البورنو ـ برس" وثقافة "التجريس"

دعواتكم لزميلنا المفكر د.الباقر العفيف بالشفاء العاجل
مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 12-12-2024, 08:28 AM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
05-14-2004, 00:09 AM

نبيل شرف الدين-مصر


للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
البورنو ـ برس" وثقافة "التجريس"

    "البورنو ـ برس" وثقافة "التجريس"

    نبيل شرف الدين

    كنت أهمُّ بالكتابة عن الجميلة ليلى مراد، حنيناً إلى فردوس زمنها المفقود، حينما انتزعتني من حالة "النوستالوجيا" هذه صحيفة مصرية، يفترض أنها لسان حال حزب معارض يضرب بجذوره في تاريخ الأمة المصرية منذ عقود قبل أن يمتطي الضباط "المحروسة"، وهو حزب "الوفد" العريق، الذي التف حوله المصريون في العهد الملكي، وتغنوا باسم زعيمه التاريخي سعد زغلول باشا، بل وصل هيامهم به حداً عبرت عنه عبارة شهيرة كانت تقول إن "في مصر أربعة أديان، هي الإسلام والمسيحية واليهودية والوفد"، وأطلق الناس على أفخر أنواع التمر اسم زعيم الوفد سعد زغلول باشا، "بلح زغلول"، ولهذه التسمية دلالة بالغة في الوجدان الشعبي، فليس البلح كغيره من الفواكه، إذ أنه في الموروث الشعبي ثمرة طيبة مباركة، وحمل لواء الوفد القديم "باشاوات" من طراز مصطفى النحاس ومكرم عبيد وإبراهيم فرج وغيرهم، وصولاً إلى آخر باشاوات مصر، فؤاد سراج الدين الذي أعاد "الوفد .. الحزب والصحيفة" إلى الوجود، بعد عقود من إقدام عسكر يوليو على حل الأحزاب، ومصادرة الحياة السياسية برمتها، وعسكرة المجتمع، وغيرها من الكوارث الحضارية التي لا زلنا نتكبد ثمنها، ونكابد آثارها حتى يومنا الأغبر هذا.
    ....
    كل ما قد تشي به هذه المقدمة من معان، وما يمكن أن تتستدعي من تفاصيل مرت في مخيلتي وأنا أطالع صحيفة "الوفد" وقد تصدرت صفحتها الأولى صور فاحشة، "بورنوغرافيا" صريحة، لم تفلح في مداراتها تلك المانشيتات الزاعقة التي صاحبتها، ولا الهالات الداكنة التي وضعت على الأعضاء الجنسية للأشخاص الذين زعمت الصحيفة في معرض تعليقها على الصور، أنهم جنود أميركيون يغتصبون عراقيات، ليتضح لاحقاً أنهم مجرد ممثلين محترفين في أفلام "بورنو"، وضعوا صوراً مثيرة للبيع عبر موقع اسمه "الجنس أثناء الحرب" على الشبكة.
    وهنا وقبل الخوض في أية تفاصيل، يلزم التأكيد على أن المعنّي بهذه الصور البذيئة المنشورة ليس الأميركان ولا الطليان، بل القارئ المصري أولاً وأخيراً، فهذه صحيفة محلية مصرية تتوجه إلى ملايين البسطاء في القرى والنجوع والأحياء الشعبية والراقية في المدن الكبيرة والصغيرة، ولنا أن نتخيل كيف يمكن أن يستقبل مثل هذه الصور الفاحشة الفلاحون والصعايدة الذين عملوا في العراق لسنوات طويلة، ويحملون له أطيب الذكريات، ويحفظون لأهله كل مودة، فضلاً عما يقاسيه ملايين المصريين حالياً من ضغوط حياتية فظة، في ظل نظام شائخ متقاعد، وهذه بالطبع في مجملها ظروف واعتبارات تفرض مسؤوليات إنسانية، وتقتضي مواءامات مهنية، لعل أيسرها هو الأمانة أو المصداقية وبذل جهد في سبيل التحقق من مصدر الصورة قبل الخبر، وفضلاً عن الجانبين الإنساني والمهني، هناك أيضاً جانب أخلاقي لا يمكن إسقاطه ونحن بصدد التعاطي مع جمهور محافظ، لا يستسيغ رؤية هذه المشاهد منشورة على الملأ، ولا يتوقعها في صحيفة يراها أهم صحف المعارضة وأوسعها انتشاراً في البلاد.
