العلوم الاسلاميه من منظور منهجي(مقدمه منهجيه لعلوم أصول الدين ، اصول التفسير، اصول الفقه،)/د. ص

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 12-15-2024, 03:05 AM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
05-09-2011, 04:49 AM

بكرى ابوبكر
<aبكرى ابوبكر
تاريخ التسجيل: 02-04-2002
مجموع المشاركات: 18779

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
العلوم الاسلاميه من منظور منهجي(مقدمه منهجيه لعلوم أصول الدين ، اصول التفسير، اصول الفقه،)/د. ص

    بسم الله الرحمن الرحيم









    العلوم الاسلاميه من منظور منهجي
    (مقدمه منهجيه لعلوم أصول الدين ، اصول التفسير، اصول الفقه،)












    د. صبري محمد خليل

    بسم الله الرحمن الرحيم
    مدخل: منهج المعرفة الاسلامى
    هذه الدراسة هي محاوله لبناء مقدمه منهجيه للعلوم الاسلاميه،مع اختيار علوم اصول الدين وأصول التفسير وأصول الفقه كنماذج ، استنادا إلي منهج معرفة اسلامى يستند إلى الاستخلاف كمفهوم قراني كلى.
    حيث يقوم الاستخلاف كفلسفة إسلاميه على محاوله تحديد العلاقة بين المستخلف(الله تعالى) والمستخلف(الإنسان)والمستخلف عليه(الأرض)،باتخاذ المفاهيم ألقرانيه الكلية(التوحيد والاستخلاف والتسخير) مسلمات أولى لها، ثم محاوله استنباط النتائج الفلسفية لهذه المفاهيم متخذه من اجتهادات أهل السنة الكلامية نقطه بداية لا نقطه نهاية.
    ويقوتكليفي:لاف كمنهج للمعرفة على أن صفات الربوبية (اى ما دل على الفعل المطلق لله تعالى) تظهر في عالم الشهادة على شكلين:
    شكل تكليفي : يتمثل في القواعد التي مصدرها الوحي والتي تحدد ظهورها في شكلها التكويني ولا تلغيه.
    شكل تكويني: يتمثل في السنن إلالهيه التي تضبط حركه الوجود الشهادى ،وهى على نوعين:
    السنن الالهيه الكلية:التي تضبط حركه الوجود الشامل للطبيعة المسخرة والإنسان المستخلف:
    (1) الحركة: "والفلك تجري في البحر بما ينفع الناس، وما أنزل الله من ماء فأحيى به الأٌرض بعد موتها، وبث فيها من كل دابة، وتصريف الرياح، والسحاب المسخر بين السماء والأرض لآيات لقوم يعقلون".
    (2) التغير: "إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم".
    (3) التأثير المتبادل: وهى ما يمكن استخلاصها من مفهومي الغنى والفقر، فالله تعالى غني وكل ما سواه فقير، وهذا الفقر نوعان: فقر إلي الله تعالى، وفقر إلي غيره من المخلوقات، والنوع الأخير هو ما يعبر عنه علميا بالتأثير المتبادل.
    السنن الالهيه النوعية: وهى التي تضبط حركة نوع معين من أنواع الوجود الشهادى ،كسنه "الكدح إلى الله " ( اى الترقي الروحي المادي من خلال صراع المتناقضات في ذات الإنسان) المقصورة على الإنسان، و هناك أيضا بعدان لهذا الترقي أو الكدح إلى الله:
    بعد تكويني: النقيضان فيه الواقع والغاية ومضمونه أن حركة الإنسان تتم عبر ثلاثة خطوات:
    • المشكلة:اى التناقض بين الواقع وغاية في الذهن، وقد عبر القرآن عن هذه الخطوات بمصطلح المسألة:"يسألونك عن الأهلة قل هي مواقيت للناس"."يسألونك عن الأنفال قل الأنفال لله والرسول"
    • الحل:اى إلغاء التناقض بينهما في الذهن ، وقد عبر الفقهاء عن هذه الخطوة بمصطلح الحكم . كما عبر القرآن عن الحل الرافض للوقوف إلي أحد النقيضين ويؤلف بينهما بالوسطية والقوامة:"وكذلك جعلناكم أمة وسطاً". "والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا وكانوا بين ذلك قواماً"..
    • العمل:اى إلغاء التناقض بينهما في الواقع بتنفيذ الحل في الواقع، وقد أشار القرآن إلي هذه الخطوة." إلا الذين امنوا وعملوا الصالحات... "
    بعد تكليفي: النقيضان فيه المطلق في مستواه الصفاتى لا مستواه الذاتي ( اى صفات الالوهيه (ما دل على كونه تعالى غاية مطلقه) كمثل عليا مطلقه يسعى الإنسان لتحقيقها في واقعه المحدود دون أن تتوافر له امكانيه التحقق النهائي لها، و صفات الربوبيه(ما دل على الفعل المطلق لله تعالى) كضوابط تحدد ولكن لا تلغى للفعل الانسانى في سعيه لتحقيق هذه المثل العليا المطلقة في واقعه المحدود زمانا ومكانا) والمحدود(اى الواقع المحدود بالزمان والمكان) ، لذا قرر القرآن والسنة أن هذا الوجود الإنساني قائم على صراع المطلق والمحدود وهو ما عبر عنه القران والسنة بالجهاد في الله أو جهاد النفس: فيروون أن الرسول صلى الله عليه وسلم لما رجع من غزوة تبوك قال :"رجعنا من الجهاد الأصغر إلي الجهاد الأكبر". وأورد أبن تيمية الحديث " المجاهد من جاهد نفسه في ذات الله"كما قرر علماء أهل السنة أن الوجود الإنساني هو سير لا ينقطع إلي الله، يقول ابن القيم (فإن السالك لا يزال سائراً إلي الله تعالى حتى يموت ولا ينقطع سيره إلا بالموت فليس في هذه الحياة وصول يفرغ معه السير وينتهي) .
    وهذا البعد يحدد البعد التكويني ولا يلغيه فيكمله ويغنيه فيكون بمثابة ضمان موضوعي مطلق لاستمرار فاعليته ، فيحدد للإنسان نوع المشاكل التي يواجهها، وطرق العلم بها ونمط الفكر الذي يصوغ حلولها ،وأسلوب العمل اللازم لحلها.
    أما الاستخلاف كنظرية للمعرفة فقائم على أن العلم صفة إلوهية ،وبالتالي ذات مضمون دال على كونه تعالى غاية مطلقة ،وهذه الصفة تظهر في عالم الشهادة من خلال شكلين:
    شكل تكويني: يتمثل في عالم الشهادة (المتضمن للكون المسخر والإنسان المستخلف) كمصدر للمعرفة – والإحساس والتفكير المجرد (التذكير والإدراك والتصور) والرؤية الصادقة
    شكل تكليفي:يتمثل في عالم الغيب كمصدر للمعرفة والوحي كوسيلة لمعرفته. يقول ابن القيم (وهذا البيان نوعان: بيان بالآيات المسموعة المتلوة، وبيان بالآيات المشهودة المرتبة، وكلاهما أدلة وآيات علة توحيد الله وأسمائه وصفاته وكلامه)
    ومضمون الاستخلاف هنا إظهار العلم الإلهي( المطلق) في الأرض (عالم الشهادة المحدود زماناً ومكاناً)، وذلك بإفراد العلم المطلق لله واتخاذ صفة العلم الإلهية مثل أعلى مطلق يسعى لتحقيقه في واقعه المحدود وهو ما يتم باتخاذ مقتضى هذه الصفة كضوابط موضوعية مطلقة تحدد المعرفة الإنسانية ولا تلغيها.فالوحي يحدد جدل المعرفة القائم على الانتقال من الموضوعي (المشكلة العينية) إلي الذاتي (الحل المجرد) إلي الموضوعي (الواقع) مرة أخرى من أجل تغييره ولا يلغيه فيكون بمثابة ضمان لاستمرار فاعليته.
    وسائل المعرفه:يمكن هنا إيضاح وسائل المعرفة المشار إليها أعلاه:
    (1) الإحساس: اول مراحل عمليه المعرفة، وهى معرفه تلقائية للوقائع المحيطة بالإنسان عن طريق ما تنقله الحواس" أن السمع والبصر والفؤاد كل أؤلئك كان عنه مسئولا" (الإسراء: 3)
    (2)التفكير المجرد:
    ا- التصور: وهو اعاده تشكيل عناصر الواقع في صوره جديدة هي الغاية أو المثل الأعلى
    وهنا ميز القران بين مصطلحين:
    • الرجاء: هو تصور غاية مع السعي لتحقيقها" من كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملا صالحا"
    • التمني: هو تصور غاية دون السعي لتحقيقها" ليس بأمانيهم ولا امانى أهل الكتاب"
    2-التذكر: استرجاع وقائع الماضي" أن تضل إحداهما فتذكر إحداهما الأخرى"
    3-الادراك:وهومعرفه العلاقه بين مفردات الواقع على الوجه الذى تنقله الحواس وقد عبر عنه القران بالتفكر والنظر والتدبر...
    (2) الرؤية الصادقة:قال (ص) "الرؤية الصادقة جزء من ستة وأربعين جزء من النبوة". والرؤيه الصادقه تقارب الحدس كوسيلة معرفه لكن وجه الاختلاف انهامحدودة بوسائل المعرفة الأخرى "الحواس والعقل والوحي" بينما الحدس كما في التيار الحدسي الغربي وسيلة معرفه مطلقه. فالحدس مصدره الخبرة المعرفية المتراكمة ( لا الوجود الغيبى المطلق كالوحي ) فهو معرفه ذاتيه لابد له من معيار موضوعي له للأخذ به كوسيلة للمعرفة ، هذا المعيار هو عدم تناقضه مع الحواس والعقل و الوحي.























    الفصل الأول: علم أصول الدين
    تعريف :تعددت أسماء هذا العلم تبعاً لتعدد الجهات المنظور إليه منها ، فأطلق عليه بالإضافة إلى علم الكلام، علم أصول الدين وعلم النظر والاستدلال، وسماه أبو حنيفة الفقه الأكبر، يقول التهانوي "علم الكلام، ويسمى بأصول الدين أيضاً، وسماه أبو حنيفة رحمه الله تعالى بالفقه الأكبر".
    والاسم الذي نختاره هو علم التوحيد لأنه يشكل أحد المفاهيم القرآنية الكلية التي تفسر العلاقة بين محاور الوجود (الله تعالى، الإنسان، الكون) بالإضافة إلى مفهومي الاستخلاف والتسخير. يقول التهاوي "ويسمى بعلم النظر والاستدلال أيضاً ويسمى بعلم التوحيد والصفات".(1)
    ويقول التفتزاني "العلم المتعلق بالأحكام الفرعية أو العملية يسمى بعلم الأحكام، وبالأحكام الأصلية أي الاعتقادية تسمى علم التوحيد والصفات".(2)
    ويذهب بعض الباحثين إلى أن هناك خلافاً منهجياً بين علم الكلام والفلسفة ،فالمتكلم يسلم أولا بفروض ميتافيزيقية، ثم يحاول إقامة الأدلة على صحتها. أما الفيلسوف فإنه لا يسلم فروض عند البداية، ثم يحاول التوصل إلى النتائج فمثلاً (المتكلم يسلم أولاً بوجود الله ثم يحاول إقامة الأدلة على وجوده أما الفيلسوف فإنه لا يسلم بشئ عند البداية ثم يحاول البرهنة على وجود الله).(3)
    غير أن هذا القول – فيما نرى- يضمر تصوراً غير صحيح للفلسفة، وهو وجوب أن لا تنطلق في البداية من الميتافيزيقا ،بينما أي مذهب فلسفي إنما ينطلق من فروض مسلم بها دون أن تكون قابلة للإثبات أو النفي بالتجربة والاختبار العلميين أي فروض ميتافيزيقية بهذا المعنى.
    فعلم الكلام هو فلسفة إسلامية بمعنى أنه يتخذ العقائد الدينية التي جاء بها الإسلام كمسلمات أولى ينطلق منها كما يدل تعريفه وبالتالي فهو أحد قطاعات الفلسفة الإسلامية دون نفي الفلسفة الإسلامية التي وضعها الفلاسفة العرب والمسلمون (الكندي، الفارابي، ابن سينا) والتي اختارت منهجاً مغايراً وهو الانطلاق من مقولات الفلسفة اليونانية ثم محاولة تطويرها لتتلاءم مع العقيدة الإسلامية لأن هؤلاء الفلاسفة عنو بالدفاع عن الدين الإسلامي في وجه عقائد ومذاهب وأديان اتخذت من الفلسفة والمنطق اليونانيين كأدوات للدفاع عنها، أي أنهم انطلقوا مما هو مسلم عند هذه العقائد والمذاهب ( الفلسفة والمنطق اليونانيين) ليصلوا به إلى ما هو مسلم لديهم (الدين الإسلامي) وتقول د. زينب الخضيري (سمي أستاذنا د. يحى (هويدي) هذه الفلسفة التي ازدهرت بالعلوم الفقهية والكلامية وعلم أصول الدين بفلسفة الإسلام لأنها تقوم على القرآن وفلسفته).(1)
    كما أن الموقف الصحيح من هذا العلم ليس الرفض المطلق أو القبول المطلق بل الموقف النقدى القائم على محاولة وضع حلول صحيحة للمشاكل التي طرحها علم الكلام، على أن تكون تلك الحلول محدودة بالقواعد اليقينية الورود القطعية الدلالة، التي وضعها الله تعالى للمعرفة الإنسانية ،ويؤكد هذا الموقف الحقيقي لابن تيمية وهو (جواز الإشغال بعلم الكلام لإحقاق الحق وإبطال الباطل وإذا لم بقصد به الاستدلال بالأدلة الفاسدة أو تبني المقررات الباطلة) يقول ابن تيمية (فالسلف والأئمة لم يكرهوا الكلام لمجرد ما فيه من الاصطلاحات المولدة كلفظ (الجوهر) و(العرض) و(الجسم) وغير ذلك بل لأن المعاني التي يعبرون عنها بهذه العبارات قد يكون فيها من الباطل المذموم في الأدلة والحكام ما نهى عنه لاشتمال هذه الألفاظ على معني مجملة في النفي والإثبات... فإن عرفت المعاني التي يقصدونها بأمثال هذه العبارات ووزنت بالكتاب والسنة بحيث يثبت الحق الذي أثبته الكتاب والسنة وينفي الباطل الذي نفاه الكتاب والسنة كل ذلك وهو الحق) وبناء على هذا الموقف تحدث في كثير من المسائل الكلامية مثل العلاقة بين الوجود والموجود والقدر والجبر والاختيار والقدم بالنوع – كان في الجزء الثالث من مجموعة فتاواه.
    وسنتناول هنا بعض قضايا هذا العلم طبقا لمنهج المعرفة الاسلامى السابق الذكر.











