لمحات عن قبيلة المساليت (كَامَسَرَا(1))

دعواتكم لزميلنا المفكر د.الباقر العفيف بالشفاء العاجل
مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 12-11-2024, 12:51 PM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
07-14-2004, 01:18 AM

أمين حسن عبد الله-مصر


للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
لمحات عن قبيلة المساليت (كَامَسَرَا(1))

    لمحات عن قبيلة المساليت (كَامَسَرَا(1))
    تعتبر قبيلة المساليت من كبرى القبائل السودانية، التي تتجاوز نسمة سكانها أكثر من أربعة ملايين ونصف مليون نسمة تقريباً على حسب تقديرات لعام 1998م، وهذه القبيلة تتمتع بإرث تاريخي كبير وضخم، ولكن تاريخ السودان الذي كتبه المؤرخون في مؤلفاتهم قد أغفلوا عنه تماماً، والذين كتبوا عن المساليت قد أشاروا إلى رؤوس المواضيع فقط، في حين أن قبيلة الوداي في الجارة تشاد حيث وضعوا تمثالاً تذكارياً لسلطان المساليت تاج الدين بمدينة أبشي التشادية تكريماً وتبجيلاً له ولقبيلته التي ناضلت من أجل هذه المنطقة المشتركة، وهذه القبيلة كغيرها لها ترابط تاريخي مع كل قبائل المنطقة وخاصة مع القبائل المجاورة لها.
    إن أبناء قبيلة المساليت أيضاً لم يبذلوا قصارى جهودهم في إبراز حقائقهم التاريخية من تلك الفصول التاريخية الجبارة الخالدة التي لعبها جدودهم على مر تاريخهم الطويل التي دامت إلى آلاف السنين بدار المساليت التي انشطرت إلى أكثر من جزء بفعل الحروب الإقليمية الاستعمارية.
    وأبناء قبيلة المساليت وبعد معارك طاحنة وشرسة وطويلة استأثروا بمحافظة ديارهم الواسعة من تلك البقعة التي تمتد من الغرب من عاصمتهم (الجنينة) إلى غرب جبل مرة عندها منطقة (بركة سايرة) وشمالاً حتى حدود مع منطقة (كتم) وحتى وادي قبيلة (قمر) وشرق مدينة أبشي التشادية، وعلى معظم الحدود السودانية التشادية عندها منطقة (مقرورو وشارونق) جنوب منطقة (فوربرنقا)، ولهم تواجد في منطقة (أم دخن وأم دافوق ومثلث تيسي الحدودية) بين دولة السودان وجمهورية تشاد وجمهورية إفريقيا الوسطى الشقيقتان، إنها حدود شاسعة مترامية الأطراف، حيث ظلت قبيلة المساليت تحميها وتحافظ عليها قبل أن يتكون السودان سوداناً في حاله الآن، حتى انضمت هذه المنطقة نهائياً للسودان الحديث برقعته الواسعة، وبموجب اتفاقية (قلاني) التي أتتها أبناء المساليت طوعاً وبحر إرادتهم من الإنجليز والفرنسيين في عام 1920م، وهكذا شكلت هذه الاتفاقية إضافة حقيقية ومقدرة من الأرض للتراب السوداني الحالي الذي يستحوذه أبناء المركز منذ الاستقلال إلى الآن دون الاعتراف بحقوق ومورثات الأعراق الأخرى في البلاد.
    فقبيلة المساليت من القبائل الإفريقية الأصيلة التي لها تراثها التاريخي وموروثها الثقافي والاجتماعي العتيق، ولها لغتها الإفريقية المتميزة بنبراتها من بين جميع اللغات الإفريقية المتعددة الموجودة بالمنطقة، وهذه القبيلة لها بطون وشرائح في داخلها التي تتجاوز المائة (خُشُوْمُ بُيُوْتٍ)، وكلها تنتمي خالصة لهذه القبيلة العريضة، ونفس تلك البطون هي الموجودة أركان ومرتكزات القبيلة بدار المساليت في طولها وعرضها، وفي منطقة القريضة وشرق السودان وشرق دولة تشاد الشقيقة وفي بعض المناطق بالسودان، منها جبال النوبة والجزيرة وغيرها من المناطق في داخل وخارج السودان.
    وعرف عن المساليت مطلقاً، وعلى مر التاريخ الطويل الثبات وشدة البأس عند اللقاء مع الأعداء الغزاة لمنطقتهم، وذكر بعض المؤرخين إن أبناء المساليت شاركوا في القرون الماضية الطويلة من ضمن الجيوش الإسلامية التي دخلت تخوم أوروبا عبر أراضي منطقة المغرب العربي، لأجل ذلك بعض الكتاب ذكروا بأن قبيلة المساليت انحدرت من دولة تونس الشقيقة، وذكر أيضاً إن المساليت شاركوا في إقامة العديد من الدويلات الإسلامية بغرب إفريقيا، حيث كانوا من ضمن الذين أسسوا دولة البرنوا الإسلامية أيضاً، والتي دامت لأكثر من تسعة قرون حتى انشطرت بفعل الاستعمار الأوروبي إلى عدة دول الآن، كتشاد ونيجيريا والنيجر وساحل العاج والكاميرون وغيرها، لأجل ذلك كثير من فروع قبيلة المساليت ذابت في الكيانات القبلية الإقليمية في تلك الدول، فنجد مثلاً في الجماهيرية العربية الليبية الشقيقة هناك قبيلة تسمى (المسلات) والفرد منهم يسمونه (المسلاتي) أعتقد أنها من بقايا هذه القبيلة، كما يقول بعض أجدادنا بأن في دولة تونس أيضاً يتواجد بقايا من قبيلة المساليت، وإذا قامت فرق متخصصة من أبناء المساليت للبحث عن جذور وبقايا هذه القبيلة في أماكن أخرى بدول المنطقة، أعتقد سوف تظهر بعض الخيوط أو لحمات تربط القبيلة بأماكن وقوميات أخرى بالقارة، انظر كتاب (قبائل السودان، المؤلف أحمد عبد الله آدم).
