|
مفهوم العلم بين الفلسفه الغربية و الفكر الإسلامي دراسة نقدية لفلسفه العلم/د. صبري محمد خليل
|
بسم الله الرحمن الرحيم
مفهوم العلم بين الفلسفه الغربية و الفكر الإسلامي دراسة نقدية لفلسفه العلم
د. صبري محمد خليل
بسم الله الرحمن الرحيم مدخل:تعريف بفلسفة العلم فلسفة العلم هي إحدى فروع الفلسفة التي تربط بين الفلسفة والعلم، إذ رغم أن لكل منهما مشاكل خاصة يحاول حلها ومنهج خاص لحلها، إلا أن الخصوصية لا تعني أن كل منهما منفصل عن الآخر، إذ أن كلاهما يتناول ذات المشاكل الواقعية ولكن على مستوى مختلف أي منظور إليها من جهة مختلفة. خصائص العلم وتعريفه: أما مفهوم العلم فله معنى خاص ومعنى عام ، أما المعنى الخاص فهو نمط معين من أنماط المعرفة يهدف إلى معرفة القوانين الموضوعية (أو السنن الإلهية بتعبير القران) التي تضبط حركة تحول الطبيعة وتطور الإنسان التي لابد أن تأتي حلول المشاكل على مقتضاها لكي تكون صحيحة وبالتالي يتصف العلم ( طبقا لهذه الدلالة) بصفتين: العينية: أي أن العلم يبحث في وقائع معينة بذاتها زماناً ومكاناً وبالتالي تخضع للتجربة والاختبار. الجزئية(النوعية): أي أن العلم يبحث في الوجود النوعي (الجزئي) أي يبحث في القوانين النوعية التي تضبط حركة نوع معين من أنواع الوجود. أما المعنى العام لمفهوم العلم فهو المعرفة بكل أنماطها(1) خصائص فلسفة العلم: أما فلسفة العلم (كفرع من فروع الفلسفة) فتتصف بصفتين: التجريد: أي أنها تبحث في الافتراضات السابقة على البحث العلمي كالموضوعية (هل الكون ذو وجود مستقل عن الوعي وغير متوقف على معرفته والسابق على هذه المعرفة أم من خلق وعي الإنسان) والحتمية (هل هنالك قوانين الحتمية تضبط حركة الأشياء والظواهر والإنسان). الكلية: الفلسفة مفهوم كلى للوجود وهذا المفهوم الكلي للوجود لا يتحقق إلا من خلال محاولة تقديم تفسير فلسفي لنتائج البحث العلمي في كل نوع من أنواع الوجود، هذا التفسير الفلسفي هو تعميم لنتائج البحث العلمي الجزئية. وهو أحد وظائف فلسفة العلم.
(1)محمد عابد الجابري, مدخل إلي فلسفة العلوم , مركز دراسات الوحدة العربية, بيروت، 1994م،ص5.
بعض قضايا فلسفة العلم: العلاقة بين خطوات المنهج العلمي :في المنهج العلمي ثلاث خطوات: 1) الملاحظة: أي مراقبة مفردات الظاهرة ورصد حركتها خلال الزمان. 2) الافتراض: محاولة افتراض قانون لتلك الحركة من خلال إطرادها على قاعدة واحدة في ظروف مماثلة. 3) التحقق: أو الممارسة إذ هي اختبار مستمر لصحة القانون. وتطرح فلسفة العلم مشكلة العلاقة بين هذه الخطوات الثلاث وهنالك من يرى أولوية خطوة على غيرها (أولوية الملاحظة على الافتراض كما عند اوجست كونت وجون استيوارت مل وبيكون أو أولوية الافتراض كما عند بياجيه ولاكتوس) وهنالك من يرى القيمة المتساوية لكل خطوات المنهج العلمي إذ لا وجود للمنهج العلمي بدون أحدهما مع الإقرار بأن أهمية كل خطوة تتفاوت من علم إلي أخر أو من عصر إلي أخر . المنهج العلمي بين الطبيعية والإنسانية: إذا كان العلم يتصف بالجزئية والنوعية أي يبحث في القوانين التي تضبط حركة نوع معين من أنواع الوجود ، فلكل نوع من أنواع الوجود علم خاص به فهل يترتب على هذا اختلاف تعريف العلم أو خطوات المنهج العلمي باختلاف هذه العلوم أم يترتب على هذا اختلاف كيفية هذه الخطوات وأدواتها فقط. هنالك من يرى أن خطوات المنهج العلمي لا تختلف في العلوم الطبيعية عن العلوم الإنسانية ولكن ما يختلف هو الأدوات المستخدمة في هذه الخطوات وهنالك من يرى العكس مثل وليم دلتاي. التمييز بين العلم و اللا علم وغير العلم : وفلسفة العلم بما هي محاولة للربط بين الفلسفة والعلم تبحث في تحديد مجال العلم وتمييزه عن مجالات المعرفة الأخرى سوى أن المجالات التي علاقة العلم بها علاقة تكامل كالدين والفلسفة (غير العلم) أو التي علاقة العلم بها علاقة تناقض وصراع (اللا علم) كالخرافة بما هي محاولة لتفسير وقائع معينة زماناً ومكاناً ولكن بواسطة فكرة لا تخضع إلى التجربة والاختبار .
الفصل الأول عرض نقدي لمفهوم العلم في الفلسفة الغربية أولا: الفلسفة الأوربية الحديثة فرنسيس بيكون الارجانون الجديد انطلق بيكون من نقد العقل حيث رأى انه يجب تكوين عقل جديد يستند إلي منطق جديد يهدف إلي استكشاف الطبيعة بدلاً من العقل القديم القائم علي منطق أرسطو الذي ابتعد عن التجربة و استهدف معرفة ماهية الوجود لذا أسمى كتابه (الارجانون ) يعارض به ارجانون أرسطو (اى منطق أرسطو الذي اسماه بالارجانون اى الأداة باللغة اليونانية). المنهج التجربيى و لتحقيق هذه الغاية وضع منهج تجريبي ذو بعدين سلبي و ايجابي. (أ) المنهج السلبي (الأوهام الأربعة): مضمونه أن العقل إذا استمر وحده أداة للوصول إلي الحقيقة فلن يؤدى بنا ذلك إلى التقدم لان العقل أداة تجريد, وإذا– ترك علي سجيته انقاد لأخطاء طبيعية فيه تضلله فلا بد من تطهيره منها حتى تضمن له البعد عن الانحراف عن هذه الأخطاء و هي الأوهام (أو الأصنام ) الأربعة. (1)أوهام القبيلة ( الجنس) و مصدرها طبيعية الإنسان يشترك فيها مع طباع جنسه وقبيلته (الجنس البشرى). فهي مشتركة بين الناس و المقصود بها هو ميلهم إلي التعميم و فرض النظام و الاطراد في الطبيعة. (2) أوهام الكهف ( الذات ) أن الإنسان سجين تجربته الفردية فهو ينظر إلي العالم من خلال كهف الذاتية المتمثل في التربية والاستعدادات والميول التي نشأت مع الإنسان- أو اكتسبها من الآخرين. 3) أوهام السوق (اللغة) مصدرها سوء استخدام الإنسان للغة في الحياة العامة حيث يضع ألفاظا لأشياء لا وجود لها كالعنقاء كما يحدث في السوق حيث يكثر الكلام الفارغ. (4) أوهام المسرح (الإسلاف) مصدرها الأفكار والمعتقدات والمفاهيم التي انحدرت إلينا من القدماء مثلما تسيطر شخصيات الممثلين في المسرح علي المتفرجين. (ب) المنهج الايجابي (الاستقراء) إذا كان العلم القديم يبحث في ماهية الوجود من منظور نظري بحت فإن العلم الجديد يبحث في الكيفية أي صور الأشياء التي يدل عليها لفظ ما بالفعل مثل حار, بارد وهذا يتم عن طريق الملاحظة والتجربة الذين بهما يستطيع استخلاص القوانين التي نتحكم فيها في الطبيعة وبعد ان- نجري التجارب ينبغي أن نقسمها إلي ثلاثة جداول: (1) جدول الإثبات:- وفيه يجمع المجرب كافة الشواهد التي تبدو فيها الظاهرة موضوع البحث. (2) جدول النفي:- وفيه يسجل الباحث كافة الأمثلة التي تقابل الشواهد السابقة أي القائمة المضادة لقائمة الإثبات. (3) جدول التفاوت:- وفيه يسجل الباحث الحالات التي تبدو فيها الظاهرة بدرجات مختلفة تتفاوت قوة وضعفاً. و تكمن أهمية الجداول في استبعاد ما ليس ضروريا لوجود ظاهرة ما واستبقاء ما هو ضروري فيها (1). هدف العلم: والسيطرة علي الطبيعة لم يكن بيكون يرمي إلي انشأ فلسفة جديدة إنما هدفه الأساسي ( إصلاح أساليب التفكير وطرق البحث) ولذا انتقد الفلاسفة السابقين من العقلانيين والتجريبيين. فالأولون كانوا كالعنكبوت الذي يبني منزله من داخله والآخرون كانوا كالنمل الذي يجمع من الخارج زاده في حين ان الفيلسوف الحق (وهذا يعني أيضا العالم الحق حسب مفاهيم هذا العصر)هو الذي يعمل كالنحلة التي تجمع الرحيق من الإزهار لتصنع منه العسل أي علي الفيلسوف ان يأخذ من الظواهر وبواسطة التجربة ما يبني به العلم والفلسفة, فالفلسفة القديمة فشلت لكونها كانت تهتم بالمعرفة لذاتها في حين ان المعرفة (الفلسفة والعلم) هدفهم هو السيطرة علي الطبيعة لإخضاعها لإغراضنا العلمية, وتغير الهدف يستلزم تغيرا في الوسيلة يقول بيكون (لا يمكن السيطرة علي الطبيعة إلا بالخضوع لها, لا بالثورة ضدها، يجب ان نتعلم كيف نفهم الطبيعة... إن ذلك هو ما سيمكننا من توقع نتائج أعمالنا, وبالتالي التحكم في الضرورة التي تريد الطبيعة فرضها علينا)
(1)د- محمد إسماعيل, و عبد الوهاب سر الختم, الفلسفة, دار النشر التربوي الخرطوم, ط1, 1974, ص134-137.
تصنيف العلوم والخطوة الأولي التي يجب البدء بها هي تنظيم المعرفة البشرية لان ذلك سيساعدنا علي فرض النظام في الفكر وأساليب البحث وذلك بتصنيف العلوم. ولما كانت العلوم من إنتاج الفكر والفكر البشري يتألف من ثلاثة ملكات الذاكرة والمخيلة والعقل فان العلوم ثلاث أنواع: التاريخ وملكته الذاكرة، والآداب- (الشعر) وملكتها المخيلة, والفلسفة وملكتها العقل وكل نوع من هذه الأنواع تقويم: كان لبيكون الفضل في تطوير الفكر الغربي من خلال تحديد مجال العلم في البحث في الكيفية (ضوابط الحركة في الكون و اتجاهها) لا الماهية و ماهية القوة التي تحرك الوجود, كيف بدء الوجود, كيف ينتهي أضافه التجربة و الملاحظة إلي المنهي العلمي وهو الشئ الذي أهمله الفكر الغربي طوال فترة العصور الوسطى متأثرا بأرسطو ولكنه لم ينبه إلي الدور الذي تؤديه الفروض بل يمكن القول انه اغفل هذا الدور في البحث العلمي و المنهج العلمي يقوم علي الملاحظة فالافتراض فالتحقق. انه كان يستند إلي اعتقاد ساذج بان الكون يتألف من مجموعه من الطبائع المحدودة العدد فجات أرائه مفتقرة للاصاله لافتقاره إلي ممارسة التجارب العلمية الدقيقة ممارسة فعليه (1)(2) أوجست كونت: نظرية المراحل الثلاث تستند فلسفة العلم عند أوجست إلي نظريته في المراحل الثلاث التي تمر بها البشرية. (1) المرحلة اللاهوتيه ( الدينية ): وفيها يفسر البشر بتدخل قوى غيبيه, فالإرادة الالهيه فرضية تلقائية و ابسط فرضيه يمكن للعقل البشرى عهد ذلك ان يصدر عنها و عنده تبدأ هذه المرحلة بالوثنية أو الصنمية (FETICHISM), ثم تتطور إلي الشرك ومنه إلي التوحيد.
