|
شملة كنيزة ُتلاتيه وقدّها رباعى
|
بقلم عبده سليمان محمد على
الذاكرة الشعبية تحكى عن جهة مصابه فاقده للحركة والمقاومة لكنها ُتصاب فوق مصابها فتصبح مثل الشملة المهترئه والمثقوبة بأكبر من مساحتها ، وقد سار المثل الشعبى فى توصيف الحالة الميئوس منها أو تلك التى يصعب ٳصلاحها وُيقال عنها ٳنها "كشملة كنيزة ُتلاتية وقدّها رباعى." وهى أيضا عنوان لقصيدة رائعة للشاعر الثائر محمد طه القدّال استمعت اليها أول مرة فى العام 1984 وحينها كان الديكتاتور جعفر نميرى ونظامه يترنحان من هول ضربات النقابات واتحادات الطلاب والحركة الشعبيه ، ولكى يهرب من مشاكله ابتدع مشكلة "فكرة!" جديده ظن أن بها مخرجا له فكانت قوانين سبتمبر والتى عجلت بنهايته.
هذا هو حال حكومة الأنقاذ اليوم فرغم مصائبها والتى رمت وترمى نفسها فيها ومنذ مجيئها للسلطة فما زالت وبكثير عدم ادراك ُتوقع نفسها من مصيبة للأخرى. فرغم تفاؤلهم الكبير ووضعهم لكل أوراقهم على الطاولة فى سبيل تحقيق اتفاقيات نيفاشا ومشاكوس مع الحركة الشعبية لتحرير السودان ، ٳلا أنهم لم يستوعبوا وربما لم يريدوا أن يستوعبوا الأسباب التى قادت الحركة الشعبيه لحمل السلاح أصلآ ولمدة ثلاثة وعشرون عاما رغما عن الأغراءات والضغوط والتضحيات. فلنفس تلك الأسباب حمل ثوار دارفور السلاح وسيحمله غدا ثوار الشرق وكردفان وربما الوسط. "وهذا ما دعانا ان نختتم مقالنا السابق بالقول بأنهم لم يتعلموا شيئا ولم ينسوا شيئا."
ففى الأسبوعين الماضيين حدثت احداث أدت بالأنقاذ الى العوده للغة التحدى السائدة فى خطابها الأعلامى ومنذ ٳستيلائها على السلطة العام 1989 !!! رغم ٳختفاء تلك اللغة ولفترة من الزمان. ● أول مؤشر لعودتهم لتلك اللغة هو تصريح وزير الداخليه وممثل رئيس الجمهورية لأقليم دارفور برفض الحكومة لوجود أى قوات أمن افريقية وحتى عربية داخل السودان لأن الأمن هو مسئوليتهم ، كل المسموح به مراقبون من الأتحاد الأفريقى للمساعدة فى عودة النازحين واللاجئيين والتقصى فى الأتهامات الخاصة بالقتل والأغتصاب وٳنتهاك حقوق الأنسان.