    كما شارك المساليت مع قبيلة البرقو المجاورة لها في المنطقة في إقامة دولة البرقو (وداي) الإسلامية التي تربطهم بالمساليت رابطة تاريخية ومصيرية والمصاهرة والجوار منذ أن خُلِقُواْ في هذه المنطقة، بل إن لغة قبيلة الوداي هي من أقرب اللغات من لغة المساليت على الاطلاق حتى بعض الآخرين يقولون أن جدهم في الأصل البعيد واحد.
    قبيلة المساليت لها عاداتها وتقاليدها الإفريقية المميزة عن غيرها، ومع ذلك إن هذه القبيلة كلها تدين بالدين الإسلامي الحنيف منذ أن دخل الإسلام في بلادهم، وحتى الآن لم يشذ فرد من أفرادها عن الدين الإسلامي، ولكن تمنيات بعض القبائل بأن قبيلة المساليت انحدرت من الأصول العربية، فهذا الإدعاء يجافي الحقيقة، بل هذه ما هي إلا تمنيات فقط من بعض القبائل بالمنطقة حتى تتحول مثل هذه القبيلة ضمن شريحة من شرائح القبائل العربية حتى تكون لهم إضافة مقدرة، ححتى ولو يزيفون الحقائق المجردة، حيث إن صناعة الثقافة والتاريخ والتراث وخاصة صناعة اللغة هي من أصعب الأمور التي تواجه الشعوب، لأن من السهل جداً قبيلة ما قد تفقد لغتا وتنصهر في لغة قبيلة أخرى، ولكن ليس من السهل قبيلة ما تخلق أو تصنع لغة من العدم في خلال ألف أو حتى في عشرة آلاف سنة، لأن القبائل التي تحافظ بلغاتها اليوم ما هي إلا قبائل كبيرة تضم بطوناً أوتخوماً لها.
    وللمساليت تاريخ مثير وناصع ومجيد يتعذر لنا إجماله في هذا المقال المتواضع عن اللمحات واللسمات المميزة لهذه القبيلة، لأن الذين يذكرون عن هذه القبيلة لا يذكرون إلا النذر القليل، فهذه القبيلة شديد التماسك بأفراد المنتمين إليها، وخاصة من ناحية العادات والتقاليد والموروث الثقافي والاجتماعي، وبالذات فيما يتعلق بتعاليم الإسلام، حتى إلى يومنا هذا قرى وحواضر بدارالمساليت تعمر بكتاتيب (خلاوي) لتعليم القرآن الكريم، فهذه القبيلة جعلت كثيراً من القبائل والفئات والأجناس الأخرى التي انحدرت من مناطق ودول الجوار ودول غرب إفريقيا أن تتأسى بعاداتها وتقاليدها ثم تنتهج نهجها القويم.
    فهذه القبيلة من أكثر القبائل مضيافة لكل من يقصد ديارهم، كما أنها مسالمة لأبعد الحدود لا تعرف الإعتداء على الآخرين على الاطلاق ولا تطمع في حقوق الآخرين، بل يجد الغريب وسطهم الأمن والطمأنينة، فالأمر الذي جعل أعراقاً وأجناساً كثيرة تذوب في بطونهم وفروعهم المختلفة حتى أصبحت جزءاً مقدراً في وسط هذه القبيلة وشملتها نفس العادات والتقاليد والإلتزامات الاجتماعية لأفراد عموم القبيلة، في فترات وجيزة أصبحت كل تلك الفئات جزءاً من منظومة هذه القبيلة، لأن هذه القبيلة احتوت قبائل شتى بالمعاملة العاطفية الكريمة، حتى لا يستطيع المرئ التمييز بين من هو مسلاتي أماً عن أبٍ، وبين أولئك الداخلين في هذا الكيان والمنصهرين الذائبين في بطون القبيلة العريضة، والتي دوماً ما تكون الملاذ والمأوى والمأمن الذي يقصد ديارهم وفي الحال يجدون السعة والترحاب، حتى عندما كان يأتي أحد الأفراد من بعض القبائل القاطنة في هذه الديار لاستخراج وثيقة من الوثائق الرسمية في مكاتب الدولة المختلفة يسئلون ما قبيلتك، كل كان يقول، وما زال، أنا من قبيلة المساليت، حتى يتحدثون لغة المساليت بطلاقة، ثم يستخرج لهم الوثيقة، وهكذا كل يجد في الحال السعة والترحاب، وبالتالي هكذا عرف عن مجتمع المساليت بالمحبة والكرم والتسامح وحسن المعاشرة والطيبة والإخاء.
    كما ثبتت لقبيلة المساليت وبحكم تماسكها بأسس الإسلام وتعاليمه، فلا تعرف العنصرية والعصبية القبلية على الاطلاق، حتى اشتهرت منطقتها باستطباب الأمن والطمأنينة والسلام ورغد العيش الكريم حتى أصبحت هذه المنطقة جاذبة لكثير من الجماعات والقبائل من المناطق المجاورة والبعيدة على حد سواء، بل كثير من قبائل دول الجوار جاءت أيضاً إلى ديار المساليت هاربة من ويلات الحروب الأهلية والقبلية في مناطقهم الأصلية، ومن ثم القبيلة وقفت معهم وناصرتهم وآوتهم بكل صدر رحب، وبالتالي وجد الجميع عندهم الأرض والزرع وحسن الاستقبال والوفادة وكرم الضيافة إلى يومنا هذا، لأن استقبال الوافدين وكرم ضيافتهم على أكمل الوجه، اجتماعياً وسياسياً واقتصادياً، كانت من واجبات القبيلة، إلتزمت بها منذ نشئتها.