(1) د- محمد عابد الجابرى, مدخل إلي فلسفة العلوم, مركز دراسات الوحدة العربية, بيروت ط3, 1994م, ص237- 239 (2) د. محمد فتحي الشنيطي, اسس المنطق و المنهج العلمي, دار النهضة العربية, بيروت, 1970م, ص145.
و توازى هذه المرحلة علي الصعيد الاجتماعي مرحلة حكم الباباوات و السلاطين والملوك (الحق الإلهي ). (2) المرحلة الميتافيزيقية ( الفلسفية ) وهي مرحله التجريد الذهني الذي لا يستند في تعليلاته إلا علي مفاهيم تجريديه شأن نظريه كراهية الطبيعة للفراغ عند بعض علماء الطبيعة في القرن السابع عشر. هذه المرحلة تتمثل علي الصعيد العلمي في فكرة السبب و مؤداها ان ينتج واقع ما واقع آخر. و تتمثل علي صعيد التنظيم الاجتماعي في فكرة الحق الطبيعي فهي عنده فكرة ميتافيزيقية. (3) المرحلة الوضعية (العلمية) و تهيمن عليها فكرة القانون بدلاً من فكره العلة, ومبدأ شرط الوجود بدلا من الغائية, وفي هذه المرحلة يقوم الإنسان بمعرفة القوانين حتى يمكنه التأثير علي الطبيعة يقول "كونت " اعرف لتستدرك وتعد للأمور عدتها. قواعد المرحلة الوضعية: العضوية:أي انه لا يجوز لنا أن ننظر إلي العناصر كل علي حدة بمعزل عن غيره. النسبية:أن كل معرفة إنما هي معرفة نسبية الساكن والمتحرك: كما ذهب إلي أن لكل علم وجهان ساكن وديناميكي .فإذا نظرنا إلي علم الاجتماع وجدنا ان وجهه الساكن قائم علي النظام الاجتماعي المبني علي الدين واللغة والاسره والتملك. وإذا تغلب الوجه الساكن علي نقيضه كان ذلك دليلاً علي ما يعرف بالحقب العضوية(1). تقسيم العلوم كما اهتم اوجست كونت بتصنيف العلوم, فرتبها حسب درجتها من البساطة والتجريد نزولا, ومقدار تعقيدها وتشابكها صعودا إلي ستة الرياضيات الفلك, الفيزياء, الكيمياء, البيولوجيا, السوسيولوجيا او (الفيزياء الاجتماعية ) أما بقيه العلوم فهي في نظره أما مجرد تطبيق لعلم آخر كالطب الذي هو تطبيق للفيزيولوجيا, أو مجرد علوم في الظاهر, لا في الحقيقة
(1)جان فال, الفلسفة الفرنسية, ترجمة مارون خوري, عويدات, ص92-94
كاللغة... أما علم النفس فليس علماً مستقلاً لان موضوعه تتقاسمه البيولوجيا والسوسيولوحيا. علم الاجتماع وإذا كانت الدراسات التي تتناول المجتمع لم تبلغ مستوي العلوم الوضعية, فذلك لان الأبحاث من هذا النوع كانت دوما سجيته التفكير الميتافيزيقي, أما مع اوجست كونت فلقد أصبح من الممكن بفضل تقدم- العلوم الوضعية, إنشاء علم اجتماعي وضعي يكون للمجتمع كالفيزياء بالنسبة للطبيعة, وهي المهمة الرئيسية للفلسفة الوضعية التي نادي بها اوجست كونت مؤسسي علم الاجتماع تقويم أراد كونت ان يحرر العلم من محاولة الفلسفة والدين تجاوز مجالاتها (الكلي والمجرد) و(المطلق الغيبي) إلي مجال العلم (الجزئي المحسوس) كما هو سائد في محاولة الفلسفة اليونانية وضع نظريات علميه وكما حدث في أوربا في العصور الوسطي حين جعل بعض رجال الدين في الكنيسة الكاثوليكية بعض النظريات العلمية جزء من الدين المسيحي– ولكنه انتهي إلي جعل العلاقة بين العلم وكل من الدين والفلسفة علاقة تناقض وإلغاء. والواقع من الأمر أن العلاقة بين المجلات الثلاثة علي علاقة تكامل لا- تناقض فكل من العلم والدين والفلسفة هي محاولات لتفسير ذات الوجود لكن علي مستويات متعددة (أي منظور إليه من جهات متعددة) فالدين يتناول الوجود علي مستوي ما هوى (أي الاجابه علي السؤال ما هو الوجود أي ماهية القوة التي تحرك الوجود, بداية الوجود, نهايته ) والعلم يتناول الوجود علي مستوي كيفي ( أي البحث في ضوابط الحركة في الكون واتجاهاتها) والفلسفة تتناول الوجود علي مستوي لماذا (أي الإجابة علي السؤال لماذا أي العلاقة بين الوجود المطلق (الماهوي) والوجود المحدود (الكيفي) (1)
(1) د. محمد عابد الجابري, مدخل إلي فلسفة العلوم , مركز دراسات الوحدة العربية, بيروت، 1994م, ص25.
جون ستيورات مل: قواعد الاستقراء أراد مل صياغة قواعد للاستقراء تكون للمنهج التجريبي بمثابة الأضرب ( الأشكال ) للقياس الأرسطي. هذه القواعد عنده بمثابة الخطوات الضرورية التي لابد للمجرب من السير علي هداها حتى يتمكن من اكتشاف الروابط أي العلاقات النسبية (القوانين) التي تربط الظواهر, فهي قواعد تضبط الطرق التي تنتقل بها بالفكرة من مستوي الفرضية إلي مستوي القانون. (1) طريقة الاتفاق : إذا اشتركت حالتان أو أكثر للظاهرة في عامل واحد, فان هذا العامل هو عله الظاهرة. (2)طريقة الاختلاف: إذا كان هناك حالتان تقع الظاهرة في احدهما ولا تظهر في الاخري، وكانتا تشتركان في كل العوامل وتختلفان في عامل واحد فقط، فان هذا العامل هو علة الظاهرة. (3) الطريقة المختلطة (الجمع بين الاتفاق والاختلاف): إذا حضرت العلة حضر المعلول وإذا غابت العلة غاب المعلول. (4) طريقة البواقي: إذا سحبنا من الظاهرة ما تبين لنا بواسطة الطرق الاخري انه علة لحالات معينة, فان ما تبقي من الظاهرة هو علة للحالات المتبقية. (5) طريقة التغيير النسبي (التلازم في التغير) ان أي تغير في العلة يستتبع التغير في المعلول تقويم أراد "مل" ان يساهم في تطوير البحث العلمي بوضعه للقواعد السابقة لتكون بمثابة الأسس للمنهج التجريبي ولتطوير طرق تحقيق الفروض التي اغفل فرانسيس بيكون دورها. ولقد لقيت هذه القواعد انتقادات عديدة من جانب العلماء والمناطقة نورد هنا بعضها: (أ) لو اعتبرنا طرق الاتفاق والاختلاف والمختلطة هي الطرق الأساسية من حيث إن طريقتي البواقي والتغير النسبي متضمنتان فيها، فإننا لا نلبث أن نتبين أنها أيضا لا تعدو أن تكون من حيث الجوهر طريقة واحدة هي طريقة الاختلاف ذلك ان الطريقة المختلطة هي الجمع بين طريقتي الاتفاق والاختلاف، وطريقة الاختلاف يكمن ردها بدورها إلي طريقة الاختلاف. (ب) طريقة الاختلاف هي بمثابة قياس شرطي منفصل فهي صورة قياسية علي الوجه التالي: علة (ظ) اما ان تكون ع1 أو ع2 أو ع3 لكن علة (ظ) ليست ع2 أو ع3 :. علة (ظ) هي ع1 لكننا نلاحظ ان مل استبعد القياس من المنطق ورأي انه وسيلة عقيمة للبحث واكتفي بالاستقراء. (ج) اختلف المناطقة في طريقة البواقي، فيري البعض أنها بعينها الطريقة المختلطة أو هي تجمع بين طريقتي الاتفاق والاختلاف. ويري البعض الأخر أنها تكرار لطريقة التغير النسبي. كما كان جون استيورات مل متخلفا عن عصره في مجال البحث العلمي مما جعله- في رأي كثير من النقاد- اقرب إلي فرانسيس بيكون منه إلي جاليلو أو نيوتن.
ثانيا: الفلسفة الغربية المعاصرة كارل بوبر: مشكلة الاستقراء: يري كارل بوبر انه لتحديد مشكلة الاستقراء يجب علينا التمييز بين العلم و اللا علم، ثم نميز منطق المعرفة عن سيكولوجية المعرفة ومن جهة أخري علينا استبعاد الذاتية التي قد تفسد علي العلم موضوعيته، وأخيرا لا بد من اتخاذ قرار في المشكلة هو القرارات المنهجية. وهكذا نكون قد بدأنا بتحديد المشكلة ثم انتهينا بقرار منهجي حولها يحدد أهميتها في السياق العلمي. (أ) العلم واللاعلم (SCIENCE & NONSCIENCE) 1/ معيار التكذيب(FALSIFICATION) إذا كانت العلوم التجريبية تستخدم المنهج الاستقرائي القائم علي الانتقال من القضايا الجزئية (الملاحظات والتجارب) إلي القضايا الكلية (الفروض والنظريات) فان كارل بوبر يري انه لا يمكن لأي عدد من القضايا الجزئية ان يثبت صدق قضية كلية، ولكن يمكن لقضية جزئية واحدة ان تثبت كذب القضية الكلية وهذا هو معيار التكذيب(FALSIFICATION) فمثلا لا يمكن لأي عدد من الملاحظات للبجع الأبيض أن يثبت صدق القضية "كل البجع ابيض" ولكن يمكن من ملاحظة بجعة واحدة سوداء ان نثبت كذب هذه القضية. 