    ليس هذه مجرد سقطة فردية، بل هي حلقة في سلسلة من الغرام بالإثارة الممجوجة، والاحتفاء بالفضائحية تسوقنا إلى أبسط أسئلة المهنية للإعلام العربي عموماً والمصري على نحو خاص، إذ هناك ما يشبه الإجماع بين قطاع كبير من العاملين بمهنة الصحافة أنها باتت تشهد انتكاسة مهنية مروعة، فمستوى ما ينشر فيها ـ بغض النظر عن الاتفاق أو الاختلاف مع مضمونه ـ بالغ التدني خاصة مع دخول وسائط إعلامية جديدة حلبة المنافسة، فما يطالعه المرء عبر الإنترنت من أخبار قد يجدها منشورة ـ وربما بنفس الصياغة والعناوين ـ بعدها بيومين في بعض الصحف المصرية، التي تقوم بممارسة السطو كثيراً على مواد منشورة في مواقع معروفة ومجهولة عبر الشبكة، باعتبار أن الإنترنت غنيمة مستباحة، فعادة لا يتم استئذان جهة النشر، وغالباً لا توجد إشارة إلى المصدر، حتى أن الأمر يصل في بعض الأحوال ببعض الصغار في المهنة اسماً أو سنّاً إلى التوقيع باسمائهم على مواد لغيرهم بكل تبجح واستخفاف، من دون أن يجشموا أنفسهم مشقة إجراء أي تعديل أو تغيير حتى في العناوين.
    وقبل نحو ثلاثة أعوام نشرت صحيفة أسبوعية مصرية كومة من الصور الإباحية لراهب منحرف يدعى عادل سعد الله، وهو يمارس الجنس مع امرأة، في مكان ما، زعمت الصحيفة أنه داخل مذبح الكنيسة، وهو أكثر الأماكن قداسة، لأنه موضع الصلاة والتناول والاعتراف وغيرها من أهم الطقوس المسيحية، ثم يتضح لاحقاً بعد نشر هذه الصور أن الراهب تم فصله منذ خمس سنوات وتجريده من رتبته الرهبانية والكهنوتية وان الصور المنسوبة اليه على صفحات الجريدة لم تكن داخل دير المحرق في أسيوط أساساً، بل داخل إحدى الشقق السكنية، والأهم والأخطر من هذا أن نشرها أثار غضباً واحتقاناً قبطياً نادر، وفي توقيت تلاحق فيه الدولة اتهامات بالتمييز ضد الأقباط، وهم الذين لا يمكن أن نطلق عليهم صفة "الأقلية"، بل وصف "السكان الأصليين"، لأنهم ببساطة ليسو مجلوبين من الخارج، بل هم متجذرون في المكان والزمان منذ فجر التاريخ حتى اليوم، وبالتالي فإن أي إثارة من هذا النوع الذي أقدمت عليه الصحيفة، هو فتح لباب الفتنة على مصراعيه، وجريمة فظة لا تغتفر حتى لو سلمنا جدلاً أن الصور صحيحة تماماً، ولا تشوبها شائبة، وأن ممارسة الجنس تمت بالفعل داخل الكنيسة، فإن المواءمة السياسية، والمسؤولية الاجتماعية وسلامة الضمير الإنساني من قبل ومن بعد، وغيرها من الاعتبارات كانت كافية لرفض إدارة الصحيفة نشر تلك الصور المشينة.
    لكن ما حدث حينئذ أن صاحب الجريدة وناشر الصور وكاتب الموضوع، المرحوم ممدوح مهران ـ والميت لا تجوز عليه سوى الرحمة كما يقول المثل الشعبي المصري ـ استجاب لنداء شهوة النشر و"التجريس"، ودهس بقدميه على كافة الاعتبارات، ونشر الموضوع غير عابئ بأي نتيجة، وكان ما كان، ولأن المعدة المصرية "تبلع الزلط" هضم المصريون مسلمين ومسيحيين الأزمة، وتجاوزوها كعادتهم بصفتهم من أكثر الشعوب تعرضاً للظلم عبر التاريخ، بغض النظر عما إذا كان هذا الظلم بأيدي غرباء غزاة أو فاتحين لا فرق، أو هو من نوع ظلم ذوي القربى، وهو كما تعلمون أشد مضاضة على النفس من وقع الحسام المهند.


