|
فيك الخصام وأنت الخصم والحكم
|
فيك الخصام وأنت الخصم والحكم
بقلم دكتور/ محمد زين العابدين عثمان–السودان
فى خطابه الرسمى بمناسبة الاحتفال بالعيد الخامس عشر للانقاذ قال السيد رئيس الجمهورية ( ولما لم يكن الظلم يوماً مقصدًا للدولة أو منهجاً لها فاننا نعلن براءتنا من كل ظلم أو تجاوز وقع فى حق أحد ونعلن التزامنا بدفع الظلم ورد الحقوق الى اهلها متى ما ثبت الحق لهم ونوجه جهاز المظالم والحسبة العامة لتلقى الشكاوى ودراستها والتوجيه بشأنها لرئيس الجمهورية) وفى تقديرى أن هذا القول فى غاية الخطورة ويجب الا يمر عليه مرور الكرام خاصة وأنه أتى من رئيس الجمهورية بعد خمسة عشر عاماً من الحكم المطلق. وبتناول هذه الفقرة من الخطاب بالتحليل قد تصل بنا الى استنتاجات كثيرة معظمها ليس فى صالح الانقاذ وليس فى صالح السيد رئيس الجمهورية شخصياً. وذلك اذا كان رئيس الجمهورية فى اعلانه للبراءة من الظلم يقصد نظام الانقاذ ككل فى قوله بصيغة الجمع بنعلن براءتنا فهنالك كثير من المظالم والاجحاف الذى وقع على جماهير الشعب السودانى أفراداً وجماعات ومجتمع وقد تم فعل هذه المظالم مع سبق الاصرار والترصد وليس اجتهاداً يحتمل الخطأ والصواب وهذا ما سنتناوله بالتفصيل، ومع ذلك يظل السيد رئيس الجمهورية مسئولاً عن هذا الظلم الذى ارتكب بواسطة نظامه ان كان يعلم او لا يعلم. واذا كان فى قوله اننا نعلن براءتنا من كل ظلم يقصد نفسه شخصياً وجاءت صيغة الجمع للتعظيم فيجب أن يحاسب أركان نظام الذين ارتكبوا هذه المظالم فى بنى وطنه لانه أولاً وأخيراً رئيس البلاد وأمير العباد ومسئول عن العباد أمام القوى الجبار لو تعثر شيخ عجوز فى أقصى الجنوب ناهيك عن بقلة سيدنا عمر بن الخطاب المسئول عن عثرتها فى أقصى العراق. رئيس الجمهورية مساءل أمام الله عن العباد فى يوم لا ينفع فيه مال ولا بنون. ولك سيدى الرئيس فى سيرة سيدنا عمر بن الخطاب الذى سميت عليه موعظة الذى قال لو تعثرت بقلة فى أقصى العراق لسألنى الله عنها ناهيك عن البشر وتشريدهم وسحلهم وضربهم وقتلهم، ومن قتل نفساً بغير حق فكأنما قتل الناس جميعاً ومن أحياها فكانما أحيا الناس جميعاً وهذا هو بداية هدى ونبراس الاسلام الذى به حياتنا.
ما كان يجب سيدى الرئيس أن توجه جهاز المظالم والحسبة لتلقى الشكاوى لأن هذا الجهاز ظل قائماً ولسنوات ولم يشتك له أحد عن قضايا كبرى ارتكبتها الدولة لعدم ثقة الجماهير فى هذا الجهاز ولأنه جزء من كل ارتكب المظالم وليس جهازاً محايداً. وكان الأجدر سيدى الرئيس لتبرئ نفسك امام العلى القدير أن تسرع مباشرة وبقرارات لرد هذه المظالم والحقوق الى أهلها لاأنك تعلم كل هذه المظالم وقد وقعت بسبب قرارات من الدولة وعلى قمتها رئيس الجمهورية. وأنت تعلم كل الحقوق التى أخذت من اهلها والدعوة لكتابة الشكاوى تحصيل حاصل وكثير من المظلومين من الدولة كرامتهم لا تسمح لهم بأن يتجولوا بين المكاتب لرفع الظلم عنهم أو رد حقوقهم وهم يعلمون ان هذا تحصيل حاصل وذر للرماد على العيون ولم يقصد به الا الاستهلاك الاعلامى ليقول الرئيس أنه لا يعلم الظلم ويتبرا منه واذا كان يعلمه وهو أمير العباد تكون هذه مصيبة واذا كان لا يعلم فالمصيبة أكبر.