2/ التمييز (DEMARCATION) بين العلم واللاعلم هذا الحل الذي وضعه بوبر لمشكلة الاستقراء والقائم علي ان العلم يتقدم من خلال تكذيب القضايا الكلية فرض عليه وضع معيار للتمييز بين العلم و اللا علم والميتافيزيقيا والعلم الكاذب فالعلم يقترح علينا ان القضايا الكلية يمكن تكذيبها بواسطة قضايا جزئية. اما اللا علم فلا يقدم لنا هذا التحديد. والميتافيزيقا تقدم لنا قضايا كلية لا يمكن تكذيبها بقضايا جزئية دون ان يعني هذا أنها بلا معني فهي قد تسهم في انطلاق الأفكار العلمية وبلورة الخيال العلمي بصورة تؤدي إلي صدور نظريات علمية دون ان- تكون علما. أما العلم الكاذب (ويضرب لها مثلين الماركسية والتحليل النفسي) فهو يعدنا بان يقدم لنا قضايا كلية يمكن تكذيبها دون أن يفي بالوعد. (ب) منطق المعرفة (LOGIC OF KNOWLEDGE) وسيكولوجية المعرفة (SPYCHOLOGY OF K.) العالم الثالث: ويشير بوبر إلي ثلاثة عوالم متميزة تماما: الأول:هو العالم الفيزيائي, والعالم الثاني: هو العالم العقلي ،والعالم الثالث:هو عالم الأشياء الممكنة بالنسبة للفكر. والعالم الثالث (عالم الأشياء الممكنة بالنسبة للفكر) يرتد إلي العالم الثاني (العالم العقلي) وبالتالي يؤثر في تركيب العالم الأول (العالم الفيزيائي) من خلال تطبيقاتنا علي المعرفة. لذا يجب التميز بين منطق المعرفة العلمية الذي يعني بخصائص المعرفة وسيكولوجية المعرفة التي تعني بكيفية إنتاج المعرفة. (ج) استبعاد الذاتية الموضوعية عند بوبر تعني عدم رد النظريات إلي محتوي الشعور لأي فرد, فبمجرد قيام النظرية تعرض للاختيار فإما أن تبقي أو ترفض بدون الاعتماد علي الاعتقادات الذاتية وبضمان تكرارها بواسطة أفراد آخرين في أي زمان ومكان. محمد أن تكون القضايا الجزئية موضوعية أي لا ترد إلي محتوي الشعور لأي فرد. (د) القرارات المنهجية والنظريات العلمية تختبر في مقابل الحالات- الوصفية للأشياء الملاحظة وهي أما أن ترفض أو تقبل مؤقتا ثم تتعرض- لاختبارات أكثر. وبالتالي يتطلب هذا قرارا لرفض النظرية أو القبول المؤقت لها. * نمو المعرفة والنقد العقلي (METHOD OF RATIONAL CRITICISM) إذا كان كارل بوبر يري ان هناك قضايا كلية صادقة تقابل وقائع الطبيعة ولكن لا يمكن منها ان نؤسس صدق هذه القضايا الكلية (النظريات) الكاذبة وهو ما يتم عن طريق منهج النقد العقلي ويتضمن صياغة واضحة للمشاكل ثم اختبار منظم للحلول المقترحة وفق القواعد الأربعة السابقة • الانتخاب الطبيعي (NATURAL SELECTION) فنمو المعرفة العلمية يتقدم من خلال حذف الخطأ, فيبدأ بمشكلة ثم يضع لها حلا ثم نعرضها لاختيار لحذف الخطأ يؤدي إلي نشؤ مشاكل جديدة وهو ما أسماه (الانتخاب الطبيعي) الذي هو صراع دائم يستبعد الفروض غير الصالحة. تقويم * طرح كارل بوبر مشكلة الاستقراء علي الوجه التالي, لا يمكن أثبات صدق قضية كلية (فرض أو نظرية) من قضايا جزئية (الملاحظة والتجربة) لان هذا يقتضي الاستقراء التام لكل هذه القضايا الجزئية في كل زمان ومكان, وهو مستحيل. وبهذا فأن كارل بوبر بطرحة للمشكلة علي هذا الوجه يبدو متأثرا بالفكر الإحصائي (الاستاتيكي). غير أن الفكر الإحصائي مرحلة متخلفة من البحث العلمي. فالبحث العلمي يبدأ بملاحظة الوقائع المفردة, وهو يتضمن جميع الإحصائيات غير انه لا يقف عند هذا الحد بل يكتشف العنصر المشترك في الوقائع المفردة ليصوغ منه قانونا يطبقه علي ما لم يرد في ملاحظاته الأولي فان صدق ثبت وان لم يصدق كان معني هذا إننا في حاجه إلي مزيد من الملاحظة و الاختبار وهكذا إلي ان نصل إلي تحديد القانون الذي يفسر لنا حركه الظاهرة أولا وأخيرا وما لم يقع في مجال- الملاحظة والقانون لا يعتبر قانون إلا بهذا, أما قبلة فهو قاعدة إحصائية إذا توقف عند الملاحظة أو فرض إذا لم يصل إلي حد التجربة. والتجربة والتطبيق ينهيان الإحصاء والفرض ويضعان في يدنا قانونا حتميا فليس من اللازم مثلا أن نغلي مياه الأرض جميعا لنعرف الماء يغلي في درجة (100)ْ في الضغط الجوي العادي). * كما أن كارل بوبر حاول أن يضع حلا للمشكلة المطروحة علي الوجه السابق غير أن هذا الحل يقوم علي الجانب السلبي للبحث العلمي أي التشكيك في أي قانون بتحديه بواقعه معينة يخطئ في تفسيرها فنبحث عن القانون الذي لا يخطي وقد عبر بوبر هذا الجانب السلبي ب(معيار التكذيب). توماس كن (T-KUHN) (أ) النموذج (PARADIGM) هو نسق ( كلي) يحققه العلم في مرحلة معينة من مراحل تطوره من خلال الارتباط الكلي بين النظريات العلمية (الجزئية) المختلفة الجوانب المتعددة لفكره النموذج. وقد ربط كون_ فكره النموذج بجوانب متعددة منها:- 1/ الاعتقاد فالبحث العلمي تحكمه مجموعة من الاعتقادات التي يؤمن بها العلماء. 2/ الأسطورة وهذه الاعتقادات مصدرها الأساطير التي هي جزء من الخبرة المعرفية الخاصة للفرد(العالم) ترجع إلي الطفولة وتظل في الوجدان. 3/ التأملات الميتافيزيقية والمقصود بها الرؤية الذاتية للظواهر- الموضوعية والتي تتم وفق هذه الاعتقادات ذات المصدر الأسطوري، وهذا ما يفسر الاختلاف بين شخص (عالم) وآخر في تفسير الظاهرة الواحدة. 4/ الرؤية الكونية:هذه الرؤية المعينة تحدد إدراكنا للظاهرة المعينة. (ب) العلم السوي (NORMAL SCIENCE) وهو الذي يجئ كمحصلة للبحث العلمي الذي يسير وفق النموذج السائد. (ج) العلم الشاذ (EXTRA ORDINARY) أو الثوري (REYOLUTIONARY) وهو الذي يجئ كمحصلة لكشف علمي يخالف نظريات علمية سائدة في نموذج معين لتتغير ويحل محلها نظريات جديدة ويبدأ التطور العلمي مرحلة جديدة من مراحل تطوره وفق هذا النموذج الجديد. (د) ويري كون انه في ظل العلم السوي فان ما يختبر هو العالم لا النظرية ولهذا فان الاختبار ليس اختبارا لنظريات علمية بل هو جزء من نشاط لحل المعضلات. فالنموذج المسلم بصحته قد لا يكون ملائما للنتائج التجريبية, مهنا تحدث مفارقات. والبحث العلمي العادي حينها يقوم علي أساس حل هذه المفارقات. وبناءا علي هذا إذا كان ناتج الاختبار سالبا فان النتيجة هنا لا تمثل فشل النظرية إنما فشل المجرب. (هـ) الاختبار من خلال العلم الشاذ في الوقت الذي يكون لدينا فيه العلم الشاذ أو الثوري قد يحدث اختبار اصيل للنظريات, ومن ثم فان النتيجة السالبة للاختبار ينظر إليها ليس باعتبارها إخفاق شخصي للمجرب وإنما كإخفاق للنظرية. تقويم * حاول كون ان يقدم فكرة جديدة ومبتكرة يفسر بها نمو المعرفة العلمية فجاء بفكرة النموذج, غير ان هذه الفكرة اكتنفها الغموض فلم يقدمها خلال مفهوم واحد بل من خلال مفاهيم وتعريفات متعددة ومتناقضة أحيانا. * غير ان فكرة النموذج- فيما نري- تقارب فلسفة العلم كما يتضح في خصائص النموذج عنده (نسق كلي، اعتقاد قبلي، تأمل ميتافيزيقي، مبدأ منظم للإدراك). ان البحث العلمي يقوم علي افتراضات مسبقة مثل الموضوعية، الحتمية... (هي موضوعات فلسفة العلم). * كما يمكن تفسير كيفية نشوء النموذج عنده طبقا لجدل المعرفة القائم علي الانتقال من العيني (العلم) إلي المجرد (الفلسفة) ومن العيني إلي المجرد مرة أخري. * كما أثار كون بوبر بفكرته عن "نشاط حل المعضلات" فكرة ربط العلم بالمشاكل التي يطرحها الواقع. ان البحث العلمي لا ينقطع في ظل النظرية للبحث عن حلول لمشاكل النمو الاقتصادي- السياسي والاجتماعي. إذ يهدف العلم ان يضع حلول علمية لها أي- حلول مؤسسة علي قوانين الظاهرة او الشئ المعين. * كما انه اكتفي بتناول الفكرة من خلال فكرته عن الاختبار ليثبت- فشل مناهج التحقيق والتكذيب معا. * كما انه رغم تنحية لمعيار قابلية التكذيب الذي قدمه كارل بوبر الا انه لم يقدم أي معيار موضوعي آخر للتحقق بالنسبة للعلم. * كما يلزم من نظرية كون نسبة قيمة عالية للعلم السوي ونسبة قيمة اقل للعلم الشاذ او الثوري رغم انه يؤكد ان العلم السوي ليس منتجاً ولا يؤدي إلي أفكار جديدة ورغم أهمية العلم الثوري. ايمرى لاكتوز (نظرية منهجية برنامج البحث العلمي) برنامج البحث العلمي: يرفض لاكتوس فكرة ان النظرية العلمية المفردة هي وحدة التقويم المنهجي (كما يري بوبر) ويري ان ما ينبغي تقويمه منهجيا هو مجموعة عنقودية من النظريات المتداخلة والمترابطة عضويا يسميها (برنامج البحث العلمي). البرنامج المتقدم والبرنامج المتأخر: ويميز لاكتوس بين برنامج بحث علمي متقدم وآخر متأخر, حيث يعتبر البرنامج متقدم نظريا إذا كانت صياغته المتوالية تؤدي إلي زيادة في محتواه التجريبي أي تمكنه من التنبؤ بحقائق جديدة لم يكن من الممكن التنبؤ بها في الصياغة السابقة للبرنامج, كما يعتبر البرنامج متقدم تجريبيا إذا أمكن تقديم الدليل التجريبي المؤيد للزيادة النظرية في المحتوي التجريبي للبرنامج. اما إذا تميز برنامج البحث العلمي بالتعديلات المتلاحقة بحيث يكون الغرض منها ان يتوافق البرنامج مع كل ما يستجد من الحقائق الواقعية فيعتبر برنامجا متأخرا. وليس في الإمكان الحكم الأتي علي برنامج البحث بأنه علمي أو غير علمي بل قد يظل البرنامج متقدما (علميا) ردحا من الزمن ثم يتأخر (يصبح غير علمي) وقد يحدث العكس.
