|
حرب الجذور بين مجتمعات التاريخ وزوار الأرض
|
في تداعيات الأوضاع المأساوية التي يمر بها السودان عبر منعطفاته التاريخية المليئة بالتشاحن بين الأقطاب الشمالية والجنوبية والشرقية والغربية وفي محور تجاذب الأطراف المتنازعة حول ما كائن وما يجب أن يكون وحول السلطة والثروة وأحقية بعض الفئات الطامعة في السيطرة على كلية السودان وار ضاخ بقية الشعوب المهمشة والسيطرة عليها بدون منازع وفي خضم ذلك يبرز لنا تساؤلات جمة منها لماذا يخسر أبناء الوطن الواحد بعضهم بعضا لو لا أن هناك خطاء ما لابد من علاجه وعلى وجه الخصوص لو كان الطرف الذي يمسك بزمام الأمور قادر على أن يعطي كل ذي حق حقه فهل يعقل أن يخسر الشماليين أبناء الجنوب بصفة عامة؟ وبصفة خاصة هل يجوز أن يخسر أبناء الشمال اخوانهم في منطقة جبال النوبة أو شعب النوبة؟ الذي تربطه صلات حميمة بمعظم الشعوب الشمالية حتى العمق الجنوبي من مصر وإذا تحدث التاريخ لوجدنا في ذلك مفارقة عظيمة. وكيف يمكن للشماليين التعامل مع أبناء منطقة جبال النوبة ضمن حدود جغرافية مستقبلا قد تصبح حرجة إذا قدر للسودان في أسوأ حالاته هي انفصال الجنوب عن الشمال إذ أن منطقة جبال النوبة ستكون هي الفيصل بين الشمال والجنوب في مجالات شتى أهمها المجال الأمني والاقتصادي وكذلك التركيبة الاجتماعية لمختلف الإثنيات المتواجدة في تلك الرقعة من الأرض والتي تعرف بالسودان المصغر وعلى الرغم من أن شعب النوبة هم العنصر الأساسي في تكوين معظم المجتمعات السودانية على أرض السودان في وسطه وشماله وجنوبه وغربه والنوبة هم العمق الحضاري والتاريخي لمكونات الدولة السودانية الحالية إذ انهم إمتدات تأريخي لغالبية المجتمعات في شمال السودان منهم الدناقلة والمحس والنوبيين في أقصى شمال السودان وجنوب جمهورية مصر العربية وهنا تجدر الإشارة إلى الاثباتات البحثية والتاريخية التي كشفت عن جوهر العلاقة و التقارب بين جميع الشعوب التي تكونت مع تواجد النوبة على أرض السودان لقد كشفت البحوث عن وجود روابط وثيقة بين جميع مجتمعات النوبة في شمال السودان ومجتمعات منطقة جبال النوبة في وسط السودان وأكثر الأدلة الدامغة على ذلك هو تقارب اللغة النوبية ( الرطانة بل وتطابق مفرداتها ) وهي مشتقة من اللغة الفتشية وتنقسم إلى قسمان لدي شعوب النوبة الأولى تعرف بالمتكي والأخرى تعرف بالفتكي وهي لغة ( الفتشية ) يتحدثها أكثر من اثني عشر إلى خمسة عشر مليون نسمة تقريبا وهم جملة شعوب النوبة في جنوب جمهورية مصر وشمال السودان ومنطقة جبال النوبة في وسط السودان في بعض الدول الإفريقية المجاورة للسودان ( كينيا واوغندا. يوجد تداخل واسع النطاق بين تلك الشعوب تداخل في اللغة بعضها البعض وتشابه في السحنة ونمط الحياة والعادات والتقاليد واستشهادا بأقوال المؤرخين أن النوبة عاشوا على أرض وادي النيل منذ أكثر من عشرين ألف سنة حيث حفل التاريخ بمشاهدة حضارة عظيمة ممثلة في ثلاث مماليك عظيمة نوباطيا، المقرة، علوة، وامتدت من الشلال الأول عند أسوان جنوب مصر حتى أواسط السودان عند سوبا جنوب الخرطوم مما يثبت عراقة وأصالة هذا الشعب الصامت. لماذا يميل أبناء جبال النوبة نحو التعاطف مع المجتمعات الإفريقية عامة وجنوب السودان خاصة؟ وقد يميل بعضهم بأفكار مستقلة نحو تكوين وحدة منفصلة عن بقية أجزاء السودان أو وكأنه ينزوي نحو التراجع عن الاندماج في المجتمع السوداني في شماله وجنوبه باحثاً عن كيان له محاولاً الاحتفاظ بما تبقى له من وجود بعد أن عصفت به الاحداث التاريخية ودنست كل مكتسباته الحضارية التي ورثها عن اجداده العظماء عبر عجلة التاريخ الجواب هناك ثمة اشياء كثيرة يشترك فيها النوبة مع اخوانهم الجنويين بصرف لنظر عن عداوتهم للظلم والقهر والاضطهاد فأهم شعوب تتمتع بقدر كبير من الشفافية في التعامل مع الأخرين بصدق وأمانه وهم شعوب محبة للسلام والحرية وفوق هذا وذاك النوبة والجنوبيون أفارقة ويشترك بعض مجتمعات الجنوب مع بعض مجتمعات شعب النوبة في الكثير من العادات والتقاليد في اسبار الكجور والتقاليد الاجتماعية وغيرها. هناك تساؤل أخر هل ميل ابناء النوبة نحو الجنوب نتاج طبيعي بسبب المعاملة السيئة التي يلاقيها أبناء جبال النوبة من الحكومات المركزية التعاقبة على دفة الحكم في الخرطوم ؟ في حقيقة الأمر يغيب عن مفهوم شعب النوبة طرق التعامل مع المجموعات الشمالية التنظيمية والشعبية في ظل ما عاشه شعب النوبة من التهميش المباشر في كل تفاعلات الحركة الثقافية والسياسية والاقتصادية من قبل الشمال تجاه مناطقهم وأهلها وكذا الشعوب المهمشة ولا ندري من أي منظور سيتعامل الساسة الشماليين مع قضايا ومشكلات شعب النوبة في منطقة جبال النوبة وبقية شعوب المناطق المهمشة بعد أن ظلت تعمل عبر السنين الماضية منفردة وتجني ثمار الدولة السودانية ومحاسنها لمصلحة أهلها ( ابناء الشمال ) دون غيرهم هل يتم علاج مشكلات المناطق المهمشة ( منطقة جبال النوبة وجنوب النيل الأزرق ودار فور) في إطار شمالي بحكم الانتماء التاريخي والقرب الجغرافي أم يتعامل الساسة مع تلك المشكلات في إطار أنها مظالم يشتكي منه شريحة من الشعب السوداني ويجب التعامل معها في حدود إيجاد طرق لطرح وسائل وآليات تمهد الطريق لحل معظم تلك المشكلات دالخليا وبطريقة مرضية تعيد لتلك الشعوب المضطهدة حريتها في ما تملك من حق الوجود والعيش في سلام وكرامة ضمن السودان الجديد الموحد ؟ إذا كانت الإجابة نعم فأنه يتعين على الساسة وملاك القرار في الشمال السوداني تقديم الكثير من التنازلات تعويضا عما سلف وعن الذي يعتبرونه حقهم في فرض السيطرة والنفوذ في السودان وتمليك شعب النوبة والشعوب الأخرى ذات الحقوق والواجبات وكذا إشاعة التوازن في التوزيع العادل للسلطة والثروة وأليات التعبير ( الثقافة وا|لإعلام ) مع بقية المضطهدين ومد جسور التفاهم والتعاون فيما بينهم والعمل على احتواء كل التفاعلات التي ترمي إلى تداعيات الفرقة والشقاق بين أبناء منطقة جبال النوبة والشماليين وإزالة كل الأسباب التي ستودي إلى تزمر الشعوب الآخرى والتي قد تجعل شعب النوبة وممن ماثله أن يعمل على وتيرة الانسلاخ من جسم الدولة السودانية ولابد للأطراف الشمالية أن تعمل أكثر على كسب رضى شعب النوبة على وجه الخصوص والاستفادة من المعطيات الحضارية المتوافرة بين النوبة ومعظم المجتمعات من الشماليين . وأما لو كان الساسة الشماليين ينظرون إلى مشكلات الشعوب المهمشة وعلى وجه الخصوص شعب جبال النوبة بأنها قضايا تندرج تحت بند مشكلة الجنوب السوداني والتي أدت إلى اندلاع تلك الحرب الأهلية الطاحنة التي حصدت جل أبناه و مزقت السودان اقتصاديا ثقافياً وحضارياً واوهنت قواه فأن ذلك يعني أن النوبة على حق إذا اندفعت مجموعات منهم على خلفية الاحداث التي اندلعت في مناطقهم نحو الجنوب السوداني وعملت بجانب قواتالجيش الشعبي لتحرير السودان بقيادة د. جون قرنق في نضالها المسلح من