    القضاء والقدر:
    القضاء والقدر يتعلقان بظهور فعل الله تعالى المطلق (الربوبية ) في عالم الشهادة من جهة الايجاد ،اى ظهور صفه الايجاد فيه .
    فالقضاء يدل على فعله المطلق من جهه الالزام (الحتمية)، اى وجوب نفاذ فعله المطلق، يقول تعالى " قال ربك هو على هين ولنجعله اية للناس ورحمة منا وكان امر مقضيا " " وكان على ربك حتما مقضيا " ، ورد في النهاية لابن الاثير (القضاء : الفعل والحكم وقد تكرر في الحديث ذكر القضاء واصله القطع والفصل )،وفى القاموس المحيط (القضاء: الصنع والحتم والبيان) ،وفى مفردات الراغب ( القضاء : فصل الأمر قولا كان ذلك أم فعلا ،وكل واحد منها على وجهتين : الهي وبشرى، فمن القول الالهى قوله تعالى ( وقضى ربك ) اى أمر بذلك ... ومن الفعل الالهى ( والله يقضى بالحق ) وقوله تعالى (فقاضهن سبع سموات) إشارة إلى إيجاده الابداعى والفراغ منه) .
    أما القدر فيدل على فعل الله المطلق من جهه التحقق . ولما كان ظهور فعله المطلق تعالى في عالم الشهادة يتم من خلاله السببية، اى تحققه بتحقق السبب وتخلفه بتخلف السبب، فان الله تعالى لا يجعل فعله المطلق يتحقق إلا عند ما يوفر أسباب ( شروط) تحققه، وهو معنى القدر في الاستعمال القرانى ."انا كل شئ خلقناه بقدر " (القمر : 49)" ولو بسط الله الرزق لعباده لبغو في الأرض ولكن ينزل بقدر ما يشاء"(الشورى: 27).
    على هذا فان كون الفعل المطلق لله تعالى لازم النفاذ (القضاء) او تحققه في عالم الشهادة( القدر) لا يترتب عليه ان الانسان مجبور على فعله .
    صفتى العلوم والارادة والفعل الانسانى :
    وقال بعض العلماء القضاء والقدر هما العلم والارادة ونرى انهما مرتبطان بهما لذا وجب تناولهما
    أولا: الإرادة الالهيه والفعل الانسانى :
    الإرادة الالهيه على نوعين ،الأولى الإرادة التكوينية ،والثانية التكليفية، والى هذا التقسيم اشار كل من ابن تيميه وابن القيم ،كما أشار له الشوكانى في قوله (وكما وقع الاشتباه بين هذين القسمين ،وقع الاشتباه بين شيئين اخرين ،وان كانا خارجين عما نحن بصدده، وهو الفرق بين الارادة الكونية والارادة الدينية ،وبين الأمر الكونى والأمر الديني ،وبين الإذن الكوني والإذن الديني ،وبين القضاء الكوني والقضاء الديني ... فالإرادة الكونية والأمر الكوني هي مشيئته لما خلق من جميع مخلوقاته... والاراده الدينية هي محبته المتناولة لجميع ما أمر به وجعله شرعا) ويوضح الشوكانى نماذج من القسمين ( فمن الاراده الأولى اعني الكونية (وإذا أراد بقوم سوء فلا مرد له) ومن الاراده الدينية( يريد الله ليبين لكم ويهديكم ) ومن الأمر الكوني "انما قوله لشئ اذا اردناه أن نقول له كن فيكون "( النحل ).ومن الأمر الديني " أن الله يأمر بالعدل والإحسان وايتاء ذى القربى "( النحل 29).
    الإرادة التكليفية : وتظهر من خلال القواعد الأمر والناهية التي اوجب الله تعالى على الإنسان التزامها في شرعه وهى بالتالى لا جبر فيها.
    الارادة التكوينية :وتظهر فى السنن الالهيه التى تحكم حركة الوجود بما فيه الفعل الانسانى، وهو أيضا لا يترتب عليها إجبار الإنسان على فعله او الغائه، إذ أن هذه السنن هي شرط للاراده الانسانيه، اى يتوقف عليها نجاح الفعل او فشله ، وللانسان ان يحترم حتميتها فينجح في تحقيق ما يريد، أو لا يحترم حتميتها فيفشل.
    التميز بين الارادة والرضا: وتاكيدا لان الارادة الإلهية لا يلزم عنها إجبار الإنسان على فعله، كان التمييز بين الارادة والرضا ،فالله تعالى أودع فى الإنسان القدرة على التزام إرادة الله التكوينية والتكليفية فينال بذلك رضا الله " رضي الله عنهم ورضوا عنه ذلك لمن خشي ربه " " ولا يرضى لعباده الكفر وان تشكرون خير لكم " كما أودع فيه القدرة على مخالفة إرادته فيوجب ذلك غضب الله ." الظالمين بالله ظن السوء عليهم دائرة السوء وغضب الله عليهم ".يقول ابن تيميه (وجمهور أهل السنة مع جميع الطوائف وكثيرون من أصحاب الاشعرى يفرقون بين الإرادة والمحبة والرضا فيقولون انه وان كان يريد المعاصي لا يحبها ولا يرضاها بل يبغضها ويسخطها وينهى عنها وهؤلاء يفرقون بين مشيئة الله ومحبته ) ويقول الشوكانى (فما خلقه الله سبحانه وقدره وقضاه فهو يريده وان كان لا يأمر به ولا يحبه ولا يرضاه ولا يثيب أصحابه، ولا يجعلهم من أوليائه، وما أمر به وشرعه واحبه ورضيه واحب فاعله وثابهم وأكرمهم عليه فهو الذى يحبه ويرضاه ويثبت فاعله عليه ). يترتب على ما سبق ان المعاصى تتم بارادة الله لان كل شئ انما يتم بارادة ولكن لا يعنى هذا ان الله اجبر الناس عليها لهذا فهي لا تتم برضاه) .
    لا يجوز نسبة المعاصى لله تعالى: وعلى هذا لا يجوز نسبة المعاصى إلى الله تعالى ،لان هذا يعنى انه اجبر الإنسان على فعلها يقول بن تيميه ( وإذا عرف ان العبد ليس له من نفسه خير أصلا بل ما ينال من نعمة فمن الله . وإذا مسنا الضر فاليه نجار والخير عله ليديه والشر ليس

    إليه نحن به واليه كم قال " ما اصابك من حسنة فمن الله وما اصابك من سيئة فمن نفسك "(النساء: 79) وقال " اوكلما اصابتكم مصيبة قد اصبتم مثلها قلتم انى لنا هذا قل هو من عند أنفسكم " (ال عمران 165)
    وقال ص في سيد الاستغفار فى صحيح بخارى ( أعوذ بك من شر ما صنعت أبوء لك بنعمتك على ) وقال فى دعاء الاستفتاح الذى فى صحيح مسلم ( لبيك وسعديك والخير بيدك والشر ليس إليك، تباركت وتعاليت ) .ويقول ايضا (من المستقر فى فطر الناس أن من فعل العدل فهو عادل ،ومن فعل الظلم فهو ظالم ،ومن فعل الكذب فهو كاذب، فان لم يكن العبد فاعلا لكذبه وظلمه بل الله فاعل لزم ان يكون الله ظالم)
    العلم الالهى والفعل الانسانى :ومن صفاته تعالى العلم، وعلمه تعالى مطلق كسائر صفاته " الم تعلم ان الله يعلم ما فى السموات والأرض ان ذلك فى كتاب ان ذلك على الله يسير " وعلى هذا فان كل فعل يقوم به الإنسان فى علم الله المطلق،غير ان علم الله المطلق بالفعل الانسانى لا يعنى إجبار الإنسان عليه، إذ ان الله تعالى يعلم به الإنسان سيقوم بالفعل المعين بما أودع فيه من حرية الارادة وعلى مقتضى الأسباب التى وضعها تعالى لحدوث الفعل يقول الشوكانى ( فاحمل احاديث الفراغ من الفضاء على تسبب العبد بأسباب الخير والشر، وليس في خلاف ذلك لما وقع فى الأزل، ولا مخالفة لما تقدم العلم به ، بل هو من تقييد المسببات بأسبابها، كما قدر الشبع والاكل والري بالشرب، وقدر الولد بالوطأ، وقدر حصول الزرع بالبذر، فهل يقول قائل بأن ربط هذه المسببات بأسبابها تقتضى خلاف العلم السابق ،أو ينافيه بوجه من الوجوه ،فلو قال قائل انا لا أكل ولا اشرب بل انتظر القضاء فان قدر الله لي ذلك كان وان لم يقدره لم يكن، أو قال ان لا ازرع ولا أجامع زوجتي فان قدر الله لى الزرع والولد حصلا ،وان لم يقدرهما لم يحصلا ،أليس هذا قائل قد خالف ما فى كتب الله سبحانه وتعالى،وما جاءت به رسله،وما كان عليه رسول الله (ص) وأصحابه)
    وهنا نرى أن من حكم اختصاصه تعالى وحده بعلم الغيب و خاصة المستقبل ارادته تعالى الاحتفاظ للإنسان بحرية الارادة قال تعالى " وما تدرى نفس ما تكسب غدا وما تدرى نفس بأى ارض تموت " .كما ان علمه تعالى بالحدث المعين ليس سابق ولا لاحق ، لان السابق واللاحق هو علم
    كيفي محدود بالزمان والمكان بينما علمه تعالى هو علم بالماهية اى بعين الحدث بدون ان يكون مقيدا بالزمان والمكان .
    التوفيق والخزلان :وهكذا فان الله تعالى هو خالق فعل الإنسان من جهة السنن التى يتعلق نجاح الفعل او فشله عليها، والتي هي ظهور تكويني لصفة الخلق. والإنسان كاسب فعله من جهة
    معرفته حتمية هذه السنن تم التزامها، اى معرفة سبب تحقق السنة الإلهية ثم التزامها لينجح في تحقيق على ما يريد على مقتضى هذه السنة ، غير ان الإنسان ذو علم وإرادة محدودين كسائر صفاته "وما اتيتم من العلم إلا قليلا " ( الإسراء: 85) ويوضح القران أمثله لتلك المحدودية بان الإنسان قد يكره شيئاً وهو خير له فى التحليل النهائي والعكس " وعسى ان تكرهوا شيئا وهو خير لكم وعسى ان تحبوا شيئا وهو شر لكم والله يعلم وانتم لا تعلمون "(البقرة:15) بينما الله تعالى ذو علم وإرادة مطلقتين كسائر صفاته ، وعلى هذا فانه تعالى بعلمه وارادته المطلقتين انما هو الذى يوفق الإنسان ذو العلم والإرادة المحدودتين إلى معرفة وإلزام السنن الإلهية فينجح فى تحقيق فعله، أو يخذله عن معرفتها والتزامها فيفشل في فعله، يقول محمد وفاء درويش (ان التوفيق عناية خاصة يتولى بها رب العباد بعض عباده فضلا منه، فيجعل أعمال هذا العبد موافقة لأسباب ظاهرة بالحيز الذى يجهل طرقه ، أما الخذلان فهو ان يترك الله العبد لاجتهاد وما منحه من المواهب العامة فلا يمنحه شيئا من العناية الخاصة التى منحها من كتب له التوفيق ) فالتوفيق والخذلان هما التصور الاسلامى البديل للصدفة والحظ ، وهو تصور لا يتضمن إلغاء العلم والإرادة الانساتين بل تحديد لهما لضمان استمراريتهما يقول تعالى" ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب " يقول الإمام ابى حنيفة ( خلق الله تعالى الخلق سليما من الكفر والايمان ثم خاطبهم وأمرهم ونهاهم فكفر من كفر بفعله وانكاره وجحوده الحق بخذلان الله تعالى اياه ومن امن بفعله واقراره وتصديقه بتوفيق الله تعالى اياه ونصر له ) .




    الرؤية:
    المعتزلة : رأى المعتزلة اتساقا مع موقفهم المتطرف فى التنزيه نفى رؤية الله تعالى فى الدنيا والآخرة يقول ابن الحزم (ذهبت المعتزلة وجهم بن صفوان إلى ان الله تعالى لايرى فى الآخرة )
    وهناك من يرى أنهم نفوا رؤية الله بالابصار. ولا خلاف فى ان الإنسان لا يمكنه ان يشهد الله تعالى فى الحياة الدنيا لان له الوجود المطلق، والوعي الانسانى ( إحساسا وإدراكا وتصورا ) لا يشهد إلا المحدود بالزمان والمكان،وبالتالي اذا أمكن شهوده فقد صار محدودا وهذا هو احد أركان التنزيه . غير ان الأمر يختلف فى الآخرة حيث يتبدل الوجود الحالي بوجود جديد لا تستلزم المحدودية فى المكان اى الجهة والجسم.
    الكرامية : ذهبوا إلى إثبات الرؤية سواء استلزمت الجهة ام لا وهذا الموقف قائم على التشبيه فهو الوجه الأخر للموقف السابق ،اى القائم على ان ما يرى لا بد ان يكون محدودا، وقد تسرب إلى أراء بعض أهل السنة مثل قول الصابونى (يعتقد أهل السنة ان المؤمنون يرون ربهم بأبصارهم).
    الاشعرى : ذهب إلى جواز رؤية الله ، فعنده ان كل موجود يرى، و الله موجود، فيصح ان يرى قال الشهرستانى ( ومن مذهب الاشعرى ان كل موجود يصح ان يرى فان الصحيح للرؤية انما هو الموجود والباري موجود فيصح أن يرى) وقد استند إلى آيات مثل قوله "وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة " ووفق بينها وبين الآية " لا تدركه الإبصار " بان هذه فى الدنيا. كما ان الاشعرى قال برؤية الله على وجه يبرى ساحة الله عن مشابهة الحوادث،فرؤيته تخالف الرؤية الحاصلة بين الحوادث ، يقول الشهرستانى (لا يجوز ان تتعلق به الرؤيا على على جهة ومكان واتصال شعاع فان ذلك مستحيل في حقه
    وإذا كانت الحياة الدنيا قائمه على ظهور صفاته تعالى فان الحياة الآخرة قائمة على ظهورذاته . غير ان هذا الظهور (بالنسبة للناس ) ليس شاملا لجميعهم، فمن اظهر صفات ربويته والوهيته فى الأرض كان له نصيب من هذا الظهور بمقدار ما اظهر، وهو ما اسماه أهل السنة رؤية المؤمنين لله تعالى في الآخرة . يقول البغدادي (واجمع أهل السنة على ان الله تعالى يكون مرئيا للمؤمنين فى الآخرة وقال بجواز رؤيته فى كل حال ، ولكل حي من طريق العقل ووجوب رؤيته للمؤمنين
    خاصة في الآخرة من طريق الخبر وهذا خلاف قول من أحال رؤيته من القدرية والجهميه ) غير أن هذا الظهورالذاتى والشهود الذاتى كما ذكرنا لا يستلزم المحدودية فى المكان والجهة اوالابصار بالحواس لان هذا الوجود الجديد القائم على الظهور الذاتى مطلق عن المحدودية بالمكان والزمان .





















