|
الأزمة في دارفور.. أجندة مـن؟!!
|
محمد يوسف (أبو مصعب)
الأزمة في دارفور.. أجندة مـن؟!! ـــــــــــــــــــ
سؤال الإجابة عليه تقتضى طرح عدة أسئلة .. هل أزمة دارفور قضية محلية أم صناعة مستوردة ؟ هل سبق أن شهد الاقليم صراعات بين قبائله المختلفة ؟ ما هى آلية احتواء هذه الاحتكاكات السابقة ؟ متى اندلع هذا الصراع الأخير؟ من بدأه ؟ أين موقع المؤتمر الشعبى مما يجرى وأين تقف الاحزاب المعارضة الاخرى؟ ما هي مطالب حملة السلاح الخارجين على السلطة ؟ من يقف ورائهم؟ ؟ ماذا يقول المسئولون الغربيون وآلتهم الإعلامية؟ هل يقف د. على الحاج وراء الموقف الالمانى المتشدد؟ لماذا تغير الموقف الاوربى من الحوار الايجابى الى التصعيد؟ ما هو سر رفع الأمر إلى مجلس الأمن بصورة فورية؟ وماذا يقول أطرفى النزاع؟ ما طبيعة الموقف العربى والاسلامى؟
الإجابة على هذه الأسئلة ، فى تقديرى، تشكل معالم الأزمة ومآلاتها.
شهد الإقليم منذ العام 1932 م نحو27 صراعاً مسلحاً بين عدد من القبائل المختلفة التي تقطن دارفور ذلك بسبب التنافس على الأرض بحثا عن الماء والكلأ الشحيحين ولكن كل هذه الاحتكاكات تم احتواؤها بآلية فض النزاعات المحلية المسماة " بالاجاويد أو الجودية"وتعنى التوسط لحل النزاع بواسطة شيوخ القبائل والإدارة الأهلية المحلية التي تصلح بين الخصمين وتفرض التعويضات للمتضررين.
والإقليم الذي شهد خلال الثلاثة عقود الأخيرة عدداً من موجات الجفاف والتصحر وتدفق السلاح عبر حدوده من دول الجوار التى شهدت هى أيضا حروبا أهلية اتخذ بعضها أرض دارفور مسرحا لانطلاقه الامر الذى أشاع امتلاك قبائل الاقليم للسلاح للدفاع عن نفسها والشئ نفسه أفرز ما يسمى بظاهرة "النهب المسلح" الذي أصبح طيلة العقدين الماضيين يهدد قوافل المسافرين وحركة النقل والبضائع والسلع بين المدن وأصبح يهدد العاملين فى مشاريع التنمية كحادثة اختطاف الصينيين الذين يعملون فى الاقليم.. وقد بذلت السلطات جهداً مقدرا لمحاربة هذه الظاهرة.. ولعل الناس يذكرون المؤتمرات التى تمت من قبل بشأن الآمن الشامل بدارفور وزيارات الرئيس وكبار المسؤولين وقد شهدت بنفسى أحد هذه المؤتمرات التى شرفها رئيس الجمهورية ومساعده حينها الدكتور رياك مشار ورئيس المجلس الوطنى السابق الدكتور حسن الترابى.. وقد كلف هذا النظام رجله القوى الدكتور الطيب ابراهيم محمد خير ووزير شؤون مجلس الوزراء السابق واليا على الاقليم ردحا من الزمن لكى يقضى على تفشى هذه الظاهرة وقد أبلى الرجل بلاءا حسنا وركب على ظهر الجواد مثله مثل أبناء الاقليم الذين أحبوا تواضعه وفروسيته ولكن ظروف الاقليم الاقتصادية و تشعب تضاريس هذه المنطقة من جبال ووديان وامتدادها الشاسع وانشغال الحكومة المركزية بالحرب في الجنوب جعل استئصال هذه الجماعات صعباً وهى تتخذ من دارفور وما ورائها مضمارا لحركتها.