    حروب قبيلة المساليت السياسية التاريخية المجيدة:
    حقيقة يصعب علينا نحن المساليت أن نتتبع تاريخنا المجيد الذي يتمتع بالإرث النضالي البطولي الكبير، دون أن يكون هناك عمل الفريق منا في البحث عن تاريخنا هذا حتى أن نرصد ذلك بدقة وأمانة، رغم أهمية بحث عن هذا التاريخ الجسور إلا أن الإهمال والإغفال من أبناء هذه القبيلة قد أسدل الستار على كثير من الصفحات ناصعة البياض فيه، وهكذا ضاعت جل فصول تاريخ المساليت المجيد، وهكذا وصى به الأخ العزيز المناضل، الدكتور/ حسين آدم الحاج، في بعض مقالاته التاريخية، حيث قال: (ويا ليت لو إلتف أبناء المساليت بقيادة السلطان/ سعد بحر الدين، ـ سلطان عموم دار المساليت ـ والدكتور/ علي حسن تاج الدين ـ وآخرون معهما ـ بتمويل بحوث أوإنشاء كرسي في إحدى جامعات دارفور تعني بدراسة التاريخ السياسي لسلطنة دار المساليت، أو حتى إنشاء مركز بحثي بمدينة الجنينة....الخ) المقال بعنوان: (دارفور في الحركة الوطنية السودانية الحديثة، بتاريخ 10/2/2004م، المصدر سودانايل).
    فنعم التوصية من هذا الأخ الجسور، وأنا بدوري أضاً اقف مع رأيه وأقول: يجب علينا جميعاً كنحن من أبناء قبيلة المساليت، في الداخل والخارج بأن نساهم في إبراز حقائقنا التاريخية الموروثة بدون أي تباطؤ، ومن الآن فصاعدا حتى نقوم بركب قطارالسودان الجديد الذي تحرك الآن.
    ولكنني أجمل هنا دون الحصر بعض حروب هذه القبيلة ذات البطولات النادرة ضد الاستعمار الفرنسي والإنجليزي منذ نهاية القرن التاسع عشر، لنجدها بطولات خارقة العادة وقتئذٍٍ التي قد سجلها المساليت، في حينه أنهم قد استطاعوا أن يقهروا كل منافذ وطموحات الاستعمار الأجنبي في آخر المطاف، حتى خلصلت لهم ديارهم فصارت حرة مستقلة وسط لجة الاستعمار وسعره.
    ونحن لدينا هنا بعض اللمحات من هذا التاريخ المثير الجميل، فيمكن أن نلخصه في بعض المعارك الكبيرة، المصيرية، الفاصلة والحاسمة، الشرسة التي خاضها أبناء المساليت بضراوة شديدة ضد الاستعمار الأجنبي دفاعاً عن وطنهم، وذلك على ما يلي:
    المعركة الأولى: بين المساليت ودولة فرنسا العظمى:
    جرت هذه المعركة أحداثها الدامية في 25/10/1910م، وسمية هذه المعركة الكبيرة بمعركة (كِرِيْدِنْقْ) يعني بلغة المساليت (أخرجوهم عنوة) وكان السيناريو الفرنسي هو: أن جَمَعَ الفرنسيون حشودهم العسكرية بصورة كبيرة جداً بقصد قهر المساليت وتشتيتهم وكسر شوكتهم وضم ديارهم عنوة لنفوذ المستعمرات الفرنسية التي كانت تسمى (بالسودان الفرنسي) وهي دولة تشاد والنيجر والكاميرون وإفريقيا الوسطى وكثير من دول غرب إفريقيا الحالية، وفي حينه قد سكتت الأمبراطورية الإنجليزية باعتبار أن دار المساليت لا محالة واقعة تحت النفوذ الفرنسي، لتلك الحرب أعدت القوة الفرنسية أحدث ما جادت به المصانع السلاح الأوروبي، فجاءوا بعشرات الآلاف من الجنود الفرنسيين وآلافاً أخرى من أبناء المناطق الواقعة تحت النفوذ الفرنسي لقتال وتدمير هذه القبيلة التي تقف أمام هذه الدولة الكبيرة التاريخية.
    أما رجالات قبيلة المساليت استعد لتلك المعركة استعداداً محكماً حتى قيل أنه لم يسبق لهم مثيل، وقيل خبراء المساليت في مجال الحرب وضعوا خطة حربية خادعة استطاعوا بها جر الجيوش الفرنسية إلى مناطق غابات ووديان وعرة بينما اختفى فرسان المساليت على جنبات الوديان والخيران وتحت حشائش والأشجار حتى توسطت الجيوش الفرنسية الكبيرة بجراراتها المدفعية المختلفة العتقية لموقع الهجوم الكبير، ـ إذا كان وقع ذلك الاحتلال لكانت سلطنة دار المساليت، بل إقليم دارفور كله أو حتى غرب السودان لمنظومة الاستعمار الفرنسي في إفريقيا ـ، وفي لحظة، بل في لمح البصر إنقض آلاف الفرسان وبأسلحة بدائية من حِرَابٍ َوسَفَارِيْكَ وغيرها من الأدوات الحربية القديمة، ولكنهم متخصصون في استخدام هذه الأدوات الدفاعية، كما كان لديهم بعض الأسلحة النارية الخفيفة التي اغتنموها في حروبهم السابقة مع الفرنسيين، فكانت صيحات المحاربين الأشداء من رجلات المساليت وفي تلك المناطق الوعرة وصيحات الحرب التي ترددها الآحام في الوديان والأخاديد قد زرعت الرعب الشديد لدى الجيوش الفرنسية الكبيرة حتى الرعب فقط لم يمكنهم من استعمال معظم اسلحتهم من جراء تلك المباغتة من الأماكن القريبة جداً ومن جميع الاتجاهات أيضاً وفي هجوم مكثف وسريع وخاطف، وفي حينه أبادوا الجيوش الفرنسية الغازية عن بكرة أبيها، وقتل قائدها الفرنسي الكولونيل (فلقنشو) وقدم المساليت أعداداً كبيرة من الشهداء، ولكنهم غنموا كثيراً جداً من الأسلحة الهائلة الكبيرة، وأيضاً غنموا عتاداً حربياً حديثاً وكبيراً.
    المعركة الثانية: بين المساليت ودولة فرنسا العظمى أيضاً:
    تبعت هذه المعركة معركة أخرى كبيرة متزامنة مع تلك المعركة الكبيرة التي اعتمدتها القوة الفرنسية في 9/11/1910م.