أجل الديمقراطية والعدالة والمساواة وكل البنود التي اندرجت في اجندة الحرب وإذا قدر للجنوب أن ينتصر ويحظى بغايات نضاله سيكون حلول مشكلات النوبة ضمن حركة التجاوب الفكري والسياسي في إطار حل مشكلات الجنوب السوداني تقاسماً عادلاً لمعالجة جميع أسباب النزاع في السودان وما تم في نيفاشا يوم الأربعاء 26 مايو 2004م على حسب تقديري الخاص لم يكن نهاية الطريق بل هو تمهيد يوسس عليه ثقافة مطالب الحقوق بطرق سلمية أكثر تحضرا بعيدا عن حفر الخنادق وحمل السلاح والاحتراب . ومن ناحية أخرى إذا استمر العناد الشمالي في تكبره وتجبره ولم يستجب الشماليين لمطالب تلك الشعوب المهمشة قد يفضي النزاع إلى فصل الجنوب عن الشمال مشتملاً منطقة جبال النوبة بكل ما فيها من خيرات. بشرية وطبيعية في هذه الناحية يخسر الشماليين أهم قاعدة من قواعد أسس تكوين الدولة السودانية الحضارية والقومية وتنكسر شوكة الشماليين بفقدهم عمقهم التاريخي في مصدر القوة البشرية والاقتصادية وصلة الدم واللغة تلك هي أهم ركائز العلاقة بين الشماليين وشعب النوبة وبتفككها يفقد السودان أسمه ولونه وذوقه ومزاجه وأمنه.** وهناك ثمة دوافع جمة يمكن أن تدفع بشعب جبال النوبة بشدة نحو الجنوب والتنازل عن حقهم في ملكية أرض الشمال والتضحية بالتاريخ ومآثره العظيمة في تكوين دولة السودان منذ التنشئة الأولى. ونلمس مما ندرك من مبررات عدة أهمها هو أن شعب النوبة في تكوينه وطباعه السمحة عاش دائماً يدين بالولاء لأي حكومة أو أي حركة وطنية من أي نوع تنشأ من أفعال أبناء النخب والشماليين الذين دأبوا على الدوام يتمرقون على رماد العروبة الذي نصبوه ديناً ودنيا وأصبح اكبر همهم أن يهمن هذا العرق العربي على كل شي في أرض السودان وعلى الرغم من أنهم قد يعلمون أن ذلك خطاءً فادح في تاريخ البشرية أن يعمل نفر من الناس على تدمير جنس من البشر قدر الله له أن يكون إنسان يتمتع بكافة حقوقه الآدمية في الوجود فينسى أن الله قادر أن يفني من يريد فناه من غير حرب وأن الله يحي العظام وهي رميم. يقع فداحة هذا الخطاء التاريخي ونتائجه المشينة على عاتق القائمين بأمر السلطة في الدولة السودانية حيث قاموا باستغلال طبيعة الشعب السوداني كله الذي عاش على السلم والمسامحة والتآلف، وجاء كل من زار هذه الأرض الطيبة وجد أهلها طيبين مسالمين من هنا طابت له نفسه والمقام فيها إلى الأبد وكان عليه أن يشكر ويبذل المعروف إذ ليس من الفضيلة والشجاعة أن يكون جزاء أهل هذه الأرض الجحود والنكران . ونشهد بأن هناك مجموعات تكالبت عرقياً وابتدعت حربً شعواء ضد الجذور وفضلت أن تعظم عصبيتها على لأخرين وفي سبيل ذلك تجاهد مستميتة في إلغاء وجود الآخرين ومصادرة حقوقهم وأن أولئك الذين يحاربون للدفاع عن عصبيتهم إنما يحاربون وحدة السودان ويعملون على تقسيمه وتفتيته نشهد ذلك في تداعيات الأحوال التي آلت إليه الدولة السودانية ولقد برز العديد من المجتمعات تبحث عن ذاتها دون الآخرين وأن اللوم يقع على من ذكرنا من قبل وهم سادة السودان وممن سنحت لهم الفرصة في تملك مقاليد السلطة** هولا الساسة يسوسون الدولة بنكران ذاتها والتنصل عن أصلها الإفريقي وينتزعون من الشعب هويتهم على الرغم من أنهم يقيمون على أرض أفريقية وأنهم بذلك يكونوا قد أشعلوا فتيل الحرب ضد الجذور وبني وطنهم الذين أمنوهم على أرواحهم وممتلكاتهم وتركوا لهم الفسيح من الأرض أن يسكنوا فيها وكذلك يسترزقون منها وفوق كل