اندلع هذه الصراع الأخير في فبراير من عام 2003 فى ظل ظروف سياسية معقدة شهدتها البلاد بسبب الاستقطاب الحاد بين الحكومة وخصومها من السياسيين. وقد ظلت الحركة الشعبية لتحرير السودان تبحث دائما عن موطء قدم لها فى هذا الاقليم حتى تشتت جهد الحكومة وتضعف موقفها التفاوضى وكثيرون يذكرون تجنيد الحركة الشعبية لداود يحي بولاد من أبناء الفور والذى قاد حركة انفصالية استخدم فيها أبناء الاقليم انتهت بالقبض عليه بواسطة النظام ووئد حركته والحكم عليه بالاعدام وحينها كان النظام الحاكم موحدا بجناحيه حيث كان الدكتور الترابى يتمتع بابوته للحكم القائم. ثم بلغت التوترات بين المؤتمر الشعبى والنظام درجة حادة جعلت بعض التصريحات التى تصدر من منسوبى المؤتمر الشعبى تنبء عن سعيهم لاسقاط النظام وقد نعتوا الحكومة بمباعدتها عن شعاراتها الاسلامية وفى هذا الجو الملبد بالغيوم السياسية المظلمة وجدت دعاوى الكتاب الاسود رواجا ومتنفسا لجماعات وعرقيات ترى أن الكتاب عبر عن واقع حالها بأنها مهمشة وأن النظام تمثله عرقيات محددة تأخذ بكل تلابيبه ولا تترك للاخرين الا الفتات. ومع التطور الايجابى فى مفاوضات السلام مع الحركة الشعبية لتحرير السودان والدور الايجابى الذى مارسته ولاول مرة الادارة الامريكية فى حث الحركة للتفاوض بجدية مما دفع ذلك بقطار السلام فى الانطلاق نحو محطاته النهائية فولدت اتفاقتي مشاكوس الاولى والثانية فى يوليو ونوفمبر من عام 2002 على التوالى ببرتكولاتها الاطارية التى شكلت ملامح اتفاقية السلام. وحينها تخوفت الاحزاب المعارضة أن اتفاقا ثنائيا بين الحكومة والحركة بات وشيكا لذلك سارعت الى التصريح بأن أى اتفاق ثنائى يتخطاها سيولد سلاما منقوصا ولن تقبل به.. وطالبت باشراك كل القوى السياسية فى مراحل مفاوضات السلام بكينيا. والتخوف كان له ما يبرره فى السؤال عن وضع الاحزاب المعارضة من اقتسام السلطة وغيرها.. هل ستحسب أحزاب الشمال المعارضة ضمن قسمة شمال جنوب أم أنها ستقع فى دائرة تحالفاتها السياسية مع الحركة أو الحكومة، بمعنى من يؤيد الحركة تدخله ضمن نصيب قسمتها ومن يقف مع الحكومة يبقى ضمن حصتها من قسمة السلطة، ولكن الامر أكثر تعقيدا مما يتصور، ويتطلب طرح مزيدا من علامات الاستفهام وهى أين موقع حزب الامة القومى بقيادة السيد الصادق المهدى بعد خروجه من التجمع الوطنى الديمقراطى والذى لا يقبل تصنيفه ضمنه ولا ضمن عباءة الحكومة وان كان قد سبق أن وقع معها مذكرات تفاهم تنبهت الحكومة وسعت الى تطويرها الى شراكة فى السلطة لانهاء حالة التجاذب والاستقطاب فى الساحة السياسية ولكن حال دون هذه الرغبة جماعة الصقور فى حزب الامة الذين لا يرون فى السلطة حليفا ويفضلون عليها حليفهم القديم.. كما أن اقليم دارفور يشكل دائرة ولاء قديمه لحزب الامة وهم الذين ناصروا الامام المهدى.. لماذا لم يسهم المهدى الحفيد فى تهدئة اشتعال النيران فى دارفور وقد أخذت الحكومة بآرائه فى العودة لمؤتمر جامع ووقعت معه مذكرة تفاهم بشأن دارفور، لكن يبدو أن المهدى ما زال مترددا فى حسم مواقفه فبعض أتباعه يرون أن هذه هى الفرصة للتخلص من هذه الحكومة التى انتظرها لفترة طويلة لكى تترجل وربما حانت الفرصة لمحاصرتها فى الوحل لأن من مصلحة حزبه أن يرى النار التى أمسكت بطرف