|
|
 ضلال "الشيخ" المصري في تسويف مفهوم الاغتصاب في دارفور
|
يقال أن النعامة من أكثر الحيوانات غرابة في طريقة دفاعه عن ما تتعرض لها من مصائب فهى تهاجم دون أن تنظر إلى الذي تهاجمها إلى حد الذي لا يميز فيها إذا كانت "الهوا" تاتي من الأمام أم من الخلف , فهي لا تحاول ان تري الحقيقة وانما تتوهم وتتخيل وتهاجم ولذلك تكون النتيجة "اوفسايت".
لقد خرج ذلك المصري الذي إستضافته قناه الجزيرة في برنامجها (( بلا حدود )) بتسويق جديد لمعنى ً المفردة المفزعة (( الإغتصاب )) تلكم الجريمة النكراء القذره المنفرة حتي لذات الحيوانية ناهيك من البشرية فالحيوانات لا تمارس ولا تعبّر عن رغباتها الجنسية إلا في إطار من التوافق ومن هذا المنظور فإن الإغتصاب كظاهرة اجرامية يذهب بالإنسان المرتكب إلى مدارك السقوط وانحطاط أكثر تقعراً من مقام الحيوان , علي رغم ما بين هاتين الكائنين من بون شاسع سواء من جهة العقل والإدراك أو من حيث الاحساس والانفعال او التكليف والمسؤولية في هذا الكون الواسع.
إن ما أصابني من أسف وحيرة واحساس غريب تجاه طرائق تفكير هؤلاء القوم " واعني المتهافتون مع النظام " هو هذا المسلك الغريب و التعامي العجيب و الإجهاد المضنى للبحث عن براءة مفقودة بين انقاض المجازر في دارفور , وقد أدى بهم هذا التهافت إلى ارتكاب جرائم أخري ليست أقل سوءا وأسوأ إخراجاً من تلك الجريمة النكراء المنكرة موضوع البحث على وهي جريمة الإغتصاب الحاصل في دارفور, فقد سرب أجهزة النظام من قبل دعاية مغرضة قال فيها بانها اكتشفت عصابة تقوم بتصوير اناس في أوضاع معينة لاستخدامها في اثبات حدوث الاغتصاب في دارفور !! . إن هكذا السلوك الغريب في منحى البحث عن براءة مفقودة ينطوي علي نوع من سادية مقيتة , فكون تنكر حدوث الاغتصاب دون دليل او مبرر شئ مسئ , ولكن الأكثر سوءً وقبحا وبشاعة هو محاولة تصوير الضحية المغتصبة وكانها قامت بمسرحية "بروباقندا" وهو منحى خطير يذهب بسالكه ومروجه إلى مدارك الإنحطاط اللاخلاقي اللانساني .
أما "الخبطة" الاخري من خبطات التفكير الاجهادي العجيب في رحلة البحث عن براءه مفقودة من قبل معشر عربان النظام والمتهافتون من خلفه والذين يقدمون النصح المقلوب والرؤية المقدودة والقراءة المخرومة عن ماساة دارفور , هي تلك التصريح "القنبلة" التي فجرتها ذلك "الشيخ" المصري الذي يدعى العوا والذي قدم نفسه بإعتباره امين عام هيئة علماء المسلمين " ويا لبراءه الإسلام من المسلك هذا الانسان" حيث قال ان كلمة الإغتصاب المقصودة هي بمعني "الغصب "أي اجبار علي الفرار....!! يا لفطنة هذا الشيخ الفتنة!! المكتشف لهذا المعنى الجديد لهذه المفردة والتي فهمتها كل العالم خطأ الا حضرته! ! ولكن الغريب في الامر ان وزير العدل التقط هذا المعني المنحوت بسرعة البرق وارفقه في تصريح له للصحافة منشور في السودانيل حيث قال وبشكل خجول : " واكد الوزير السوداني انه تسلم تقارير اللجان التي شكلها مؤخرا للتحقيق في ادعاءات الاغتصاب . وقال ان تقارير اللجان موضوعية واشارت الي وجود مبالغات في الروايات المتعلقة بهذه الجريمة , كما ثبت ان هنالك سوء فهم لمعني الاغتصاب ولكن تم القبض علي من ثبت انهم ارتكبوا هذه الجريمة بالفعل وهم عدد مقدر وسيقدمون للمحاكمة " (الخط من طرفنا)
ان تحليل هذه العقلية المتهافتة في البحث عن البراءة للمجرمين المغتصبين , في وقت الصورة الحقيقية للماساة مازالت مجسمة في مسرح الجريمة تؤكد مدي لا معقولية التفكير المتهافت لهذه العقلية الغلوطية وتوضح سوء قراءته لحقائق الواقع . وهي عقلية يصعب ان لم يكن مستحيلا فتح حوار جاد ومؤسس معه . ان التعامل مع هذه العقلية الطائشة التائهة الكامنة وراء هذا التسويف الغلاطي مرتبط "بالنفسيات " ومكانه "المصحات " ولا علاقة لها بالمعقوليات .