    الصفات الإلهية:
    المشبهة (المجسمة):التشبيه هو القول بالتشابه بين الله تعالي ومخلوقاته، والتجسيم هو تصور الله تعالى على صورة جسم، والتشبيه ظهر قبل الإسلام عند بعض الفرق المسيحية واليهودية ،ثم تسرب إلى بعض الفرق المتطرفة في البلاد الإسلامية، وقد استندت هذه الفرق إلى فهم الآيات التي يفيد ظاهرها التشابه بين الله تعالى والمخلوقات على هذا الظاهر دون تأويل ،وأهم الفرق بعض غلاة الشيعة والكرامية والحشوية.
    غلاة الشيعة: من هؤلاء المغيرة بن سعيد الذي قال أن معبوده رجل من نور على رأسه تاج وله من الأعضاء ما للرجل، ومن هؤلاء بيان بن سمعان الذي زعم أن معبوده إنسان من نور على صورة إنسان في أعضائه وأنه يفنى كله إلا وجهه.
    الكرامية:وتنسب هذه الفرقة إلى مؤسسها محمد بن كرام السجستاني ،وهو من مثبتي الصفات الإلهية،لكنه تطرف لينتهي إلى التجسيم والتشبيه، وقد دعا أتباعه إلى تجسيم معبوده، وزعم أنه جسم له حد ونهاية، وذكر في كتاب عذاب القبر أن معبودة أحدى الجوهر، وقال أنه مماس للعرش من الصفحة العليا، وجوز عليه الانتقال والتحول والزوال ،كما أثبت رؤية الله تعالى سواء استلزمت الجهة والجسمية أم لا ،وقد وصف الشهرستاني الكرامية بأنهم (ليسوا علماء معتبرين بل سفهاء جاهلين).
    الحشوية:هم الذين أدى تمسكهم بفهم الآيات التي يفيد ظاهرها التشابه بين الله تعالى والمخلوقات على هذا الظاهر دون تأويل إلى الوقوع في التشبيه يقول التهانوي في كشاف اصطلاحات الفنون (أن الحشوية قوم تمسكوا بالظواهر فذهبوا إلى التجسيم وغيره) وهم تيار يضم بعض المنتسبين إلى أهل السنة بفرقهم المختلفة وعلى وجه الخصوص بعض متأخري الحنابلة، إذ على الرغم من أن أحمد بن حنبل لم يكن مشبهاً، بل دعا إلى مذهب خاص في التفويض، إلا أن بعض متأخري الحنابلة قد وقعوا في التشبيه استناداً إلى الأخذ بظاهر الآيات المتشابهة ،وجوز هؤلاء رؤية الله تعالي في الدنيا ومن هؤلاء أبو يعلي الذي قال فيه بعض فقهاء المذهب الحنبلي (لقد شان أبو يعلي الحنابلة شيناً لا يغسله ماء البحار) وابن الزاغوني والذي قال فيه بعض الحنابلة (أن في قوله من غرائب التشبيه ما يحاور فيه النبيه) وقد استنكر العديد من أئمة المذهب الحنبلي هذا التيار عندما شاع في القرنين الرابع والخامس منهم ابن الجوزي (رأيت من أصحابنا من تكلم في الأصول بما لا يصلح.... فصنفوا كتباً شانوا بها المذهب،ورأيتهم قد نزلوا إلى مرتبة العوام، فحملوا الصفات على مقتضى الحس... ثم يتحرجون من التشبيه ويأنفون من إضافته ويقولون نحن أهل السنة وكلامهم صريح في التشبيه)(1). وهكذا فان الحشوية فهموا التفويض فهماً خاطئاً أدى بهم إلى الوقوع في التشبيه فالتفويض عند بعض السلف، هو السكوت عن الكلام في الآيات المتشابهة، وقد فهموه على أنه فهم (حمل) الآيات على ظواهرها، مع الكلام عن هذا الفهم ،يقول ابن الجوزي (عجبت من أقوام يدعون العلم ويميلون إلى التشبيه بحملهم الأحاديث على ظواهرها فلو أنهم أمروها كما جاءت سلموا)((2 فالحمل هنا يضمن فهم معين وكلام عن هذا الفهم، أما الإمرار فيقوم على السكوت عن الخوض في الكلام أو الفهم.
    الحنابلة:إحدى فرق أهل السنة والجماعة تنسب إلى الإمام أحمد بن حنبل مؤسس المذهب الفقهي الحنبلي، وتضم العديد من العلماء أشهرهم ابن الجوزي وابن تيمية وابن القيم ،وأطلق على هذه الفرقة أيضاً (أصحاب الحديث) و(أهل السلف). ويعد المذهب الوهابي المنسوب إلى محمد بن عبد الوهاب امتداداً لهذه الفرقة مع التركيز على الجانب السلوكي والعملي فيها.
    وكان مذهب أحمد بن حنبل هو السكوت عن الكلام في الآيات والأحاديث الواردة في الصفات وتفويض الأمر لله مع تنزيهه عن التشبيه والتعطيل استناداً إلى قراءته للآية (..... وما يعلم تأويله إلا الله....) ولكنه لم يتحدث عن كيفية فهم هذه الآيات باعتبار أن فهم معانيها يختص به الله تعالى.
    ثم جاء ابن تيمية وأخذ بمذهب التفويض أي السكوت عن الكلام في هذه الآيات والأحاديث مثل ابن حنبل، ولكنه أضاف أن السلف فهموا هذه الآيات والأحاديث على ظاهرها يقول ابن تيمية (.... ثم من المعلوم أن الرب لما وصف نفسه بأنه عليم قادر لم يقل أن ظاهر هذا غير مراد لأن مفهوم ذلك في حقه مثل مفهومه في حقنا فكذلك لما وصف نفسه أن خلق آدم بيديه لم يوجب ذلك أن ظاهره غير مراد…(3)
    ويفترق ابن الجوزي عن ابن القيم وابن تيمية في أنه يرى فهم الآيات والأحاديث المتشابهة على معانيها المجازية المشهورة التي يعرفها العربي من غير تأويل، وهو مذهب ابن حزم والغزالي والماتريدي (ولا يحتاج إلى تأويل من قال الأصبع الأثر الحسن .... ولا إلى تأويل من قال يداه نعمته).(والشيء إنما يحمل على حقيقته إذا أمكن فإن صرف صارف حمل على المجاز).


    التعطيل: وهو نفى الصفات الإلهية:
    مذهب التعطيل الجزئى ( المعتزلة ( : أطلق على المعتزلة لقب المعطلة، بمعنى تعطيلهم الصفات الإلهية ونفيها يقول ، البغدادى( ... وعشرون منها قدرية محضة يجمعها كلها فى بدعتها امور : منها نفياً كلها عن الله عزوجل صفاته الازليه وقولهم بأنه ليس لله عزوجل علم ولا قدرة ولا حياة ولا سمع ولا بصر ولا صفه أزليه)( ).والصواب هو أنهم لم ينفوا الصفات إطلاقا بل نفوا الصفات الزائدة عن الذات.
    مذهب التعطيل الكلى (الإسماعيلية ) : وهم فيما نرى هم نفاة الصفات الإلهية إطلاقا، وقالوا بذلك من اجل تأييد نظرية الإمامة عندهم،فقالوا الله لا تدركه الأبصار، ولا ينسب له اسم ولا صفه ولا نعت. وعلى هذا وجب ان يتجسد فى شئ لتعرفه به وهو الإمام فهو يد الله ووجه الله... الخ إذ بدون ذلك نكون عابدين لعدم لهذا فان أسماء الله الحسنى انما هو تخص الإمام .( ) وقد تأثر بعض الصوفية بهذه النظرية بقولهم بنظرية الإنسان الكامل والحقيقة المحمدية .
    و نلاحظ أن تطرف المعتزله فى التجريد يعود إلى سببين :
    الاول : انه جاء كرد فعل لتجسيم المشبهة الذين عنوا بالرد عليهم.
    الثاني :- أنهم استعانوا في تكوين مذهبهم بما عرفوا من فلسفة اليونان ، يقول الشهرستانى( طالع شيوخ المعتزلة كتب الفلاسفة حين فسرت ايام المأمون فخطوا مناهج الكلام وافردوا لأنفسهم علما يسمى علم الكلام) وقال الاشعرى( ان أبا هزيل اخذ من أرسطو ما قال في بعض كتبه ان الباري علم كله حياة كله سمع كله بصر كله، فحسن أبو هزيل لفظه أرسطو وقال علمه هوهو وقدرته هي هو).
    مذهب السلف : ومذهب السلف الصالح معرفة وعمل،اى كيف فهم السلف الصالح هذه الآيات ؟ ثم ما هو موقفهم العملي منها ؟ أما الموقف العملي فقد سكتوا على الكلام فيها عندما كان الفهم الصحيح سائدا ،وتصدى فريق منهم للفهم الخاطىء لها لما شاع في فتره تاليه.
    أما كيف فهم السلف الصالح هذه الآيات فنجد بالإضافة إلى الرأي الذى ذهب إليه ابن تيمه وابن القيم ، وهو أنهم فهموا ألفاظ هذه الآيات على معانيها الظاهرة، رأى أخر هو أنهم فهموا هذه الألفاظ على معانيها المجازيه المشهورة التى يعرفها العربي من غير تأويل وهو مذهب ابن الحزم وابن الجوزى والغزالى والماتريدى وغيرهم .يقول ابن الحزم( إن الألفاظ الموهومة للتشبيه امثال قوله ( يد الله فوق ايديهم ) ( ويبقى وجهك ربك ذو الجلال والإكرام )( فانك بأعيننا) ليس هناك داعي
    لتأويلها على غير ظاهرها فهي مجاز ظاهر يفهمه العربي دون حاجة إلى أدنى تأويل فوجه الله مثلا ليس غير الله بدليل قوله عز وجل " إنما نطعمكم لوجه الله "حاكيا عمن رضي عنهم من الصالحين وهم لا يقصدون بذلك غير الله وقوله أيضا " أينما تولوا فثم وجه الله" ومعناه فثم الله بعمله وقبوله لمن أراد التوبة( )
    ويقول ابن الجوزى ( ولا يحتاج إلى تأويل من قال الإصبع الأثر الحسن فان القلوب بين اثرين من اثار الربوية هما الإقامة والإزاغة، ولا إلى تأويل من قال يداه نعمتاه )( )
    ويقول ..(ولم يلتفتوا إلى النصوص الصارفة عن الظواهر من سمات الحديث ولم يقنعوا ان يقولوا صفة فعل حتى قالوا صفة ذات ثم لما اثبتوا أنها صفات قالوا لا نحملها على ما توجبه اللغة مثل اليد على النعمة او القدرة ولا المجئ على معنى البر واللطف ولا الساق على الشدة ونحو ذلك بل قالوا نحملها على ظواهرها المتعارفه والظاهر هو المعهود من لغوت الآدميين والشئ انما يحمل
    على حقيقته إذا أمكن فان صرف صارف حمل على المجاز)( )
    ويقول الغزالي ( التقديس معناه اذا سمع اليد والإصبع ... وقوله (ص) قلب المؤمن بين إصبعين من أصابع الرحمن.. فينبغي ان يفهم ان هذه الألفاظ تطلق على معنيين احدهما الوضع الاصلى وهو العضو المركب من لحم وعظم وعصب . وقد يستعار هذا اللفظ لمعنى أخر ليس هو هذا بجسم أصلا فعلى العامل ان يتحقق قطعا ويقينا ان الرسول لم يرد بذلك جسما هو عضو مركب من لحم..)( )
    التنزيه:هو إثبات الوجود المطلق لله تعالى ونفى الوجود المحدود عنه وأركان التنزيه ثلاثة:
    أولا:أن لله تعالى الوجود المطلق عن قيود المكان، اى لا يحده الوجود في المكان يقول تعالى :( أينما تولوا فثم وجه الله )( وهو الله فى السموات وفى الأرض )(الأنعام :3) ( ورب السموات والأرض ) (الصافات: 5) ( وهو معكم اينما كنتم والله بما تعلمون بصير ) .يقول ابن الجوزى ( تعالى الله عزوجل عن المحل والحيز لاستغنائه عنهما ولان ذلك مستحيل فى حقه عزوجل ولان المحل المحل والحيز من لوازم الاجرام والانزاع فى ذلك وهو سبحانه منزه عن ذلك)( )
    ثانيا : ان الله تعالى الوجود المطلق عن قيود الزمان ،اى انه تعالى لا تحده الحركة خلال الزمان يقول تعالى ( هو الاول والأخر والظاهر والباطن وهو بكل شئ عليم ) ويقول ص (لا تسبوا الدهر فان الله هو الدهر ) اى خالق الدهر وخالق الدهر لايحد به و يقول ابن الجوزى . يستحيل على الله عزوجل الحركة والتنقل والتغير لان ذلك من صفات الحدث)( )
    ويقول ابن الحزم (وانه تعالى لا فى مكان ولا فى زمان بل هو الله تعالى خالق الازمنه والامكنة قال تعالى ( خلق كل شئ فقدره تقديرا ) وقال تعالى .( خلق السموات وما بينهما )( )
    ثالثا :- انه لا يمكن للإنسان ان يتصوره لان التصور محدود بالواقع الزمانى المكانى كما يدركه الإنسان من حيث وهو نقيض له وإعادة تشكيل لذلت عناصره فى صورة جديدة .قال تعالى : ) لا تدركه الإبصار وهو يدرك الإبصار ) (الأنعام:13) ( وسبحان ربك رب العزة عما يصفون ) قال ابوبكر(رض) ( سبحان من لم يجعل للخلق سبيلا إلى معرفته إلا بالعجز عن معرفته ) وقال ( العجز عن درك الإدراك إدراك )( ).
    وقال على بن ابى طالب رضي الله عنه التوحيد ان لا تتوهم والعدل ان لا تتهمه .
    وقال ابن الجوزى : وما ليس كمثله شئ لا يتصوره وهم ولا يتخيله خيال التصور والخيال انما هما من نتائج المحسوسات والمخلوقات تعالى عن ذلك.
    وعن يحي معاذ التوحيد فى كلمة واحدة ما تصوره فى الاوهام فهو بخلافه.
    الآيات التي يفيد ظاهرها التشابه بين الله تعالى والإنسان:
    فما هو المذهب الصحيح من الآيات والأحاديث التى يفيد ظاهرها التشبيه :
    بناء على التصور التنزيهى للذات والصفات نرى ان المذهب الصحيح من هذه الآيات يقوم على وجوب الإيمان بان الله تعالى أورد هذه الآيات بما يفيد ظاهر ألفاظها التشابه بين الله تعالى وبين والإنسان لحكمة هي ان تدل على وجوده المطلق( شأن الصفات ) لا لتعلقها بعين الوجود المطلق لله تعالى ( شأن الذات ) .
    فقد أودع الله تعالى فى عقل الإنسان ملكة التصور ( التخيل ) ولما كان لله تعالى الوجود المطلق واستحال على الإنسان تصور عين هذا الوجود المطلق ( الذات ) قضت حكمته تعالى ان يتنزل القران إلى مستوى العقل الانسانى المحدود ( بما هو ظهورصفاتى تكليفي ) وهو ما يتمثل هنا في
    إيراد هذه الآيات على هذا النحو ليتوافر للإنسان إمكانية تصور ما دل على وجود المطلق .
    يقول ابن الجوزى ( وقد حدثنا بما نعقل وضرب لنا الأمثال بما نعلم وقد ثبت عندنا بالأصل المقلوع به انه لا يجوز عليه ما يعرفه الحس علمنا المقصود لذلك)( )
    ويقول فى مكان أخر( فان الأنبياء عليهم الصلاة والسلام بالغوا فى الإثبات ليتقرر فى انفس العوام وجود الخالق . وبيان ذلك ان الله تعالى اخبر باستوائه على العرش فأنست النفوس إلى إثبات الإله ووجوده قال تعالى ( ويبقى وجه ربك ) وقال تعالى ( بل يداه مبسوطتان ) فإذا امتلئ العامى والصبى من الإثبات وكاد يأنس من الأوصاف بما يفهمه الحس قيل له ( ليس كمثله شئ ) فمحى من قلبه ما نقشه الخيال وتبقى ألفاظ الإثبات متمكنة).
    وبقى ان نقرر انه لما كانت ملكة التصور مشتركة بين الناس فان إيراد هذه الآيات على هذا الوجه لازم لكل الناس لا للعامة فقط .
    اذا وضح لنا ان السلف قد فهم هذه الألفاظ على المجاز المشهور، وجب الرجوع إلى المعاني القرآنية لهذه الألفاظ كما أوضحها السلف : اذ لكل لفظ معنى أصلى هو الظاهر ومعاني أخرى هي المجاز وهو احد خصائص اللغة العربية كما يقول ابن الجوزى( وجمهور الصحيح منها ات على توسع العرب فأخذوه هم على الظاهر).
    ا/الآيات التي يفيد ظاهر ألفاظها المحدودية فى المكان :
    فلفظ فوق له فى القران معاني مثل العلو فى القهر والقدرة كما فى القران على لسان فرعون (انا فوقهم قاهرون ) (127:71) ،وهو نفس المعنى فى الآيات (يخافون ربهم من فوقهم ) ( 50:161) ،( وهو القاهر فوق عباده ) .ولفظ الاستواء له معاني فى القران مثل الاستقرار منه قول تعالى ( ثم استوي إلى السماء )، ومنها إتمام الشئ كقوله تعالى ( ولما بلغ اشده واستوى ) ومنه الملك والقهر كما فى قوله تعالى ( الرحمن علم العرش استوى ) . يقول ابن الجوزى( وقد ذهبت طائفة من اصحابنا إلى ان الله عز وجل على عرشه ماملاءة وانه يقعد نبيه معه على العرش ثم قال : العجب من قول هذا ما نحن مجسمة وهو تشبيه محض تعالى الله عز وجل عن المحل والحيز لاستغنائة عنهما ذلك مستحيل فى حقه عز وجل)( ).
    وروى ابن حجر فى الفتح والبغوى فى تفسيره عن عبدالله بن عباس وأكثر المفسرين أنهم تأولوا ( استوى ) فى قوله ( الرحمن على العرش استوى ) (طه :5) بمعنى ارتفع .
    ومثله مارواة ابن حجر عن ابن مالك من كلام طويل عن معنى الاستواء فى الآية المذكورة إلى ان قال .. وإما تفسير استوى : علا فهو صحيح وهو المذهب الحق وقول أهل السنة( )
    وعن حديث ( ان الله فوق عرشه وعرشه فوق سماواته ) قال الخطابى هذا الكلام اذا جرى على ظاهرة كان فيه نوع من الكيفية ، والكيفية عن الله وصفاته منتفيه فعقل ان ليس المراد من تحقيق هذه الصفه لا تحديده على هذه الهيئة وانما هو كلام تقريب أريد به تقدير عظمة الله جل جلاله وسبحانه وإنما قصد به إفهام السائل من حيث يدركه إذ كان اعرابيا جلفا لا اعلم له بمعانى ما دق من الكلام وبما لطف منه عن درك الإفهام ( )
    ب/ الألفاظ التي يفيد ظاهرها المحدودية فى الزمان
    فلفظ المجئ له معاني فى القران مثل اتيان البأس كقوله تعالى ( فما كان دعواهم إذ جاءهم باسنا إلا ان قالوا ان كنا ظالمين) ( الاعراف :5) ومثل اتيان أمر الله ( وجاء ربك والملك صفا ) 22:89) قال الإمام احمد بن حنبل معناه أمر ربك و قال القاضي أبو يعلى قال الإمام احمد المراد به قدرته وأمره بينه فى قوله تعالى ( او يؤتى أمر ربك ) ( ).
    لفظ النزول له معاني فى القران منها الإيجاد والخلق (وأنزلنا الحديد ) والوحي ( وأنزلنا إليك الكتاب )ومنه اقرب الإجابة كما حديث النزول .
    ونقل البهيقى عن حماد بن زيد من تأويله لنزول الله تعالى إلى السماء الدنياء الوارد فى احاديث النزول باقباله جل جلاله إلى عباده ( ) .
    ج/ الألفاظ التي يفيد ظاهرها التشابه بين الله تعالى والإنسان:
    فلفظ اليد له معاني فى القران مثل الحضور والمثول كما فى قوله تعالى ( بين يدى رحمته ) ( وبين يدى عذاب شديد ) ومثل النعمة فى قوله تعالى ( بين يداه مبسوطتان ) . يقول ابن الجوزى: ولا يحتاج إلى تأويل من قال الإصبع الأثر الحسن فان القلوب بين اثرين من اثار الربوية هما الإقامة والإزاغة ولا إلى تأويل من قال يداه نعمتاه.( )
    يقول ابن حزم ( ان الألفاظ الموهمة للتشبيه امثال قوله ( يد الله فوق أيهم ) ( ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام ) ( فانك باعيننا ) ليس هناك داعيا لتاويلها على غير ظاهرها فهي مجاز ظاهر يفهمه العربي دون حاجة إلى ادني تأويل فوجه الله مثلاً ليس غير الله بدليل قوله عزوجل ( انما نطعكم لوجه الله ) حاكيا عن رضي منهم من الصالحين وهم لا يقصدون بذلك غير الله وقوله ايضا ( اينما تولوا فثم وجه الله) وفى الحديث ( لقد ضحك الله الليلة من فعالكما ) أول البخاري الضحك بالرحمة( ).
    وفى الحديث ( لا تزال جهنم تقول هل من مزيد حتى يضع رب العزة فيها قدمه فتقول قط...) .
    قال ابوسليمان وذكر القدم يحتمل ان يكون المراد به من قدمهم الله للنار من اهلها فيقع بهم استيفاء عدد اهل النار وكل شئ قدمته فهو قدم كما قيل لما هدمته هدم ولما قبضته ومن هذا قول عزوجل (لهم قدم صدق عند ربهم ) اى ما تقدموه من الاعمال الصالحة وقد روى معنى هذا عن الحسن ويؤيده قوله فى الحديث وإما الجنة فان الله ينشى لهما خلقا ( فاتفق المعيان ان كل واحد من الجنة والنار تمد بزيارة عدد من استوفى بها عدد اهلها فتمتلىء عند ذلك( ).