ثوب الحكومة تتمكن من بقية جسدها، وتبرير السياسيين فى بلادى الشماتة مما يصيب غرمائهم بدعوى أن ذلك من أفعالهم وان كانت النتائج يتضرر منها كل من فى البلد, وهذا ما سمعنا من شاكلته من الدكتور عبد النبى القيادى بحزب الامة وان كان لعبد الرسول النور موقف وطنى مشرف حيث نفى دعاوى الابادة الجماعية ورفض أى تدخل أجنبى.. واشكال بعض السياسيين فى بلادى أن لهم معول هدم حاد الطرف لا يحمل معه أداة بناء فان تسمع لتصريحاتهم لاجهزة الاعلام المحلية والاجنبية تحسب أن الخير كل الخير فيهم لا فيهم وفى غيرهم. وبما أن النقد الذى لا يستصحب اقرار ما هو موجب فان المنطق فى الفكر السياسى السودانى سيظل انكار الآخر كان هذا الآخر حكومة أو معارضة.. وستظل مقولة شمسون الجبار" علي وعلى أعدائى" تحكم سلوك تنظيماتنا السياسية.. وما زالت أرضية المصلحة العامة التى نلتقى عليها جميعا، والتى بها نتقوى جميعا لا بغيرها، ما زالت غير جاذبة للبعض.. ومن ناحية أخرى أين سيكون موقع المؤتمر الشعبى بقيادة الدكتور الترابى فى خارطة التحالفات السياسية الجديدة التى ان تمت بدونه سيقوى ذلك من حليفه بالامس المؤتمر الوطنى ويبدو ولاول مرة بأن الدكتور الترابى قد تخلى عن مرونته فى العمل السياسى فى ترك الباب مواربا لامكانية دخوله فى ائتلاف مع اخوانه وانصاره بالامس فى المؤتمر الوطنى فلربما اخترقت المرارات الجلد واستقرت فى العظم رغم أن هذا الجلد احتمل مرارات حكم النميرى الذى بدأ باعتقال د. الترابى وانتهى بعد ستة عشر عاما باعتقاله أيضا. وسيكون الامر مستفذا له فى رؤية النظام الذى صنعه وتنكر له حسب اعتقاده أن يتقوى بدونه، لذلك يكون من الطبيعى فى السياسة ان يسعى البعض لابطاء قطار السلام لحسم قرار ركوبه أو الحيلولة دون دخول محطته النهائية بدونه.. وان كنت أتفق مع من يريد خلق اجماع وطنى باقواله وأفعاله حتى تكون تهدئة سرعة القطار لتمكين آخرين من الانضمام لمسيرة الوفاق الوطنى حتى يستقبل السودان أبناءه فى آخر المحطة وهم جميعهم منتصرون. قد يحاجنى آخر بأن كل أهل السودان يريدون الوفاق.. حسنا.. ولكن يقتضى التضحيات من الاطراف جميعا لا طرف على حساب آخر.. اجعلوا الوفاق مثل الحجر الاسعد واجعلوا حكمتكم مثل رداء المصطفى (ص) الذى وضع عليه الحجر الاسعد وهو لم يبعث بعد واشار لممثلى كل القبائل بالامساك باطراف الثوب وايصال الحجر الاسود لمكانه من الكعبة المشرفة ذلك فى انتصار للعمل الجماعى دون الغاء خاصية كل جماعة أو حزب.. وبدأت جماعات مسلحة غير معروفة فى البدء حتى سطع اسم د. خليل ابراهيم ابن الحركة الاسلامية والذى كان مجاهدا فى الجنوب ووزيرا اقليميا فى حكومة الانقاذ لينشق مع الذين تركوا المؤتمر الوطنى والتحقوا بالشعبى وأصبح زعيما سياسيا لحركة العدل والمساواة، سعت الحكومة منذ البداية الاتصال به وأرسلت له الرسل بما فيهم شقيقه الى ألمانيا وهولندا وباريس للالتقاء به وحثه على العودة والتفاوض السلمى، والرجل يتسم بدماثة خلق غير أن تشدد بعض الشباب الذين حوله وربما المنظمات المانحة دفع مواقفه الى التشدد أيضا.. وقد قامت هذه الجماعات بمهاجمة مدينة كتم وقتلت بعض الناس فى سوقها كما هاجمت المستشفى وهاجمت مبانى المحلية بجبل مرة وخربت محتوياتها وأنزلت العلم الوطنى لترفع علما