هذا وذاك أن هولا هم العلماء والرؤساء وأصحاب السطوة والنفوذ وأصابهم الله بالخيرات الكثيرة مالم يصب بها غيرهم من بني الوطن ولكنهم لم يقنعوا بذلك بل تعالوا وتكبروا وتطغوا وساقهم الطمع إلى النظر بعين الحسد والتفكر في وسائل يعملون بها على تدمير غيرهم ومحوهم من الوجود. وأن وقوف ابناء شعب النوبة بجانب الحكومات المركزية التي توالت على سدة الحكم في الخرطوم وصمتهم وصبرهم طيلة المدة الماضية ذلك ليس ضعفاً منهم أو جهل بحقوقهم بل لإيمانهم بوحدة السودان شعبا وترابا وحرية المواطنة وطمعاً في أن يعي الشماليين أهمية مشاركة جميع المواطنين في الحقوق والواجبات وفي الممارسة الديمقراطية في حياة هادئة مستقرة ينعم فيها كل الناس بالأمن والسلام والرخاء والبذل والعطاء, ولا شك أن تلك المباد والأهداف السامية هي التي تدفع بالوطن والمواطن إلى الأمام. علاوة على أن شعب النوبة هم أول الشعوب الأفريقية التي تعاطفت مع العروبة والإسلام وأكثر الشعوب تأثراً بالثقافة العربية والدليل على ذلك واضح هو أن معظم شعب النوبة في مختلف مناطق جبال النوبة اعتنقوا الإسلام عن قناعة تامة ورضى نفس دون أن يبذل الشماليين أي ممن يتنادون بالعروبية في السودان أي جهد يذكر في سبيل الدعوة على رغم من أن التبشير المسيحي كان نشطاً في أرجأ كثيرة من السودان في وقت من الأوقات حين كان دعاة العروبة منغمزون في الشهوات وجمع المال بشتى السبل ومن اي مصدر لم يظهر حينها دعاة العروبة وكان الشعب السوداني بمختلف مجتمعاته الإفريقية النوبة والجنوبيين يعتنق الإسلام وينتقل من حياته البدائية مستقبلاً الأديان السماوية وعلى رأسها الإسلام في هدؤ تام بدون مناكفة أو مغالطات ولم يقم نافخو أبواق الجهاد والدفاع عن الإسلام بأي جهد في سبيل الدعوة ولم يصل إلى مناطق جبال النوبة حتى اللحظة دعاة من الشمال كي يعلمون الناس تعاليم الدين الإسلامي الحنيف ( ونحن في أنتظار تعليلم العقيدة الصحيحة ) ويعود الفضل لنشر الإسلام في تلك المناطق التي اتصفت بالمهمشة إلى الله سبحانه وتعالى أولا ثم مجهودات أبناء النوبة الذين كان لهم الأثر البليغ في تثبيت الدين الإسلامي في مناطق جبال النوبة على سفوح الجبال ووديانها يأذن الناس ويصلوا ويصموا رمضان ويذبحون الاضاحي هذا فضل كبيرأ من الله سبحانه وتعالى وذلك نتيجة لأسفار ابناء النوبة الموسمية نحو الشمال لزيارة المدن المضيئة بالكهرباء وفي ذلك كانوا يكتسبون تعاليم العقيدة ويتلمسوا جدران الحضارة والمدنية حيث تعلموا اللغة العربية بالمحاكاة فتحدثها بأفضل مما يتحدث بها الكثيرين ممن يدعون العروبة الآن كما تعرفوا على القليل من تعاليم الإسلام وعادوا بها إلى مواطنهم كما عادوا إلى أهليهم ببعض العادات العربية كمراسم الزواج وغيرها وأهم ما جأوا بها هي اللغة العربية ومن هنا غير النوبة أسمائهم النوبية إلى الأسماء العربية والتي تمثل صدق انتمائهم وانحيازهم إلى العرب مع الاحتفاظ بهويتهم الإفريقية التي اصبح دعاة العروبة في السودان يشنون الحرب عليها عملاً على إقصائها ومحوها من الوجود. والنوبة لا يعرف لهم وطن غير هذا السودان بأثره فأصولهم ضاربة في جذور تاريخ السودان وهم دائماً يزودون عنه ويدفعون كل ما لديهم من أجل الحفاظ على ما تبقى لهم من أراضيهم الغالية التي تجسم في وسط الدولة السودانية وأدل شاهد على ذلك تلك المساحة الشاسعة التي تعرفها التاريخ باسمهم جبال النوبة أو تلال النوبة الاسم الذي