    وتأويل ابن تيميه الوجه بمعنى الجهه قال فيكون المعنى كل شئ هناك إلا ما أريد به جهة الله تعالى ثم قال وهكذا قال جمهور السلف ( )
    وروى عن جعفر الصادق تأويل الوجه بالدين وروى عن الضحاك بذات الله وعن الآية ( ولله المشرق والمغرب فأينما تولوا فثم وجه الله) حكى المزني عن الشافعي رضي الله عنه قال فى هذه الآية يعنى والله أعلم فثم الوجه الذى وجهكم الله إليه واخبرنا عبدالله الحافظ وابوبكر القاضى قالا وثنا ابو العباس محمد بن يعقوب حديث الحسن بن على بن عفان ثنا ابو اسامة عن مجاهد فى قوله عزوجل ( فأينما تولوا فثم وجه الله) قال : قبله الله فاينما كنت فى شروق او غرب فلا تتوجهن الا إليها.
    علاقة ألذات بالصفات :
    مذهب الصفات عين الذات :قالت المعتزلة بنفى الصفات الزائده على الذات فقالوا ( الله حي عالم بذاته لا بعلم وقدره وحياة زائدة لانه لو كان عالما بعلم زائد على ذاته وحي بحياة زائدة على ذاته كما هو الحال فى الإنسان للزم ان يكون هناك صفة موصوف وهذه حال الأجسام والله منزه عن الجسمية)
    يقول القاضي عبد الجبار ( الله عالم بذاته لا بعلم زائد على الذات قادر بذاته لا بقدر زائدة على الذات )
    يترتب على هذا أنها ترى الصفات الإلهية هي عين الذات . و نلاحظ تطرف المعتزلة فى التجريد يمهد لانقطاع الصلة بين الإنسان وربه كما يقول ابن القيم (فان أوصاف المدعو إليه ونعوت كماله وحقائق أسمائه هي الجاذبة للقلوب إلى محبته وطلب الوصول إليه لان القلوب انما تحب من تعرفه وتخافه وترجوه وتشتاق إليه وتلتذ بقربه وتطمئن إلى ذكره بحسب معرفتها بصفاته، فإذا ضرب دونها حجاب معرفة الصفات والإقرار بها امتنع منها بعد ذلك ما هو مشروط بالمعرفة وملزم لها إذ وجود الملزوم بدون لازمه والمشروط بدون شرط ممتنع)( ).ويمكن أن نوضح هذا التمهيد لانقطاع الصلة بين الله تعالى وصفاته والإنسان من نفيهم الصفات الزائدة على الذات فصفاته هي إذن عندهم هي عين ذاته ولما كانت ذاته لا يمكن إدراكها لا فى الدنيا ولا فى الآخرة ( بنفيهم الرؤية عيان ) لزم من هذا ان صفاته تعالى لا يمكن إدراكها .
    مذهب فصل الصفات عن الذات :أما الاشاعرة فقالوا ان الله تعالى عالم بعلم وعلمه غير ذاته وقادر بقدرة وقدرته غير ذاته وهكذا ينقل الشهرستانى ( قال ابو الحسن : البارى تعالى عالم بعلم قادر بقدره حي بحياة مريد بارادة فتكلم بكلام سميع بسمع بصير بصر وهذه صفات أزليه قائمة بذاته)( ).وهذا القول يؤدى إلى فصل الصفات عن الذات وقد تعرض ابن حزم لنقد هذا القول ( هذا قول لا يحتاج فى رده إلى أكثر من انه شرك مجرد وابطال للتوحيد ،لأنه إذا كان مع الله شئ غيره لم يزل معه فقد بطل ان يكون الله تعالى كان وحده، بل صار له شريك فى انه لم يزل وحده، وهذا كفر مجرد ونصرانية محضه، إنها دعوى ساقطة بلا دليل أصلا ،وما قال بهذا احد قط من اهل الإسلام قبل هذه الفرقة المحدثه بعد الثلاث مائة عام (الاشاعرة )،فهو خروج عن الإسلام وترك للاجماع المتيقن)( ).
    المذهب المرجح :والمذهب الذى نرجحه هو انه لا يجوز القول باتحاد صفاته بذاته ولا فصل صفاته عن ذاته، لان الفصل والوصول والغير والعين من صفات المحدود بالزمان والمكان، والله تعالى ذو وجود مطلق يقول ابن حزم ( علم الله تعالى حق وقدرته حق وكل ذلك ليس هو غير الله تعالى ولا العلم غير القدرة والقدرة غير العلم اذ لم يأت دليل بغير هذا من عقل ولا سمع ) فالذات هي عين الوجود المطلق لله تعال أما الصفات فهي مادا على هذا الوجود المطلق .
    طبيعة الفعل الالهى ( مسألة التعليل لأفعال الله تعالى ):
    المعتزله : قالوا ان الله تعالى يعمل الاعمال معلله بمقاصد لأنه حكيم لا يصدر عنه الفعل جزافا . ثم يصلون من هذا القول إلى القول بوجوب الصلاح والأصلح، اى انه بمقتضى ان الله تعالى لا يفعل الا ما يكون حكمه . فمستحيل ان يأمر بغير الصالح وينهى عن الطالح . فيجب له الصلاح ويجب له الأصلح .
    الاشاعره : قالوا ان أفعال الله تعالى لاتعلل لان ذلك يقيد إرادة الله لذا اجازوا ( بفرض عقلي لا شرعي نقلى ) ان يخلف الله وعيده وان يعاقب الطائع ويثيب العاصي ذلك لأنه لا يسأل عما يفعل وهم يسألون .
    الماتريديه : قالوا ان أفعال الله تعالى تكون على مقتضى الحكمة لان حكيم ( كما وصف نفسه ) فى حكمه التكويني والتكليفى , أراد هذه الحكمة لكنه قصدها غير مجبر عليها ولا ملزم لانه مختار مريد فلا يقال انه يجب عليه فعل الصلاح والأصلح لان والوجوب يستلزم ان لغيره حقا عليه والله تعالى لا يسأل عما يفعل . وان عقاب العاصي وثواب الطائع لحكمه قصدها ، ومنع ان يخلف وعيده لان الله وعد بمقتضى حكمته .
    ابن تيميه : ان الله تعالى خلق الخلق وأمر بالمأمورات ونهى عن المنهيات لحكمة محمودة ويقول انه ( قول المسلمين وغير المسلمين وقول طوائف من أصحاب ابو حنيفة وكالك والشافعي واحمد وغيرهم وهو قول طوائف من علماء الكلام ).
    إن حل المشكلة يعتمد على الفهم الصحيح للفعل المطلق لله تعالى المعبر عنه فى القران _ بالربوبية ) فقول المعتزلة بوجوب الأصلح لله تعالى يوحى بأنه فعل محدود بفعل لسواه اوجب عليه فعل الأصلح وألزمه به، والفعل المطلق ( الذى ينفرد به الله تعالى ) هو الفعل الذى يحد كل فعل لسواء وكل فعل لسواه محدود به .
    وقول الاشاعرة علم أصولالله لا تعلل يوحى بانتفاء الحكمة عن الفعل المطلق لله تعالى وهو نقص وقصور لا يجوز ان يلحق بالفعل المطلق لانه كامل كما بينت الماتريدية وابن تيميه وبالتالى ينبغي القول ان الله تعالى اوجب على نفسه فعل الأصلح لا القول يجب عليه فعل الأصلح اى انه تعالى التزم بفعل الأصلح لعباده وليس ملزم بفعل الأصلح لعباده، فالقول الأول لا ينفى كون فعله تعالى مطلق لانه حد فعل بذاته، والقول الثاني : نفى لكون فعله تعالى مطلق لانه حينها يكون محدود بفعل لسواه ،هذا الفرق هو ما عبر عنه القران بان الله تعالى( كتب على نفسه) كما فى قوله تعالى ( كتب الله على نفسه الرحمة ) .