    .......


    بعد واقعة الراهب المشلوح بنحو عام تقريباً، أقدمت أسبوعية أخرى اسمها "الميدان"، على نشر صورة نصف عارية لجثمان الرئيس المصري الراحل أنور السادات في المشرحة بعد اغتياله مباشرة، وهو داخل غرفة التشريح في وضع غير لائق، بل ومناف للاداب العامة وحرمة الموتى، فضلاً عن أن الصورة هنا لواحد من أفضل الضباط الذين أتى بهم انقلاب يوليو المشؤوم، ولعلنا لا نتجاوز الحقيقة كثيراً إذا زعمنا بأنه ربما كان الضابط الوحيد المسيس منذ مطلع شبابه، وفي عهده غسلت مصر عار النكسة بنصر استثنائي على إسرائيل، أكمله بنصر سياسي حين قفز على كل ذرائع إسرائيل، وتحمل بشجاعة نادرة وانتحارية نتائج هذه الزيارة التي نحصد ثمنها الآن سلاماً وأرضاً كاملة وسيادة غير منتقصة، ودعونا أعزائي القراء من المولولين وباعة الأحقاد والمهزومين والمأزومين، فباختصار بسيط ومخلّ، لو لم تكن قفزة السادات الهائلة في المجهول لأمست سيناء حالياً تعج بالمستعمرات والمستوطنات والكوميونات والكيبوتزات، وبات في وضع يشبه هضبة الجولان وربما أسوأ، لاتساعها وضخامتها وصنفت كواحدة من المعضلات المزمنة التي لا يبدو في المدى المنظورأي حل لها
    كل هذا وغيره من شمائل السادات لم يشفع للرجل أمام غواية شهوة النشر، وتحطمت كل المعاني النبيلة والإحساس بالمسؤولية في مواجهة "ثقافة التجريس"، التي يبدو أنها ضاربة بجذورها في الوعي، فمازالت الذاكرة الشعبية المصرية تختزن صوراً بشعة لممارسات المماليك والعثمانلية كإجبار الفلاحين المساكين على امتطاء الدابة بالمقلوب، بينما تسير في إثره زفة الصبية الذين يرددون عبارات "اللي ما يشتري يتفرج"، و"من دا لبكرة بقرشين" وغيرها من الابتكارات اللانسانية التي خلفتها ثقافة الغزاة الترك، وقبلهم المماليك خاصة في نهايات أيامهم وزمن انحطاطهم قبل السقوط المروع، في أيام لا تختلف كثيراً مع حالنا الراهن
    نعود إلى مأساة صحافتنا ولعل متابعة بعض ما تنشره صفحات الرأي بها تكتشف ببساطة لأي أنها تحولت إلى "مناطق نفوذ"، ومنصات لإطلاق المدفعية الثقيلة، يتعامل معها السادة الكُتّاب بذهنية "وضع اليد"، فما أن يضع أحدهم يده أو قلمه على مساحة ما في صحيفة ما حتى يتشبث بها، وتتحول إلى رقم سري في حسابه الشخصي، يلتصق بها وتلتصق به عقوداً، لدرجة أن هناك كتّاب رأي ـ أو يقدمون أنفسهم بهذه الصفة ـ صاروا يحتلون مساحات شاسعة منذ عقود في صحف كبرى، وهذا الوضع فضلاً عن عدم استساغته منطقياً، وصعوبة تبريره مهنياً، فمن شأنه أيضاً أن يصادر فرص ومواهب جيل أو أجيال كاملة، من حقها أن تنشر في بعض هذه المساحات، التي تحولت بمرور الوقت إلى "إقطاعيات خاصة"، ولعل هذا ما يفسر انتشار وقائع وشائعات واتهامات بالابتزاز تزعم تورط بعض المتنفذين بها، وهي تهم لم نحقق فيها، ولسنا بصدد تقويم صحتها أو كذبها لكنها لا تبدو مجافية لمنطق الأمور، وحكمة التاريخ، الذي علمنا أن السلطة المطلقة والمؤبدة من شأنها أن تصنع انحرافات هائلة، لهذا أصبح أمراً مألوفاً أن يستمع المرء من هنا وهناك إلى قصص وحكايات حول وقائع أو محاولات ابتزاز اتهم بالتورط فيها كبار وصغار على حد سواء، وكشف النقاب عن بعضها، بينما يبقى القطاع الأكبر والأخطر طي الكتمان ربما إلى الأبد، خاصة في ظل مناخ "مأسسة الفساد" وحالات التواطؤ الجماعية التي تقوم على نظرية "سيف المعزّ وذهبه"، من خلال إفساد شريحة ما، وتخويف أخرى، ليشيع بذلك مناخ من الصمت المطبق على كل مظاهر الفساد، وشتى صور الاستبداد خوفاً أو طمعاً، أو ربما كلاهما أحياناً.
    وتتفاوت هذه الممارسات بين طلب إعلان مدفوع إلى تقاضي الأموال والهبات والخدمات، وهناك وقائع حققت فيها أجهزة رقابية، وأخرى نظرتها المحاكم، أما الغالبية منها فهي ـ كما أسلفنا ـ لم تزل تصنف تحت بند الشائعات الرائجة، التي لن نسمح لأنفسنا بالخوض فيها مادامت تندرج تحت هذا العنوان، فضلاً عن أن الأوضاع الراهنة مازالت تكفل بقاء تلك الممارسات محمية بحكم استمرار تنفذ المعنيين بها من جهة، وشيوع الفساد على نحو اخطبوطي متبجح واحترافي من جهة أخرى.