يرمز على قدم تواجد شعب النوبة في تلك المنطقة ولم يكتب التاريخ احد من ابناء النوبة. وتسمى منطقة جبال النوبة نسبةً لأهلها شعب النوبة، ( منطقة جبال النوبة) ويسكنها نحو أكثر من ثلاث مليون نسمة في مدنها الكبرى الدلنج وكادقلي وهيبان وغيرها ونحو أكثر من سبعمائة وثمانية وخمسون قرية كبيرة ومائة ستة وأربعين قبيلة نوبية ذلك حسب تقرير شامل للجنة محاربة العطش التي جابت اقليم جنوب كردفان في عهد حكومة المشير جعفر نميري ( حكومة مايو وبرنامج محاربة العطش ) وهناك نحو اكثر من مليون نسمة منتشرين في مدن السودان المختلفة ناهيك عن الاعداد الكبيرة التي اندمجت في مختلف الأعراق السودانية الأخرى وفي مختلف مدن السودان. يعيش مع شعب النوبة في منطقة الجبال مجموعات من القبائل العربية المسيرية والحوازمة والرزيقات ومجموعات من الفلاته وهم في أصل أفارقة ومجموعات أخرى هم عبارة عن خليط من العناصر العربية والإفريقية التي وفدت إلى السودان منذ فترة وكل هذه المجموعات كانوا في تعايش سلمي تام بل وبين بعضهم ببعض تصاهر وتداخل اسري وحياة سعيدة جدا حتى بدأت بينهم المشاكل في عهد حكومة المجلس العسكري الانتقالي المؤقتة بقيادة الفريق أول عبد الرحمن سوار الذهب في مارس 1985م وتعاظمت تلك المشاكل بعدما تسلمت الحكومة الديمقراطية الثالثة زمام الامور برئاسة السيد الصادق المهدي في مارس 1986م وتعاظمت اكثر فأكثر في عهد حكومة الانقاذ بقيادة الفريق أول حسن البشير عندما بدأ بعض قادة من النظام الحاكم في الخرطوم في بث الافكار المسمومة بين أبناء الاقليم وينتهجون سياسات العنصرة والتشرزم وافتعال الجهاد ضد النوبة ولعل القاريء الكريم يعلم ما ألت أليه الأمور في منطقة جبال النوبة ومراحل التحول من السلام إلى الحرب وكيف أن الأمور تغيرت بسرعة الرياح عندما تدفع النار في العشب اليابس كانت تلك هي الشرارة الاولى والتي اشعلت نار الحرب والدمار وخربت الديار شردت الناس . لم يتوانى شعب النوبة في أن يقدم كل ما هو غال ونفيس في سبيل الحفاظ على وحدة تراب السودان وظل يحارب من أجل ذلك في كافة الجبهات إلى اليوم وضحى بالكثير من أبناءه في حرب الجنوب ضد الشمال وفي حروب أخرى استخدم فيها النوبة كدرع واق يحتمي من خلفه الجناة واصحاب الأجندة المخفية أولئك الذين تغلغلوا في أروقة النظام من أجل حصد المصالح الخاصة بهم كمجموعات أو أفراد. أكثر الشعوب التي ضحت من أجل السودان شعب النوبة فهم ضحايا الكثير من الحركات التفاعلية التي نشطت في السودان فيما يعرف بالصراع حول السلطة والثروة والنفوذ وذلك يتمثل في الانقلابات العسكرية التي كان يستخدم فيها النوبة لتنفيذها وفي حال فشلها يحمل النوبة أوزارها ويقع عليهم العقاب وتصفيتهم جسدياً خارج نطاق القانون كما حدث في انقلاب حسن حسين عام 1975م وفي معظم الحالات يتم وصم النوبة بالنعوت المشينة وعلى وجه الخصوص عندما يظهر في تلك الانقلابات واحد من أبناءهم سرعان ما يطلق الإعلام الرسمي على ذلك الانقلاب اسم ( حركة عنصرية ) وحتى إن كان مدبري ذلك الانقلاب وعلى رأسه أشخاص أو شخوص من أبناء الشمالية والهدف من ذلك هو فرض حرب نفسية لإضعاف شعب النوبة بتشويه صورتهم في أنظار المجتمعات السودانية الأخرى. وهكذا النوبة ضحايا في كل أزمات السودان المدنية بكل ما فيها والسياسية بكل عوراتها ومآسيها، والعسكرية بكل ما فيها من مجازر دموية وتجاوزات لا اخلاقية.
محمودجودات علي-الرياض
|
|
|
|
|
|