جزئي برنامج البحث العلمي: ويقسم لاكتوس برنامج البحث العلمي إلي جزئيين رئيسيين، حيث يتكون الجزء الأول والاهم مما يسميه القلب الصلب بينما يتكون الجزء الثاني مما يسميه الحزام الواقي. 1/ الحزام الواقي (PROTECTIVE BELT): هو منطقة المرونة في برنامج البحث العلمي حيث يحتوي علي مجموعة من الافتراضات المساعدة والتي يضمها إلي القلب الصلب للبرنامج تتولد عنها فرضيات قابلة للتنفيذ عن طريق التجربة والاختبار وبالتالي يمكننا في هذه المنطقة التخلي عن النظريات والفرضيات التجريبية واستبدالها بآخري دون التخلي عن البرنامج نفسه. 2/ القلب الصلب(HARD CORE): ويتكون من جزئين أ/ المعتقدات القيمية الغيبية التي يؤمن بها أنصار البرنامج من العلماء. ب/ الموجه الكشفي الموجب: ويحتوي علي مجموعة من الموجهات والإرشادات المتعلقة بكيفية تشكيل وتغيير وتطوير النظريات والعرضيات التجريبية التي تولد في منطقة الحزام الواقي. والقلب الصلب هو الذي يحفظ لبرنامج البحث العلمي تميزه لأنه محمي من التغيير ويعتبر رفض أو تغيير احد مكوناته رفضا لكل البرنامج. المعيار الموضوعي لرفض برنامج معين: أما المعيار الموضوعي لرفض برنامج بحث علمي معين هو ان يوجد برنامج منافس يمكن من خلاله تفسير كل الظواهر التي فسرها ويزيدعليه بقدرته علي تفسير ظواهر عجز البرنامج الأخر عن تفسيرها. تقويم: نظرية (برنامج البحث العلمي) تقوم علي تأكيد العلاقة بين العلم والفلسفة والعيني (الملاحظة) والمجرد (الفروض) في منهج البحث العلمي تلك العلاقة التي نفاها أنصار النزعة العلمية المتطرفة (الفلسفة العلمية). وهذا ما يتضح من إن برنامج البحث العلمي عند لاكتوس يشتمل علي ما اسماه القلب الصلب والذي يقارب الفلسفة (وتحديدا فلسفة العلم) كما يتبين من تضمنه للقيم والميتافيزيقا والحزام الواقي والذي يقابل العلم.الا إن لاكتوس (فيما نري) لم يتوصل إلي التصور الصحيح للعلاقة بين الفلسفة والعلم والمجرد والعيني لأنه انتهي إلي القول بأولوية الفلسفة والمجرد
(1) د. محمد الحسن بريمة, نحو برنامج للبحث العلمي في إسلام العلوم (ورقة عمل) معهد إسلامية المعرفة, جامعة الجزيرة, 1994، ص 1-2. علي العلم والعيني كما هو ماثل في قوله أن القلب الصلب هو أهم جزاء برنامج البحث العلمي. والتصور الصحيح لهذه العلاقة هو التأثير المتبادل بينهما وبالتالي القيمة المتساوية لكل منهما بناء علي أن المعرفة الإنسانية قائمة علي جدل العيني والمجرد كما سبق تقريره (أي من العيني إلي المجرد ومن المجرد إلي العيني مرة أخري). جان بياجيه (الابستومولوجيا الارتقائية) (GENETEC EPISTEMOLOGY) التوازي بين مراحل تطور كل من العقل البشري والعلم: حاول بياجيه من خلال تجاربه ودراساته أن يضع نظرية تتناول النمو العقلي والمعرفي عند الطفل والمراحل التي يمر بها من الميلاد إلي البلوغ والخصائص المميزة لجميع هذه المراحل. كما يري انه يمكن تفسير نشأه العلم وتطوره بإقامة نوع من التوازي بين مراحل تطور العلم ومراحل تطور العقل الإنساني علي أساس فرضية مضمونها أن تاريخ العلم يعمل بنفس الطريقة التي تتم من خلالها العمليات العقلية وتطورها. (1) مرحلة التفكير التصوري: (من الميلاد حتى السابعة) ويتصف تفكير الطفل بعدة خصائص: • التمركز حول الذات. • عدم المقدرة علي التجريد( أي عدم المقدرة علي تصور الأشياء مستقلة عن المحسوسات). • عدم المقدرة علي رؤية أكثر من علاقة في نفس الوقت. • الافتقار إلي التنظيم مما يجعله يسلك في بعض الأحيان بطريقة منطقية وأحيانا يفشل في ذلك. • بداية ظهور العمليات المنطقية ممثلة في أدراك أوجه الشبه بين الموضوعات المتشابهة علي أساس قياس المثل. وهنا نجد تناظر بين هذه الخصيصه والمرحلة الأولي للعلم وهي المرحلة الوصفية, ويدعم صحة هذان التناظر أن القياس الصوري كان أساس علوم وفلسفة القدماء. (2) مرحلة العمليات العينية (المحسوسة): (من السبعة حتى الحادي عشر) وأهم خصائص تفكير الطفل في هذه المرحلة: * بداية امتلاك نظام أو معرفة ثابت ومتكامل ينظم الطفل من خلال العالم من حوله ولكن يقتصر دور هذا النظام أو النسق علي تنظيم الواقع المباشر. * المقدرة على أدراك العلاقات بين الأمور المختلفة عن طريق (الأستقراء) وهو ما يناظر المرحلة الثانية للعلم وهي مرحلة الاعتماد علي الملاحظة والتجريب وفيها يتم استخلاص المبادئ العامة المشتركة بين الفئات الفرعية بعد تصنيفها علي أساس اوجه الشبه المباشر بين الأشياء. (3) مرحلة العمليات الشكلية:(من الحادي عشره وطوال فترة المراهقة): ومن خصائص هذه المرحلة: • بدلا من أن يكون الممكن محدودا بالواقع يصبح الواقع جزء تابعا للممكن فللمراهق القدرة علي تصور وتخيل كل الأشياء الممكنة الوقوع. • توافر إمكانية اخذ نتائج تلك العمليات العينية وصوغها في شكل قضايا ثم الربط المنطقي بينها باستخدام العمليات المنطقية الشكلية. فللتفكير في هذه المرحلة يكون من النوع الفرضي الاستنباطي وبالتالي فان هذه المرحلة تناظر المرحلة الثالثة وهي المرحلة الحديثة والمعاصرة حيث يسود المنهج الفرضي الاستنباطي. العلاقة بين المراحل الثلاثة :ولما كان التطور والارتقاء لا يلغي التراكم بل يدعمه ويحافظ عليه فان المرحلة الاستنباطية الحديثة من مراحل تطور العلم لا تلغي المرحلتين الوصفية والتجريبية السابقتين عليها. بل يفسح لهما المجال كوسائل عقلية منهجية مساعدة مع عدم التنكر للدور التاريخي الذي قامت به كل وسيلة منهما في مرحلتها من اجل تطور المعرفة العلمية (1). وجود له بدون احدهما (الملاحظة فالافتراض والتحقق) مع الإقرار أن أهمية كل خطوة من خطوات المنهج العلمي قد تقل أهميتها او تكبر في علم معين أو عصر معين كما انه بني نظريته من خلال تعميم قانون نوعي معين يفترض انه يحاول ان يفسروا النمو العقلي عند الطفل علي النمو المعرفي للإنسانية وهو تعميم خاطئ. غاستون باشلار (نظرية التراجع الزمني): تعريف فلسفته: دخل باشلار الفلسفة عن طريق البحث في العلوم حيث كان في البداية يستنبط أفكاره وهو يقوم كعالم طبيعي بتجاربه العلمية دعما لنظريته في الفيزياء وبعد أن جعل من أرائه هذه نظرية عامة اخذ يدرس نظرية الفراغ في الفيزياء المعاصرة.ويعتبر مجدد ومواصل لفلسفة برونشفيك. عرض بارشلار آراؤه في المنهج العلمي في كتاب (الروح العلمية الجديدة) ثم عرضها بتوسع في كتب تالية منها (فلسفة اللا) (العقلانية التطبيقية) (المادية المنطقية). (1) د- أحمد فؤاد باشا،ابستمولوجيا العلم ومنهجية في التراث الإسلامي مقال في كتاب الصحوة الإسلامية والعلوم الإنسانية, أعداد/ علي سيف النصر ص 42- 45. . العقلانية التجريبية: يحاول باشلار أن يتخطي التجريبية والعقلانية وينشئ عقلانية تجريبية تجريبية يلتقي فيها العقل والتجربة في انطولوجيا (نظرية وجود) تتصف بتعدد مستوياتها يسميها الانطولوجيا المرنة. العالم كشبكة من العلاقات: ويرفض باشلار المفهوم التقليدي للمنهج العلمي المستند إلي العالم الذي تمثله لنا الحواس, ويستبدله بعالم هو شبكة معقدة من النسب والإضافات. وبهذا يغدو لا سبيل لنا إلي معرفة أي ظاهرة إلا بمجموعة كبيرة أو صغيرة من الحالات البنائية، وان الموضوع لا وجود له إلا بمقارنته مع عدد جم من الحقائق. يقول (أين موقع النويات في الذرة وما عملها فيها؟ الجواب لا شئ. أين موقع الكهارب في الذرة؟ الجواب مبهم هنا وهناك. ما عمل الكهارب في الذرة؟ الجواب كل شئ) (1). التراجع الزمني: كما يري ان تطور العلم يتم عن طريق معرفه ماضي المعرفة العلمية بحاضرها. ووضع أجزاؤها الراهنة داخل كل متكامل داخل كل تتكامل فيه الاجزاء, ومن ثم فان قيمة تاريخ العلم في أي مرحلة من مراحله تكون بمقدار ما تشهد به المعرفة العلمية النسقية الراهنة. و الغاية من تاريخ العلم الكشف عن الخطوات التدريجية التي تكونت وفقا لهذه المعرفة العلمية فتاريخ العلم وقع متغير يحتاج إلي تصحيح مساره علي الدوام (2). يقول باشلار (لا يكتمل للحقيقة معني إلا في نهاية المطاف، هل هناك حقائق سوي أخطاء أولي). كما يوضح إن هذا العمل لا يتيسر إلا باتحاد جهود العلماء جميعا يقول (لا قيمة للحقائق العلمية إلا في إطار من تبادل النظريات و الآراء) وان هذا الأمر ممكن التحقق منه في الهندسة اللااقليدية والفيزياء اللامنتميه إلي نيوتن (3). تقويم: حاول باشلار بنظريته في التراجع الزمني تجاوز كل من العقلانية والتجريبية وإنشاء عقلانيه تجريبية يلتقي فيها العقل والتجربة كما أوضحنا سابقا لكنه انحاز إلي العقلانية كما يتضح في استبداله العلم المحسوس بشبكه من النسب والعلاقات.
(1) جان فال، الفلسفة الفرنسية من ديكارت إلي سارتر منشورات عويدات, ص 164- 167. (2) علي سيف النصر, الصحوة الإسلامية والعلوم الإنسانية ص 46. (3) جان فال, الفلسفة الفرنسية من ديكارت إلي سارتر ص 1 الفصل الثاني مفهوم العلم في الفكر الإسلامي (أ) منهج أصول الفقه والمنهج العلمي (أ) المنهج الأصولي والمنطق: وجه علماء أصول الفقه النقد لفلسفة المنطق الأرسطية وحاولوا وضع فلسفة للمنطق تتفق مع التصور الاسلامي للوجود, فاستعبدوا المباحث الميتافيزيقية الأرسطية من المنطق, كما رفضوا التصور الارسطي للمنطق باعتباره قانونا كليا للمعرفة ونظروا إليه باعتباره قانون نوعي يضبط حركة نوع (أو نمط) معين من انواع المعرفة (الفكر الصوري), وبالتالي أضافوا_ قوانين نوعية أخري للمعرفة مثل الاستقراء التجريبي لمقابلة احتياجات الإنسان العملية. كما حاولوا تخليص أرسطو في علم المنطق من بعض الأخطاء التي_ شابتها (في رأيهم ) . فقسموا المنطق إلي مبحثين الحد والاستقلال وجاء القياس الأصولي مختلفا عن قياس التمثيل الارسطي في عدة أوجه منها انه يقيني عندهم بينما هو عند أرسطو لا يفيد إلا الظن, ومنها رجوعه إلي نوع من الاستقراء العلمي القائم علي قانونين هما العلية والاطراد. (ب) قواعد المنهج الاصولي (1)العلية: ان لكل معلول عله. (2) الاطراد: العلة والواحدة إذا وجدت تحت ظروف متماثلة أنتجت معلولا متماثلا. شروط العلة (أ)أن يكون مؤثرة في الحكم (ب) وان تكون مطردة (ج)وان تكون منعكسة أي كلما انتقت العلة انتفي الحكم. أما مسالك العلة الأول: السبر والتقسيم هو يشبه التصنيف والحصر والاستبعاد الثاني: الطرد الثالث: الدوران والطرد والعكس أي العلة مع المعلول وجود او عدما. الرابع: تنقيح المناط: ويشبه الطريقة السلبية في إثبات الفروض وهي_ طريقة الحذف والاستبعاد.
(ج) المنهج الاصولي والمنهج التجربيي وإذا كان مجال التطبيق في أصول الفقه هو مجال الديني (الفقه) فانه مؤسس علي ذات قواعد المنهج العلمي لذا استخدمه العلماء المسلمون في المجال العلمي أيضا, وقد أدرك عددا من علماء الأصول حقيقة أن المنهج الأصولي يشترك مع المنهج العلمي في القواعد يقول القرافي في النفائس ((جمله كثيرة من قواعد علم الطب إنما ثبتت بالتجربة وهي الدوران نفسه)) (1) تقويم استخلص بعض المفكرين المعاصرين من موقف علماء الأصول من المنطق الارسطي أنهم كانوا ينظرون إلي المنطق كقيمه سلبية (إلغاء المنطق) ( انظر سامي النشار المرجع المشار إليه) والحقيقة انه إذا كان هناك بعض العلماء نظروا إليه كذلك (ابن الصلاح) فان أغلب العلماء نظروا إليه كقيمه ايجابيه لكن من خلال موقف. يميز بين فلسفة المنطق وعلم المنطق فيرفض النظريات الميتافيزيقية اليونانية. للمنطق ويحل محلها فلسفة إسلامية للمنطق ولكن يأخذ بالمنطق كعلم أي كقوانين نوعيه للفكر. وهو هنا يأخذ ما راه وبهذا أسهم هذا الموقف في رفع القدسية عن المحاولة الارسطيه في علم المنطق إذ كون النظرية علميه لا يعني إنها صحيحة. كما كانت فلسفتهم للمنطق قائمه علي إسناد القيمة المطلقة للحق لله تعالي وإنها تتجلي في عالم الشهادة في شكلين تجلي تكويني يتمثل في السنن الالهيه (القوانين), التي تضبط حركة تحول الطبيعة وتطور الإنسان وحركة الفكر (المنطق), وتجلي تكليفي يتمثل في القواعد التي جاء بها الوحي كضوابط لحل مشاكل الإنسان. والعلاقة بين المنطق التكليفى والمنطق التكويني علاقة تحديد لا إلغاء فهو يحده فيكمله ويغنيه ولا يلغيه. كما كانت فلسفتهم للعلم تقوم علي انه إذا كان العلم هو"معرفة المعلوم علي ما هو عليه" فان المعلوم ( أي الوجود موضوع العلم) لا يقتصر علي الوجود الشادي المحسوس بل يمتد ليشمل الوجود المحسوس (العلوم الطبيعة التجريبية ) بل هو يشمل أيضا الوجود الغيبي كما دل عليه الوحي.. (العلوم الدينية) وبالتالي يمكن تطبيق قواعد المنهج علي المجالين.
