|
ما بين نيفاشا وأمجمينا
|
ما بين نيفاشا وأمجمينا
مهندس/ آدم هارون خميس
email: [email protected]
30/5/2004 م
نهنيء الشعب السوداني بمناسبة توقيع ثلاث اتفاقيات السلام بين الحكومة والحركة الشعبية والمتعلقة بتقسيم السلطة وتسوية مشكلة المناطق الثلاثة ونأمل أن يشهد السودان سلاما شاملا ودائما تعم جميع أرجاءه.
ولكن توقيع هذه الاتفاقيات التي توصل إليها الطرفان بعد عام كامل من التفاوض المستمر تطرح عدة أسئلة تصعب الإجابة عليها خاصة وان الطرفان قد تفاوضا في ظلام تام وبعيدا عن الأقطاب الأخرى المتمثلة في التنظيمات السياسية والشخصيات الوطنية وغيرها كما أنها لم تشمل الأطراف المتصارعة الأخرى مثل الحركات المسلحة في دارفور وشرق السودان، وإذا ربطنا مشكلة دارفور والتي أوقفت العالم وأقعدتها ومصيرها من خلال هذه التطورات التي تشهدها نيفاشا وانعكاساتها على السودان من ناهية ودارفور من ناهية أخرى نجد أن هناك أسئلة كثيرة يجب طرحها قبل أن نخوض في أي تفاصيل:
1- هل تعتبر هذه الاتفاقية نهاية حقيقية للصراع الطويل بين الشمال والجنوب وهل ستؤدي إلي سلام نهائي ملزم للطرفين وخاصة طرف الحكومة المعروفة بالمراوغة والخداع والنكوص عن العهود؟
2- لماذا تريد الحكومة أن تنفرد بكل مجموعة على حدا في عملية التفاوض ودون اشراك باقي أطراف الطيف السوداني حتى تصل إلى سلام شامل مرة واحدة وبرضا الجميع بدل مفاوضات متعددة منفرة؟
3- هل ستشرك الحكومة الحركة الشعبية في تفاوضها مع حركات دارفورالمسلحة في أمجمينا في المرحلة القادمة والتي ستعتبر الحركة الشعبية جزءا مشاركا في حكومة السودان الجديدة وإذا كانت الحكومة ستشرك الحركة الشعبية في تفاوضها مع الحركات في دارفور فكيف سيتم تسوية مسائل تقسيم السلطة والثروة هل ستقتطع فقط من النصيب المتبقي للشمال دون أن تستقطع من نصيب الجنوب؟
4- ما هو موقف ورؤية زعيم الحركة الشعبية لمشكلة دارفور وحلولها؟
سنحاول من خلال الأسطر التالية الإجابة على هذه الأسئلة كل على حدا ثم نحاول الربط بينها:
1- هل ستكون الحل نهائية:
إذا نظرنا الي الموضوع من باب وجود دول الايقاد كطرف رئيسي والتي استعملت عدة أساليب لجرجرة الطريفين الي هذا المنعطف الهام في تاريخ السودان واشراكهاالمجتمع الدولي بكل ثقله في الحل والذي سبب في الوصول إلي هذا الحل بعض ضغط الطرفين يبدو أن الحل ستكون نهاية ويبدو ذلك واضحا من وجه زعيم الحركة الذي ظهر مسرورا وألقى كلمة الرجل الواثق فيما يفعله سرد فيها رؤيته للسودان الجديد الذي ظل يردده في كل محفل وهو يجيد القراءة الصحيحة للخطوات المستقبلية وليس سهلا إغفاله عن أي مكائد ربما ستدبرها الحكومة مع العام بأن دول الأيقاد رسمت خطط مدروسة لحل مشكلة