    وبعد هذه الخسارة التي منيت بها الجيوش الفرنسية في المعركة الشهيرة (كِرِيْدِنْقْ) بأسبوعين تقريباً، فتحت هذه القوة جبهة جديدة جانبية لإضعاف جبهات جيوش المساليت والضغط عليها، إلا أن هذه القبيلة أعدت لكل الاحتمالات الممكنة حتى كسبوا هذه المعركة أيضاً بسحق القوة الفرنسية، بعد هذين المعركتين خاب كل آمال الفرنسيين من نصرهم على المساليت، وبالتالي رجعت بقية هذه القوة إلى مستعمراتها حتى خططوا خططاً جديدةً لهم لخوض معركة فاصلة وقاهرة ضد سلطنة دار المساليت، والسبب الرئيسي يترك الفرنسيين يقاتلون المساليت بهذه الشراسة والانتقام، هو أن منطقة دار المساليت وما جواورها على حسب الاتفاق الأوروبي في تقسيم القارة الإفريقية، حيث أن دار المساليت وقعت من ضمن نصيب النفوذ الفرنسية، لأجل ذلك نجد الأبراطورية الفرنسية كانت تحارب المساليت بشراسة شيدية حتى وصلت لدرجة الإنتقام من المساليت، في المقابل إن أنباء المساليت قاتلوا بأكثر سراشة حفاظاً على وطنهم الحبيب، (وحيب الوطن من الإيمان).
    المعركة الثالثية: وهي الأخيرة والحاسمة
    بين المساليت والفرنسيين في عام 1912م:
    وقعت هذه المعركة الأخيرة والحاسمة بين المساليت والفرنسيين في عام 1912م، في شرق مدينة (الجنينة) أيضاً بمنطقة (دِرِجِيْلْ) الشهيرة، التي يتغنى بها شباب وحسنات المساليت على طول دار المساليت وعرضها، بل في كل مناطق المساليت المختلفة في مناسباتهم بأمجادها وأفضالها إلى يومنا هذا.
    فقد كانت نتائج معركة (كِرِيْدِنْقْ ودُرُوْتِيْ لعامي 1910ـ 1911م) التي أبيد فيهما الجيش الفرنسي بأكمله حتى أمسك قائده ثم ذبح، فكان ذلك مخيباً لآمال الفرنسيين حيث استقبلها المجتمع الفرنسي الكثير من الإحباط والدهشة، لذا استعد الفرنسيون لمعركة ثائرة تأديبية ترد للمقاتل الفرنسي هيبته وتدخل الخوف والهلع في نفوس الأفارقة الذين لا يستحقون إلا الاسترقاق والاستعمار لكي لا يكون لديهم مرة أخرى أي تفكير ضد المستعمرين الأوروبيين في هذه القارة السوداء.
    أما المساليت في المقابل رأوا أن الفرنسيين قصدوا خلعهم من ديارهم عنوة ومن ثم تشتيتهم في جميع أصقاع المنطقة ليصيروا مثالاً للذل والهوان وأخذهم عبيداً، وقد ينقلونهم إلى أوروبا وأمريكا، وحتى يكونوا عبرة للذين تسول لهم نفسهم لمنازلة المحارب الأوروبي، هكذا استعدت القوة الفرنسية لمعركة (دِرِجِيْلْ) الثائرة، استعداداً لم يتركوا وسيلة للدمار يومها إلا أن أحضروها لأنهم حسبوا هذه المعركة أنها سوف تكون الفاصلة النهائية.
    وفي المقابل حسب أيضاً المساليت لذات المعركة حساباتها الخاصة، فجمع السلطان والقائد العظيم تاج الدين أبكر إسماعيل، سلطان عموم المساليت، جيوش أبناء المساليت قاموا بجمع من كل حدب وصوب، وكل من يستطيع لحمل السلاح وخوض هذه المعركة كما أنهم استفادوا طاقتهم من الأسلحة التي استولوا عليها من المعارك السالفة (كِرِيْدِنْق ودُرُوْتِيْ) وقيل أن السلطان المناضل قائد الجيش الشجاع سلطان عموم المساليت، قد رد على رسالة قائد الحملة الفرنسية الكولونيل (موذات) باللهجة التهكمية والإستفزازية برد جملة واحدة هي (انصرف أيها الكافر وإلا فإن أسود المساليت جوعى وعطشى للشهادة وهم الآن في انتظارك) فدارت المعركة حامية الوطيس وصارت سجالاً، وهذه المعركة كانت مختلفة تماماً كل الإختلاف من ساباقتها حتى قيل أنها استمرت لأيام عديدة، فكالعادة استطاعت جيوش المساليت أن تقضي على الحملة الفرنسية عن بكرة أبيها وقتلوا أيضاً قائدها المتقطرس (موذات) ذبحاً كالشاه بعد أسره.
    يقول أجدادنا الذين حاربوا الاستعمار الفرنسي أنهم كانوا من ضمن الخطط التي أعدوها لهؤلاء الغزاة، (والحرب خدعة طبعاً)، حيث أنهم كانوا كلما يأسرون جنداً من جنود العدو يذبحونونه ثم يشوونه على النار كالشاة، ثم يتركون للسباع لكي تأكل هذه اللحوم تخويفاً لهم، ففزعت جيوش العدو بإعتبار أن المساليت يأكلون جنودهم واستدلوا بقول السلطان لقائدهم (فإن رجال المساليت جوعى وعطشى..الخ) فمن تبقى دخل فيهم الرعب والهلع ففروا هاربين خاسئين، ولكن في المقابل فقدت جيوش المساليت الآلاف من الشهداء وعلى رأيسهم سلطان وقائد عموم القبيلة.
    فدفاعات وهجوم المضاد في أمام الفرنسيين وضعتهم يفكروا في فتح أكثر من جبهة في آن واحد لإضعاف وتشتيت قوات المساليت، حيث فتحوا جبهة (هَبِيلاَ كَنَارِيْ) في بجوار هذه الجبهة العريضة التي تقع بضعة كيلو مترات جنوب شرق جبهة (دِرِجِيْلْ) التي كانت تستعر حينئذٍ، إلا أن هذه الجبهة الجانبية أيضاً كانت وجدت دفاعاً عنيفاً من القوات الوطنية، لأن هذه القوات كانت تحسبت لمثل هذه الجبهة، ولم تتأثر في خططهم القتالية، بل بدأت مطاردات على الجيوش الفرسية في أدغال وغابات وصحاري ووديان دار المساليت إلى أن وصلت حدود دار (وداي) بداخل الأراضي التشادية الحالية.