(1) سامي النشار, مناهج البحث عند مفكري الإسلام ص89 , 103, 126
المنهج العلمي عند جابر ابن حيان استحالة المعادن فكرته الأساسية في الكيمياء استحالة المعادن أي تحول ماهية معدن ما إلي ماهية معدن أخر معرفة الطبائع لا معرفة الماهية ولا نصل في الغالب إلي معرفة الماهية (أي معرفة الكيف) بل نصل إلي وزن الطبائع (أي معرفة الكم) يقول ابن حيان "فللوصول إلي معرفة الطبائع ميزاتها, فمن عرف ميزاتها عرف كل ما فيها وكيف تركبت" التجربة ولا نعرف الكم إلا بالتجربة " والد ربه تخرج ذلك فمن كان دربا كان علما حقا ومن لم يكن دربا لم يكن عالما ) وهو يستخدم أيضا كلمة تجربة وامتحان. قياس من الشاهد علي الغائب وقد استخدم قياس الشاهد علي الغائب في استدلالاته ويكون ذلك علي ثلاثة اوجه هي: 1) المجانسة أو الأنموذج : وتقوم علي الاستدلال بأنموذج جزئي علي أنموذج جزئي أخر أو نماذج جزئيه أخري للوصول إلي حكم كلي (وهو ما يشبه فكرة العينة في الاستقراء) وهو لا يري في (الأنموذج) يقينا قاطعا. 2) مجري العادة: هو استدلال احتمالي يقوم علي استعداد فطري لدي الإنسان ويقابل ما اصطلح عليه المناطقة بمشكلة الاستقراء. 3) الآثار: وهو الدليل النقلى أو شهادة الغير أو السماع أو الرواية ولكنه هنا ينسب اليقين إلي هذا النوع من الأدلة إذا ما كان صادرا عن العلم الديني المعصوم عن الخطأ (1) تقويم نلاحظ ان جابر بن حيان بفكرته عن استحالة المعادن أي تحول ماهية معدن لأخر قد تجاوز فكره الماهية الثابتة الارسطي كما انه نسب اليقين إلي الرواية الصادرة عن العلم أللدني المعصوم لأنه ينتمي للمذهب الشيعي الاسماعيلي فهو يؤمن بالحدس كوسيلة للمعرفة- اليقينية.
(1) د. سامي النشار, مناهج البحث عند مفكري الإسلام, ص360-370
المنهج العلمي عند ابن الهيثم له أراء في الرياضيات والبصريات، وبصدد بحثه لكيفية الإبصار جمع بين الاستقراء والقياس وقدم الأولي علي الثاني. وحدد الشرط الأساسي للبحث العلمي وهو الموضوعية في طلب الحق دون تأثر رأي أو عاطفة سابقة. واسمي التجربة "بالاعتبار" واسمي من يقوم بها "بالمعتبر" نبتدي في البحث باستقراء الموجودات .... وما هو مطرد لا يتغير وظاهر لا يشتبه من كيفية الإحساس ثم نترقى في البحث والمقاييس علي التدرج والترتيب مع انتقاد المقدمات والتحفظ في النتائج ونجعل غرضنا في جميع ما نستقريه ونتصفحه استعمال العدل لا إتباع الهوى ونتحرى في سائر ما نميزه وننتقده طلب الحق لا الميل مع الآراء فلعلنا ننتهي بهذا الطريق الي الحق الذي به يثلج الصدر ونصل بالتدرج والنطق إلي الغاية التي عندها يقع اليقين ونظفر مع النقد والتحفظ بالحقيقة حتى يزول معها الخلاف.(1) تقويم لقد هدي الإسلام المسلمين إلي أسس منهج البحث العلمي وترك لهم استكماله واستعماله. وقد نجح المسلمون في تطوير حياتهم الاجتماعية عندما وفوا بمسئولياتهم كمسلمين فقام العلماء المسلمين باستكمال المنهج العلمي واستعماله في مجالات عديدة. وتخلفوا عندما لم يوفوا بمسئولياتهم كمسلمين.
(1) سامي النشار، المرجع السابق، ص 114- 115
الفصل الثالث: رؤية إسلاميه معاصره لمفهوم العلم تمهيد: سنحاول في هذا الفصل تحديد أسس رؤية إسلاميه معاصره لمفهوم للعلم من خلال تناول التصور الاسلامى للعلم ،الموقف الاسلامي من التفكير الخرافي والعلمي، علاقة العلم بالفلسفة والدين ، قضيه تأصيل العلوم، ، الإسلام وأسس المنهج العلمي. التصور الإسلامي للعلم: يقوم التصور الإسلامي للعلم على اعتبار أن العلم صفه إلوهية، و بالتالي فان أولى نتائج تطبيق مفهوم التوحيد (توحيد الإلوهية تحديداً) هو إفراد العلم المطلق لله تعالى، لذا صوره القرآن شاملاً لكل الوجود (الشهادي والغيبي) (عالم الغيب والشهادة العزيز الحكيم) (التغابن: 18).وبالتالي فإن إسناد العلم المطلق (أي المعرفة المطلقة) لسواه هو شرك في الألوهية (سواء كان شرك علمي أو اعتقادي) . لذا نفى القرآن حتى عن الأنبياء هذا العلم المطلق المتضمن للعلم بالغيب (قل لا أملك لنفسي إلا ما شاء الله ولو كنت أعلم الغيب لاستكثرت من الخير وما مسني من سوء ...) وللعلم الإلهي (المطلق) شكلين من أشكال الظهور: ذاتي في الحياة الآخرة ،و صفاتي في الحياة الدنيا، وللأخير شكلين: تكويني: يتمثل في عالم الشهادة (المتضمن للكون المسخر والإنسان المستخلف) كمصدر للمعرفة – والإحساس والتفكير المجرد (التذكير والإدراك والتصور) والرؤية الصادقة (الحدس) كوسائل للمعرفة تكليفي:يتمثل في عالم الغيب كمصدر للمعرفة والوحي كوسيلة لمعرفته. يقول ابن القيم (وهذا البيان نوعان: بيان بالآيات المسموعة المتلوة، وبيان بالآيات المشهودة المرتبة، وكلاهما أدلة وآيات علة توحيد الله وأسمائه وصفاته وكلامه)(1) وطبقا لمفهوم التسخير و الذي مضمونه أن الأشياء والظواهر التي لها درجة التسخير تظهر صفات الله تعالى (ومنها صفة العلم) على وجه الإجبار . نجد أن هذه الأشياء والظواهر تظهر على وجه الإجبار ما دل على العلم الإلهي فهي دائماً آيات دالة على علمه المطلق. كما يترتب على مفهوم التسخير قاعدتان:
(1) ابن القيم، مدارج السالكين، ص51 الموضوعية (التكوينية):إن الكون ذو وجود مستقل عن وعي الإنسان غير متوقف عليه وسابق على معرفته:(لخلق السماوات والأرض أكبر من خلق الناس ولكن أكثر الناس لا يعلمون). وبيان ذلك أن مضمون التسخير أن الكون يظهر صفات الله تعالى فهو بمثابة آيات دالة على وجوده تعالى، والآية لابد أن الكون ذات وجود حقيقي، وإن كان محدوداً، لتدل على الوجود المطلق. السببية:فالفعل المطلق لله تعالى (مضمون الربوبية) إنما يظهر من خلال السببية ويأخذ شكل سنن إلهية لا تتبدل، وبالتالي فإن الكون قائم على قاعدة السببية ومنضبطة حركته بسنن إلهية لا تتبدل. وطبقا لمفهوم الاستخلاف والذي مضمونه إظهار الإنسان لالوهيه الله تعالى وربوبيته في الأرض على المستوى الصفاتى،نجد أن مضمون الاستخلاف هنا هو إظهار الإنسان لصفة الألوهية (العلم) أي إظهاره لما دل على العلم المطلق لله تعالى في الأرض (أي في عالم الشهادة المحدود بالزمان والمكان) يقول الغزالي(فتعليم العلم من وجه عباده لله ومن وجه خلافه لله تعالى ومن اجل خلافه الله تعالى فان الله قد فتح للعالم العلم الذى هو اخص صفاته)(1) .وإظهار الإنسان لصفة الألوهية (العلم) يكون بالآتي: توحيد الألوهية على الوجه السابق بيانه. العبادة :ومضمونها هنا اتخاذ صفة الألوهية (العلم)، (أي ما دل على علمه المطلق) مثل أعلى مطلق يسعى الإنسان إلى تحقيقه في الأرض (أي في واقعه المحدود زماناً ومكاناً)دون ان تتوافر له امكانيه التحقيق النهائي له فضلا عن تجاوزه. ولا يعني هذا إلغاء المعرفة العلمية الإنسانية بل تحديدها وذلك باتخاذ مقتضى صفة الألوهية (العلم) التكويني (السنن الإلهية الكلية والنوعية) والتكليفى (الأوامر والنواهي التي جاء بها الوحي)ضوابط موضوعية مطلقة للمعرفة العلمية الإنسانية.ومحصلة هذا أي مد العلم الإنساني بإمكانيات غير محدودة للتطور لأنه لا تتوافر للإنسان إمكانية التحقيق النهائي للعلم الإلهي المطلق كما دلت على هذا جملة نصوص فهم منها البعض ومحدودية المعرفة الإنسانية فقط:(وما أوتيتم من العلم إلا قليلاً). التنوع والوحدة: ويجب تقرير أن التصور الاسلامي للعلم( او فلسفه العلم الاسلاميه)يتصف بالتنوع والوحدة فهو (1)الغزالي ،المنقذ من الضلال، طبع دمشق، ط2 ، ص 85- 88. يتصف بالتنوع من جهة تنوع أنماط هذا النشاط المعرفي العقلي، ففي الفكر الإسلامي نجد هذا التنوع ماثلاً في وجود تصورات متنوعة للعلم فهناك التصور الصوفي للعلم(وهو ما تنوع فهناك تصور صوفي – أشعري (سني) كما عند الغزالي وتصور صوفي (حلولي) يستند إلى وحدة الوجود كما عند محي الدين بن عربي) وهناك تصور المتكلمين للعلم (وهو ما يتنوع أيضاً فهناك تصور أشعري كما عند الرازي وتصور معتزلي وتصور شيعي وتصور حنبلي (ابن تيمية، ابن القيم ...) و هناك تصور الفلاسفة الإسلاميين للعلم(وهو ما تنوع أيضاً فهناك تصور ابن سينا، تصور الفارابي....) كما يتصف بالوحدة من جهة أن هذه الأنماط المتنوعة لهذا النشاط المعرفي العقلي تتخذ أو تحاول أن تتخذ من النصوص اليقينية الورود القطعية الدلالة التي مصدرها الوحي ضوابط موضوعية مطلقة لها. موقف الإسلام من نمطي التفكير العلمي و الخرافي: والتفكير العلمي اقره الإسلام حين قرر القران أن حركه الكون خاضعة لسنن إلهيه لا تتبدل(ولن تجد لسنتنا تبديلا) اى أن هناك قوانين حتمية تضبط حركه الأشياء والظواهر ومضمون الحتمية تحقق السبب بتوافر المسبب وانتفائه بانتفاء المسبب كما أن الإسلام حث على التفكير العلمي الذي يقوم على الإقرار بان هناك قوانين حتمية تضبط حركه الوجود (ولن تجد لسنه الله تبديلا ولن تجد لسنه الله تحويلا)( فاطر:43). ومن خصائص التفكير العلمي التخطيط وله شرطين: عدم توقع تحقق غاية معينه دون تدخل ايجابي من الإنسان. و ضرورة سبق الأحداث قبل أن تقع والتحكم في وقوعها طبقا لخطط معينه. أما التفكير الخرافي فيناقض التخطيط وذلك لإلغائه شرطه الأول بالسلبية والتواكل وإلغائه شرطه الثاني بالتجريبي والمغامرة والإسلام لا يعارض التخطيط لأنه يحث على التزام شرطه الأول بتقريره أن شيئا من الواقع لن يتغير ما لم يتدخل الإنسان لتغييره(أن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم) كما حث على التزام شرطه الثاني بنهيه عن التواكل. أما التفكير الخرافي فيقوم على محاوله تفسير ظاهره عينيه جزئيه بقوه غيبيه(كتفسير المرض بروح شريرة تقمصت جسم المريض) لا بالرجوع إلي القوانين الموضوعية التي تضبط حركتها ومن أنماط التفكير الخرافي: الكهانة والتنجيم والعرافة والطيرة وضرب الرمل وقراءه الفنجان والسحر وكل هذه الأنماط رفضها الإسلام:( من أتى كاهنا فصدقه بما يقول فقد بريء مما انزله الله على محمد)( رواه الطبراني)(من اقتبس علما من النجوم اقتبس شعبه من السحر)( رواه أبو داود وابن ماجه) (من أتى عرافا فسأله عن شيء فصدقه لم تقبل تقبل له صلاه أربعين يوما)( رواه مسلم) (العيافه والطيرة والطرق من الجبت)( رواه ابوداود والنسائى وابن حبان في صحيحه) (...