الجنوب نهائيا نظرا لأن معظم دول الايقاد تجاور جنوب السودان واذا لم تكن هناك استقرار في جنوب السودان سوف لم تجد هذه الدول الاستقرار في أراضيها حيث أنها تتأثر بكل ما تتأثر به السودان وباليالي لا بد لها أن تحل هذه المشكلة بأي ثمن كما أن من قراة وجه الطرف الآخر ( النائب الأول لرئيس الجمهورية) يلاحظ الحسرة والندم كمن ورط نفسه في أمر ما ، هذا من ناهية أما إذا نظرنا للأمور من باب سجل الحكومة في نقض المواثيق والعهود والتي لها القدرة في إحداث مفاجآت في أي لحظة فسوف لم نفرح كثيرا بل ننتظر لتأتي الأيام بما تخطط له الحكومة فالنائب الأول ذكر في كلمته التي ألقاها بأن المجتمع الدولي وعدتهم بتحسن العلاقات عند التوقيع علي الاتفاقية أي وكأنه يربط التوقيع على الاتفاقية بانفراج العلاقات مع المجتمع الدولي وليس السلام كغاية وهذا يرجع إلى تخوف النائب الأول من التحذيرات المتكررة لهم بحل مشكلة دارفور والسودان ككل وألا سوف لم تشهد العلاقات أي تحسن فهل ستنفذ المجتمع الدولي بتحسن علاقاتها مع السودان لتلتزم الحكومة بمواثيقها مع الجنوب. بديهي أن المجتمع الدولي لن تكتفي بحل مشكلة الجنوب فقط, وقد كرر هذا الموضوع كلا من الادارة الامريكية والحكومةالبريطانية والنرويج وأيضا المنظمة الدولية على أعلى المستويات, فعلى الحكومة أن تحل مشكلة السودان ككل وبجدية وعدم اللعب بالوقت اذا أرادت أن تجد موقعها في السودان والعالم قبل فوات الآوان حتى لا تضرب كفيها على بعض لضياع الفرصة المتاحة حاليا.
2- لماذا تريد الحكومة أن تنفرد بكل مجموعة في التفاوض:
أن الحكومة ومنذ أن أعتلت كرسي السلطة بعد الانقلاب انتهجت سياسة فرق تسود وهي لا تملك غير هذا المنهج إذا أرادت أن تستمر في حكم السودان حيث أن جميع البرامج التي طرحتها في بدايتها لم تتوفق فيها ولم ترضي طموح الشعب السوداني فالمشروع الحضاري الإسلامي قد فشلت وسقطت كل الشعارات التي رفعتها كما أنها ارتضت الحرب من السلم ضد خصومها ولم تفلح في ردعهم بل وجدت نفسها تتهالك وخاصة عندما وجدت قضية الجنوب آذان صاغية لها في الوسط الشمالي ثم تمددت الحرب إلي غرب السودان وشرقه مما توحي بارحاصات غير سارة لوجودها كما إنها تواجه مشاكل داخلها بعد إقصاء مؤسس أيدلوجيتها حسن الترابي, ولأن للحكومة في كل تفاوض أجندة سرية تخفيها لذلك تلجأ عادة للتفرد في التفاوض حتى تتمكن من إظهار تلك الأجندة في وقت لاحق فوجود الأطراف الأخرى في أي تفاوض قد تفسد نكوصها عن المواثيق لاحقا وذلك واضح في الغموض التي تصاحب كل فرد من طاقم الإنقاذ في تفاوض نيفاشا. والسبب يرجع الى أن الحكومة لا تمتلك أي قدرة لمواجهة خصومها بعد أن سقطت عنها كل الأقنعة التي كانت تحارب بها.
