|
بين بكَّارتين/د.أمل الكردفاني
|
بين بكَّارتين
"الغريزة الجنسية ، تحمل في قوامها ، ليس من الناحية السايكولوجية فحسب، بل من الناحيتين الأخلاقية والفلسفية الطبيعية شبهاً عميقاً بالقتل"
(فينينغر، الجنس والطبع، 1914)
*مقدمة ماقبل التساؤل:
أعتقد أنه قد آن الأوان كي نفكر بحرية ، فعالمنا يزداد تعقيداً يوما بعد يوم . علينا أن نتحرك داخل كهوف مخاوفنا ، لكي نطرح الأسئلة الصحيحة. فطرح السؤال بشكل صحيح كما يقول دولوز يحمل في طياته الإجابة الصحيحة مباشرة.
علينا أن نتحدث عن حياتنا لأنها هي الشيء الوحيد المؤكد والذي يجب أن نتعامل معه بكل وضوح. لقد أحببت كثيراً روايات ميلان كونديرا لأنه تخلص من تلك التابوهات ال########ة التي تعشش بين الكلمات . لقد قال في روايته "إدوار والله" : (مخلوقات دون جوهر راسخ). إنه يعني حالة الإضطراب التي تجتاحنا نتيجة كبت عمل العقل ، بل ومحاصرته ، بل وقمعه ذاتياً ، نتبنى مواقف عديدة بتعنت ثم تنهار هذه المواقف بسرعة وينهار تعنتنا معها ، لقد حدث هذا معي شخصياً ، كنت أتبع قرارات الآخرين (الإجتماعية والأسرية والسياسية)، حتى توقفت يوماً أمام مرآتي الذاتية وصرخت :
- أنت تشوه حقيقتك.
حينئذٍ قررت أن أقول كل شيء وفي أي شيء ، ولتذهب القوانين القمعية الإجتماعية إلى الجحيم . حينئذٍ ... تحررت. ولكن لكل حرية ضريبتها ، مأساتها ، شقاؤها ، ولذتها أيضاً.
كنت عبداً من عبيد الدكتاتوريات ، وعبداً من عبيد اللاهوتيات ، وعبداً من عبيد التقمصات العاطفية ، وعبداً من عبيد التقمصات الآيدولوجية والإجتماعية...الخ. أما اليوم فإنني أكاد أحسد نفسي حين شرعت في تدمير هذه الأصنام الواحدة تلو الأخرى . لتعود إليَّ ذاتي من جديد.
هذه مقدمة هامة لهذا الموضوع الذي يمكن أن تلخصه مقولة ميلان كونديرا : (مخلوقات دون جوهر راسخ).
*القضية:
تناول ميلان كونديرا الأمر من زاويتين : ثانئية الدين والعلمانية ، الجنس. أما أنا فسأتناوله من زاوية قريبة الشبه لكنها أكثر خصوصية في المجتمع العربي والإسلامي ، حيث تتزايد التابوهات ، ومن ثم تتزايد المخلوقات التي دون جوهر راسخ. تلك المخلوقات التي تنهزم بسرعة قبل أن تبدأ المعركة. وباختصار أتحدث بشكل ديالكتيكي عن مشكلة الرجل العربي أو المسلم التائه بين بكارتين ، إنه ذلك الذي يرفض الزواج بامرأة عربية إذا أدرك علاقاتها السابقة ولو كانت سطحية ، ومع ذلك فلديه قابلية للإلتفاف حول هذا القيد النفسي و السوسيولوجي حينما يكون زواجه بغربية أمراً مقبولاً له ولمجتمعه رغم إدراكه التام لفقد المرأة الغربية لعذريتها من قبل بل وإداركه أو عدم إهتمامه كثيراً بعلاقاتها السابقة. لقد تساءلت هذا السؤال قبل سنوات ، وحاولت بجِدٍّ أن أجد إجابة واضحةً له . لماذا قد يرفض العربي أو المسلم الزواج بامرأة عربية أو مسلمة لمجرد معرفة سطحية بعلاقاتها السابقة ، في الوقت الذي لا يفكر فيه بطرح أي تساؤل عند زواجه بأمريكية أو أوروبية . لماذا يتقبل هو أو مجتمعه هذا ولا يتقبل ذاك؟. بل أن هناك بعض المجتمعات العربية تُعتبر فيها المرأة المطلقة أدنى مرتبة من البكر .