    الفصل الثاني: علم أصول التفسير
    تعريف التفسير: التفسير لغة صيغة تفعيل من الفعل (فسر) وهو البيان، يقال فسرت الشيئ اذا بينته.أما التفسير اصطلاحا فهو: العلم أو المعرفة بدلالات(معاني) ألفاظ القران الكريم. هذا المعنى الاصطلاحي للتفسير نجده في تعريفات العلماء لعلم التفسير، يقول الإمام الزركشي في كتابه البرهان: علم يبحث فيه عن أحوال القرآن المجيد من حيث دلالتُه على مراد الله تعالى بقدر الطاقة البشرية. ويقول صديق بن حسين القنوّجي في كتابه أبجد العلوم : هو علم باحث عن معنى نظم القرآن بحسب الطاقة البشرية وبحسب ما تقتضيه اللغة العربية.أما علم أصول التفسير فهو مجموعة من القواعد التي تحدد مناهج( طرق) معرفه دلالات(معاني) ألفاظ القران الكريم.
    وطبقا للتعريفات السابقة فانه إذا كان القران الكريم وضع الهي مطلق عن قيود الزمان والمكان(غير الخاضع للتطور أو التغير فيهما) ، فان التفسير (وأصوله) هما اجتهاد انسانى محدود بالزمان والمكان ،وبالتالي خاضع للتطور خلال الزمان والتغير في المكان، لذا كان تعدد التفاسير (ومذاهب علم أصول التفسير) بتعدد المناهج ونظريات المعرفة التي يستند إليها التفسير المعين (والمذهب المعين في علم أصول التفسير).ففي إطار أهل السنة هنالك التفسير الأشعري كما في" التفسير الكبير" للفخر الرازي، وهناك التفسير الحنبلي كما في "تفسير القرآن العظيم" لأبن كثير، وهنالك التفسير الصوفي كما في "لباب التأويل في معاني التنزيل" للخازن . وخارج إطار أهل السنة هناك التفسير ألمعتزلي كما في" الكشاف للفخر الرازي، وهنالك التفسير الشيعي كما في "البيان" للطبري...
    ولا يترتب على ذلك أن تفسير القران في عصرنا يعنى إلغاء كل التفاسير(و كل الاجتهادات في مجال علم أصول التفسير ) التي وضعت في العصور السابقة ، بل التمييز بين ما هو محكم (أصل) وما هو متشابه(فرع)، ففي الحالة الأولى يجب التزام ما اتفق عليه السلف وعلماء أهل السنة في مجال التفسير (وأصوله) مع مراعاة أن مصدر الإلزام هنا النص المحكم(الأصل)لا اتفاقهم على تفسير معين( أو قواعد معينه في علم أصول التفسير)،أما في الحالة الثانية فانه ينبغي اتخاذ اجتهادات السلف وعلماء أهل السنة على اختلاف مذاهبهم(حنابلة، أشاعره، ماتريديه ، طحاويه،أهل الظاهر) في مجال التفسير (و أصوله) نقطه بداية لا نقطه نهاية.
    الاهتداء كغاية للنص القرانى:وهنا نوضح أن اهتداء الناس إلي ما فيه صالحهم في كل زمان ومكان كغاية للنص القرانى وتفسيره، استنادا إلي الاستخلاف كفلسفةاسلاميه ومنهج و نظرية معرفة.
    فطبقا لفلسفة الاستخلاف ومفاهيمها الثلاث (التوحيد، الاستخلاف، التسخير) ينطلق التفسير من أن الهداية صفة ربوبية أي ان مضمونها دال علي الفعل المطلق الذي ينفرد به الله تعالي:"كلا ان معي ربي سيهدين "(الشعراء :162) "الذي خلقني فهو يهدين".وعالم الشهادة قائم علي ظهور صفة الهداية (شأن سائر الصفات الالهيه). ولهذا الظهور شكلان:
    تكويني (الهداية التكوينية): ويتمثل في الفطرة من حيث هي إمكانية التزام السنن الإلهية التي تحكم الوجود الهادي والتي يجب علي الإنسان الخضوع لها ليهتدي إلي ما فيه صلاحه،"وهو الذي جعل لكم النجوم لتهتدوا بها في الظلمات والبر والبحر "(الإنعام : 97) "والقي في الأرض رواسي ان تميد بكم وانهارا وسبلا لعلكم تهتدون" (النحل : 15).
    تكليفي (الهداية التكلفية):ويتمثل في الوحي من حيث تضمنه للشرائع المتضمنة لأصول اللازمة لهداية الناس في كل زمان ومكان: "يريد الله ليبين لكم سنن الذين من قبلكم" (النساء: 26 )."وإذ آتينا موسى الكتاب والفرقان لعلكم تهتدون"( البقرة: 53).والاستخلاف هو إظهار الإنسان لربوبيه الله تعالى وألوهيته في الأرض على المستوى الصفاتى ، وبالتالي فإن مضمونه هنا إظهار الإنسان لصفة الهداية كصفه من صفات الربوبيه في الأرض وهو ما عبر عنه القرآن بالاهتداء:"من اهتدى فإنما يهدي لنفسه ومن ضل فإنما يضل لنفسه"( يونس: 108).هذا الإظهار يتم من خلال:
    توحيد الربوبية: بإفراد الهداية لله تعالى:"إنك لا تهدي من أحببت ولكن الهل يهدي من يشاء" (القصص: 56)
    العبودية (التكوينية والتكليفية):وذلك باتخاذ مقتضى الهداية التكويني (الهداية التكوينية)، والتكليفي (الهداية التكلفية)ضوابط موضوعية مطلقة:"من يهد الله فهو المهتدي"( الأعراف: 178).
    أما طبقا للاستخلاف كمنهج للمعرفة فان التفسير يهدف إلى اهتداء الإنسان إلي القواعد الموضوعية (من وضع الله تعالى لا عقل الإنسان) المطلقة (لا تخضع للتطور أو التغيير في المكان او المكان) التي تحدد كدحه إلى الله تعالى (تطوره المادي والروحي)ولا تلغيه فتكمله وتغنيه فتكون بمثابة ضمان موضوعي لاستمرار فاعليته، وذلك من خلال الاهتداء إلي القواعد التي تحدد نمط الفكر الذي يصوغ حلولها، والقواعد التي تحدد أسلوب العمل اللازم حلها. وعلى هذا الوجه يتم الربط بين التفسير والواقع الاجتماعي والمشاكل التي يطرحها،وهو ما قرره السلف والعلماء، يقول علي بن أبي طالب كرم الله وجهه (ذلك القرآن فاستنطقوه ولن ينطق ولكن أخبركم عنه إلا أن فيه علم ما يأتي، والحديث عن ما مضي، ودواء دائكم ،ونظم ما بينكم)( )
    أما طبقا للاستخلاف كنظرية للمعرفة فان التفسير يستند معرفيا إلى أن العلم كصفة إلوهية تظهر في عالم الشهادة من خلال شكلين:
    تكويني:يتمثل في عالم الشهادة والسنن الإلهية التي تضبط حركته كمصدر للمعرفة والحواس والعقل كوسائل لمعرفته، وعالم الغيب كمصدر للمعرفة والوحي كوسيلة لمعرفته. ومضمون الاستخلاف هنا إظهار العلم الإلهي في الأرض وذلك بإفراد العلم المطلق لله واتخاذ صفة العلم
    الإلهية مثل أعلى مطلق يسعى لتحقيقه في واقعه المحدود دون أن تتوافر له امكانيه التحقيق النهائي له ، وهو ما يتم باتخاذ مقتضى هذه الصفة كضوابط موضوعية مطلقة تحدد المعرفة الإنسانية ولا تلغيها.ويترتب على هذا أن هناك نوعان من الموضوعية: موضوعية تكوينية: تتمثل في أن للكون وجود مستقل عن العقل الإنساني وغيرمتوقف عليه .وموضوعية تكليفية: تتمثل في
    الوحي ذو الوجود المستقل عن عقل الإنسان وغير متوقف عليه (لأنه وضع إلهي لا من وضع العقل الإنساني) وهي موضوعية مطلقة. والتفسير يمثل الذاتية، والنص القرآني يمثل (الموضوعية التكليفية) ،بينما الكون يمثل (الموضوعية التكوينية)، وبالتالي فإن الموضوعية التكليفية (النص) تمثل (المطلق)، والموضوعية التكوينية (الكون) والذاتية (التفسير) يمثلان المحدود، ولما كان المطلق يحدد المحدود ولا يلغيه فإن النص القرآني يحدد جدل المعرفة القائم على الانتقال من الموضوعي (فيحدد طرق معرفه المشكلة العينية) إلي الذاتي ( فيحدد طرق العلم بالحل المجرد لها ) إلي الموضوعي (الواقع) مرة أخرى من أجل تغييرها بالعمل فيحدد الاسلوب اللازم لحلها)، ولا يلغيه فيكون بمثابة ضمان لاستمرار فاعليته.
    المحكم والمتشابه(الأصل والفرع):
    يترتب على ما سبق أن غاية النص القرآني هداية الناس إلي ما فيه صالحهم في كل زمان بحكم أن الإسلام الرسالة الخاتمة "وما كان محمداً أبا أحد من رجالكم ولكن رسول الله وخاتم النبيين" وكل مكان بحكم أن الإسلام رسالة لكل الناس "وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين".
    والنص القرانى يجمع بين كونه مطلق (وضعا وغاية)عن قيود الزمان والمكان غير خاضع للتطور أو التغير فيهما، ومراعاته التطور خلال الزمان و التغير في المكان ،وذلك بانقسامه إلى قسمين: القسم الأول هو ما أسماه المفسرين آيات الأصول أو الآيات المحكمات أو أم الكتاب ،
    والقسم الثاني هو ما أطلقوا عليه اسم آيات الفروع أو الآيات المتشابهات قال تعالى: "هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات"، يقول ابن كثير في تفسير
    قوله تعالى" هُنَّ أُمّ الْكِتَاب ": أَيْ أَصْله الَّذِي يُرْجَع إِلَيْهِ عِنْد الِاشْتِبَاه )( ) والقسم الأول يمثل المطلق والقسم الثاني يمثل المحدود ، وهذا التقسيم ينصب على الدلالة لا الوضع لان كلاهما وضع الهي وبالتالي مطلق.
    حيث يمكن تقسيم النص القرانى :
    من حيث وحده الدلالة أو تعددها (امكان التاؤيل أو عدمه): ينقسم النص القرآني هنا إلي آيات ذات دلاله واحده لا تحتمل التأويل.وآيات ذات دلالات متعددة ،وبالتالي تحتمل التأويل،وفي تأويلها اختلف المسلمون ومازالوا يختلفون دون إثم. فالآيات الأولى هي الآيات المحكمة والثانية هي الآيات المتشابهة، ينقل السيوطى ( وقال الماوردى: المحكم ما لا يحتمل إلا وجها واحدا، والمتشابه بخلافه) ( )
    ثانياً: من حيث الغايات والوسائل:ينقسم النص القرآني هنا إلي آيات ذات دلاله قائمه بذاتها وآيات ذات دلاله قائمه بغيرها ينقل السيوطى(وقيل: المحكم ما استقل بنفسه، والمتشابه: ما لا يستقل بنفسه إلا برده إلى غيره)( ).فالآيات الأولى يمكن اعتبارها غايات تتحقق من خلالها هداية الناس في كل زمان ومكان،أما الآيات الثانية فيمكن اعتبارها وسائل للغايات السابقة ،ولما كانت الغايات تحدد أسلوب العمل اللازم لتحقيقها (الوسائل) فإن النوع الأول من الآيات يحدد النوع الثاني بحيث لا يمكن تفسير الأخيرة إلا استناداً إلي الأولى.
    آيات الأحكام:
    الأحكام هي قواعد السلوك العامة (تخاطب الكافة ) المجردة (لا تنصب على واقعة معينة زماناً أو مكاناً أو أشخاصاً ) الملزمة ( آمره أو ناهية) . وغاية النص القرآني هنا (متمثلاً في آيات الأحكام) أن يهدي الناس إلي أفضل القواعد التي يحتاجون إليها لتحقيق مصالحهم في كل زمان ومكان قال تعالى"ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين"(البقرة: 1)
    ولتحقيق هذه الغاية ينقسم النص القرآني إلي قسمين:
    الأصول:وتتمثل فيما جاء في القرآن من أحكام (قواعد سلوك) ملزمة (القواعد- الأصول) والتي تهدي الناس إلي أفضل (القواعد – الفروع) التي يحتاجون إلي وضعها في زمان ومكان معينين
    ولو لم ترد فيه نصاً.وهي تمثل المطلق غير أنه يجب التمييز بين شكلين لها:
    من حيث وحده الدلالة أو تعددها: آيات ذات الدلالة الواحدة التي لا تتحمل التأويل، وتتمثل في الآيات المحكمة على هذا الوجه كمصدر للقواعد الأصول.
    من حيث الغايات والوسائل: أي الآيات ذات الدلالة (المعنى) القائمة بذاتها بحيث يمكن اعتبارها إحدى الغايات التي يتحقق من خلالها غاية النص القرآني، أي هداية الناس إلي مصالحهم في كل زمان ومكان ، وتتمثل في ما يسمى بقواعد النظام العام أو الحدود وهي القواعد (الأحكام) الآمرة كقوله تعالى "تلك حدود الله فلا تعتدوها"( البقرة: 229) أو الناهية كقوله تعالى: "تلك حدود الله فلا تقربوها"( البقرة: 187) والتي تهدف إلي تحقيق مصلحة الجماعة في كل زمان ومكان. وقد أسميت حدوداً لأنها تحدد الفعل الإنسان وإن كان الفقهاء قد أطلقوا بلفظ الحدود على العقوبات في مرحلة تالية يقول ابن تيمية (الحدود في لفظ الكتاب والسنة يراد بها الفصل بين الحلال والحرام و الأمر والنهي أما تسمية العقوبة المقدرة حداً فهو عرف حادث)( ) ويدل على المعنى الحقيقي للحد قوله صلى الله عليه وسلم (من أصاب حداً فعجلت له عقوبته في الدنيا فالله أعدل من أن يثني على عبده العقوبة في الآخرة)( ). ينقل ابن كثبر في تفسيره:وَقَدْ اِخْتَلَفُوا فِي الْمُحْكَم وَالْمُتَشَابِه فَرُوِيَ عَنْ السَّلَف عِبَارَات كَثِيرَة فَقَالَ عَلِيّ بْن أَبِي طَلْحَة عَنْ اِبْن عَبَّاس رَضِيَ اللَّه عَنْهُمَا : الْمُحْكَمَات نَاسِخَةٌ وَحَلَاله وَحَرَامه وَأَحْكَامه مَا يُؤْمَر بِهِ وَيُعْمَل بِهِ … وَقَالَ يَحْيَى بْن يَعْمَر : الْفَرَائِض وَالْأَمْر وَالنَّهْي وَالْحَلَال وَالْحَرَام( )
    الفروع:
    من حيث وحده الدلالة أو تعددها: أي الآيات ذات الدلالات المتعددة والتي بالتالي تحتمل التأويل وفي تأويلها اختلف المسلمين ويختلفون دون إثم من أخطأ فهو مثوب مرة ومن أصاب فهو مثوب مرتين وقد يرجع الخلاف إلي دلالة اللفظ على معنيين وقد يرجع إلي المفاصلة بين المعنى الحقيقي والمعنى المجازي إلي آخر الأسباب المعروفة في فقه القرآن. وتتمثل في الآيات المتشابهة
    كمصدر للقواعد الفروع.
    من حيث الغايات والوسائل: أي الآيات ذات الدلالة غير القائمة بذاتها بل قائمة بدلالة الآيات (الأصول) فهي بمثابة وسائل لتحقيق الغايات التي تتضمنها آيات الأصول، وتتمثل في العقوبات التي وردت في القران والتي لا تعتبر غاية في ذاتها بل وسيلة للمحافظة على قوة الالتزام في القواعد الآمرة الناهية التي يطلق عليها اسم الحدود. وذلك بالزجر الكافي والمناسب.
    تفسير آيات الصفات:
    غاية النص القرآني من آيات الصفات هداية الناس إلي وجوده تعالى واتصافه بالربوبيه والالوهيه
    ولتحقيق هذه الغاية انقسم النص القرآني إلي قسمين:
    الأصول: أي الآيات ذات الدلالة القائمة بذاتها،والتي تعتبر غايات تتحقق من خلالها غاية النص القرآني،وتتمثل في الآيات التي تقرر أن الله تعالى الوجود المطلق عن قيود الزمان (بالتالي لا تحده الحركة خلال الزمان) "هو الأول والآخر" يقول ابن الجوزي: (يستحيل على الله عز وجل الحركة والتنقل والتغير لأن ذلك من صفات الحدث)( ) والمطلق عن قيود المكان (وبالتالي لا يحده وجود في المكان) "أينما تولوا فثم وجه الله" ، "وهو معكم أينما كنتم والله بما تعملون بصير" يقول ابن الجوزي: (تعالى الله عن المحل والحيز لاستغناءه عنهما) ولا يمكن للإنسان أن يتصوره أو يتخيله "لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار" (الأنعام: 13). يقول ابن الجوزي: (وما ليس كمثله شئ لا يتصوره خيال والخيال والتصور إنما هما من نتائج المحسوسات والمخلوقات تعالى عن ذلك)( ).
    وان ألذات (أي عين هذا الوجود المطلق ) لا تتوافر للإنسان إمكانية إدراكها أما الصفات ( اى مادا على هذا الوجود المطلق)فتتوافر للإنسان إمكانية إدراكها استنادا إلى الوحي.
    الفروع : أما الآيات ذات الدلالة القائمة بدلالة الآيات السابقة فهي بمثابة وسائل للغاية التي تضمنتها الآيات السابقة (آيات الأصول) وتتمثل في الآيات التي يفيد ظاهرها التشابه بين الله والإنسان مثل (يد الله فوق أيديهم) ، (يوم يكشف عن ساق)، (الرحمن على العرش استوى). يقول السيوطي( من المتشابه آيات الصفات ولابن اللبان فيها تصنيف مفرد؛ نحو: الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى [طه:5]، كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ)[القصص:88]، ( يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ

    )[الفتح:10]ونحوها)( )وينقل ابن كثير في تفسيره:اِحْتَجَّ النَّصَارَى بِأَنَّ الْقُرْآن قَدْ نَطَقَ بِأَنَّ عِيسَى رُوح اللَّه وَكَلِمَته أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَم وَرُوح مِنْهُ وَتَرَكُوا الِاحْتِجَاج بِقَوْلِهِ " إِنْ هُوَ إِلَّا عَبْد أَنْعَمْنَا عَلَيْهِ " وَبِقَوْلِهِ " إِنَّ مَثَل عِيسَى عِنْد اللَّه كَمَثَلِ آدَم خَلَقَهُ مِنْ تُرَاب ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُون " وَغَيْر ذَلِكَ مِنْ الْآيَات الْمُحْكَمَة الْمُصَرِّحَة بِأَنَّهُ خَلْق مِنْ مَخْلُوقَات اللَّه وَعَبْد وَرَسُول مِنْ رُسُل( )
    إذ لما كان الله تعالى ذو وجود مطلق استحال على الإنسان تصوره، وفي ذات الوقت فإن الإنسان
    لا يمكنه تقرير وجود موجود ما ما لم يتصوره، لذا كان تنزل القرآن إلي مستوى عقل الإنسان بإيراد هذه الآيات بما يفيد ظاهرها التشابه بين الله تعالى والإنسان للإنتقال بعقل الإنسان من تصور وجوده تعالى (وسيلة) إلي الإقرار بوجوده تعالى (غاية) يقول ابن الجوزي : (وقد حدثنا بما نعقل وضرب لنا الأمثال بما نعلم وقد ثبت عندنا بالأصل لا يجوز عليه ما يعرفه الحس علمنا المقصود بذلك)( ).
    تفسير آيات القصص التاريخية:
    غاية النص القرآني في آيات القصص التاريخية هداية الناس إلي الحق والعبرة عند النظر إلي التاريخ ولتحقيق هذه الغاية انقسم النص القرآني إلي قسمين:
    الأصول: أي الآيات ذات الدلالة القائمة بذاتها، والتي يمكن اعتبارها غايات يتحقق من خلالها غاية النص القرآني ،وتتمثل هنا في غايتي (أو مفهومى) الحق والعبرة باعتبارهما مفهومين
    لازمين لهداية الناس في كل مكان وزمان في مجال النظر التاريخي.
    الحق: تهدف آيات القصص التاريخية إلي دعوة الناس إلي ما هو حق أو تحري الحقيقة التاريخية دون افتراء وهو ما يبحثه علم التاريخ مثل قوله تعالى: "وجاءك في هذه الحق وموعظة وذكرى للمؤمنين"( هود: 120)
    العبرة: كما تهدف هذه الآيات إلي الموعظة والعبرة أو المغزى والمعنى وهو ما تبحثه فلسفة التاريخ مثل قوله: "لقد كان في قصصهم عبرة لأولي الألباب"( يوسف: 111).
    الفروع: أي الآيات ذات الدلالة غير القائمة بذاتها بل القائمة بدلالة الآيات السابقة وتتمثل هنا في مضمون هذه القصص. فهي بمثابة وسائل لتحقيق الغايات السابقة، وآية هذا أن الوقائع التاريخية
    تتميز بالفردية: أي تتحدث عن فرد مشخص لا يتكرر. والمكان والزمان: أي أن زمان ومكان الواقعة معين، بينما قصص القرآن لم تتقيد بالزمان أو المكان المعين وبعضها يلغي مقولة الفردية فلم يذكر أسماء أصحاب الكهف أو من جاء من أقصى المدينة رجل أو من قال أن يك كاذباً فعليه كذبه.. ينقل ابن كثير في تفسيره:وَقِيلَ فِي الْمُتَشَابِهَات : الْمَنْسُوخَة وَالْمُقَدَّم وَالْمُؤَخَّر وَالْأَمْثَال فِيهِ وَالْأَقْسَام وَمَا يُؤْمَن بِهِ وَلَا يُعْمَل بِهِ رَوَاهُ عَلِيّ بْن أَبِي طَلْحَة عَنْ اِبْن عَبَّاس( )
    الآيات العلمية والكونية ومذاهب التفسير العلمي للقران:
    غاية النص القرآني في الآيات العلمية والكونية كالتي تصف جريان الشمس ومنازل القمر وتسيير السحاب وتصريف الرياح وإرسال الرعد والبرق وإنبات الزرع... الخ. هداية الناس إلي العلم ، وان يستخدموا العلم في تسخير الطبيعة باعتبار ذلك جزء من المفهوم العام للعبادة (في مجال العلم) ،والاستدلال بالوجود المحدود لعالم الشهادة على الوجود المطلق (الذي ينفرد به الله تعالى) ، واتصافه بالفاعلية فينفرد بكونه الفاعل المطلق (مضمون الربوبية). والغائية فينفرد بكونه غاية مطلقة (مضمون الألوهية) "في مجال العقيدة". ولتحقيق هاتان الغايتان انقسم النص القرآني إلي قسمين:
    الأصول:هي الآيات ذات الدلالة القائمة بذاتها والتي يمكن اعتبارها غايات يتحقق من خلالها غاية النص القرآني هداية الناس إلي مصالحهم في كل زمان ومكان وتتمثل هنا في غايتين:
    الأولى: هداية الناس إلي الله واتصافه بالربوبية والألوهية،وذلك من خلال الاستدلال القرآني القائم على الانتقال من عالم الشهادة (مقدمة) إلي عالم الغيب (نتيجة).
    الثانية: هداية الناس إلي أسس المنهج العلمي كتقرير أن الكون ومفرداته ذو وجود موضوعي مستقل عن معرفتهم وقابل للمعرفة بالحواس والعقل والدعوة إلي معرفته ﴿ وفي الأرض آيات للموقنين وفي أنفسكم﴾ (الذاريات: 20- 21). ﴿سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم﴾( فصلت: )53. (قاعدة الموضوعية) وتقرير أن حركة هذا الكون منضبطة بسنن لا تتبدل ﴿ قد خلت من قبلكم سنن فسيروا في الأرض فانظروا كيف كان عاقبة المكذبين﴾( آل عمران: 137). ﴿ فلن تجد لسنة الله تبديلاً ولن تجد لسنة الله تحويلاً ﴾ (فاطر:3 ). قاعدة السببية﴾ ..الخ.
    وتتضمن هذه الأصول الآيات الكونية القطعية الدلالة(التي لا تحتمل التأويل) المتضمنة لتفسير بعض الظواهر الطبيعية ، وهي بمثابة أدله لإثبات إعجاز القران ، وفى نفس الوقت أمثلة مضروبة للناس من أجل حثهم على البحث العلمي في السنن الإلهية التي تضبط الواقع الطبيعي والإنساني لا الاكتفاء بما في القرآن.
    الفروع: وهى الآيات ذات الدلالة غير القائمة بذاتها بل القائمة بدلالة الآيات السابقة فهي بمثابة وسائل لتحقيق الغايات التي تضمنتها آيات الأصول وتتمثل في الآيات التي تتحدث عن وصف مشاهد الكون المختلفة.
    وتتضمن هذه الفروع الآيات الكونية الظنية الدلالة(التي تحتمل التأويل) .
    مذاهب تفسير الآيات الكونية:
    المذهب الأول:رد الأصل إلى الفرع: يعتبر الآيات العلمية و الكونية بمثابة غايات للنص القرآني لا وسائل له ،وذلك من خلال شروعه في استخراج النظريات العلمية من هذه الآيات لا من الكون نفسه، دون تمييز بين آيات الأصول والمتضمنة للآيات الكونية القطعية الدلالة، وآيات الفروع والمتضمنة للآيات الكونية الظنية الدلالة . والنص القرآني مطلق عن قيود الزمان والمكان غير خاضع للتطور خلال الزمان والتغير في المكان فهو بمثابة الأصل،أما التفسير فهو اجتهاد انسانى محدود بالزمان والمكان خاضع للتطور والتغير فيها فهو بالتالي يمثل الفرع .غير أن هذا المذهب يجعل العلم الأصل (المطلق) والقرآن الفرع (المحدود) وذلك بتأويل النص القرآني ليتفق مع نظرية علمية معينة. فضلاً عن أن النظريات العلمية (كشكل من أشكال المعرفة الإنسانية) محدودة نسبية لذا تحتمل الصواب والخطأ وبالتالي فإن اعتبارها من القرآن يؤدي إلي نسبة هذا الخطأ إليه وهو الخطأ الذي وقع فيه بعض المفسرين المتقدمين كالرازي في تفسير الآية (كصيب من السماء) :إن من الناس من قال أن المطر يحصل من ارتفاع أبخرة الأرض إلي الهواء فتنعقد هناك من شدة برد الهواء ثم تنزل مرة أخرى فذلك هو المطر فأبطل الله ذلك المذهب حين بين أن الصيب ينزل من السماء.
    وقد وجه الشاطبى النقد لبعض أنصار هذا المذهب في عصره(جاءت الشريعة على معهود العرب وما تعرفه من علوم ولم تخرج مما ألفوه وان كثيرا من الناس تجاوزوا في الدعوى على القران الحد فأضافوا إليه كل علم يذكره المتقدمين والمتأخرين... وكان السلف الصالح من الصحابة والتابعين ومن يليهم كانوا اعرف بالقران وعلومه وما أودع فيه ولم يبلغنا أن تكلم منهم احد من شيء من هذا المدعى سوى ما تقدم من أحكام التكاليف وأحكام الاخره... وقال المراد بقوله تعالى ﴿ ما فرطنا في الكتاب من شيء﴾ باللوح المحفوظ)( 1) .
    كما وجه الإمام الغزالي النقد إلي بعض الذين حاولوا الانتصار إلي أو نقض بعض النظريات العلمية من منطقي ديني لا من منطلق التجربة والاختبار العلميين (القسم.
    الثاني ما لا يصدم مذهبهم فيه أصلاً من أصول الدين ليس من الضرورة تصديق الأنبياء هو الرسل منازعتهم كقولهم أن كسوف القمر عبارة عن انمحاء ضوءه بتوسط الأرض بينه وبين الشمس ومن ظن أن المناظرة في إبطال هذا من الدين فقد جنى على الدين وضعف أمره فإن هذا أمر تقوم على براهين هندسية وحسابية لا تبقى معها ريبة في من يطلعه عليها.. ومن ظن وإذا قيل له أن هذا على خلاف الشرع لم يسترب في الشرع وضرر الشرع بمن تنصره بغير طريقة أكثر ممن يطعن عيه بطريقه)(2)
    المذهب الثاني:رد الفرع إلى الأصل: أن الفهم الصحيح للآيات العلمية والكونية ينتهي بنا إلي التمييز بين آيات الأصول التي تتضمن أسس المنهج العلمي والدعوة إلى استعماله والآيات الكونية القطعية الدلالة التي هي بمثابة أمثله مضروبة للناس لاستعمال هذا المنهج العلمي للكشف عن السنن الالهيه في الطبيعة والإنسان.وآيات الفروع التي تتضمن الآيات الكونية ظنية الدلالة(تحتمل التأويل) والتي يمكن تفسيرها بما ينتهي إليه البحث العلمي من نظريات أثبت صحتها بالتجربة والاختبار مع تقرير أن هذا التفسير اجتهاد انسانى محدود يحتمل الصواب والخطأ ،وطبقا لهذا تصبح هذه النظريات العلمية هي جزء من هذا التفسير لا جزء من النص القرانى.
    (1) نقلا عن يوسف القرضاوى، نظرات في التفسير العلمي للقران، مجله مركز بحوث السنة، قطر، 1997، ص13.
    (2)الغزالي، تهافت الفلاسفة ،طبع بيروت، بدون تاريخ،ص111.