ولكن الشياطين كفروا يعلمون الناس السحر...) علاقة العلم بالفلسفة استقلال العلم عن الفلسفة: من الأقوال الشائعة أن العلم قد استقل أو انفصل عن الفلسفة. سنحاول تحليل هذه المقولة من ناحية تاريخية ومن ناحية الدلالة ثم نتناول علاقتها بقضية تأصيل العلم الناحية التاريخية: أ) التخصص:إن هذه المقولة غير منكورة من الناحية التاريخية (على الأقل في الغرب) إذ أن إحدى دلالات مصطلح الفلسفة التي سادت في الغرب طويلاً المعرفة بكل أنماطها، وليس نمط معين من أنماط المعرفة يتصف بالكلية كما هو سائد الآن. وترتب على سيادة هذه الدلالة (التي ترجع إلى أرسطو)، أن العلم من فروع الفلسفة، غير أنه بتطور المعرفة، أصبح كم هذه المعرفة من الضخامة بحيث استحال على فرد واحد أن يحيط بها (كما كان سائداً في الماضي حيث نجد أن الفيلسوف هو في نفس الآن عالم وموسيقي وطبيب ... الخ كما هو الحال مع أرسطو نفسه أو سينا أو ابن رشد في الفلسفة الإسلامية)، وبالتالي ظهرت الحاجة إلى تخصص فرد أو مجموعة من الأفراد في نمط معين من أنماط المعرفة أو جزئية معينة من جزيئات هذا النمط أو ذاك من أنماط المعرفة كما هو سائد الآن في الغرب. ب) محاولة تجاوز الخلط: من جهة أخرى فإن سيادة الدلالة السابقة لمصطلح فلسفة أدى إلى خلط الغربيين ولفترة طويلة بين الفلسفة والعلم ، ويتمثل هذا الخلط في اعتقادهم بأن منهج الفلسفة (المنهج الاستدلالي القائم على الانتقال من مقدمات عقلية إلى نتائج عقلية) هو المنهج الصالح للعلم (لذا ظلت الدراسات العلمية خاضعة للمنهج التأملي لفترة طويلة وهو ذات الخطأ الذي وقع فيه بعض دعاة تأصيل أو أسلمه العلوم). وظل هذا الخلط مستمراً إلى فترة عصر النهضة الأوربي حيث ظهر التيار التجريبي (الذي كان رائده فرانسيس بيكون) ودعا إلى الأخذ بالمنهج الاستقرائي القائم على الانتقال من مقدمات تجريبية إلى نتائج عقلية، مع ملاحظة أن هذه الدعوة اتصفت بالتطرف (من حيث هي رد فعل متطرف للدلالة السابقة للفلسفة) فاستخدمت مصطلح العلم (ومنهجه الاستقرائي) للدلالة على المعرفة بكل أنماطها لا للدلالة على نمط معين من أنماط المعرفة وبالتالي أصبحت الفلسفة (ومنهجها الاستدلالي) تابع للعلم (وظيفة الفلسفة التحليل المنطقي واللغوي لنتائج العلوم عند الوضعية المنطقية التي هي أحد فروع التيار التجريبي أو مرحلة سابقة للعلم يجب تجاوزها (قانون الحالات الثلاث اللاهوتية، الميتافيزيقية الوضعية) عند أوجست كونت وفلسفته الوضعية الاجتماعية). كما يجب تقرير أن للفكر الإسلامي السبق التاريخي لهذه الدعوة ولكنه نظر للعلم بالمعنى السابق القائم على المنهج الاستقرائي كنمط من أنماط المعرفة وليس كل أنماط المعرفة. ناحية الدلالة: الخصوصية: كما أن مقولة استقلال العلم عن الفلسفة غير منكورة من ناحية الدلالة إذا أريد بها أن كل من الفلسفة والعلم يمثل نمط من أنماط المعرفة له مشاكل خاصة يحاول أن يضع لها حلولاً ومنهجاً خاصاً لحلها. الفصل: غير أن مقولة استقلال العلم عن الفلسفة تصبح خاطئة من ناحية الدلالة إذا أريد بها أن يتحول العلم إلى كل قائم بذاته ومستقل عن الفلسفة، وبالتالي يصبح هذا الاستقلال أو الانفصال للعلم عن الفلسفة مطلق لا نسبي، وهذه الدلالة جاءت كرد فعل متطرف للدلالة السابقة للفلسفة التي جعلت العلاقة الصحيحة بين العلم والفلسفة علاقة خلط . علاقة وحده وارتباط أن العلاقة الصحيحة بينهما هي علاقة وحدة وارتباط لا خلط وتمييز لا فصل وآية هذا أن العلم بما هو النشاط المعرفي الذي يبحث في القوانين الموضوعية التي تضبط حركة الظواهر الطبيعية و الإنسانية لا يمكن أن يوجد ما لم نبحث في افتراضات نظرية(مجرده ( سابقة على هذا البحث العلمي والمجرد هو الفكر لأنه مجرد من الزمان والمكان والمادة ونقيضه العيني أي ما يوجد في مكان معين وزمان معين وهو الشئ المادي المحسوس.والفلسفة تخصص في الدراسات الفكرية المجردة لذا فإن موضوعات الفلسفة هي النظريات والمفاهيم والتصورات والأفكار... وكل موضوع عيني (أي موجود في زمان و مكان معين) فهو علم وليس فلسفة. غير أن هذا لا يعني أن الفلسفة منفصلة عن العلم إذ أن المعرفة قائمة على الانتقال من المعين (المشكلة) إلي المجرد (الحل) إلي العيني مرة أخرى من أجل تغييره (بالعمل). هذه الافتراضات النظرية تتصف بالكلية اى تتناول علاقة الإنسان بكل من الطبيعة والمجتمع والإله و الفلسفة هي مفهوم كلي للوجود، فهي تبحث في علاقة الإنسان بالإله والآخرين من طبيعة مجتمع لذا فإن مواضيع الفلسفة هي العلاقات. و بالتالي فإن أي موضوع جزئي (أي يتناول نوع معين من أنواع الوجود فهو علم وليس فلسفة.). غير أن هذا لا يعنى انه لا علاقة بين الفلسفة والعلم إذ أن الكل (الفلسفة) يحد الجزء(العلم) ولا يلغيه فيكمله و يغنيه. . ثانيا:علاقة العلم بالدين: 1- علاقة خلط: في أوربا العصور الوسطى جعل بعض رجال الدين في الكنيسة الكاثوليكية بعض النظريات العلمية جزء من الدين المسيحي، وبالتالي اعتبرت الدراسات العلمية في تلك الفترة جزءاً من الدين. كما أن بعض دعاة تأصيل العلوم فهموا عملية التأصيل بأنها محاولة الكشف عن الظواهر (الجزئية، العينية) والقوانين الموضوعية التي تضبط حركتها لا في الطبيعة و الإنسان بل في القرآن وبالتالي أحالوا القرآن إلى كتاب في علم دون الانتباه إلى أن القرآن اكتفى في تناوله للطبيعة والإنسان بما هو كلي وجعل معيار التحقق منه الإيمان، ثم حث الناس إلى البحث العلمي بما هو جزئي ومعياره التجربة والاختبار في الوجود (الطبيعي والإنساني) نفسه حين قرر أن حركة الوجود (الإنساني والطبيعي) منضبطة بسنن لا تتبدل ثم دعاهم إلى الاجتهاد في معرفتها والتزامها.(قد خلت من قبلكم سنن فسيروا في الأرض فانظروا كيف كان عاقبة المكذبين) " آل عمران: 137". 2- علاقة فصل:جاءت الدعوة على فصل العلم عن الدين كرد فعل متطرف على موقف بعض رجال في الكنيسة الكاثوليكية السابق ذكره الذي انتهى إلى الخلط بين العلم والدين. علاقة وحدة وتمييز: وفي رأينا فان التصور الاسلامى يقوم على أن علاقة العلم بالدين (كما الفلسفة) علاقة وحدة (لا خلط) وتمييز (لا فصل). العلم التكويني والعلم ألتكليفي:هذا التصور يتضح بالرجوع إلى التصور الإسلامي للعلم الذي يميز (ولا يفصل) بين نمطين من أنماط العلم. العلم التكويني: مضمونه البحث في الظواهر( الجزئية، العينية) والقوانين الموضوعية (السنن الإلهية بالتعبير القرآني) التي تضبط حركتها، ومجال بحثه الوجود (الإنساني والطبيعي). العلم التكليفي: مضمونه القواعد الموضوعية المطلقة التي جاء بها الوحي والتي ينبغي أن تضبط النشاط المعرفي العقلي (الاستدلالي) هادف إلى الكشف عن الافتراضات الكلية، التجريدية التي تسبق البحث العلمي السابق الذكر. والعلاقة بينهما هي علاقة الجزء (العلم التكليفي) بالكل (العلم التكويني) فالثاني يحد الأول فيكمله و يغنيه ولا يلغيه. يترتب على هذا أنه يمكن استخدام مصطلحي العلم التكويني للدلالة على الفروع التجريبية للعلم المعين والتي تسمى في الفكر الغربي (بصورة عامة) اسم العلم التجريبي( علم الاجتماع التكويني، علم النفس التكويني، علم السياسة التكويني، علم الاقتصاد التكويني ...)، والتي معيار التحقق منها التجربة والاختبار العلميين والتي يلزم من التحقق من كونها صادقة لهذا المعيار قبولها بصرف النظر عن من تحقق منها. حتى لو كان من تحقق منها كافر) كما يلزم من التحقق من كونها كاذبة بهذا المعيار رفضها (حتى لو كان من تحقق منها مسلم). كما يمكن استخدام مصطلح العلم ألتكليفي للدلالة على الفروع النظرية للعلم المعين ( كعلم النفس الفلسفي، علم اجتماع المعرفة، النظرية السياسية، النظرية الاقتصادية...) التي يطلق عليها (بصورة عامة) فلسفه العلم المعين(فلسفه اجتماعيه، فلسفه النفس، فلسفه سياسيه) بعبارة أخرى فان مصطلح العلم التكويني يقابل مصطلح العلم في الفكر الغربي ومصطلح العلم التكليفى يقابل مصطلح فلسفه العلم في الفكر الغربي لكن بعد التحقق منها بمعيار الوحي، بعبارة أخرى هو ذلك النشاط المعرفي العقلي الهادف إلى الكشف عن الافتراضات الكلية المجردة التي تسبق البحث العلمي في الظواهر النفسية الجزئية والمنضبط بقواعد الوحي. هذا الموقف يقارب تصور بعض المفكرين الإسلاميين المعاصرين يقول يوسف القرضاوي(و أنا أفضل_ الحقيقة_ كلمه المدرسة الاسلاميه في علم الاجتماع ....في علم النفس... في علم التاريخ هذا أفضل من كلمه علم النفس الاسلامي علم الاجتماع الاسلامي...)(1) كما أن سيد قطب رغم موقفه المتشدد من التراث الفكري الغربي فانه يخذ موقفا مقاربا لهذا التصور (إن حكاية أن الثقافة تراث انسانى لا وطن له ولا جنسيه هي حكاية صحيحة عندما يتعلق الأمر بالعلوم البحتة وتطبيقاتها العملية دون تجاوز إلى التفسيرات الفلسفية لنتائج هذه العلوم ولا الى التفسيرات الفلسفية لنفس الإنسان ونشاطه وتاريخه...)(2) تقسيم العلوم: بناءا على التقسيم السابق للعلم إلى تكويني وتكليفي وبناءا على استناد التصور الاسلامي للعلم يمكن تقسيم العلوم إلى: 1/علم التوحيد: ما يقابل الدراسات الدينية في الفكر الغربي 2/علوم الاستخلاف: ما يقابل الدراسات الانسانيه فى الفكر الغربي، وتنقسم إلى: ا/علوم الاستخلاف التكويني ما يقابل العلوم الانسانيه في الفكر الغربي ب/علوم الاستخلاف التكليفى ما يقابل فلسفه العلوم الانسانيه في الفكر الغربي 3/علوم التسخير: ما يقابل العلوم الطبيعية في الفكر الغربي