    القوة الفرنسية وبعد هذه المعارك الطاحنة الشرسة لم تجد من هذه المحاولة الاستعمارية، بل الإنتحارية، إلا النكسات والهزائم المتتالية، وفي المقابل أن إمتداد الأمبراطورية الإنجليزية قد وصلت في حينه تخوم (سلطنة علي دينار) سلطان عموم قبيلة الفور بمدينة (الفاشر) وكان من مصلحة الأمبراطورية الإنجليزية أن تجد قوة محلية توقف التمدد الفرنسي بالمنطقة.
    وبعد مقتل السلطان (علي دينار زكريا) سلطان عموم الفور، في عام 1916م في يد الأمبراطورية الإنجليزية إبان الحملة الإنجليزية على السودان عموماً وعلى دارفور خصوصاً فرفض السلطان (علي دينار زكريا) أن يطاوعهم على خلع بيعة سلطان المسلمين بالدولة العثمانية في إسطمبول، وبعد حادثة مقتل هذا السلطان المناضل ببضع سنين أرسلت الإدارة الإجنليزية وفداً بالإشادة لسلطان بحر الدين أبكر إسماعيل، سلطان عموم دار المساليت بهذا النضال الجبار، وأنهم يقومون بمد يد الإخاء والتحالف بينهما وكما أنهم يقومون بالتوسط بين المساليت والفرنسيين لانهاء هذه الحرب، فبدأ السلطان الجديد/ بحر الدين ابكر إسماعيل، تأييده ولكن بشروط إدارة المساليت عليهم وعلى الفرنسيين.
    اتفاقية (قُلاَنِيْ) يقصد بها بلغة المساليت
    (خذها واحتفظ بها) التي تمت في عام 1920م
    بعد هذه المعارك الوطنية الكبيرة والحاسمة المصيرية انصرف الاستعمار عن ديار المساليت، بل اتفقت الأمبراطورية الإنجليزية والفرنسية في رسم الحدود بين دار المساليت ـ السودان الحالي ـ والسوداني الفرنسي (دولة تشاد الحالية) واتفقت إدارة دار المساليت والإدارة الإنجليزية والفرنسية على أن تظل منطقة دار المساليت حرة مستقلة، بل محمية من الإدارة الإنجلزية والفرنسية، وأن يكون لمساليت مطلق الحرية في أن ينضموا إلى السودان الحالي أو السودان الفرنسي أو يبقون على الحياد، وبالتالي استطاع المساليت بشجاعتهم وفدائيتهم ونضالاتهم الجبارة النادرة ـ والتي أهملها التاريخ ـ وهم الذين اسطاعوا أن يوقفوا الزحف الفرنسي إلى السودان ويدمرون عدته وعتاده ويبيدون مقاتليه، وهو الأمر الذي جعل لهم عند كل المستعمرين والقبائل المجاورة لهم المهابة والإحترام والتبجيل.
    هكذا تم توقيع اتفاقية المصالحة، وهي تلك الاتفاقية التي يسمونه المساليت باتفاقية (قُلاَنِيْ) والذي يقصد بها بلغة المساليت(خذها واحتفظ بها) التي تمت في عام 1920م، والتي بموجبها مددت قبيلة المساليت لديارهم وبكامل حريتهم، ولكنهم تنازلوا عن الجزء الغربي من دار المساليت للفرنسيين، والتي تقع الآن في دولة تشاد الشقيقة والذي فصل بموجب هذه الاتفاقية بمحافظة (أََدِرِيْ) الحالية التي ضمن حدود بين السودان وتشاد الآن، وهذا هو الذي حقن الدماء بين القوتين المتحاربتين آنذاك، وعلى أساسه اشترطت سلطنة دار المساليت على أن يعامل أبناء المساليت الذين وقعوا في الشطر الغربي بتشاد بنفس الاحترام والتقدير والتبجيل الذي يجدونه من الفرنسيين والإنجليز في دار المساليت.
    وعندما توغلت الأمبراطورية الإنجليزية على جزء كبير من السودان حتى وصلوا إلى ديار سلطنة (الفور) عندها سلطنة (علي دينار) سلطان عموم الفور بالفاشر، وكانت الأمبراطورية الإنجليزية طامعة بإزالة هذه السلطنة بالقوة وبالتالي استعد سلطان (علي دينار) للحرب ضد الإنجليز دفاعاً عن سلطنته العتيقة، ولكن بعد معارك طاحنة سقطت هذه السلطنة (علي دينار) في عام 1916م، وبعد سقوط هذه السلطنة في يد الإنجليز، لم يدخل الإنجليز في سلطنة دار المساليت بنفس الطريقة والعقلية القتالية، بل درسوا جيداً تاريخ المساليت واستوعبوه تماماً ثم استحدثوا طريقة جديدة للتعامل مع قبيلة المساليت عن طريق السياسة العاطفية اللينة، والتي بموجبه أرسلت الأمبراطورية البريطانية إلى سلطان دار المساليت وفداً استطلاعياً في عام 1918م، لمعرفة رأي السلطان/ بحر الدين أبكرإسماعيل، خلف السلطان (تاج الدين إسماعيل عبد النبي) على أساس أن هذه الأمبراطورية ليست كالفرنسيين، بل أنها لا تريد من المساليت إلا الحلف بينهما فرحب سلطان دار المساليت بهذه الخطوة الحميمة، ثم في عام 1919م دخل الإنجليز في دار السلطان (بحر الدين ابكر إسماعيل) لأجل إبرام اتفاق معاهدة حلفي بينهما ووافق السلطان بشرط عدم التدخل في إدارة شئون دار المساليت، فوافق الإنجليز والفرنسيين بهذا الشرط، واشترطوا هم أيضاً على السلطان، على أن تظل منطقة دار المساليت منطقة محايدة تتعاون مع الإدارة الإنجليزية، وعندئذٍ كانت هذه الدول قد خرجت من الحرب العالمية الأولى واستنذفت قدراتها المادية والعسكرية معاً،ً وحتى على الأقل كانت غير مستعدة لخلق عدائيات لها بالمنطقة، بل كان الإنجليز يبحثون عن التحالفات القبلية القوية بالمنطقة حتى إذا ما نشبت حرب دولية أخرى أن تقف معها كل الحلفاء، فبموجب هذا الاتفاق مع الفرنسيين والحلف مع الإنجليز أصبحت سلطنة دار المساليت منطقة مستقلة ومحايدة ومحمية من قبل الإدارة الإنجليزية والفرنسية، إلى أن خرج الاستعمار من القارة الإفريقية نهائياً.