● المؤشر الثانى: تصريح النائب الأول لرئيس الجمهوريه فى خطاب له فى مدينة بارا شمال كردفان حيث قال: (لا احد يستطيع اخافتنا ، والذى يرفع فى وجهنا العصا نكسرها فى وجهه؟؟؟). ● المؤشر الثالث: هو اتهام وزير الخارجيه السودانى لثوار دارفور باقامة علاقات مع اسرائيل!! جاءت تلك التصريحات وتزامنت مع انعقاد الأجتماع الطارىء لوزراء الخارجية العرب بدعوة من حكومة الأنقاذ لمناقشة أزمة دارفور. وقد خرج ذلك الأجتماع فى مجمله مؤيدا بالمطلق لموقف الأنقاذ. لذا لم يكن مستغربا خروج صقور النظام وحمائمه بتلك التصريحات والتى اختفت منذ زمان ليس بالقصير. حقيقة لقد حصلت الأنقاذ على أكثر مما حلمت به من الأخوة العرب. ولكن السؤال الذى يطرح نفسه ما مدى تأثير ذلك التضامن العربى على الموقف الدولى بعد انقضاء مهلة الشهر التى منحها مجلس الأمن لحكومة الأنقاذ؟ وهل هذا التضامن العربى القوى!! يُعول عليه حينما تحين ساعة الأمتحان؟ خاصة وقد خبرنا من التاريخ قديمه وحديثه أن أى من تلك الدول العربيه وخاصة بعد انهيار الأتحاد السوفيتى لم تجرؤ على الوقوف فى وجه الغرب والولايات المتحدة بشكل خاص وتجربة العراق تِؤكد ذلك. أما ٳذا كانت ظواهر الأشياء هى بواطنها فنظن ٳن هذا الموقف وتلك التصريحات من الأنقاذ والتى عادت بنا لبدايات عهدها: "روسيا وأمريكا قد دنا عذابها" سيكلف حكومة الأنقاذ كثيرا خاصة مع تقارير الأمم المتحدة التى تتحدث عن هجمات جديده بالهيلوكبيتر والجنجويد ( راجع بيان مكتب الأمم المتحده لتنسيق الشئوت الأنسانيه – سودانيل 10/08/04) وقرب ٳنتهاء مهلة الثلاثون يوما ، فالذى حدث ذاد الرتق وكبّره بدلا من ترميمه وخياطته. حكومة الأنقاذ تلعب بورقة طالما ادمنت اللعب بها ألا وهى ورقة شراء الوقت ولكن هذه المرة الزمن نصل سكين يقطر دما. ورغما عن ذلك فٳنهم يعولون على حلم لم يحدث فى الواقع وأثبتت التجارب والأيام ُخسران المراهنون عليها وما حكومة الأنقاذ بأعز عند ٳخوتها العرب من الشعب الفلسطسنى ولا العراقى.
ومن جانبنا نرى بان ٳخوتنا العرب قد أخطأوا أربع مرات وهم يتعاملون مع قضية دارفور ومن ثم أعطوا الأنقاذ رسالة خاطئة قرأتها وفق هواها: 1- حينما رأوا أزمة دارفور تكبر امام اعينهم ولم يحركوا ساكنا بل تعاملوا معها بسلبية منقطعة النظير وكأنما الذى يحدث تدور فصوله فى مجرة أخرى أو ربما قارة بعيدة ، ونسى ٳخوتنا العرب موقع السودان الرابط للعروبه والأفريقيه. فأزمة دارفور لم تبدأ أوائل هذا العام بل منذ زمان مضى ولكن ٳذداد زخمها منذ بداية العام الماضى. وكم من ٳجتماعات لوزراء الخارجية العرب تم انعقادها خلال تلك الفتره بل حتى لقاءآت للقمة قد حدثت ولم يفتح الله على الجامعة بكلمة حق فى مجموعة من أبناء هذا السودان كانوا حينها ُيقصفون ويقتّلون. وعندما تعامل نظام الأنقاذ بالشده والقسوة مع ثوار دارفور خاصة بعد هجومهم على مطار الفاشر. وبعدما تم تنكيل الأنقاذ بمواطنيها اعلن الرئيس عمر البشير بأن المتمردون