آخر، وهذا ما لاتقبل به أى دولة فى العالم ديمقراطية أو شمولية دون محاسبة مرتكبيه.. أما الجماعة المسلحة الاخرى فهى فصيل من صنع الحركة الشعبية لتحرير السودان التى أرادت أن يظل لها وجود فى الاقليم يضعف الحكومة ويبرر دعواها بأنها جاءت لكل أهل السودان وليس الجنوب وهو خطاب سياسى يراد به خلق تحالفات مستقبلية بين حركة قرنق و أبناء هذه الاقاليم حتى لا يجد نفسه غدا يمثل حزبا صغيرا تتجاوز انتفاخته الحالية الانتخابات المقبلة .. كما قصد بحركة تحرير السودان لابناء دارفور أن يخلف بها الحركة التى قادها يحي بولاد من قبل كما أطلقت هذه المجموعة المسلحة على نفسها "حركة تحرير السودان" تيمنا بحركة جون قرنق ووجدت الدعم منها ومن السلطات الاريترية التى قامت بالتدريب والتسليح.. وفى مارس هاجمت هذه المجموعات مدينة الفاشر عاصمة الولاية وفى سويعات قليلة أحرقت سبع طائرات حكومية وقتلت من قتلت من قوات الجيش وأسرت ضابطا كبيرا هو قائد سلاح الطيران كما استمر استهداف قوات الشرطة ثم امتدت نشاطاتها لتحرق بعض القرى وحاولت الدولة احتواء النزاع بواسطة الآلية المحلية ولكن حاملي السلاح خرجوا عن الطوع ورفضوا الوساطة المحلية معتمدين على عدتهم من السلاح والإعلام الخارجي الذى ظل ينقل أخبارهم وانتصاراتهم عبر هاتف الثريا وبعض المنظمات المتعاطفة معهم والتي صورت حملات الدولة لفرض هيبتها وسلطة القانون على أنها استهداف حكومي للمدنيين والآمنين وهى نفس الخدعة التى برعت فيها حركة التمرد في الجنوب وبمساعدة بعض المنظمات المناصرة لها باختباء المقاتلين في ثكنات مدنية لمنع مطاردة القوات الحكومية لها ولتصوير أن القوات الحكومية تستهدف المستشفيات والمرافق المدنية.
إن التصعيد لأزمة دارفور تم التخطيط له متزامنا مع اقتراب الاتفاق النهائى للسلام لمشكلة جنوب السودان والتي وصلت نهاياتها بعد احتراب امتد لنصف قرن من الزمان برغم ما صاحب مراحل التفاوض من طرح مسائل تعجيزية لكى تسد الباب على أى حل متمثلة في مبدأ تقرير المصير ثم محاولة فصل الدين عن الدولة ثم ادخال مواضيع خلافية جديدة مثل خصوصية المناطق الثلاثة (جبال النوبة وجنوب النيل الأزرق وأبيى). وعلى الرغم من الاتفاق المبدئى بعدم مناقشتها فى منبر الايقاد بل فى منبر منفصل ولكن الدوائر التى تقف وراء ذلك جرتها رويدا رويدا الى منبر الايقاد بل أبعد من ذلك توقفت المحادثات فى المسائل الاساسية حتى التوصل الى اتفاق حول وضع هذه المناطق، ولم يلتزم الوسطاء بما تم الاتفاق عليه من قبل فى هذا الخصوص مما جعلهم يمارسون حالة من التجريب لم يسبق أن مارسوها لا فى دول أفريقية ولا فى أوربا أو بلاد العم سام. فالاقليات المسلمة خارج العالم الاسلامى مهضومة الحقوق والاقليات الافريقية و العربية وغيرها فى بلاد أوربا و أمريكا لم تمنح بعض ما منح للحركة الشعبية. إن المطالب التي نادي بها حملة السلاح في دارفور بدءا هى أن الاقليم شهد تهميشا ولم يجد حظه من التنمية ثم، وكعادة هواة السياسة فى بلادى، طالت قائمة المطالب بفعل مساهمات أهل الغرض السيئ لأخراج المعقول من اللامعقول، واضيف اقتسام السلطة والثروة وهي مطالب سياسية معقولة ومقدور عليها بعد التوصل لاتفاق سلام فى كينيا وضعت فيه أطر كيفية اقتسام السلطة والموارد لجميع أقاليم