|
مختار و ثلاثية موسيقية لضحايا العراق
|
مختار و ثلاثية موسيقية لضحايا العراق معتصم الأزيرق ناقد موسيقي وشاعر- من السودان 02072621856 [email protected] (1)
ثلاثية العود/ الفلوت / الايقاع ، للمؤلف و عازف العود المنفرد احمد مختار كانت موضوع الامسية الموسيقية التي أعدت لها مدرسة الدراسات الشرقية و الأفريقية و التي افتتحها البروفسور معاذ صالح بكلمات تستوجب التوقف قليلا ً، فقد وصف احمد مختار ، بأنه الكلاسيكي و المحدث ، في أن معاً و اشار الى موهبته الموسيقية الفذة التي جعلت هيئة الامم المتحدة أن تختار أحد أعماله ( مقطوعة حوار) مع سته عشر عملاً من ثقافات أخرى لًتجسد الضمير الابداعي لحقوق الانسان، و لعل البروفيسور لم يشر الى نيل مختار الجائزة الاولى من أتحاد الموسيقيين البريطانيين للموسيقى الغير غريبة لكونها لم تعد سراً منذ حين.
و الامر الجدير بالأعتبار ان القاعة التي كانت ممتلئة ، سجلت حضوراًغالبا للجمهور البريطاني و لعة من نافلة القول ان تلك الامسية الموسيقية لم تكن ناجحة و حسب بل ممتعة و متفرده ايضاً ،حيث شخصت الابصار و اصغت الأذان و الافئدة، في انصات و حفاوة بالغة على مدى ساعة كاملة ، تجاوباً بالصمت حيناً و بالتصفيق احيانا، و لم تكن للكثيرين تلك الساعة كافية اذ مرت كلمح البصر ، فكانت المطالبة بالمزيد و استجاب مختار و كان عمل الطائر / الحرية هو لحن الختام. الاعمال او المحاور الموسيقية التي احتوت عليها الأمسية هي : - تقاسم رست - مقام نهاوند و قطعة رثاء النخيل: ويريد بها المؤلف رثاء المبدعين العراقيين من ضحايا الحروب و الكوارث التي مر ويمر بها العراق و بمعنى أعم ، رثاء العملية الابداعية التي كانت تقاوم سكرات الموت بغياب الحرية. - فتازيا العود: و هي معزوفة تبرز فيها الطاقات الهائلة غير المكتشفة، الا قليلاً لهذه الالة الموسيقية و التي تتمثل على وجة الخصوص في مساهمات المدرسة العراقية الحديثة و هي تتجاوز نطاق القوالب و التقاليد العربية البحتة في الوقت الراهن ،و ربما كانت لها جذور تراثية بحاجة الى الأستقصاء. - قرى: و هي من وحي الاقاليم الكردية العراقية ذات الطبيعة الجبلية، وتعبرعن ذات الانسان الكردي الشعبي، محب الخير و الذي تنطوى شخصيتة على سجية انسانية لم تختلط بألاعيب السياسة . - رقصة البدوي: و تتجلى فيها الجمالية الايقاعية للعود بشكل واضح. - غياب : و ترمز للمقابر الجماعية ، عبر التقاسيم و الايقاعات و تشف ، عن الصرخات و النزيف الداخلي الذي يتدفق عبر ( عالم الا وعي) حيث تتداعى المشاعر المكبوته و تتفجر شلالاتها ، من بين ثنايا النغم العميق . - سماعي بغداد: بنية كلاسيكية من موسيقى العصر العباسي، بتقنية عالية و تمازج مقامي ينحو بها الى عالم الحداثة. (2)
لكي نستطيع النفاذ الى جوهر هذه المساهمة الموسيقية الرائدة يتعين علينا ان نضع نصب اعيننا الطبيعة الجدلية، و التي غالبا ماتتميز بها موسيقى احمد مختار بل و كل موسيقى او عمل فني يحتوي على قيمة ابداعية، و يقتضي ذلك منا اكتشاف مركز و تجليات هذه الجدلية ، في النسيج العام لهذه المساهمة ، و في جزئيات هذا النسيج ايضاَ. على وجه العموم ، فان الذي يؤشر الى جدارة خصائص هذا العمل بالاهتمام، أنه استطاع ان يشدانتباه الجمهور ويثيرشغفة الزى لم تشبه شائبة من الضعف او الفتور . ولكي نستطيع تشخيص النسيج العام لهذه الثلاثية للابد لنا ان نتبين:
1. ان لحمة هذا الثلاثية وسداها ، تتألف بدءاَ من التأليف،فاختيار الالات ، ثم الاداء الذي تحلت به، لبلورة هذا التأليف المبني على الجمال و القوة و الهادف الى ابراز جدارة العود لخوض مثل هذه التجربة و تحقيق التجانس ، و التوافق و التفاعل مع الفلوت و الايقاع و الضلوع بالمشاركة دون التضحية بخاصية التفرد والذي تمتلكه ايضاً الالتان الاخريا ن . ان اختيار المؤلف لالة الفلوت كان موفقاً لانه ينسجم و يتجاوب مع الة العود و مع طابع الموسيقى الشرقيةعموماً ، فهو شبية بالناي و فوق ذلك فقد كانت العازفة نوبوكو غاية في البراعة، وواعية بدورها و بهدف المؤلف ، وقد استطاعت اداء الخاصية المقامية العربية( ذات التقسيم الرباعي) بمهارة فائقة، و ذلك عبر التحكم بالنفس و شحنة بالحساسية النغمية المنشودة و التي تملك منها نوبوكو الشي الكثير. و قد حالف التوفيق ايضا عازفة الايقاع جوئيل بيكرالى درجة مثيرة للدهشة لكونها بريطانية ، و مع ذلك فقد استطاعت ان تؤدي الايقاعات العربية المعقدة بجمال و عذوبة و قد ا تلقت بعض المساعدة الفنية من المؤلف خلال البروفات، غير انها بموهبتها استطاعت أن تشكل ضلعاً اساسيا متألفاً مع الضلعين الاخرين ( العود + الفلوت) .
2ا استخدام المؤلف لل(هارموني) كاحدى الفاعاليات الموسيقية. الحيوية، وقد استند المؤلف في بناء الهارموني على مقام النهاوند الذي يمثل مفصل الألتقاء مع الموسيقى الغربية فهو السلم الهارموني الصغير (Harmonic Minor) و لكنه اتخذ منه نقطة أرتكاز يبتعد منها بالدخول الى مقامات أخرى ذات قابلية للقواعد الهارمونية مثل مقام الكرد و الحجاز و هذه خاصية تلازم أغلب اعمال المؤلف بشكل خاص و المدرسة البغدادية اجمالاً. و بطبيعة الحال فان البناء الهارموني يخاطب الأذن الغربية مخاطبة حميمة لكونه جاء في سياق موسيقى شرقية عربية اشتهرت بكونهاغنية بالميلودية و الايقاعات وبانها غير قابله لاستخدام الهارمونى وزلك غير صحيح . 1- ان النسيج الموسيقي للثلاثية أحتوى على مواضع للسحر و الجازبية و يتجلى ذلك فى التجانس الفريد بين الايقاع الخارجي القائم على الوزن متمثلاً في الايقاع و بين التقاسيم التي يؤديها العود عبرالأيقاع الداخلي الحرالزى لأ يلتزم بوحدا ت زلك الوزن. و من مواضع السحر والجازبيه ايضاً ، جسارة التقنية لدى العازفين الثلاثة و التحكم الكامل كل فى ا لته و يبدو زلك جليا حينا يخفت صوت الفلوت و يسيل عذوبة و نعاساً ليترك المجال مفتوحاً أمام العود ليتفجر و يبعث بالرسائل ذات الرنين و الوهج، بينما يعلو الأيقاع و يخفت تباعاً ، فحين يمثل صوت العود اندفاع الموج يأزره الايقاع بالهدير و حين يهدأ اندفاع الموج في صوت العود يأخذ الايقاع في الخفوت بينما يسترسل الفلوت في صوت الخرير. ان ذلك يمثل جوهر الصراع بين عالم النفس التي تريد ان تنعم بالسلام و بين تحديات عالم الواقع الذي ينذر بالمازق و النزاع .. و يهدد السلام النفسي الفردي و الجماعي. أ و ليست تلك هي جدلية وحدة و تناقض الاضداد؟ متجسدة فىالشكل والمضمون بلغة النقد، او كما يحلو لاصحاب الموسيقى( التكنيك و الروحيه) واذا افتتحنا الباب اما المصطلح الصوفي فتلك هي وحدة عالمي الظاهر و الباطن حيث يتجلى أحدهما فىالاخر.
|
|
|
|
|
|