قد هُزموا. ثم شرعت الأنقاذ فى تنفيذ شروط المنتصر على المهزوم ولم يدروا أن تحت الرماد جذوة نار مشتعلة أتت أخيرآ على الأخضر واليابس وقضت حتى على أحلام الأنقاذ بحسم القضية عسكريا. وحينها خرج المارد من القمقم وفوجى ٳخوتنا العرب بالتغطيه الصحفيه المتواصلة والمكثفه لأحداث دارفور مما أكد حجم المأساة وكيف تعامل العالم معها. الجامعة العربية أو فلنقل الدول العربية تعاملت مع أزمة دارفور بلا مسئوليه ولا ٳحساس بظلم أخ لهم تربطهم به رابطة الأسلام. ورأوا فى تدخلهم أو حتى تقديمهم للنصح للانقاذ ٳنتهاك لسيادة دولة شقيقه. ولم يفكروا لثانية عن ماهى تلك الدولة التى تقصف مواطنيها العُزل بالقنابل والصواريخ ، ومن هى تلك الدولة التى تمنح كرتا ابيضا لبعض مواطنيها لتنهب وتدمر ممتلكات ثم لتسحل وتقتل وتغتصب البعض الآخر؟
2- تداعت دول العالم ومنظماته الدوليه والأهليه لمساعدة شعب دالافور وظل ٳخوتنا العرب ينظرون للازمة بأنها شأن داخلى سودانى ، وتسارعت وتيرة المساعدات والأدانات لحكومة الأنقاذ والعرب صامتون ، أُرسلت الأغاثات والمعونات وحكومات الدول العربيه لا تأبه بأهل دارفور الذين صاروا فى العراء لا تقيهم سوى رحمة عزيز مقتدر. ٳلا مؤخرا وحينما رأوا منظمات دوليه كبرنامج الغذاء العالمى ، اليونسيف ومنظمات أهليه كأوكسفام أو انقاذ الطفولة تقدم المعونات المقدرة لأهل دارفور مما ساهم فى ٳنقاذ حياة الالاف من المواطنين ، وحينها عرف ٳخوتنا العرب معنى الأخوة الأمميه والتضامن الأنسانى رغما عن تأريخهم المشهود له بتقديم العون لمسلمى البوسنة والشيشان وكوسوفو وقبلهم أفغانستان ، فهل مسلموا دارفور من ملة اخرى ، أم لأن ظالميهم حكام دولة مسلمه لا يحق للاخرين التدخل فى شأنهم؟ ومؤخرا قامت بعض المنظمات العربيه بارسال بعض الأعانات على ٳستحياء لكن تسبقها وسائل الأعلام لتوضح للعالم كرم وحاتمية تلك المنظمات والدول.
3- عندما بدأ العالم يتحدث عن تطهير عرقى وٳبادة جماعية ثارت النخوة العربية وٳنبرت كل الدول العربية تدافع عن جرائم الأنقاذ وتحاول تبرير أفعالهم.
4- أخيرا بدعمهم ذلك زاد عشم حكومة الأنقاذ فى دعم عربى أمام المجتمع الدولى ، وحدا بهم ليرفعوا صوتهم بالتحدى لموقف لا يستطيعون الوقوف فيه لوحدهم!!!
وقد حاول الوزير مصطفى ٳسماعيل ٳلهاب مشاعر الشعوب العربية وحشدهم فى صف الأنقاذ ضد من يسمونهم بالمارقين والعملاء حينما صرح بأن جماعة العدل والمساواة لها علاقات مع اسرائيل وأن رئيسها قد قام بزيارة تلك الدولة وذلك فى مؤتمر صحفى عقده مع أمين عام الجامعة العربية ونسى بل تنآسى انه فى مكانه ذلك لا يبعد كثيرا عن موقع سفارة دولة ٳسرائيل فى قاهرة المعز والتى تم ٳفتتاحها فى سبعينات القرن الماضى ، تناسى الدول الأخرى التى لها علاقات دبلوماسيه وتجاريه وثقافيه مع ٳسرائيل تناسى الأردن وموريتانيا والمغرب وتونس وقطر وسلطنة عمان وحتى السلطة الفلسطينية. هذا بخلاف العلاقات السرية لبعض الدول العربية مع دولة الكيان الصهيونى؟؟؟