أنت تعلم سيدى الرئيس أنك ظلمت 28 ضابطاً سودانياً بقوات الشعب المسلحة وأعدمتهم فى نهار رمضان وهو شهر الصيام والغفران لا لشئ الا لانهم حاولوا القيام بانقلاب عسكرى على نظام حكمك وهذه تهمة لا ترقى للاعدام اذ هى اجتهاد فيما يظنون أن فيه الخير للسودان وأنت ومن معك قمتم من قبلهم بانقلاب عسكرى على نظام حكم ديمقراطى اتى بخيار الشعب السودانى فهل معنى ذلك أنكم تستحقون الاعدام؟ واذا كان كذلك فلماذا الاحتفال بجرم على مدى خمسة عشر عام؟ وأول رد لهذه المظلمة هو الاعتراف بان قتلهم قد كان خطئاً كبيراً وان يرد لهم الاعتبار وأن تدفع الدولة ديتهم وان تقوم باعالة ورعاية من تركوهم من خلفهم من اسرهم. فان هذا يدخل فى باب الاية ( من قتل نفساً متعمداً ......) الخ الاية.
ايضاً سيدى الرئيس قد تم اعدام بعض المواطنين الذين كانوا يتاجرون فى العملة الصعبة وهذا لا شرعاً ولا عرفاً يستوجبالاعدام، وايضاً هذا يستوجب الاعتذار والبراءة ومحابة من ارتكبوه اذا كان فعلاً هنالك دعوة جادة لرد المظالم ولا تأخذك العزة بالاثم فان هذه العزة بالاثم مهلكة عند القوى الجبار. ومن بعد اعدامهم فقد صار الاتجار فى العملة مباحاً وما زال هذا متداولاً، فلا يمكن أن يكون هذا فى بداية الانقاذ محرماً وفى أواخر ايامها مباحاً اذ الميزان الشرعى فى هذه القضية واحد وأنتم تقولون أنكم تتبعون شرع الله وأنها لله لا للسلطة ولا للجاه.
أنت تعلم سيدى الرئيس علم اليقين أن هنالك كثير من الموظفين والعمال الذين شردوا من وظائفهم ومواقع عملهم على امتداد حكم الانقاذ وأحيلوا للصالح العام وهم أبناء هذا السودان ومن خيرة بنه اخلاصاً وكفاءة نادرة واستبدلوا بأهل الولاء والطاعة والتطبيل والذى ترتب عليه انهيار الخدمة المدنية وفشل كل المشاريع الصناعية والزراعية وغيرها لتولى الامر غير أهله جرياً وراء سياسة التمكين التى سحقت تحت أقدامها اعز واشرف وأنزه وأوفى أبناء هذا الشعب. هذا سيدى الرئيس لا يحتاج الى شكاوى تكتب الى جهاز المظالم والحسبة لأن هذا تسويف واضاعة للزمن ولكن المطلوب تشكيل لجنة ادارية وقضائية من كفاءات ادارية وقضائية وقضاة محايدين مشهود لهم بالكفاءة والشجاعة يقولون الحق ولا يخافون لومة لائم. وكل الذين تضرروا من الاحالة للصالح العام معروفون وعى مستوى كل الوزارات والمصالح الحكومية. وكذلك الذين تضرروا من هذه الاحالة فى القوات النظامية من القوات المسلحة والشرطة والسجون وحرس الصيد. غير هذا الاجراء والقرارات الحاسمة من رئيس الجمهورية شخصياً يكون أى باب شكاوى للجنة المظالم والحسبة تحصيل حاصل واضاعة للزمن. والتشريد من العمل بقانون الصالح العام يستوجب الاعتذار من الدولة لكل من أصابه سهم الاحالة للصالح العام هذا لان الخدمة المدنية قوانينها الراسخة والمجربة على مر العصور وليس له علاقة بالتطهير واجب وطنى ولا بالاحالة للصالح العام.