(1)(2) يوسف القرضاوي،مجله المسلم المعاصر، السنة 21، العدد84، ص201 تأصيل العلوم تأصيل أم أسلمه: يستخدم مصطلحي ألأسلمه والتأصيل للدلالة على ذات المعنى، غير أننا نفضل المصطلح الأخير لعدة أسباب منها أن مصطلح تأصيل أكثر شمولاً إذا المصطلح يدل على الرد إلى الأصل، والأصل يرد بمعنى يقارب معنى الفلسفة (القاعدة الكلية التي تندرج تحتها قواعد جزئية عينية) كما يرد بمعنى الدين (النص اليقيني الورود القطعي الدلالة)، فهو يتضمن تحديد للعلاقة بين العلم والفلسفة والدين بينما ألأسلمه يقتصر على معنى الدين كما أن مصطلح تأصيل يدل على اندراج
مشكلة تأصيل العلوم تحت مشكلة أشمل هي مشكلة العلاقة بين الأصالة والمعاصرة. وأخيراً فإن مصطلح أسلمه يوحي بدلالة قاطعة تفيد أن الموقف منها لا يخرج عن مدى حدي الإسلام أو الكفر بينما مصطلح التأصيل يوحي بدلالة ظنية يفيد بأن الموقف منها اجتهادي يتراوح بين الصواب والخطأ. يقول الشيخ محمد رمضان البوطى( إن تعبير أسلمه المعرفة يوحى بفرض تحيز ما على النشاط المعرفي للفكر وهو ما تنأى عنه طبيعة منهج المعرفة من حيث هو، بل هو ما يحذر منه مضمون الايه القرانيه" ولا تقف ما ليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسئولا")(1) مشكلة الأصالة والمعاصرة: ترتبط مشكلة تأصيل العلم إذا بمشكلة (حضارية) أشمل هي مشكلة كيفية تحقيق التقدم الحضاري (المتضمن للتقدم العلمي) في المجتمعات المسلمة؟ ويترتب على هذا أن هناك ثلاثة مواقف من مشكلة تأصيل العلوم هي ذات المواقف من مشكلة الأصالة والمعاصرة. الموقف الأول: القبول المطلق (التقليد): يقوم على تحقيق التقدم الحضاري (المتضمن للتقدم العلمي) للمجتمعات المسلمة يكون بالعودة إلى الماضي والعزلة عن المعاصرة، وبمنظور علم (1) يوسف القرضاوي، نظرات في التفسير العلمي للقران، مجله مركز بحوث السنة، قطر، 1997، ص 15. أصول الفقه يفهم عمليه التأصيل على أنها الوقوف عند أصول الدين وفروعه. وفي مجال تأصيل العلم يفهم عملية أنها الاكتفاء بما جاء به الوحي من نصوص قطعية عن الطبيعة والإنسان(الأصول) واجتهادات العلماء المسلمين في فهم ما جاء في الوحي من نصوص ظنية أو دراسة الظواهر (الجزئية، العينية) طبقاً للنصوص القطعية (الفروع). مع الرفض المطلق لإسهامات المجتمعات الغربية المعاصرة في مجال العلم دون تمييز بين فروعه التي تنطوي تحت مجال فلسفه العلم (أصول) أو تلك التي تنطوي تحت مجال العلم التجريبي (فروع) هذا الموقف يقارب في التاريخ الإسلامي موقف الرفض المطلق للتراث اليوناني الذي يرى كان يرى أن هناك تعارض مطلق بين الدين الإسلامي والتراث اليوناني الموقف الصحيح من هذا التراث هو الرفض المطلق ومن ممثلي هذا الموقف بعض متأخرى الحنابلة كابن الصلاح في كتابه (الفتاوى).كما أن هذا الموقف يقوم على الخلط بين الدين والعلم إذ يحاول الكشف عن الظواهر (الجزئية، العينية) وقوانين حركتها لا في الإنسان والطبيعة ولكن في القرآن وبالتالي إحالة القرآن من كتاب لهداية الناس لما فيه صلاحهم في كل زمان ومكان إلى كتاب في العلوم كما سبق بيانه، دون الانتباه إلى أن النظريات العلمية التي تجئ كمحصلة للبحث أو الكشف عن الظواهر الجزئية العينية هي محدودة نسبية تحتمل الصواب والخطأ ومعياره التجربة والاختبار العلميين بينما القرآن مطلق لا يحتمل الصواب والخطأ ومعياره الإيمان. والواقع أن أقصى ما يقدمه هذا الموقف في مجال العلم هو محاولة تأويل النص القرآني ليتفق مع نظرية علمية ليجعل بذلك العلم ونظرياته (الأصل) والقرآن (الفرع) و(المحدود). كما أن هذا الموقف رغم رفضه القاطع لفصل العلم عن الدين إلا أنه لا يرفض بصورة قاطعة فصل العلم عن الفلسفة دون الانتباه إلى فصل العلم عن الفلسفة هو الخطوة الأولى لفصل العلم عن الدين. الموقف الثاني: الرفض المطلق (التغريب): يقوم على أن تحقيق التقدم الحضاري (المتضمن للتقدم العلمي) للمجتمعات المسلمة لا يمكن أن يتم إلا باجتثاث الجذور وتبني قيم المجتمعات الغربية. في منظور علم أصول الفقه يقوم على تبني قيم حضارة أخرى تناقض أصول الدين وفروعه (وقد لا يعي أصحاب هذا الموقف بهذا التناقض). فهو موقف يقوم على الرفض المطلق من هذه الجهة. ومن جهة أخرى يقوم على القبول المطلق لإسهامات المجتمعات الغربية في مجال العلم دون تمييز بين فروعه التي تنطوي تحت إطار فلسفه العلم وتلك التي تنطوي تحت إطار العلم التجريبي. الموقف الثالث: الموقف التقويمي (النقدي) (التجديد): يقوم على أن تحقيق التقدم الحضاري (المتضمن للتقدم العلمي) يتم باستيعاب ما لا يناقض أصول الإسلام التي تمثل الهيكل الحضاري للمجتمعات المسلمة سواء كانت من إبداع المسلمين أو إسهامات المجتمعات المعاصرة الأخرى. كما يفهم عملية تأصيل علم النفس على أنها عملية ذات أوجه متعددة. فمن جهة فإن تأصيل العلم هو نشاط معرفي عقلي يبحث في مسلمات نظرية كلية سابقة على البحث العلمي في الظواهر الجزئية العينية يتخذ من النصوص القطعية التي وردت عن الإنسان والطبيعة ضوابط موضوعية مطلقة له. كما يتخذ من اجتهادات علماء المسلمين وفلاسفتهم في فهم ما جاء في النصوص الظنية عن النفس وطبيعتها أو دراساتهم المتعلقة بالظواهر الجزئية العينية نقطة بداية لا نقطة نهاية لهذا النشاط المعرفي العقلي. كما يميز بين فروع العلم التي تنطوي تحت مجال فلسفه العلم وفروعه التي تنطوي تحت مجال العلم التجريبي. فمجال التأصيل من هذه الجهة ينصب على فروع العلم التي تنطوي تحت فلسفه لا تلك التي تنطوي تحت مجال العلم التجريبي، أي تلك التي تنطوي على درجة أكبر من الكلية والتجريد ودرجة أقل من الجزئية والعينية.. و بالتالي فإن هذا الموقف يتجاوز موقف الرفض المطلق والقبول المطلق لإسهامات المجتمعات الغربية في مجال فلسفه العلم إلى موقف نقدي يقوم على أخذ وقبول ما لا يناقض النصوص القطعية والرد والرفض لما يناقضها. غير أن هذا لا يعني القبول المطلق لإسهامات المجتمعات الغربية في مجال العلم التجريبي بل يعني أن المعيار هنا هو التجربة والاختبار العلميين فما تحقق من صحته وجب قبوله وما تحقق من خطأه وجب رفضه طبقاً لهذا المعيار. هذا الموقف يجعل العلاقة بين العلم وكل من الفلسفة والدين علاقة وحدة لا خلط وتمييز لا فصل. هذا الموقف يقارب الموقف النقدي من التراث اليوناني وهذا الموقف قائم على أنه ليس هناك تعارض مطلق بين التراث اليوناني والدين الاسلامي بل هناك أوجه اتفاق وأوجه اختلاف وفي حالة الاختلاف يكون الرفض وفي حالة الاتفاق يكون الأخذ والقبول.من ممثليه ابن تيميه والغزالي فابن تيمية مثلاً لا يأخذ موقف موحد من الفلسفة المقصود هنا الفلسفة اليونانية سواء بالرفض والقبول بل يقسمها إلي ثلاثة أقسام: 1. الإلهيات (الميتافيزيقا) وهو يرفضه وأغلب رفضه ينصب على هذا القسم منها. 2. الطبيعيات: ويرى جواز الأخذ به مع عدم ربطه بالإلهيات "الميتافيزيقا" اليونانية ويعتبره غالبه كلام جيد وهو كلام كثير واسع ولهم عقول عرفوا به وهم يقصدون به الحق لا يظهر عليهم فيه العناد ولكنهم جهال بالعلم الإلهي(1) 3. الرياضيات: ويرى وجوب الأخذ به ومعرفته ضرورية لعلوم الفرائض وقسمة التركة والميراث وغيرها(وبناءاً على ذلك لا يلغي صفة الإسلامية عن الإنتاج الفكري لهؤلاء الفلاسفة بل يقرر أنهم كان في كل من هؤلاء من الإلحاد التحريف بحسب ما خالف به الكتاب والسنة ولهم من الصواب والحكمة ما وافقوا فيه ذلك.(2) كما أن الغزالي يأخذ نفس الموقف فيقسم الفلسفة اليونانية إلي ثلاثة أقسام حسب تعارضها أو توافقها مع أصول الدين:قسم يتعارض مع هذه الأصول لفظاً ومعناً وحصره في ثلاث قضايا هي (قول الفلاسفة اليونانيين بقدم العالم وإنكار البعث الجسدي وإنكار علم الله تعالى بالجزيئات)(قسم يتعارض مع هذه الأصول لفظا ومعنى وحصره في ثلاثة قضايا، وقسم يتوافق معها معناً وحصره في سبعة عشرة قضية.وقسم يوافق هذه الأصول لفظاً ومعناً(3) ثم يحدد الموقف من هذه الأقسام (قسم يجب التكفير فيه وقسم يجب التبديع به وقسم لا يجب إنكاره أصلاً