    الفصل الثالث: علم أصول الفقه
    أصول الفقه وعلم أصول الفقه :
    يجب التميز بين ( أصول الفقه ) بمعنى قواعد السلوك (العامة ، المجردة، الملزمة) التي مصدرها النصوص اليقنيية الورود القطعية الدلالة ( المطلقة عن قيود الزمان والمكان، اى التي لا تخضع للتطور والتغير فيهما )،والتي لا يجوز فيها الاجتهاد أو التجديد، وبين العلم بهذه الأصول ( علم أصول الفقه ) بمعنى المعرفة الإنسانية (المحدودة ) بالزمان والمكان النسبية فيهما، والتي بالتالي تخضع للتطور والتغيير فيهما وبالتالي يجوز الاجتهاد فيها.ولما كانت المعرفة الإنسانية تتعدد بتعدد أساليبها وطرقها ( مناهج المعرفة ) فقد تعددت الاجتهادات فى علم أصول الفقه بتعدد المناهج المستخدمة فيه. ففى إطار اهل السنة هناك علم أصول الفقه الظاهري فى كتاب "الإحكام في أصول الأحكام" لابن حزم. وهناك علم أصول الفقه الشافعي كما يتمثل فى كتاب" الرسالة" للشافعي.. وخارج إطار اهل السنة هناك علم أصول الفقه الاعتزالي كما يتضح فى كتاب" المعتمد في أصول الفقه" لابو الحسين البصري.ولا يترتب على هذا إلغاء كل الاجتهادات السابقة في مجال علم أصول الفقه بل اتخاذ اجتهادات علماء أهل السنة نقطه بداية لا نقطه نهاية.
    وعلم أصول الفقه فى الفكر الاسلامى يقابل فلسفة القانون فى الفلسفة الغربية،غير أن وجه الاختلاف ان الأول يستند إلى الحواس والعقل والوحي كوسائل للمعرفة بينما الأخيرة تكتفي بالحواس العقل وتستبعد الوحي كوسيلة للمعرفة.
    المنهج الاصولى :
    وبناء على تطبيق منهج المعرفة الاسلامى فان علم أصول الفقه يبحث فى كيفية تحديد المطلق ( وهو هنا قواعد السلوك العامة ، المجردة ،الملزمة ، التي مصدرها النصوص اليقينية الورود القطعية الدلالة ) للمحدود ( وهو هنا أساليب العمل اللازمة لحل المشاكل التي يواجهها الإنسان ) فهو يركز على ثالث خطوات المنهج ( العمل ) . أما المنهج الاصولى فيبحث فى أساليب وطرق هذا التحديد .
    الأصول (المطلق ) والفروع (المحدود ):
    ومعرفة طرق وأساليب تحديد المطلق للمحدود يقتضى معرفة مناط التمييز بين ما اسماه علماء أصول الفقه (الأصول ) التي تمثل المطلق و(الفروع ) التي تمثل المحدود . وهو ما يقتضى البحث فى فلسفة القانون ( تعريفه، نشأته، وظيفته ..) حيث نجد انه لا يمكن أن يوجد فرد بدون مجتمع ، ولا يمكن اى يوجد مجتمع بدون نظام ، والنظام هو مجموعة من قواعد السلوك العامة ( تخاطب الكافة ) ، الملزمة ( أمروه وناهيه ) المجردة لا تنصب على واقعة معينة زمانا ومكانا وأشخاصا ) تقوم على حراستها وضمان نفاذها ( ولو بالإكراه ) سلطه . ولا يمكن وجود نظام بدون مجموعة من القواعد لها ذات خصائص الأخرى ( عامة – مجردة – ملزمة ) إنما تتميز عن غيرها من القواعد انه لا يباح مخالفتها ، وعلة ذلك أنها الحل للتناقض بين وحدة المجتمع التي تتطلب وحده النظام ، وتعدد الناس فيه الذي يتطلب اختيار النظام الذي يرتضونه اى يتطلب تعدد النظم .
    ويكون نظام الدولة إسلاميا إذا تضمنت قواعد النظام العامة فيه تلك القواعد والتي يشترط فيها (بالإضافة إلى ان تكون عامة مجردة ملزمة ) ان تكون يقينية الورود قطعية الدلالة.
    قواعد التميز بين القواعد – الأصول والقواعد – الفروع :
    يترتب على ما سبق ان مناط التميز بين قواعد النظام العام الاسلامى، والتي أطلق الاصوليون عليها اسم الأصول( والتي تمثل المطلق عن قيود الزمان والمكان غير الخاضع للتطور أو التغير ،والتي لا يجوز فيها الاجتهاد) ، وقواعد النظام الاسلامى الأخرى التي اسماها الأصوليون الفروع (والتي تمثل المحدود بالزمان والمكان النسبي فيهما والخاضع للتطور والتغير، والتي يجوز فيها الاجتهاد )أن الأولى مصدرها النصوص اليقينية الورود ( من عند الله تعالى او الرسول (ص)) قطعية الدلالة ( لا تحتمل التأويل) ، بينما الثانية مصدرها النصوص الظنية الورود والدلالة (والتي تمثل الفروع الالهيه: اى المحدود من حيث التفسير ، لا المحدود فى ذاته ) أو الاجتهاد ( والذي يمثل الفروع الانسانيه اى المحدود في ذاته ).
    أولا فى القران الكريم :
    أولا : من حيث الورود :القواعد التي مصدرها القران والسنة إما ان تكون يقينية أو ظنية الورود ( من عند الله تعالى أو الرسول )، والقران كله يقين الورود من الله تعالى لقوله تعالى " انا نحن نزلنا الذكر وانا له لحافظون " . وبالتالى يتحقق فيه كله أول شروط القواعد – الحدود اى الأصول ( المطلق ) وهو شرط يقينية الورود
    ثانيا : من حيث الدلالة : ينقسم القران إلى محكم ومتشابه قال تعالى " هو الذى انزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هن ام الكتاب وأخر متشابهات " ( آل عمران :7) والآيات المحكمة هي ذات الدلالة القائمة بذاتها و التي لا تحتمل التأويل .فهي وحدها التي يتحقق فيها ثانى شروط القواعد – الحدود اى شرط قطعية الدلالة .أما الآيات المتشابهة ذات دلاله قائمه بغيرها والتي تحتمل التأويل، وفى تأويلها اختلف المسلمون ويختلفون دون اثم، فمن أخطاء فهو مثوب مره ومن أصاب فهو مثوب مرتين،. وقد يرجع الاختلاف على معنيين ، وقد يرجع الاختلاف إلى المفاضلة بين المعنى الحقيقي والمعنى المجازى إلى أخر الأسباب المعروفة فى فقه القران ومثال ذلك الآية :"انما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون فى الأرض فسادا ان يقتلوا او يصلبوا او تقطع ايديهم وأرجلهم من خلاف او ينفوا من الأرض " قال البعض تفيد التوزيع، فمن قتل واخذ المال قتل وصلب، ومن قتل ولم يأخذ المال صلب، ومن اخذ المال ولم يقتل ينفى . وقال البعض تفيد التخيير فالحاكم المسلم مخير فى تطبيق العقوبة التى يراها مناسبة .والآيات المتشابهة ظنية الدلالة فهي مصدر للقواعد الفرعية اى ذات التفسير (المحدود ) زمانا ومكانا النسبي فيها وبالتالى يخضع للتطور والتغير فيهما.
    ثانيا : فى السنة
    أولا:من حيث الورود: تنقسم السنة إلى احاديث يقينية الورود وأحاديث ظنية الورود وذلك من حيث ا/ إفراد الراوي ومشاركة غيره .ب/ عدالة الراوى .
    ا/ من حيث إفراد الراوى او مشاركة غيره
    تنقسم السنة من حيث أفراد الراوي او مشاركة غيره إلى :
    المتواترة:وهى التى رواه جماعة عن جماعة مثلهم يستحيل فى كل طبقة تواطئهم على الكذب على الرسول وهى نوعان :
    التواتر اللفظي : ما اتفق الرواة على كل لفظ من ألفاظه ، وهو أمر صعب لذا قال العلماء ما اتفقت ألفاظ الرواة على المعنى مثل قوله " من كذب على معتمدا فيتنبأ مقعده من النار ".
    التواتر المعنوي :ما اختلفت ألفاظ الرواة فيه ولكنها تتفق على قدر مشترك ويصح ان تروى ألفاظه بطريقه الآحاد حتى تبلغ الرواة حد التوتاتر كقوله " انما الاعمال بالنيات" .
    والتواتر ثابت للسنة الفعلية فى اداء فروض العبادات أما السنة القولية فيرى بعض العلماء ان التواتر غير موجود فى الأحاديث المروية ويرى اخرون انه موجود ولكن يضعون له ثلاثه شروط :
    1/ ان تخرجه كتب الحديث جميعا.
    2/ أن تتعدد طرق اخراجه كى لا يكون بعضه مكررا.
    3/ أن يثبت التعدد فى كل طرق الإخراج فى اول الرواية ووسطها وأخرها.
    الآحـــاد :وهى ما رواه عن الرسول عدد لا يبلغ حد التواتر
    والاحاديث المتوترة يتحقق فيها اول شروط القواعد – الحدود التى تمثل الأصول او المطلق ( يقينية الورود ) اما أحاديث الآحاد فهي ظنية الورود بالتالى هي مصدر القواعد الفرعية اى ذات التفسير (المحدود) زمانا ومكانا والخاضع بالتالى للتطور والتغير فيهما . وأدلة ذلك عند الصحابة ( رض) كان ابوبكر لا يقبل الا ما شهد اثنان بصحته ، وعائشة كانت لا تستوثق بالآحاد اذا علمت بمعارضته بما هو قوى منه .وعند الأئمة كان ابو حنيفه لا يقبل الآحاد الا اذا رواه جماعة عن جماعة او اتفق عليه فقهاء الامصار ،وكان مالك يقبل المرسل فى الآحاد ما دام رجاله ثقات . اما عند الشافعي فكان القياس عنده ياتى بعد خبر الآحاد وينقل عن ابن حنبل اذا روينا عن رسول الله فى الحلال والحرم تسددنا فى الأسانيد . وإذا روينا عن النبي فى فضائل الأعمال وما لا يضع حكما ولا يرفعه تساهلنا فى الأسانيد ( ).
    ورغم وضع ابن حنبل لهذه القاعدة لا انه كان يقدم الآحاد على الاجتهاد .
    ب/ من حيث عدالة الراوى :تنقسم ألسنه من حيث عدالة الراوى إلى احاديث صحيحة وأخرى ضعيفة
    الصحيح : هو ما اتصل سنده بنقل ضابط عدل عن مثله حتى ينتهى إلى الرسول (ص) ولا يكون شاذا ولا معللا بعله مانعة ( )
    الضعيف :وهو ما لم تجتمع فيه صفات الصحيح ولا صفات الحسن ، وقد سموه باعتبار الضعف فى المتن والسند وهو انواع منها : المرسل والمنطقع والمعضل .
    والحديث الصحيح يقيم الورود وبالتالى يصلح كمصدر للقواعد الحدود اى الأصول (المطلق)
    أما الحديث الضعيف فهو ظني الورود بالتالى لا يصلح الا للقواعد الفروع اى ذات التفسير المحدود بالزمان والمكان النسبي فيهما .
    ثانيا: من حيث الدلالة:كما تنقسم السنة من حيث الدلالة إلى قسمين:
    1- قطعية الدلالة :ما يفيد ألفاظها الا معنى واحد نحو قول الرسول(ص) " في خمسة من الابل شاه "
    2- ظنية الدلالة :اى ما اشتملت على لفظ يحتمل أكثر من معنى واحد نحو قوله " لا نكاح الا بولي " يحتمل النفي بمعنى الكمال فيكون الزواج هنا ناقص الكمال قد يكون النفي منصبا على الصحة فيكون الزواج باطل والاحاديث القطعية الدلالة هي التى تصلح كمصدر للقواعد – الحدود او الأصول التي تمثل ( المطلق ) عن قيود الزمان والمكان غير الخاضعة للتطور والتغير ولا يجوز فيها الاجتهاد . اما الأحاديث ظنية الدلالة فهي مصدر للقواعد الفروع اى ذات التفسير (المحدود ) زمانا ومكانا التطور المتغير فيهما
    طرق تحديد الأصول المطلقة للفروع المحدودة ( المصادر التبعية ):
    اما ما اسماه علماء أصول الفقه المصادر التبعية من قياس وإجماع وعرف واصطحاب وسد الذرائع .فهي مصدر للقواعد – الفروع. والمقصود بها هنا الفروع الاجتهادية لأنها تمثل المحدود بالزمان والمكان المتطور المتغير فيهما فى ذاته . اذ ان كل ماجاء من هذه المصادر هو اجتهاد انسانى لا تشريع الهي. وكل ما جاء من قواعد بناء عليه فهي اجتهادية، وكل اجتهاد ينسب إلى من اجتهد في وضعه، لا يحتج به على الإسلام ، بل الإسلام حجة عليه، فلا يحتج به علي المسلمين إلا إذا قبلوه وفى حدود ما يقبلون منه، فلا يكرهون عليه اذ يصبح حينها غير مشروع .
    الإجمـــاع:ه المصادر أنها طرق وأساليب تحديد المطلق ( الأصول ) للمحدود الفروع .
    الإجمـــاع :
    تعريفه : هو ( اتفاق كل المجتهدين فى الأمة الإسلامية فى عصر معين على حكم معين اى قاعدة سلوك معينه ) وبالتالى فان اتفاق بعض مجتهدا الأمة الإسلامية لا يعد إجماعا كاتفاق المصرين (الكوفه والبصرة ) واتفاق الشيخين (ابوبكر وعمر ) او اتفاق اهل البيت عند الشيعة .
    تحقق الإجماع: يمكن تقسيم الإجماع من حيث المضمون إلى قسمين :
    إجماع على القواعد _الأصول : اى اتفاق المجتهدين فى عصر معين على قواعد السلوك التى مصدرها النصوص اليقينية الورود القطعية الدلالة (الحدود ) وهو ما يمكن تحققه فى كل العصور
    إجماع على القواعد _ الفروع : اى اتفاق المجتهدين فى عصر معين على القواعد الفروع التى مصدرها النصوص الظنية الورود والدلالة ( الفروع الالهيه ) او الاجتهاد (الفروع الوضعية ) وهو مستحيل التحقق فى كل العصور لان الناس لايستوون فى علمهم بالمشاكل ولا يستوون فى معرفة حلولها ، ولا يستوون فى معرفة اساليب العمل اللازمة لتنفيذها فى الواقع، ولان هذه القواعد الفروع محدودة بالزمان والمكان نسبية فيهما وبالتالى خاضعة للتطور والتغير فيهما
    الإجماع على معنى اتفاق الكثرة : وإذا كان الإجماع من النوع الأخير مستحيل التحقق على الوجه السابق فانه ممكن التحقق على وجه أخر هو اتفاق الكثرة استنادا إلى مفهوم الشورى اى تنفيذ الرؤى الذى تراه الاغلبيه انه الراى الصحيح من احتفاظ الأقلية بالحق فى الدفاع عن رأيها ومحاولة إثبات صحته لا لان رأى الاغلبيه هو الصحيح ولكن للحفاظ على وحدة المجتمع التى يقتضى تنفيذ رأى (حل ) واحد للمشكلة المعينة . . لذا رأى الغزالي ان اتفاق الكثرة اقوي مسالك الترجيح فى مسألة اذا ما بويع خليفتان( )
    إلزامية الإجماع : الإجماع ( كسائر المصادر التبعية ) اجتهاد انسانى لا تشريع الهي وكل ما
    جاء من قواعد بناءا عليه فهي اجتهادية، وكل اجتهاد ينسب إلى من اجتهد فوضعه لا يحتج به على الإسلام حجة عليه فلا يحتج به على المسلمين الا اذا قبلوه وفى حدود ما يقبلوه وفى حدود ما يقبلون، فان فان اكرهوا عليه يصبح غير مشروع .فإذا كان مضمون الإجماع القواعد – الأصول فان مصدر الإلزام هذه القواعد لا الإجماع اذ هو هنا اتفاق على ما يجوز الاتفاق على مخالفته . وإذا كان مضمون القواعد – الفروع فانه ليس هناك إلزام فى هذه القواعد اذا يجوز الاجتهاد فيها وبالأحرى ليس هناك إلزام على ما أنبنى عليها (الإجماع ) إلا إذا قبله المسلمون وفى حدود ما يقبلون . يقول الشيخ شلتوت (يجوز للمجتهدين أنفسهم او لمن يأتي بعدهم اذا تغيرت الظروف ان يعيدوا النظر)( ).
    أما ما نقله علماء الأصول من تحقق إجماع الصحابة فى عصر الشخصين (ابوبكر وعمر ) واستحالته فى العصور التى تليه كقول الرازي والإنصاف انه لا طريق لنا لمعرفته – اى الإجماع – الا فى زمان الصحابة( ) فيدل على إمكانية تحقق الإجماع على القواعد الأصول ( فى كل العصور لا ذلك العصر فقط ) واستحالة تحقق الإجماع على القواعد الفروع الا بمعنى اتفاق الكثرة .
    القيــــــاس:
    اركانـــه :
    الأصل : السلوك التى تحدده القاعدة – الأصل (المطلق ) مثال شرب الخمر
    حكم الأصل : مضمون القاعدة – الأصل او طبيعة الإلزام فيها ( مثال تحريم شرب الخمر )
    الفرع : السلوك الذى لم تحدده اى قاعدة أصل مثال تناول المخدرات .
    حكم الفرع : نفس حكم الأصل ( تحريم تناول المخدر )
    العلة المشتركة : المصلحة ( حل المشكلة ) التىتحققها القاعدة الأصل والتي تتوافر فى السلوك الذى حددته القاعدة الأصل والذي لم تحدده اى قاعدة أصل ( الأصل والفرع ) .
    مقارنه بين القياس الاصولى والقياس الارسطى :
    هناك أوجه شبه وأوجه اختلاف بين القياس الارسطى القائم على الانتقال من مقدمتين ( صغرى وكبرى ) إلى نتيجة ولكل من المقدمتين والنتيجة موضوع ومحمول على الشكل التالي :
    كل أ هو ب
    كل ب هو ج
    كل أ هو ج
    حيث يمكن اعتبار الأصل موضوعه المقدمة الكبرى والفرع هو محمول الصغرى والعلة المشتركة هي الحد الأوسط (ب) . اما أوجه الاختلاف ان أرسطو نظر إلى العقل كجوهر قائم بذاته ومستقل عن الحواس والوحي ،اما التصور الاسلامى فقائم على ان العقل فاعليه ( محدودة ) بالوحي في إدراكه لعالم الغيب والحواس في إدراكه لعالم الشهادة لذا كان مصدر الأصل فى القياس الاصولى الوحي ومصدر العلة المشتركة الواقع المحسوس .
    المصالح المرسلة:
    المصلحة لغة اشتقاق من الصلاح اى ( ما فيه صلاح إنسان ) واصطلاحا الحل الصحيح لمشكله معينة يواجهها الإنسان ( غير انه يمكن تقسيم هذه الحلول الصحيحة ( المصالح ) إلى قسمين :-
    المصالح المقيدة : فهناك الحلول الصحيحة للمشاكل المطلقة عن قيود الزمان والمكان غير الخاضعة للتطور او التغير فيهما والتي لا تتوافر للعقل الانسانى المحدود ( زمانا ومكانا ) إمكانية إدراكها، والتي تولى بيانها الوحي فهي مقيده به، اذ مصدرها النصوص اليقينية الورود قطعية الدلالة التى لا يجوز فيها الاجتهاد، وهى التى عبر عنها علماء أصول الفقه بان شرائع الإسلام الملزمة قائمة على ما يحقق مصالح الناس فى كل زمان ومكان . قال تعالى " وما ارسلناك الا رحمة للعالمين "وقال تعالى " ان الله يأمر بالعدل والإحسان وايتاء ذى الغربي وينهى عن الفحشاء والمنكر " وقال ص " لا ضرر ولا ضرار " وقال " الخلق كلهم عيال الله فأحبهم الى الله انفعهم لعياله " (الطبرانى- المعجم ).
    المصالح المرسلة : وهناك الحلول الصحيحه للمشاكل المحدودة بالزمان والمكان، النسبية فيهما ،الخاضعة بالتالى للتطور والتغير فيهما، والتي يتوافر للعقل الانسانى إمكانية إدراكها، فهي مرسله اى غير مقيده بالوحي، فقد تركها الإسلام لأصحابها يضعونها على الوجه الذى يتفق مع واقعهم ،على هدى ما جاء ملزما من شرائع الإسلام . قال تعالى :"لكل اجل كتاب " اى لكل زمان أحكام قواعد تضبط السلوك فيه وقال تعالى : " ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين " اى ان ما جاء فى القران من قواعد ملزمه تهدى الناس الى أفضل القواعد التى يحتاجون الى وضعها ولو لم ترد فيه نصا .( هذه القواعد تحدد أسلوب العمل اللازم لتنفيذ حل المشكلة ) لذا اعتبر مالك المصلحة مصدرا مستقلا دلت عليه النصوص ، وروى عنه الاستحسان تسعة اعشار العلم واعتبار ابن حنبل المصالح اصلا .
    العــــرف :
    نشأ العرف كحل لمشكلة الاتصال الحتمى بين الناس فى المجتمع، صاغها المجتمع انماط من السلوك ،واطراد تطبيقها حلولا لمشاكل متجددة ،وانقلبت خلال باضطرادها الى قواعد دراجة يلتزم الناس فى علاقاتهم دون جهد يذكر . من هنا كان اعتبار العرف من المصادر للتبعية اى مصدر للقواعد – الفروع التى تخضع للتطور خلال الزمان والتغير فى المكان واستدل بعض الفقهاء بقوله تعالى " خذ العفو وأمر بالعرف "( الأعراف :199) واستدل معظم الفقهاء بما رواه بن مسعود "ما رآه المسلمون حسن فهو عند الله حسن" ( رواة الترمزى وابو داوؤد ) واقام فقهاء المذهب الحنفى كبير وزن للعرف ما دام لا يصادم نصا ( )
    قول الصحابي:
    أراء العلماء فى حجية قول الصحابي:
    ا/ قول الصحابي في الأمور التي لا مجال فيها للاجتهاد له حكم الرفع فالاستدلال والاحتجاج[ (علاء الدين عبد العزير بن أحمد البخاري ،كشف الأسرار عن أصول فخر الإسلام البزدوي،ج3/410،ط3، 1997،دار الكتاب العربي).
    ب/ قول الصحابي إذا انتشر، ولم يعرف له مخالف فهو يعد من قبيل الإجماع السكوتي، وهو حجة
    يقول ابن تيمية( فصل وأما أقوال الصحابة فان انتشرت ولم تنكر فى زمانهم فهي حجة عند جماهير العلماء ) (مجموع الفتاوى،ج20/14)
    ج/ قول الصحابي إذا خالف صحابيا آخر وجب على المجتهد أن يأخذ من أقوالهم حسب الدليل ،وعندئذ يكون الأخذ بالدليل لا بقول الصحابي .قال ابن تيمية( وان تنازعوا رد ما تنازعوا فيه الى الله والرسول ولم يكن قول بعضهم حجة مع مخالفة بعضهم له باتفاق العلماء)(مجموع الفتاوى،ج20/14)
    د/ قول الصحابي إذا لم يخالفه صحابي آخر، أو لم يشتهر بين الصحابة، أو لم يعلم اشتهاره من عدمه، وكان هذا القول في مسائل للاجتهاد فيها مجال:
    1. أنه حجة شرعية مقدمة على القياس وقال بهذا أبو حنيفة وكثير من أصحابه ، وهو قول مالك وكثير من أتباعه أيضا،وهو مذهب الشافعي في القديم والجديد،ومذهب أحمد بن حنبل وسفيان الثوري وجمهور أهل الحديث) إجمال الإصابة في أقوال الصحابة،ص36،واعلام الموقعين،ج5/548. (
    2. أنه ليس بحجة مطلقا .قال الشوكاني: وهو قول الجمهور. ونسبه ابن القيم إلى بعض المتأخرين من الحنفية والمالكية والحنابلة وكثير من المتكلمين.وهو رواية عن أحمد،ونسبه أصحاب الشافعي إليه في الجديد وهو قول أبو الخطاب من الحنابلة ( ارشاد الفحول ج2/995 ، إعلام الموقعين ج5/555، التمهيد ج3/331.(
    3. انه حجة إذا كان مما لا يدرك بالقياس وهو قول الكرخي من الحنفية وابو زيد ونقله العلائي عن البزدوي وابن الساعاتي.
    4. أن الحجة في قول الخلفاء الأربعة الراشدين.العلائي نسبه إلى القاضي أبو حازم من الحنفية وإلى الإمام أحمد ) إجمال الإصابة، ص51( .
    5. أن الحجة في قول أبي بكر وعمر رضي الله عنهما فقط نقله العلائي عن جماعة من المصنفين( المرجع السابق).
    6. أنه حجة إذا انضم إليه القياس،فيقدم حينئذ على قول صحابي آخر. ، يرى البعض انه ظاهر مذهب الشافعي في الجديد( أصول الفقه ،وهبةالزحيلي،ج2/881).
    استنادا الى العرض السابق نرى ان مرجع تعدد أراء العلماء فى حجية قول الصحابي تعدد الزوايا التى نظر من خلالها العلماء الى قول الصحابي وحجيته، من هذه الزوايا:
    طبيعة موضوع قول الصحابي : اذا كان اصلا( من الأمور التي لا مجال فيها للاجتهاد) فله حكم الرفع فالاستدلال والاحتجاج ، واذا كان فرعا( في مسائل للاجتهاد فيها مجال) فالراى الغالب انه حجه مع اختلاف العلماء فى طبيعة الحجية فيه .
    • مدى مخالفته لقول صحابي أخر : اذا لم يعرف له مخالف فهو إجماع سكوتي، و إذا خالف صحابيا يأخذ من أقوالهم حسب الدليل.
    • طبيعة الإلزام(الحجية) فيه : حجة مقدمة على القياس، حجة إذا كان مما لا يدرك بالقياس، حجة إذا انضم إليه القياس...
    • مصدر الإلزام فيه(قول الصحابي فى ذاته او النص) : النص هو مصدرالالزام لا قول الصحابي فى ذاته،عبر عن ذلك الشوكاني بقوله "... فإن الله سبحانه لم يبعث إلى هذه الأمة إلا نبيها محمدا صلى الله عليه وسلم وليس لنا إلا رسول واحد، وكتاب واحد ،وجميع الأمة مأمور باتياع كتابة، وسنة نبيه، ولا فرق بين الصحابة، و بين من بعدهم في ذلك فكلهم مكلفون بالتكاليف الشرعية، وباتباع الكتاب والسنة .فمن قال إنها تقوم الحجة في دين الله عز وجل بغير كتاب الله، وسنة رسوله، وما يرجع إليهما، فقد قال في دين الله بما لا يثبت وأثبت في هذه الشريعة الإسلامية شرعا لم يأمر الله به( إرشاد الفحول ج2/997-998.)
    • من من الصحابه يعد قوله حجه : قول الخلفاء الأربعة الراشدين، قول أبي بكر وعمر رضي الله عنهما...






















