|
الغنوشي والأزمة السودانية
|
بسم الله الرحمن الرحيم
الغنوشي والأزمة السودانية
في المناظرة التي نظمتها جريدة الشرق الأوسط اللندنية في أواخر عام 1988م حول ( الإسلام والعروبة ) والتي شارك فيها نخبه من المفكرين كان للأستاذ راشد الغنوشي المفكر الإسلامي التونسي مداخلة منهجية ومتوازنة قام معهد البحوث والدراسات الاجتماعية بالخرطوم بنشرها عام 1990 م في كتاب من الحجم الصغير ( 27 ) صفحة ، ونحاول هنا أن نسترجع بعض العبارات التي قالها كمدخل للحديث عن المشكل السوداني عموماً وأزمة دارفور خصوصاً بعد انقضاء مهلة الثلاثين يوماً التي حددها مجلس الأمن والتي خرج السودان منها وسيخرج في الغالب بأفضل النتائج وأقل الخسائر ، حيث قال ( إذا كان الوجود الوطني كله والقومي والإسلامي مهدداً ، فلا مناص من البحث الناصب عن مصالحات وطنية وقومية وساحات لقاء مع خصومنا – ولن نعدمها – بدل إعلان الحرب الشاملة .. وما يدريك ( ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم ) . فهل بقي فينا شيئاً من الروح النبوية التي وضعت الصحيفة فتعايش وتعاون بمقتضاها كل المواطنين على اختلاف مذاهبهم وأصولهم . فهل من صحيفة جديدة تضع بمقتضاها الحرب أوزارها في داخل أوطاننا وفيما بينها ؟ ) ثم تحدث في موضع آخر من المناظرة والمداخلة عن ضرورة وجود ( أرضية لقاء نضالي مع كل التيارات الأخرى والدفاع عن الحريات العامة ) وهذا ما نحتاجه في السودان وفي هذا الوقت بالذات بعد انقضاء مهلة الثلاثين يوماً التي قررها مجلس الأمن وجهود مقدرة لا تخطأها عين بذلها مسئولون سودانيون وأجهزة الحكومة ممثلة في وزارات الداخلية والخارجية والعون الإنساني والأجهزة الأمنية وحكومات ولايات دارفور ومنظمات المجتمع المدني السودانية والتعامل مع قرار مجلس الأمن بروح عالية من المسؤولية والواقعية وإدراك لحجم الأخطار وقوة المجتمع الدولي ممثل في الأمم المتحدة وأجهزتها والدور الذي تلعبه الولايات المتحدة الأمريكية بهذا الصدد ، والقرار مهما كانت نتائجه إيجاباً أو سلباً لا يعني أن تتوقف الحكومة عن جهودها الحالية في توطين النازحين وتوفير مقومات الحياة مع التركيز على المسألة الأمنية وحماية المدنيين من هجمات الجنجويد والمليشيات المسلحة . وهذا يقودنا إلى حديث الأستاذ الغنوشي عن صحيفة جديدة تضع بمقتضاها الحرب أوزارها وعن أرضية لقاء نضالي مع كل التيارات السياسية السودانية حتى نجنب البلاد مزالق التدخل الأجنبي ، والآثار الخطيرة التي لا تفرق بين إسلامي ومسيحي وعلماني وشيوعي ولا ديني ، ولا بد أن تنتقل الحكومة من تأمين معسكرات النازحين في دارفور إلى تأمين الوفاق الوطني وإتفاق الحد الأدنى الذي يحفظ للسودان سيادته واستقلاله مع كل التيارات السياسية من أقصى اليمين ( مؤتمر شعبي ) إلى أقصى اليسار ( شيوعي ) مروراً بالوسط ( وطني ، أمة ، إتحادي ) ، مع ضرورة مشاركة فاعلة لحاملي السلاح والتخلي عن الأجندة الشخصية والقبلية والجهوية لصالح الوطن ووحدته وتماسك نسيجه الاجتماعي والتواضع على حل وسط يرضي على الأقل التيارات المؤثرة في المجتمع ، لأنه ليس بالإمكان إرضاء جميع الناس وكل الأذواق ، يأتي هذا كله ويتزامن مع اتفاق نيفاشا النهائي وقيام حكومة انتقالية تنتهي بنا إلى ( سودان جديد ) ليس كالذي يريده ويحلم به قرنق ، ولكن سودان يحدده سلوك المجتمع وصناديق الإنتخابات ، وكل ذلك كما قال الغنوشي من أجل ( إيلاء المسألة الاجتماعية والسياسية ما يكافئها من اهتمام كقضية من قضايانا المركزية . . . أعني هموم الناس في المعاش والسكن والصحة والبطالة وقضايا الطفولة وإضطهاد النشء والعمال ، وكذلك قضية الحرب والديمقراطية وحقوق الإنسان ، في داخل أوطاننا وخارجها ) . علي محمد علي صحفي / الخرطوم 5 / 9 / 2004 م Email : [email protected]
|
|
|
|
|
|