    ووفقاً لهذا الحلف الثنائي فإن سلطنة دار المساليت تعد أول منطقة تطبق عليها الحكم الذاتي في السودان وهذه هي الحكمة السياسية التي تمتعت بها الإدارة الإنجليزية مع بعض الشعوب في المنطقة، بخلاف الإدارة الفرنسية التي كانت تستخدم القوة العسكرية ضد كل الشعوب لإخضاعها تحت إدارتها.
    وكان نظام الإدارة الذاتية لدار المساليت كانت تشابه نظام الإدارة الذاتية في مملكة يوغندا التي وقعت تحت الإنتداب البريطاني آنذاك، لأن هذه الإدارة رأت أن تطبق فلسفة الحكم الغير مباشر على بعض المناطق التي تقاوم الاستعمار ما إن نجحت هذه الفلسفة الجديدة سوف تطبق في أماكن أخرى من المستعمرات الإنجليزية في السودان وغيرها، وعندما نجحت بالفعل هذه الفكرة تم الترويج لها، من نيجيريا والهند حتى المحميات التسعة في الخليج، وهي البحرين وقطر والإمارات السبعة التي نشأت مأخراً دولة الإمارات العربية المتحدة.
    لأجل هذه النظرية تجنبت الإدارة الإنجليزية أن تكون لديها وجود ملحوظ داخل (الجنينة) وهي العاصمة الجديدة لدار المساليت بدلاً من العاصمة القديمة (دِرِجِيْلْ) ومن ثم أسست الإدارة الإنجليزية حامية عسكرية عند دخولهم في دار المساليت من الناحية الشرقية عندها مدينة (كريدنك) شرق الجنينة بـ (100) متر تقريباً، في عام 1919م، ثم بعد سنتين تقريباً، وبالتحديد في سنة 1921م وبعد أخذ الموافقة من سلطان بحر الدين أبكر إسماعيل، سلطان عموم دار المساليت، انتقلت الإدارة الإنجليزية إلى داخل المنطقة بـ (أردمتا) شمال شرق مدينة (الجنينة) فظلت تلك القاعدة حتى جلاء الجيش البريطاني، فاعتمدت الإدارة الإنجليزية على الإدارة المحلية إعتماداً اساسياً بداخل مدينة (الجنينة) في يد سلطان عموم دار المساليت، وهذا عند حكم الإنجليز لدارفور.
    ثورة الإمام والقائد المناضل (عبد الله السحيني):
    قامت الأمبراطورية البريطانية باستعمار معظم الجزء الغربي من السودان بعدما احتلت السودان النيلي، حتى أن وصلت إلى تخوم سلطنة (علي دينار) ثم احتلتها بعد معارك ضارية واستشهاد السلطان علي دينار دفاعاً عن سلطنته، ثم اتجهت الاحتلال الإنجليزي نحو جنوب دارفور لمزيد من المكاسب، فقام القائد المناضل (السحيني) في جنوب دارفور، وهذا القائد من قيادات أبناء المساليت وكان متحمساً جداً للمقاومة الوطنية ضد الإنجليز، حيث جمع أبناء من قبيلته وعشيرته من المساليت من منطقة (القريضة وجوغانة) وما جاورهما التي تتبع إدارة قبيلته، ثم طرح لملك المساليت بهذه المنطقة فمن جهتهم أبدوا إرتياحهم بهذا الطرح، وبالتالي وجد عندهم الاستعداد الكافي بالدعم للمجهود الحربي ضد الإنجليز، لأنهم كانوا يعلمون بأن أهلهم في دار المساليت ـ بالجنينة ـ يقاومون الفرنسيين الغزاة أيضاً، كما أن سلطان علي دينار يقاوم الإنجليز بدار سلطنته، فما كان له أي سبيل إلا أن يتضامن معهم بالنضال الوطني الحر، ثم شكل نموذجاً من جيشه ثم توجه إلى بقية القبائل بالمنطقة، إلى أن تكون لديه جيش مقدر مناضل من شتى قبائل المنطقة وبدأت المعارك عنيفة مع الإنجليز بأسلحة بدائية جداً من حراب (رماح) وسفاريك وعصي وغيرها من الأدوات مخصصة للنضال، إلا أن ثورة الشيخ (السحيني) إرتجالية ولم تكن لديهم الإستعداد الكافي، ومع ذلك استطاعوا في النهاية أن يهزموا الأمبراطورية الإنجليزية في مواقع عديدة بالمنطقة وإلى أن سقط مركزهم الرئيسي بـ (نيالا) وسيطروا عليه سيطرة تامة لفترة طويلة، ولكن بسبب عدم التكافؤ في العتاد الحربي والإمدادات الكبيرة التي تتلقاها القوة الإنجليزية في الفترات الوجيزة وبالإستمرار في ذلك الوقت، والظروف العصيبة الذي عاشه هذا المناضل مع رجاله استطاع الإنجليز في النهاية السيطرة عليه بعد أن أبلى هؤلاء المناضلين الشرفاء بلاءً حسناً، بالتأكيد إن المساليت ومناضليهم القدماء من ابناء القبائل التي شاركت معهم في تلك الحروب البركانية معلومات قيمة وثمينة عن تلك النضالات منذ إندلاعها وحتى استشهاد قاداتها في مسارح المعارك على يد الغزاء الفرنسيين والإنجليز، وياليت لنا أن تسجل وتدون كل تلك التواريخ والأخبار مع قصصهم المثيرة لتوثيقها ونشرها كجزء من عمل الوطن، بل حتى تكون تلك الفصول جزءاً من الأعياد الوطنية يحتفل بها في حسب مناسباتها الوطنية، حتى تكون النضالات القبلية الأخرى إضافة حقيقية للسودان الجديد الذي يستوعب كل السودان والسودانيين مع اختلاف أعراقهم ودياناتهم مع اختلاف ديارهم المتباينة.
