|
من حكم العرب عاما صار مثلهم ‚‚ فلا يستقيل!
|
أبو بكر القاضي : من حكم العرب عاما صار مثلهم ‚‚ فلا يستقيل! القاسم المشترك هذه الايام بين جورج بوش الابن ووزير دفاعه رامسفيلد من طرف‚ وبين توني بلير ووزير دفاعه من طرف ثان وبين شارون من طرف ثالث انهم يحتلون اراضي عربية ويحكمون شعوبا عربية واقعة تحت الاحتلال بيد ان القاسم المشترك الاعظم والاعظم جدا بينهم جميعا - هو تقاعسهم عن تقديم الاستقالة طبقا لأصول الثقافة الغربية المرعية والمتبعة‚ اذا كانت العمليات الاستشهادية - الانتحارية هي علامة تجارية عربية اسلامية تفرد بها العرب‚ فان ظاهرة عدم الاستقالة والعض على كرسي الحكم بالنواجذ وحتى الموت هي ظاهرة عربية‚ بل علامة تجارية عربية اكثر وضوحا لقد اعلنها جعفر نميري صراحة وعلى الملأ‚ وبلا استحياء قال فيما معناه انه يقبل ان يقال عليه «المرحوم» جعفر نميري ولكنه لا يقبل ان يقال (الرئيس السابق)! في افريقيا كلنا نعرف الرئيس السابق نلسون مانديلا وامثاله عبده ضيوف وجوليوس نايريري واحمدو اوهيجو‚ بل ان اثنين من هؤلاء مسلمون سلما السلطة بالتداول السلمي لمسيحيين‚ اما حكامنا العرب فيعترفون لله فقط بانه يعطي الملك من يشاء وينزع المُلك ممن يشاء في تحريف واضح القصد منه تجريد الجماهير العربية من حقها في الشورى‚ وابرام العقد الشرعي بين الحاكم والمحكومين‚ فريد زكريا صاحب (مستقبل الحرية) ‚‚ وحالة العرب الاستثنائية في كتابه (مستقبل الحرية) خلص الكاتب فريد زكريا الى ان الديمقراطية بلا ليبرالية دستورية تقود الى الفاشية‚ وانهيار الامم وتناول الكاتب التلازم بين الليبرالية والديمقراطية في اميركا وفي فرنسا وبريطانيا والمانيا‚ والتجربة الصينية والروسية في عهد بوتين‚ وعندما جاء الى العرب ‚‚ وصفهم بقوله: The Great Exception اي الحالة الاستثنائية او «الحالة الفريدة» كما ترجمه حيان نيوف بموقع ايلاف‚ ابدى الكاتب تشاؤمه حول مستقبل الحرية والديمقراطية المقررة بالليبرالية‚ وخلص الكاتب الى القول: (يجب ان نحكم على الحكومات العربية والاسلامية من خلال المؤسسات التي نشأت فعلا وليس من خلال الانتخابات)‚ اتفق مع الكاتب فريد زكريا في ان الانتخابات وحدها لا تعطي جوهر الديمقراطية - الذي هو الحرية - نعم‚ الانتخابات خطوة هامة جدا نحو الديمقراطية‚ ولكنها يجب ان تكون مصحوبة بصحافة حرة مثل الصحافة الاميركية والبريطانية التي كشفت بالصور والادلة الدامغة ما صنعه جنود الاحتلال الاميركان والانجليز في العراق‚ ومثل النموذج العربي الوحيد الذي يفخر به رجل الشارع العربي والمسلم - اعني نموذج قناة «الجزيرة» في الفلوجة وافغانستان‚ نعم الديمقراطية هي مؤسسات المجتمع المدني التي تقود المجتمع والشارع بعيدا على هيمنة ووصاية الحكومات‚ الديمقراطية تقاليد - ومن هذه التقاليد الراسخة تقديم الاستقالة‚ لماذا لم يقدم رامسفيلد استقالته؟ هل لأنه صار حاكما للعراق؟ نكتة سودانية وثيقة الصلة بهذا الموضوع خلاصتها ان سودانيا (من عرب وسط السودان) تزوج من امرأة انجليزية فاحضرها معه للسودان فواجهتهم مشكلة عائلية هي ان امه لا تستطيع التفاهم مع زوجته‚ فاتفقوا جميعا على حشر الام والزوجة في غرفة لمدة شهرين حتى تتعلم الام كيف تتفاهم مع زوجة ولدها‚ باختصار‚ بعد شهرين عند رفع الحصار عنهما تبين ان الام لم تلتقط ولا كلمة انجليزية في حين ان الانجليزية اتقنت اللهجة العامية السودانية‚ وصلة هذه السابقة السودانية بجورج بوش ووزير دفاعه‚ وتوني بلير ووزير دفاعه وشارون انهم احتلوا الاراضي العربية لتعليم العرب الديمقراطية والتقاليد الديمقراطية وترسيخها ولكنهم بمرور عام واحد لم يعلمونا الديمقراطية بل بالعكس اخذوا من اسوأ مما عندنا وهو عدم تقديم الاستقالة‚ وايجاد المبررات للاخطاء‚ وتقليل الهزيمة الى نكسة‚ التشخيص العلمي لحالتنا العربية هو اننا حالة مستعصية على التطور‚ لم تأخذ بتراثنا الاسلامي الداعي الى الشورى والشفافية في العلاقة بين الحاكم والمحكوم وتتخذ من تراثنا قاعدة للمناقشة والتقدم والتطور‚ ولم نأخذ بتجارب الآخرين ولا نعترف بهم‚ الاخطر من ذلك اننا ننقل عدوى العرب الى كل من يحتل ارضنا ويحكمنا بشكل مباشر وغير مباشر فلم تعد اسرائيل في عهد شارون - الذي رفض تقديم استقالته بعد ان سقط مشروعه داخل حزبه نموذجا للديمقراطية في المنطقة‚ ولم تعد اميركا وبريطانيا نماذج الليبرالية بعد رفض تقديم الاستقالة من وزراء الدفاع رغم الفضائح في ابو غريب والفلوجة والعراق عموما واخشى ما اخشاه ان تتحول اميركا الى ملكية تحكمها عائلة بوش التي تخصصت في حرب العرب من بوش الاب الى الابن‚ وبقية اخواته في الصف والحرب على ارهاب المسلمين قد تستغرق القرن الحادي والعشرين كله‚
|
|
|
|
|
|