السودان وسيعالج بصورة خاصة اخلالات التنمية فى السودان مع ايلاء عناية خاصة بالمناطق الأقل تنمية. كما أن التنمية التي تمت في دارفور في ظل الحرب المتطاولة في الجنوب يعد قياسياً، فى نظر بعض المراقبين، إذا ما قورن بأقاليم السودان الأخرى وأن المشاركة في السلطة حازت فيها دارفور قدراً كبيراً من المواقع القيادية بدءا من منصب مساعد رئيس الجمهورية إلى المشاركة في الوزارات الاتحادية بعدد وافر من الوزراء وكل مرافق الدولة الأخرى بما فيه الأجهزة العدلية والجيش الذي لدارفور فيه نصيب الأسد.. والحكومة توصلت إلى اتفاق وقف إطلاق النار مع حركتى التمرد بدارفورغير أن هذه المجموعات لم تلتزم به .. كما أن الحكومة دعت الى عقد مؤتمر جامع لأبناء الإقليم للتوصل إلى حل وبما أن الجماعات التي تحمل السلاح لا تمثل أغلبية قبائل الإقليم فإنه يصبح من الطبيعى أن تشكك فى جدواه لان تفاوضها منفردة مع الحكومة يعود على قياداتها ببعض المكاسب ما لو تم ذلك فى مؤتمر جامع مشهود يصبح فيه صوت هذه المجموعات هامسا لذلك تم التشكيك في جدوى قيام هذا المؤتمر بل ولم يبدوا .. و الذى لم أجد له تفسيرها أن الحكومة أضاعت هذه السانحة فى تحجيم حملة السلاح بالمؤتمر الجامع الذى يلزم أهل الاقليم بما يخرج به من نتائج ولا يجعل صوت السلاح هو الصوت الرابح .. لماذا تباطأت الحكومة وفوتت على نفسها فرصة غالية ربما أسكتت صوت أى سلاح فى المستقبل بمؤتمرات جامعة.. كما لم تبد هاتات الحركتان أي حماس للتفاوض السياسي الآن لانهم ينتظرون المزيد من الضغط الدولى على الحكومة ويطمعون فى مزيد من التنازل أكثر مما وجدوه فى المفاوضات التى جرت بين الجانب الحكومى وحركة العدل والمساواة فى باريس فى شهر يونيو الماضى والذى حقق اتفاقا على مجمل المطالب ولكن اقتراب زيارة الامين العام للامم المتحدة ووزير الخرجية الامريكى كولن باول للاقليم فى ذلك الحين فتحت شهية مطالب المعارضين لذلك لم يوقعوا على ماتم التوصل اليه وتعللوا بضرورة أن ترفع الحكومة من درجة وفدها المفاوض.. ما الذى أصاب أهل السودان؟! برع بعض السياسيين فيه فى قفل أى باب يؤدى الى اتفاق فى ممارسة هى أشبه برياضة المصارعة التى يسعى كل واحد لصرع خصمه أرضا والمشى على جسده.. فى تقديرى أن الامر لو وقف عند المطالبة بقسمة السلطة والثروة فهى مطالب سياسيا لا خلاف عليها وهي بتجربة التفاوض في اتفاق السلام مع الحركة الشعبية لتحرير السودان فان الوصفة يمكن استخدامها لكافة أنحاء السودان ولكن ذلك سيوصل إلى الاستجابة لمطالب المتمردين ويفضى الى حل لا تريد القوى التي تحرك هذا الصراع ان يقترب أهل السودان من الحل ويسرح بعض منسوبى الجهات التى تتخذ من العمل الانسانى غطاء مدخلا لعمل استخبارى أو تبشيرى أو معلواتى حول موارد البلد وتركيبتها العرقية والاجتماعية خاصة فى ظروف الازمات والناس فى ضعف يتعلقون بأمل كاذب مثل تعلق الغريق بالقشة طالبا النجاة وهذه النشاطات دائما تسبق حملات غردون والدفتردار وأشباههم وتجعل مهمتهم سهلة وتحالفاتهم مع المحليين سالكة. ولكن دعاوى حملة السلاح أصبحت تتغير وتتبدل تماشيا وتجاوبا مع تصريحات ورغبات الدوائر الخارجية التى أمسكت بزمام المبادرة لادارة الصراع بصورة تتخطى مطالب سياسية طرحها المتمردون.
|
|
|
|
|
|