    نظام الإدارة في سلطنة دارالمساليت:
    لقبيلة المساليت نظام إداري دقيق ومحكم يربط أبناء القبيلة برباط موثق لا يهمل فيها فرداً واحداً وسط قبيلتهم، حيث يتكون الشكل الإداري الهرمي من السلطان الذي يعتبر القمة الهرمية الإدارية الأعلى ، ثم يليه في المرتبة التالية الفرش (أي العمد) ثم الدمالج ثم الشيوخ ثم الخلفاء، حيث نجد بدار المساليت تحت سلطنة (سعد عبد الرحمن بحر الدين) (60) (فِرْشَةً أو عمدة)، وهكذا يتكون النظام الإداري في دار المساليت في مرتكزات القبيلة المختلفة في السودان وفي الجارة (تشاد)، أما في السودان هناك أماكن أخرى تتمركز فيها القبيلةبخلاف مركز المساليت الأصلي، منها (الجنينة) في يد إدارة السلطان (سعد عبد الرحمن بحر الدين) وفي (القِرِيْضَةَ) في يد إدارة الملك (محمد يعقوب) وفي (جُوْغَانَةَ) في يد إدارة السلطان (عبد الرحمن بخيت) الحاليين.
    ويتواجد المساليت بإداراتهم الأهلية في منطقة (أُمْ دُخُنْ) و(تِيْسِيْ) و(أَمْ دَافُوْقَ) و(طُوَالَ) و(أُمْ تِكِيْنَةَ) بجنوب وغرب دارفور.
    وهناك إدارة أهلية كبيرة أخرى تتبع لقبيلة المساليت بإقليم شرق السودان بدأً من محافظة القضارف حتى جنوب وشرق هذا الإقليم متاخمة مع الحدود الإثيوبية الإريترية، وهي تقل عن إدارة (الجنينة) ويقدر سكانها بأكثر من مليونين نسمة، وكما يتواجد المساليت في مدينة (سِنَّارَ والدَّمَازِيْنَ وكُوْسْتِيْ) بإقليم الأوسط (الجزيرة)، وجنوب كردفان (جبال النوبة) ويتواجد المساليت بكثافة شديدة جداً في مدينة أمدرمان والخرطوم بحري والخرطوم و (جزيرة أبا) ، الذين غالبيتهم من ضمن الذين ناضلوا في الثورة المهدية في القرن التاسع عشر، ولقبية المساليت وجود مقدر بدولة تشاد الشقيقة ولم تختلف عاداتهم وتقاليدهم وإدارة منطقتهم عن ما يمارسونه في السودان في أماكنهم المختلفة.
    ولقبيلة المساليت قد انتظمت في إدارة ديارها بدار المساليت قبل أن ينتشروا في أماكن أخرى، لقد أكدت لنا مخطوطات تاريخية بأن هذه القبيلة شاركت أيضاً في كثير من الأعمال النضالية في بقاع مختلفة من المنطقة قبل دخولهم الحروب مع الفرنسيين في القرن التاسع عشر، وتلك هي بدأً من الأندلس والمغرب العربي ودولة الكانم والبرنو والبرقو والدولة المهدية على حسب تواريخ حروب القارة الإفريقية المختلفة، ثم استقر بهم الحال عن طريق الهجرات الداخلية في أماكنهم الجديدة الحالية بدلاً عن مركزهم الأصلي بدار المساليت (الجنينة) بفترات متفاوتة وذلك طلباً للفرص الأفضل والاستقرار السياسي. ونحن هنا نوضح تسلسل سلاطين المساليت في تاريخهم الحديث حتى الآن على الترتيب التالي:
    1- السلطان/ هجام حسب الله 1874-1883م
    2- السلطان/ إسماعيل عبد الله 1883- 1888م
    3- السلطان/ أبكر إسماعيل عبد النبي 1888-1905م
    4- السلطان/ تاج الدين إسماعيل عبد النبي 1905- 1910م
    5- السلطان/ بحر الدين ابكر إسماعيل 1910-1951م
    6- السلطان/ عبد الرحمن بحر الدين ابكر 1951-1998م
    7- السلطان/ سعد عبد الرحمن بحر الدين 1999م حتى الآن
    نشاطهم الاجتماعي والاقتصادي:
    تعتبر تكاليف الزواج عند قبيلة المساليت من ايسر التكاليف واقلها، فزواجهم مبني على أسس الكتاب والسنة، وعلى مذهب الإمام مالك رضي الله عنه، والقبيلة تشجع أمر الزواج لأفرادها، ومقدم على الزواج يجد العون من كل افراد الأسرة، ولكنهم يحبذون زواج داخل الأقارب، وإذا جاء شحص من خارج الأسرة لا يرفضونه على الإطلاق ولكنه قد يخضع للمنافسة الشريفة مع شخص آخر يطلب نفس البنت التي هو طلبها، ولكن هذه القبيلة تشدد في فحص عن الشخص الذي يريد أن يتقرب إليه ويصاهرهم، من سلسلة أصوله (أبويه) وفروعه أيضاً أخلاقياً أوأدبياً ودينياً، كما لا يباطئون في الزواج على الإطلاق في شخص الذي يطلب الزواج من أسرة البنت وهو شيخ ديني (فقيه) وخاصة حفظة القرآن الكريم، وإذا ما عاشروا شخصاً ما، حتى ولو هو من خارج القبيلة وعرفوا أن أخلاقه طيبة وطلب يد المصاهرة، سرعان ما يلبون طلبه، ولا يرون أن الجانب المالي عائق بينهم، المهم يمتاز الشخص أدبياً أوأخلاقياً ودينياً، وهو العمل بقاعدة (إن الله لا ينظر إلى صوركم ولا إلى أجسامكم ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم..) صد الله العظيم.