من خلال بعض قراءاتي وجدت ومضات صغيرة ؛ ومضة في "موسم الهجرة إلى الشمال" ، حين تكون النظرة إلى المرأة الغربية بمثابة جندي في معسكر صراع الحضارات . أو ما يمكن أن نقول عنه بدون تلطيف الشعور بالدونية الملازم لسطوة حضارة على أخرى. وربما كان العكس ، حيث تكون المرأة الغربية مجرد موضوع أقل قيمة من المرأة العربية التي عليها التزامات وأعباء أكبر . غير أن هذا التفسير لا يقف بصلابة أمام حالة النفور الكامل من المرأة العربية التي لا تؤدي فروضها بصرامة. فالمرأة الغربية لا تجابه بذات القدر من النفور وقد لا تجابه به أبداً في عقل الرجل العربي أو المسلم .
يقول سارتر في تفسيره للحب ، بأن سعينا نحو بناء علاقة متبادلة هو في جوهره رغبة في إخضاع حرية الآخر المستقلة وجعله هو نفسه مادة لرغباتنا. (فياتشيسلاف شستاكوف ، الإيروس والثقافة، 281). فهل يمكننا أن نجد ومضة للإجابة على تساؤلنا من هذا التعريف . حيث تنعدم فكرة إخضاع حرية المرأة الغربية في مقابل تزايدها في مواجهة العربية أو المسلمة. وإذا كانت الإجابة بنعم فلماذا هذا التباين في الموقف النفسي تجاه أنثيين . هل لمعرفة الرجل العربي أو المسلم المسبقة بأن المرأة الغربية اكتسبت حريتها بحيث أضحت أمراً مسلماً به ويجب إحترام هذا المكتسب ؟ ولكن ماذا يعني هذا ؟ إنه تقريباً لا يعني أي شيء. إن تقدير مكتسب الحرية يفضي بذاته إلى نتيجة ضرورية ولازمة وهي إنعدام التمييز بين المرأة العربية أو الغربية. أم هل إحترام هذا المكتسب مقبول لدى المرأة الغربية ، ومستهجن من قبل المرأة العربية ؟ هل يتم رفضه بشيفونية ذكورية أم بخوف ذكوري ؟ أي .. هل هناك مخاوف من انتقال ثورة الربيع الأنثوي في الغرب إلى الشرق؟ وبمعنى أكثر وضوحاً ضرورة وضع المرأة العربية والمسلمة داخل الحَجر الثقافي السائد منعاً لانتقال العدوى ومن ثمَّ الإبقاء عليها في إطار التعريف السارتري الإستحوازي كمادة للرغبة ؟ غير أن ذلك نفسه لا يعني أي شيء . إنه لا يمنحني إجابة مشبعة وواضحة لتساؤلي .
أستطيع أن أقول بوضوح أن الرجل العربي هو من المخلوقات التي بدون جوهر واضح ، ولكني لا أرغب في ذلك ، ليس لعنصرية ، ولكن لأنني بذلك أعلن فشلي في إيجاد حل للمشكلة التي حاولت أن أطرحها بأكبر قدر من الوضوح لكي أجد في أعماقها الحل كما قال دولوز .
هذا التناقض متوفر بوضوح في حالة التضاد ما بين التديُّن والسلوك الشخصي ومع ذلك لا نعطيه حقه من الدراسة ، إما لأننا لا نرغب في ولوج هذه الموضوعات الشائكة ، أو رغبة في عدم كشف حقيقتنا أمام أنفسنا ، أو لأننا قد نمسُّ المقدَّس . ولكن ما الذي يمنع من أن نبحث بشكل تجذيري عن حالة التناقض في رد الفعل الذكوري العربي والمسلم المتذبذب بين بكَّارتين؟
هل هذا يعني بأنني قد فشلت في إيجاد الإجابة رغم وضوح طرح السؤال ومن ثمَّ أيضاً أخطأ دولوز ؟ أبداً...... ففي الواقع إذا أعدتم قراءة المقدمة ستظهر الإجابة بكل وضوح .
د.أمل الكردفاني 5سبتمبر 2013م [email protected]
|
|
|
|
|
|