    الخاتمة
    هذه الدراسة هي محاوله لبناء مدخل منهجي لدراسة العلوم الاسلاميه، مع اختيار علوم أصول الدين وأصول التفسير وأصول الفقه كنماذج ، استنادا إلي مفهوم الاستخلاف كفلسفة إسلامية وكمنهج ونظريه للمعرفة.
    تناولت الدراسة في الفصل الأول بعض قضايا علم أصول الدين (القضاء والقدر، الصفات الإلهية ،علاقة الذات بالصفات ، طبيعة الفعل الالهى ( مسألة التعليل لأفعال الله تعالى)...طبقا لمنهج المعرفة الإسلامي السابق الذكر.
    أما الفصل الثاني فتتناولت فيه الدراسة تطبيقات هذا المنهج الإسلامي على علم أصول التفسير لتخلص إلي أن غاية النص القرآني هداية الناس إلي مصالحهم (الحلول الصحيحة للمشاكل التي يطرحها واقعهم) في كل زمان و مكان . وان النص القرانى يجمع بين كونه مطلق (وضعا وغاية)عن قيود الزمان والمكان غير خاضع للتطور أو التغير فيهما، ومراعاته التطور خلال الزمان و التغير في المكان ،وذلك بانقسامه إلى قسمين: القسم الأول هو ما أسماه المفسرين آيات الأصول أو الآيات المحكمات أو أم الكتاب ، والقسم الثاني هو ما أطلقوا عليه اسم آيات الفروع أو الآيات المتشابهات القسم الأول يمثل المطلق والقسم الثاني يمثل المحدود ، وهذا التقسيم ينصب على الدلالة لا الوضع لان كلاهما وضع الهي.
    حيث يمكن تقسيم النص القرانى :
    من حيث وحده الدلالة أو تعددها: ينقسم النص القرآني هنا إلي آيات ذات دلاله واحده لا تحتمل التأويل.وآيات ذات دلالات متعددة ،وبالتالي تحتمل التأويل،وفي تأويلها اختلف المسلمون ومازالوا يختلفون دون إثم. فالآيات الأولى هي الآيات المحكمة والثانية هي الآيات المتشابهة.
    ثانياً: من حيث الغايات والوسائل:ينقسم النص القرآني هنا إلي آيات ذات دلاله قائمه بذاتها وآيات ذات دلاله قائمه ، فالآيات الأولى يمكن اعتبارها غايات تتحقق من خلالها هداية الناس في كل زمان ومكان،أما الآيات الثانية فيمكن اعتبارها وسائل للغايات السابقة ،ولما كانت الغايات تحدد أسلوب العمل اللازم لتحقيقها (الوسائل) فإن النوع الأول من الآيات يحدد النوع الثاني بحيث لا يمكن تفسير الأخيرة إلا استناداً إلي الأولى.
    أما الفصل الثالث فتتناولت فيه الدراسة تطبيقات هذا المنهج الإسلامي في علم أصول الفقه فتبدأ بالتميز بين ( أصول الفقه ) بمعنى قواعد السلوك (العامة ، المجردة، الملزمة) التي مصدرها النصوص اليقينية الورود، القطعية الدلالة ( المطلقة ) عن قيود الزمان والمكان، اى التي لا تخضع للتطور والتغير فيهما ،وبالتالي لا يجوز فيها الاجتهاد أو التجديد، وبين العلم بهذه الأصول ( علم أصول الفقه ) بمعنى المعرفة الإنسانية (المحدودة ) بالزمان والمكان النسبية فيهما، والتي بالتالي تخضع للتطور والتغيير فيهما وبالتالي يجوز الاجتهاد فيها. وانه لما كانت المعرفة الإنسانية تتعدد بتعدد أساليبها وطرقها ( مناهج المعرفة ) فقد تعددت الاجتهادات في علم أصول الفقه بتعدد المناهج المستخدمة فيه. و انه بناء على تطبيق منهج المعرفة الإسلامي فان علم أصول الفقه يبحث في كيفية تحديد المطلق ( وهو هنا قواعد السلوك العامة ، المجردة ،الملزمة ، التي مصدرها النصوص اليقينية الورود القطعية الدلالة ) للمحدود ( وهو هنا أساليب العمل اللازمة لحل المشاكل التي يواجهها الإنسان ) فهو يركز على ثالث خطوات المنهج ( العمل ) . أما المنهج الاصولى فيبحث في أساليب وطرق هذا التحديد .ومعرفة طرق وأساليب تحديد المطلق للمحدود يقتضى معرفة مناط التمييز بين ما اسماه علماء أصول الفقه (الأصول ) التي تمثل المطلق و(الفروع ) التي تمثل ( المحدود ) وهو ما يقتضى البحث في فلسفة القانون ( تعريفه نشأته وظيفته ..) حيث نجد لا يمكن أن يوجد فرد بدون مجتمع ، ولا يمكن أن يوجد مجتمع بدون نظام ، والنظام هو مجموعة من قواعد السلوك العامة ( تخاطب الكافة ) ، الملزمة ( أمروه وناهيه ) المجردة لا تنصب على واقعة معينة زمانا ومكانا وأشخاصا ) تقوم على حراستها وضمان نفاذها ( ولو بالإكراه ) سلطه . ولا يمكن وجود نظام بدون مجموعة من القواعد لها ذات خصائص الأخرى ( عامة – مجردة – ملزمة ) إنما تتميز عن غيرها من القواعد انه لا يباح مخالفتها ، وعلة ذلك أنها الحل للتناقض بين وحدة المجتمع التي تتطلب وحده النظام ، وتعدد الناس فيه الذي يتطلب اختيار النظام الذي يرتضونه اى يتطلب تعدد النظم .ويكون نظام الدولة إسلاميا إذا تضمنت قواعد النظام العامة فيه تلك القواعد والتي يشترط فيها (بالإضافة إلى أن تكون عامة مجردة ملزمة ) أن تكون يقينية الورود قطعية الدلالة.ويترتب على ما سبق أن مناط التميز بين قواعد النظام العام الإسلامي والتي أطلق الأصوليون عليها اسم الأصول والتي تمثل المطلق عن قيود الزمان والمكان غير الخاضع للتطور أو التغير والذي بالتالي لا يجوز فيها الاجتهاد . وقواعد النظام الإسلامي الأخرى التي اسماها الأصوليون الفروع والتي تمثل المحدود بالزمان والمكان النسبي فيهما والخاضع للتطور والتغير والذي بالتالي يجوز فيها الاجتهاد ،إن الأولى مصدرها النصوص اليقينية الورود ( من عند الله تعالى أو الرسول (ص) قطعية الدلالة ( لا تحتمل التأويل) بينما الثانية مصدرها النصوص الظنية الورود والدلالة (والتي تمثل الفروع الالهيه اى المحدود بالزمان والمكان من حيث التفسير والفهم لا المحدود في ذاته ) أو الاجتهاد ( والتي تمثل الفروع الاجتهادية أو الإنسانية اى المحدود زمانا ومكانا في ذاته ).
    المراجع
    (1) ابن تيميه، مجموعه الرسائل والمسائل،ج 5.
    (1) ابن الجوزي، دفع شبهة التشبيه،طبعه القاهره، بدون تاريخ.
    (2) ابن الجوزي ، صيد الخاطر، ج1.
    (3) أبو الوفاء سيد درويش، محاضره في القضاء والقدر، مصر 1964.
    (4) ابوحنيفه، الفقه الأكبر، طبعه مصر.
    (5) ابن حزم، الفرق بين الفرق، طبعه ألقاهره،1943.
    (6) الشهرستانى، الملل والنحل، دار الكتب العلميه، بيروت.
    (7) ابوريان، تاريخ الفكر الفلسفي في الإسلام، القاهره،دار الكنب ألجامعه ،1986.
    (8) الطبري، جامع البيان في تفسير القرآن. طبعه مصر ، بدون تاريخ .ج 1.
    (9) العقيلى ، تكامل المنهج المعرفي عند ابن تيميه،المعهد العالمي للفكر الاسلامى.
    (10) ابن الأثير ،النهاية في غريب الحديث،مادة (زهد) .
    (11) الصابوني ،عقيدة أهل السنة، دار الكتب المصرية ،1946.
    (12) المناوى، فيض القدير شرح الجامع الصغير، الجزء الثالث.
    (13) الغزالي، إحياء علوم الدين، الجزء الثالث.
    (14) زينب الخضيري، أثر ابن رشد في الفلسفة في العصور الوسطى، دار التنوير.
    (15) محمد الخضري، أصول الفقه، طبعه ثانيه، مصر، 1933.
    (16) مصطفى السباعي، السنة ومكانتها في التشريع الاسلامى.
    (17) علي بن أبي طالب، نهج البلاغة، خطبة 157.





    الفهرس
    مدخل: منهج المعرفة الاسلامى.............................................
    الفصل الأول: علم أصول الدين ...........................................
    الفصل الثاني : علم اصول التفسير.........................................
    الفصل الثالث: علم اصول الفقه............................................
    المراجع...................................................................
    الفهرس...................................................................























                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>

تعليقات قراء سودانيزاونلاين دوت كم على هذا الموضوع:
at FaceBook




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de