هذا اسلوب رخيص للنيل من الخصوم ، فالسؤال الذى يطرح نفسه ما شأن هذا بمعاناة شعب دارفور والتى شهد بها القاصى والدانى؟ هل تلك أكذوبه تم طبخها بليل وبمساعدة دولة ٳسرائيل؟ ولماذا أنتم ٳنتقائيون فى أحكامكم وتكيلون بمكيالين؟ فلو كانت العلاقة مع ٳسرائيل جريمة لما وطئت أقدامكم أرض العديد من الدول التى تقدم لكم الدعم وتصمت عن ٳنتهاكاتكم! فحتى حكومة الأنقاذ تحاول كسب ود اسرائيل لُترضى أمريكا ، وما وجود السيد الفاتح عروة رئيسا لبعثة السودان فى الأمم المتحدة ولفترة طويلة..... صدفة! فأمريكا وقبلها ٳسرائيل تعرفان جيدا الدور الكبير الذى قام به عروة فى (عملية موسى) لتهريب اليهود الفلاشا من معسكرات اللاجئين بشرق السودان بداية ثمانينات القرن الماضى ٳلى ٳسرائيل. وقد قام نظام الأنقاذ بٳخراج عروة من السجن الذى ُحبس فيه تنفيذا لحكم قضائى مستقل خلال فترة الديمقراطية الثالثه اثبت تورطه فى تلك العمليه. ثم قامت الأنقاذ بترقيته ووضعه واحدا من قمة دبلوماسيى السودان ، مندوبا للسودان فى المنظمة الدوليه ، ومن عجائب القدر ٳنه هو نفسه الذى تحدث عن تسّرع المنظمة الدوليه بٳنفاذ قرارها المذكور بخصوص دارفور!
ولننظر لموقف غريب حدث من دولتين عربيتين فى شأن يهم السودان ونعنى بذلك المبادرة المصرية الليبية ، فقد خلصت الدولتان الى مبادرة رأى كل الفرقاء فى السودان بأنها هى المبادرة التى ستقوم بحل مشكلة السودان ، خاصة وان المبادرة تتحدث عن مؤتمر دستورى وحكومة قومية وفترة ٳنتقاليه. ولكن للأسف اغفلت عن عمد حق تقرير المصير والذى توافقت عليه كل التيارات السياسية السودانيه بمن فيهم حكومة الأنقاذ! وعندما تقدم التجمع الوطنى الديمقراطى بحركته الشعبيه لدولتى المبادرة لأضافة حق تقرير المصير ، رفضت الحكومتان بعناد شديد ذلك ، "بينما تنظر حكومة الأنقاذ بقبطة شديده لمآل تلك المبادرة وفنائها لسبب آخر هو أنها لم تستطع أن ترفض طلب الدولتان لحكومة قومية ومؤتمر دستورى لأن فيهما نهاية الأنقاذ." رفضت الدولتان حق تقرير المصير للجنوب بدعوى ٳنه ٳنفصال مؤجل ، ورضت بمشاكوس ونيفاشا بعد ذلك؟؟؟؟؟؟؟؟
وأخيرا نقول لآخوتنا العرب ستفقدوا شعبا بكامله من أجل ٳرضاء نظام! فالأنقاذ الى زوال كما حدث لأنظمه ديكتاتوريه سابقة لم تبخلوا عليها بالدعم والمسانده ، ولنقرأ بهدوء التأريخ معا: أين نظامى عبود ونميرى اليوم؟ فى الماضى نسى الشعب السودانى وقوف الأنظمة العربية مع جلادى الشعب السودانى بمجرد سقوط أى من الأنظمه الديكتاتورية بثوراته وهباته الشعبية. ورغم قناعة واسعة بأن تجربة السودان الديمقراطية مستهدفه من الأخوة العرب لأنها لو ُقدر لأى منها النجاح لآنتقلت الى الدول المجاورة. هذه المرة الموقف جد مختلف خاصة بعد زلزال الحادى عشر من سبتمبر حينما تأكد للولايات المتحدة والغرب أن ما ُيسمى بدولة المستبد العادل ( ) لا يمكن أن تنتج سوى الأرهاب والتطرف. Benevolent Dictator
|
|
|
|
|
|