(1) ابن تيمية، الرد على المنطقين، طبعة بيروت، 1950. (2)بن تيمية، منهاج السنة، ص252. (3)الغزالي ،تهافت الفلاسفة، طبع بيروت، ص9- 13 الإسلام وأسس المنهج العلمي يمكن اتخاذ المفاهيم القرآنية الكلية (التوحيد والتسخير والاستخلاف) (بما هي مبادئ ميتافيزيقية غيبية) مسلمات أولى للمنهج العلمي تحده ولا تلغيه ولهذا الموقف شرعيته في الفلسفة الغربية إذ أن المنهج بما هو الكشف عن القوانين (السنن) التي تحكم حركة الأشياء والظواهر والإنسان يقوم على التجربة والاختبار العلميين ولكنه في ذات الوقت يقوم على افتراضات سابقة على التجربة مثل الموضوعية والحتمية.. كما أن هذا لا يعني أن يتحول المنهج إلي منهج ميتافيزيقي بالمفهوم الغربي أي يتحول إلي البحث في مشاكل ميتافيزيقية، إذ المنهج بعد ذلك هو النظر في سنن الله تعالى في الطبيعة والمجتمع أي معرفتها والتزامها كي ننجح في تحقيق ما نريد "قد خلت من قبلكم سنن قل سيروا في الأرض فانظروا كيف كان عاقبة المكذبين". ويترتب على هذا أن هذه السنن الإلهية تحكم حركه الإنسان ، بصرف النظر عن كونه مسلم أو كافر كما يجوز أخذها من أي مصدر مادامت صحيحة أما المفاهيم القرآنية السابقة الذكر والتي تشكل المسلمات الأولي للمنهج (فلسفة المنهج) والتي تمثل بعده ألتكليفي فمقصورة على من يؤمن بها (يسلم بصحتها). وهي من بعد لا تلغي معرفة والتزام الإنسان بهذه السنن الإلهية بل هي ضمان موضوعي مطلق لاستمرار هذه المعرفة وهذا الالتزام. البعد التكويني للمنهج :السنن الإلهية: إن توحيد الربوبية قائم على إفراد الفعل المطلق لله تعالى (أي الفعل غير المحدود بأي فعل سواه وكل فعل سواه محدود به) وهذا الفعل المطلق المعبر عنه في القرآن بالربوبية يظهر صفاتياً (أي يظهر ما دل عليه) في عالم الشهادة المحدود بالزمان والمكان في شكلين: ظهور تكويني من خلال السببية وفي شكل إلهية لا تتبدل تحكم حركة الأشياء والظواهر والإنسان. وظهور تكليفي من خلال الوحي وفي شكل أوامر ونواهي يجب أي تحكم حركة الإنسان. غير أنه هناك نوعان من السنن الإلهية: سنن إلهية كلية تحكم حركة الوجود الشامل للطبيعة والإنسان. وسنن إلهية نوعية تحكم حركة نوع معين من أنواع الوجود. السنن الالهيه الكلية:التي تضبط حركه الوجود الشامل للطبيعة المسخرة والإنسان المستخلف: الحركة: "والفلك تجري في البحر بما ينفع الناس، وما أنزل الله من ماء فأحيى به الأٌرض بعد موتها، وبث فيها من كل دابة، وتصريف الرياح، والسحاب المسخر بين السماء والأرض لآيات لقوم يعقلون". التغير: "إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم". التأثير المتبادل: وهى ما يمكن استخلاصها من مفهومي الغنى والفقر، فالله تعالى غني وكل ما سواه فقير، وهذا الفقر نوعان: فقر إلي الله تعالى، وفقر إلي غيره من المخلوقات، والنوع الأخير هو ما يعبر عنه علميا بالتأثير المتبادل. السنن الالهيه النوعية: وهى التي تضبط حركة نوع معين من أنواع الوجود الشهادى . كسنه "الكدح إلى الله " ( اى الترقي الروحي المادي من خلال صراع المتناقضات في ذات الإنسان) المقصورة على الإنسان). شكل تكليفي : يتمثل في القواعد التي مصدرها الوحي والتي تحدد جانبه التكويني ولا تلغيه. يترتب على هذا أن هناك أيضا بعدان لهذا الترقي أو الكدح إلى الله: بعد تكويني: النقيضان فيه الواقع والغاية ومضمونه أن حركة الإنسان تتم عبر ثلاثة خطوات: المشكلة:اى التناقض بين الواقع وغاية في الذهن، وقد عبر القرآن عن هذه الخطوات بمصطلح المسألة:"يسألونك عن الأهلة قل هي مواقيت للناس"."يسألونك عن الأنفال قل الأنفال لله والرسول" الحل:اى إلغاء التناقض بينهما في الذهن ، وقد عبر الفقهاء عن هذه الخطوة بمصطلح الحكم . كما عبر القرآن عن الحل الرافض للوقوف إلي أحد النقيضين ويؤلف بينهما بالوسطية والقوامة:"وكذلك جعلناكم أمة وسطاً". "والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا وكانوا بين ذلك قواماً".. العمل:اى إلغاء التناقض بينهما في الواقع بتنفيذ الحل في الواقع، وقد أشار القرآن إلي هذه الخطوة." إلا الذين امنوا وعملوا الصالحات... " بعد تكليفي: النقيضان فيه المطلق في مستواه الصفاتى لا مستواه الذاتي ، اى صفات الالوهيه (لا صفات الربوبيه) كمثل عليا مطلقه يسعى الإنسان لتحقيقها دون أن تتوافر له امكانبه التحقق النهائي لها) والمحدود(اى الواقع المحدود بالزمان والمكان) ، لذا قرر القرآن والسنة أن هذا الوجود الإنساني قائم على صراع المطلق والمحدود وهو ما عبر عنه القران والسنة بالجهاد في الله أو جهاد النفس: فيروون أن الرسول صلى الله عليه وسلم لما رجع من غزوة تبوك قال :"رجعنا من الجهاد الأصغر إلي الجهاد الأكبر". وأورد أبن تيمية الحديث " المجاهد من جاهد نفسه في ذات الله"كما قرر علماء أهل السنة أن الوجود الإنساني هو سير لا ينقطع إلي الله، يقول ابن القيم (فإن السالك لا يزال سائراً إلي الله تعالى حتى يموت ولا ينقطع سيره إلا بالموت فليس في هذه الحياة وصول يفرغ معه السير وينتهي) . وهذا البعد يحدد البعد التكويني ولا يلغيه فيكمله ويغنيه فيكون بمثابة ضمان موضوعي مطلق لاستمرار فاعليته ، فيحدد للإنسان نوع المشاكل التي يواجهها وطرق العلم بها ونمط الفكر الذي يصوغ حلولها وأسلوب العمل اللازم لعملها. حول الآيات الكونية : غاية النص القرآني في الآيات الكونية هداية الناس إلي العلم ، وان يستخدموا العلم في تسخير الطبيعة باعتبار ذلك جزء من المفهوم العام للعبادة (في مجال العلم) ،والاستدلال بالوجود المحدود لعالم الشهادة على الوجود المطلق (الذي ينفرد به الله تعالى) ، واتصافه بالفاعلية فينفرد بكونه الفاعل المطلق (مضمون الربوبية). والغائية فينفرد بكونه غاية مطلقة (مضمون الألوهية) "في مجال العقيدة". ولتحقيق هاتان الغايتان انقسم النص القرآني إلي قسمين: القسم الأول: يتضمن الآيات ذات الدلالة بالقائمة بذاتها والتي يمكن اعتبارها غايات يتحقق من خلالها غاية النص القرآني هداية الناس إلي مصالحهم في كل زمان ومكان وتتمثل هنا في غايتين: الأولى: هداية الناس إلي الله واتصافه بالربوبية والألوهية،وذلك من خلال الاستدلال القرآني القائم على الانتقال من عالم الشهادة (مقدمة) إلي عالم الغيب (نتيجة). الثانية: هداية الناس إلي أسس المنهج العلمي كتقرير أن الكون ومفرداته ذو وجود موضوعي مستقل عن معرفتهم وقابل للمعرفة بالحواس والعقل والدعوة إلي معرفته (وفي الأرض آيات للموقنين وفي أنفسكم) الذاريات: 20- 21. (سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم) فصلت: 53. (قاعدة الموضوعية) وتقرير أن حركة هذا الكون منضبطة بسنن لا تتبدل (قد خلت من قبلكم سنن فسيروا في الأرض فانظروا كيف كان عاقبة المكذبين) آل عمران: 137. (فلن تجد لسنة الله تبديلاً ولن تجد لسنة الله تحويلاً) فاطر: 3. قاعدة السببية) ..الخ. القسم الثاني: يتضمن الآيات ذات الدلالة غير القائمة بذاتها بل القائمة بدلالة الآيات السابقة فهي بمثابة وسائل لتحقيق الغايات التي تضمنتها آيات الأصول وتتمثل في الآيات التي تتحدث عن وصف مشاهد الكون المختلفة كالتي تصف جريان الشمس ومنازل القمر وتسيير السحاب وتصريف الرياح وإرسال الرعد والبرق وإنبات الزرع... الخ.
الخاتمة: النتائج والتوصيات تضمنت هذه الدراسة عرض نقدي موجز لمفهوم العلم في الفلسفة الغربية ثم تناولت مفهوم العلم عند الإسلاميين ثم تحديد أسس رؤية إسلاميه معاصره لمفهوم العلم وتناول بعض القضايا المتعلقة بالمفهوم وقد توصلت إلى عدد من النتائج يمكن إيجازها في التالى: أولا: تجاوز موقفي القبول المطلق والرفض المطلق لإسهامات المجتمعات الغربية في مجال العلم إلى موقف نقدي يقوم على أخذ وقبول ما لا يناقض النصوص القطعية ورفض ما يناقضها. ثانيا: أن يكون معيار أخذ أو رفض إسهامات المجتمعات الغربية في مجال العلم التجريبي هو التجربة والاختبار العلميين فما تحقق من صحته وجب قبوله وما تحقق من خطأه وجب رفضه طبقاً لهذا المعيار. ثالثا: التأكيد على أن التصور الاسلامي للعلم يتصف بالشمول والوحدة والتنوع. رابعا: التأكيد على أن مجال التأصيل ينصب على فروع العلم النظرية التي تنطوي تحت مجال فلسفه العلم لا تلك التي الفروع التجريبية التي تنطوي تحت اسم العلم التجريبي خامسا: اتخاذ اجتهادات علماء الإسلام في مجال الدراسات العلمية نقطة بداية لا نقطة نهاية. سادسا: التأكيد على أن علاقة العلم بالدين والفلسفة هي علاقة وحدة (لا خلط) وتمييز (لا فصل) سابعا: الاهتمام بميدان فلسفه العلم طبقا للمنظور الاسلامى وتدريسه.
المراجع (1)ابن تيمية، الرد على المنطقين، طبعة بيروت، 1950. (2)ابن تيمية، منهاج السنة، طبعه القاهرة،1948. (3)ابن القيم، مدارج السالكين، دار الكتب العلمية، بيروت. (4) أحمد فؤاد باشا،ابستومولوجيا العلم ومنهجية في التراث الاسلامي مقال في كتاب الصحوة الاسلامية والعلوم الإنسانية, أعداد/ علي سيف النصر ص 42- 45. (6)جان فال, الفلسفة الفرنسية, ترجمة مارون خوري, بيروت، منشورات عويدات. (7)الغزالي ،تهافت الفلاسفة، طبع بيروت. (8)الغزالي ،المنقذ من الضلال، طبع دمشق، ط2 ،. (9) محمد إسماعيل, و عبد الوهاب سر الختم, الفلسفة, دار النشر التربوي الخرطوم, ط1, 1974. (10)محمد عابد الجابري, مدخل إلي فلسفة العلوم , مركز دراسات الوحدة العربية, بيروت، 1994م. (11) محمد الحسن بريمة, نحو برنامج للبحث العلمي في إسلام العلوم (ورقة عمل) معهد إسلامية المعرفة, جامعة الجزيرة, 1994. (12) سامي النشار، مناهج البحث عند مفكري الاسلامي، (13) يوسف القرضاوي ،مجله المسلم المعاصر، السنة 21، العدد84. (14) يوسف القرضاوي، نظرات في التفسير العلمي للقران، مجله مركز بحوث السنة، قطر، 1997.
الفهرس
مدخل: تعريف بفلسفة العلم………………………………………. 1 الفصل الأول: مفهوم العلم فى الفلسفة الغربية……………………….4 الفصل الثاني: مفهوم العلم في الفكر الإسلامي………………………20 الفصل الثالث: رؤية إسلاميه معاصره لمفهوم العلم………………….24 الخاتمة: النتائج والتوصيات………………………………………..40 المراجع………………………………………………………….41
|
|
|
|
|
|