" يا ويحنا فقد كشرت لنا الدنيا عن أنيابها، وصدق فيها قول الوالدة.... كنا أثناء عودتنا إلى الدور لتناول وجبة الغداء أثناء فترة قضاء الإجازة في الفاشر، نمر بمنزل أسرة الأخ يحيى، وكانت شقيقته الأخت الأستاذة نفيسة، تكرم وفادتنا بالمثلجات، وخاصة الجلي اللذيذ، في جو الصيف الحار، في أريحيىة وكرم فياض، والأخ يحيى يغمرنا بضحكاته الصافية المجلجلة..... وذلك قبل أن نواصل مشوارنا الذي يكون دائما مشيا على الأقدام. ونعود ونلتقي ليلا، لا نعرف شيئا غير سرد النكات، والملح ، والطرائف، ولا نحس بطول المشوار مهما طال الطريق، فالسمر، والأنس، ونسمات الليل الباردة، ورومانسية الليالي المقمرة في مدينة لا تعرف الكهرباء، كلها تفقد الإنسان الإحساس بالتعب والسام والفتور. عندما أهديته كتابي" صدى الذكريات"، اتصل بي شاكرا، ومعجبا، واخبرني انه لشدة حرصه على الكتاب، كان كلما يقرا جزءا ، يقوم بحفظ الكتاب في مكان سري حتى لا يراه احد، فيطلب منه، حتى مجرد تصفحه ناهيك عن استعارته! آخر مرة قابلت فيها الأخ يحيى كانت في مناسبة احد الأعياد في حديقة عامة في امدرمان في عام 2007م، جمعت كافة أطياف أبناء وبنات الفاشر، والغريبة جمعتني أيضا بالأخ الدكتور حسين ادم الحاج بعد غيبة طويلة. وكانت مع يحيىى شقيقته نفيسة- وهما قلما يفترقان، ويكنان لبعض حبا لا يوصف.. يا فجيعة الأخت نفيسة في شقيقها يحيى، الذي كان رجلا ليس ككل الرجال! واذكر إن الأخت نفيسة التي جاءت مقابلتنا بعد فترة غياب تعدت العشرين عاما، أن قالت لي مازحة، بعد أن رأت اشتعال الرأس شيبا:" كبرت يا بدين!" فأجبتها":" والغريبة أنت صغرتي يا نفيسة" وضحكنا معا ثم افترقنا، وكانت آخر مرة أرى فيها الأخ يحيى. ولان الأخت نفيسة أيضا سليلة الملوك من آل محمود دبج ، فلابد أن تتمتع بأخلاق بنات الملوك من صبر وجلد... فلقد تلقت الصدمة برباطة جاش، وإيمان بالقدر، لاحظته عليها وأنا اعزيها بالهاتف ومعها عمنا الملك رحمة الله. واذكر إن الأخ يحيى حكى في هذه المناسبة وهو على المسرح عندما اتيحت له فرصة التحدث: فذكر أن مجموعة من التنظيمات الدارفورية اجتمعت لاختيار رؤساء لجان، في هذا الزمن الهباب، الذي لا يرشح فيه شخص لمنصب ما قبل أن يسال عن قبيلته ، أما تعليمه، وأخلاقه، وكفاءته ، ونزاهته، فهي أمور لا تخطر على بال. ولما رشح احدهم الدكتور يحيى، سال البعض قائلين: " ويحيى دا جنسو شنو؟؟" فأجاب العارفون ببواطن الأمور، دكتور يحيى من الفاشر، وناس الفاشر ما عندهم قبائل! ما أعظمها من مدينة، وما أعظم ساكنيها من كان!!. أما عمه العم العزيز الملك رحمة الله ، فقد كان ولا يزال شخصا محترما، وموقرا عند كل سكان الفاشر لشهامته، ومرؤ ته، ومهابته. كنت كثيرا ما أقابله عندما يزور صديقه عمي علي بدين ليلا في داره أو يقضي معه سحابة يومه في شركة شل، التي يعمل بها العم علي بدين رحمه الله. وكان مجلسهم يضم ثلة من أعيان ووجهاء الفاشر، اذكر منهم العم الطيب محمد نور وإبراهيم محمد نور – عما الأخ الشاعر عالم عباس- وعمر الحاج، وأبو ستة، وعلي احمد حامد، رحمهم الله جميعا، وغيرهم وغيرهم.... ولقد لاحظت خصلة غريبة في الملك.. فهو يشارك أصحابه الحديث في كل شيء ، لكن عندما يدور الحديث عن أشخاص، يلتزم الملك الصمت ولا يخوض في ايجابيات أو سلبيات المتحدث عنه قط. رحم الله الأخ الصديق دكتور يحيى ، وأحسن إليه كما أحسن الي غيره، والزم أسرته، و آله، وصحبه الصبر الجميل، والعزاء موصول للابنة الدكتورة سلمى والابن الدكتور ياسر.
|
|
|
|
|
|