هل نسي هذا "الشيخ " المصري بأن المنظمات الحقوقية الدولية تتحدث عن جريمة محددة وعن أدلة موثقة , وعن أناس من شحم ولحم حكوا عن مآساتهم مع الموت والحرق والإغتصاب وهل نسي الوزير الجالس علي رأس "جهاز العدل" كيف ناقض نفسه حتي داخل مساحة التصريح الذي اوردنا مقتطفات منه حيث اعترف باعتقال افراد ثبت ارتكابهم لهذا الجريمة النكراء , اذا لماذا الدس في اخر المقال وبصورة خجولة هذا المفهوم الغلوطي المكتشف لمعني الاغتصاب (غصب أي إجبارالنساء على الهرب) من قبل الشيخ المصري !؟ .
إذا كان الإغتصاب يعني فقط الاجبار علي الهرب فما الذي يعنيه النزوح واللجوء ؟ وإذا كان المرأة حينما تقول بأنها تعرضت للاغتصاب تعني إنها اجبرت على الفرار فما معنى أن تحكي حكايتها ومآساتها والويل والتنكيل التي تعرضت لها وهي حكايات كلها فاتت مسألة الغصب بمعناه المكتشف مسافات تجلت في مناظر الموت والدمار التي اصبحت منظرا مالوفا في دارفور . وهل من أحد يحمل قدراً من العقل مدرك لكنّ الاشياء ان يعتقد بأن الذي يحرق قريتك ويقتل أهلك لا يرتكب جريمة الاغتصاب المنكرة ! ؟ .
لماذا هكذا التهافت في البحث عن براءه غير موجودة , و لماذا هكذا التهافت لمسح عار كالشمس لا تغطيه غطاء ولا تحجبه حاجب ولماذا هكذا تهافت في تعميق الجراح بأسوأ منها و علاج الدواء بالذي هو داء ! ؟ و لماذا هذه السادية لنبش جراح الضحية و السعي الي ابراء المجرم مما يعني زيادة استكباره وتشجيعه لأرتكاب المزيد.
إن سادية الجماعات المتهافته الكايسة للبراءة لمليشيات النظام المنفلتة مطلوب منها ان تقف امام المرآة ولو لمرة واحدة وتنظر الي أي مدي فقدت مصداقيتها وموضوعيتها كانسان ويجب ان تعلم بان البراءة التي تأتي مسنودة بهكذا "التحريف" المشين للجريمة الحاصلة أنما براءة أكثر قبحاً وسوءً من الجريمة نفسها وان تعمية الحقائق لا تغط عورات النظام مهما تهافتوا .
أن الإغتصاب الذي حصل في دارفور أيها " الشيخ" المصري ويا الوزير الغير عادل إغتصابا حقيقاً وليس مجرد "غصب النساء " على الفرار وأن تلك الجريمة القبيحة لا يمكن تغطيتها بتخاريف الانكار او الترقيع لمعني المفردة , لان الثابت هو " صورة الفعل" والاسم مهما كانت شكل علاماته او عدد حروفه انما يتبع "الصورة " , ولذلك مهما غيرتم مفهوم المفردة او بدلتوها بمفرده أخرى فإن الجريمة تبقي هي هي , لانها موجودة في تفاصيلها الكائنة وتجلّياتها النفسية.
المدخل السليم للبحث عن البراءة تكمن في الاعتراف بشجاعة بما هو حاصل وهذا ما تفتقدونه ايها المتهافتون , ولذلك ستظلون في ضلالكم تهيمون , ومابين المفردة ومفهومها تتحركون حتي اذا ما عدتم من ضلالكم الي ارض الواقع وجدتم ان الامر غير مرتبط علي الاطلاق بمعني المفردة افلا تعقلون؟.
د. بشارة صقر
|
|
 
|
|
|
|
فيس بوك
تويتر
انستقرام
يوتيوب
بنتيريست