هنالك أيضاً سيدى الرئيس مظالم قد أصابت الكثيرين من بنى شعبنا نتيجة لسياسات الدولة المقصودة العرجاء الظاهر عرجها والتى لا تستوفى شروط الاضحية والتضحية وهى سيايت سحق التجار والراسماليين الوطنيين الذين اجتهدوا وشقوا فى صباهم وكدوا وجمعوا أموالهم بشق الانفس ليكونوا رجال مال وأعمال وتمت ازاحتهم من السوق بسياسة التمكين وذلك بتمكين تجار وشركات والمنظمات الخيرية المحسوبة على كوادر الجبهة القومية الاسلامية والمحسوبة على نظامكم الحاكم والتى ظهرت فى السوق السودانى كالنبت الشيطانى وكانت النتيجة أن هؤلاء التجار الوطنيين الاعسار والسجون وذلك لعدم عدالة المنافسة. أما المزارعين فحدث ولا حرج فقد تضرروا ايما ضرر من صيغ التمويل الاسلامى وهم الان تمتلئ بهم السجون.
هذه كلها سيدى الرئيس مظالم أنت تعلمها علم اليقين وأنت فيها الخصم والحكم وكذلك اركان نظامك يعلمونها وكل جماهير الشعب السودانى تعلمها ورفع هذه المظالم ورد الحقوق الى أهلها لا يحتاج الى شكاوى تقدم الى لجان لأن أخذها لم يتم بواسطة لجان. فقد أخذت هذه الحقوق بقرارات منك شخصياً ومن أركان نظامك ويمكن أن ترد بمثل القرارات التى أخذت بها. ويجب أن تكون هذه القرارات صارمة وقوية ونافذة لتصلح ما أفسد ونحن نعلم أن كثيراً من الذين يلتفون حول نظامك لا يريدونها لأنها تأخذ منهم امتيازات أتتهم من حيث لا يحتسبون ولم يكونوا يوماص مؤهلين لها لو تركوا للمنافسة الوطنية العادلة.
واعلم سيدى الرئيس أن هذا هو الشئ الوحيد الذى سيبقى فى صحيفتك أمام الله يوم لا ينفع مال ولا بنون الا من أتى الله بقلب سليم ولك فى قصة سيدنا عمر بن الخطاب أمير المؤمنين والمسمى على اسمه وطبيعة الاشياء ان يتشبه المسمى على المسمى عليه. فقد كان امير المؤمنين عمر يحمل جوال الدقيق على ظهره لاطعام أطفال يتامى وجاء أحد الصحابة وقال عنك يا أمير المؤمنين يريد أن يحمل جوال الدقيق بدلا عنه فانتهره سيدنا عمر وقال له ثكلتك أمك هل تستطيع حمل ذنوبى يوم القيامة أغرب عن وحهى. هذا هو سيدى الرئيس المنهاج الذى نريد والامانة التاريخية تحتم عليك وبلادنا فى مأزق الخروج منه يتطلب خروجك من الاطار والدثار الحزبى الضيق الى رحاب الوطن والوطنية وأن تجمع أهل الشمال لتصل معهم الى كلمة سواء فالوطن والحفاظ على بنيه ومستقبل اجياله القادمة هو الأهم وهو ما سيحفظه لك التاريخ وما يرجح بميزان حسناتك عند الجليل الرحيم أكثر من التمسك ببهرج السلطة الفانى. واتمنى أن يرى ما تصلون اليه من اتفاق مع التجمع الوطنى الديمقراطى حيز التنفيذ والا يكون حبراً على ورق كاتفاقكم مع ريك مشار من قبل ومع الشريف زين العابدين الهندى ومع الصادق المهدى فى جيبوتى. الظرف والوقت لا يسمحان بالتلاعب بالسياسة فالوطن فى مهب الريح ومهدد فى وجوده أن يكون ويظل وطناً واحداً او لا يكون والتبعة والمسئولية أكبر من أن يتحملها حزب واحد مهما أوتى أفراده من ذكاء. ولكم فى صدام حسين وحزب البعث موعظة.
هذا سيدى الرئيس ما يحتمه على انتمائى الوطنى من قول وألا اللهم بلغت فاشهد وما أردت الا الاصلاح وما توفيقى الا بالله.
|
|
|
|
|
|