    وكذلك ميسر بينهم في أمر الديات إذا حدثت شجار أو خطأ الذي إن أدى إلى وفاة فرد منهم، حيث يرفع إلى أعيان القبيلة يسمونهم (الأًجَاوِيْدُ) وهم يقررون بالأعراف المتفق عليها، وإلا تعرض الأشكالية إذا تجاوزت قدرات هؤلاء الأعيان إلى شيخ البلد الذي له الحق أن يفرض بعض العقوبات والغرامات للذي تجاز عرف الإدارة المحلية، وإن استعصت الأمور ترفع إلى الفرشة وإذا لم يستطع الفرشة حل القضية المعروضة عليه يقوم هو والفرشة والشيخ معاً برفع التقرير إلى السلطان، سلطان عموم دار المساليت بالجنينة، وهذه الدرجات كلها تعتبر محاكم أهلية عرفية بحتة توارثت إدارة دار المساليت.
    وبهذه الإدارة المحكمة الشفافة، لا تكاد تجد بين المساليت إشكالية (الثأر) أبداً كما يحدث في بعض القبائل بالمنطقة، وهذا راجع لتشبع أفراد القبيلة بعاداتها وتعقاليدها السمحة.
    والمساليت مزارعين (فلاحين) من الطراز الأول، وهم مستقرون في ديارهم الثابتة وكل أراضي دار المساليت خصبة يزرعون الذرة الرفيعة (الدُّخُنْ والمَارِيْكْ) والسمسم والفول السوداني والبامية والطماطم والشطة والكَرْكَدِيْهْ وكثير من المحصولات الزراعية والنقدية، كما أنهم خبراء في تلقيح أشجار الفواكه، من المانجو والجوافة والبرتقال والفافاي وغيرها من الفواكه الموسمية، فأراضيهم ومناخهم شديدة الخصوبة لأن مناخهم وحالة طقسم المعتدل يساعدهم على ذلك، لأجل ذلك يزرعون أراضيهم عن طريق الزراعة المطرية وقليل من الزراعة المروية، على شواطئ ومسايل وديانهم الموسيمية المتعددة، وذلك بالطرق البدائية المتخلفة، لأن كل الحكومات التي مرت بالبلاد تجاهلت حقوقهم تماماً ولم توجه في كيفية تطوير العمل الزراعي والصناعي.
    والمساليت أيضاً يمتهنون حرفة الرعي لأنهم يربون المواشي الأليفة المختلفة ومن كل أنواعها، من الأغنام والأبقار والجمال والخيول والحميروغير ذلك، ولكن بالطرق البدائية التي ورثوها من أجدادهم السابقين، إلا أن كل الحكومات التي تعاقبت على البلاد منذ الاستقلال إلى الآن تعمدت في تجاهل تطوير البنية التحية في مناطق المساليت المختلفة، ونحن كغيرنا من أبناء المناطق المهمشة في السودان ذقنا التهميش في كل شيء، في التعليم والصحة والطرق والكباري وفي التمثيل العادل في السلطة والثروة، لأجل ذلك المساليت الآن رفعوا السلاح ضد توجهات الحاكمين في المركز طلباً لحقوقهم المشروعة.
    أفراح المساليت في حياتهم الاجتماعية:
    أبناء قبيلة المساليت لهم أفراحاً متميزةً جداً كمثيلاتهم من قبائل المنطقة حيث لهم أفراحهم الخاصة، في العرس والطهور، حيث يشهدون الكثير من الالعاب الشعبية، كـ (النُّقَّارَةِ والدِّنْقِرْ والكُرُمْ وأَنْجِلِيْلاَ) وغيرها، والمساليت مشهورون بالمشاركة والمساهمة الجماعية في كل شئون حياة العون كالنفير والقنص. وفي الأفراح والأكره على حد سواء.
    ولهم عادة جميلة أخرى، حيث أن القرويين بالذات يخصصون يوماً أو أكثر من كل أسبوع للقنص في الحيوانات البرية كالغزلان والدجاج البري والوز والتيتل (البقري الوحشي) وغيرها من الحوانات البرية، كما يقومون بصيد الأسماك في البحيرات والمستنقعات المائية في بلادهم، كما أنهم يقومون بتطعير بعض الغابات من الوحوش المفترسة، سواء كانت تفترس البشر أو بهائمهم الأليفة، وهم يتمتعون جداً عندما يقومون بمثل هذه الأنشطة الحية ويعتبرونها من باب المبارزات وتجارب القدرات الشخصية بين الأفراد، بل هذا يعتبر من باب الرياضة والفروسية.
    وأدواتهم القتالية الموروثة، هي (السَّفْرُوْكْ) وجمعه (السفاريك) (والحراب والكوكاب) وهو معمول من الحديد الصلب، وهناك آلة أخرى تسمى بـ (كرباج) يصنع من الحديد الصلب أيضاً وله رأسيين كـ (السَّفْرُوْكْ) ، ولكنه حاد كالسيف، وهناك أشكال وأنواع أخرى من الآلات الحربية لم نذكرها هنا، فإذا استهدف بآلة من هذه الآلات حيواناً أو حتى إنساناً لا يمكن أن يفلت منها، لأن السرعة الفائقة تداهمه، وإذا صادف المستهدف يقضي عليه تماماً.
    والمساليت مشهورون وبارعون جداً في استخدام آلة السفروك من حيث الصناعة والرماية، وإذا رمى الفارس المتخصص قد يتجاوز (500) متر أفقياً،أما رمي (الحربة) أو (الكُوْكَابْ) من الفارس المتخصص أيضاً رأسياً أو أفقياً قد يتجاوز مسافة الـ (150-200) متر، وبسرعة فائقة جداً.
    ولنا لقاء آخر إن شاء الله في (لمحات عن قبيلة المساليت) (كَامَسَرَا)
    النضال سيستمر بين كل من أنباء المناطق المهمشة
    أمين حسن عبد الله
    مسئول مكتب التحالف الفدرالي الديمقراطي السوداني
    بجمهورية مصر العربية
    القاهرة في 8/7/2004م
    E-mail:[email protected]























                  

07-18-2017, 10:14 AM

zainab Adam


للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: لمحات عن قبيلة المساليت (كَامَسَرَا(1)) (Re: أمين حسن عبد الله-مصر)

    الله يزيدك نور ومعرفة ، والله نورتنا ورتبت أفكارنا الله يخليك
                  


1 صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>

تعليقات قراء سودانيزاونلاين دوت كم على هذا الموضوع:
at FaceBook




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de