3- هل ستشرك الحكومة الحركة الشعبية في حل مشكلة دارفور:
كا ذكرنا سابقا إن الحركة الشعبية بعد التوقيع على بروتكول السلام في نيفاشا تكون قد أصبحت شريكا في الحكومة ولها الحق في المشاركة في أي أمر تقوم بها الحكومة تخص شأن الدولة ولذلك فلها حق المشاركة في أي اتفاقية تجريها الحكومة مع الحركات المسلحة في دارفور وقد ذكر الدكتور جون قرنق كيفية حل هذه المشكلة في خطابه في نيفاشا وأوضح مدى اهتمامه بحلها والغريب في الأمر أن السيد علي عثمان محمد طه لم يلمح لا من بعيد ولا من قريب عن مشكلة دارفور في خطابه القصير الذي ألقاه هناك مما يدل أن هنالك خفايا وأسرار لا يعرفها إلا هو. وإذا فرضنا جزافا بأن الحكومة ستشرك قرنق في الحل فلا بد أن تكون هذا من باب توريطه بمحاولة استقطاع جزء من نصيب الجنوب بعد تقسيم السلطة والثروة لاعطاءها لدارفور حتى لا تتحمل الحكومة وحدها عبء التقسيم من التي تبقت لها, أو حتى إذا لم تنجح حل المشكلة تعلق فشلها في رقبة قرنق وتتملص هي من السخط وربما ستحاول الحكومة بخلق فطنة بين قرنق وحركات دارفور المقتنعة بأساليب قرنق في حلول القضايا وتثق فيه وقد تحرج ذلك الحركة الشعبية كثيرا من خلال هذه المعادلات الصعبة في استقطاع جزء من نصيبه. ولكن في منظور أخر سترى الإنقاذ بأنه من الأفضل لها عدم مشاركة الحركة الشعبية في حل مشكلة دارفور لعدة أسباب:
- تظن الحكومة بأن للحركة الشعبية ضلوع في وجود حركات دارفور وخاصة حركة تحرير السودان بزعامة المحامي عبد الواحد أحمد النور واشراك الحركة الشعبية ستقوي موقف تلك الحركات في التفاوض.
- ستنظر حكومة الإنقاذ بأنه إذا نجحت في حل مشكلة دارفور منفردا فسوف تظفر بدعم وتأييد شعبي كبير ستحسن موقفها الداخلي والدولي مما يدعم بقاءها في السلطة.
- التفرد في الحل ستمكنها من الاحتفاظ بأجندتها السرية الخاصة بزرع مطبات وحيل المراوغة فما بعد.
5- ما هي رؤية زعيم الحركة الشعبية لمشكلة دارفور:
نادى الدكتور جون قرنق أبناء دارفور للانضمام إليه عدة مرات أثناء حربه في الجنوب وكان له رؤى واهتمامات كثيرة في دارفور تتلخص في الآتي:
- تشابه قضيتي الجنوب ودارفور وخاصة تلك المتعلقة بالتهميش وعدم التنمية.
- جغرافيا تتاخم دارفور جنوب السودان وهنالك تداخل في الثقافات وبعض الأعراق ولذلك لا يمكن أن يكون هناك استقرار في الجنوب إذا كان دارفور مضطرب .
- تربط سكان دارفور وسكان الجنوب عامل الأفرقنة مما تخلق ذلك توازنا بين العرب والأفارقة في السودان والتي يمكن أن تلعب دورا فاعلا في التوازن السياسي لاحقا.
- تبلغ مجموع سكان دارفور فوق ال 6 ملايين نسمة وسكان الجنوب حوالي 6 ملايين ونسبة المجموعتين تعادل أكثر من ثلث السكان بالسودان وهذه النسبة تفرض وجود سياسي فاعل في الإجراءات الديمقراطية ولذلك لا يمكن أن يغفل الجنوبيين بأهمية دارفور في رسم الخريطة المستقبلية للسودان.
- لعبت حرب دارفور دورا بارزا وعاملا للضغط على الحكومة لتوقع اتفاقية السلام مع الجنوب حتى لا تواجه حربين شرسين في آن واحد ولذلك فالحركة الشعبية لا يمكن أن تنسى هذا الدور الايجابي من حركات دارفور لخدمة قضيتها.
يبقى أخيرا أن نشير الى أن الحكومة حاليا تمر بمرحلة حرجة في تاريخها منذ أن استولت على السلطة ، فاما السلام الحقيقي والتي تفترض وجود الديمقراطية والتعددية والالتزام بكل المواثيق وبالتالي تحافظ على وحدة السودان واما الرجوع للحرب وتفتيت السودان وبالتالي تتحمل نتائج التفتيت والتي ستكون وسمة عار لم تغفر لها التاريخ.
Unless we not learn to live together
As brothers and sisters
We will die together as fools
مهندس/ آدم هارون خميس
|
|
|
|
|
|