    .....


    نعود إلى "الوفد"، الذي اقتفت خطوته "البورنوغرافية" هذه صحيفة أخرى خاصة، ومجلة حكومية، فنشرتا صوراً مماثلة في سياق البحث عن دليل إضافي لإثبات تهمة لم ينكرها الأميركيون أنفسهم، بل اعترفوا وأقروا بها، واعتذر كبارهم عنها، وهناك تحقيقات تجري وتذاع على الهواء مباشرة عبر العالم بشأنها، بينما يتعايش المواطن العربي تحت مختلف الأنظمة مع كافة أنواع المظالم، وفي الأحوال العادية من دون أن يراوده مجرد حلم بمساءلة علنية لمسؤول من الدرجة العاشرة ارتكب جريمة في حق عشرات المواطنين، وهنا أشدد على أن هذا المثال ليس دفاعاً ولا تبريراً للجرائم التي ارتكبها الجنود الأميركيون، بل هو مجرد إحالة للتذكرة بأن المواطن في شرقنا المنكوب تدفن غالباً أسراره معه في مقابر جماعية أو فردية، خلافاً لما يجري عليه الأمر في دول القانون، وعموماً ليس هذا موضوعنا الآن، بل ما يعنينا هنا هو الشأن المهني الصحافي، وهنا يلزم التأكيد على مسألتين جوهريتين هما:
    الأولى: أن من كشف هذه الجرائم هي الصحف الأميركية، وليست الميديا العربية بإذاعاتها وتلفازاتها وفضائياتها وصحفها الورقية والإليكترونية التي اكتفت بممارسة الدجل وتكريس التخلف، والتسطيح والتلفيق والسباب والتحريض الفج والدعاية المبتذلة، حتى وصل الأمر إلى مرحلة "البورنوـ برس".
    الثانية هي أننا بصدد قضية صحيحة ومحسومة سلفاً، فما الداعي لأن نخسرها مجاناً بممارسات ممجوجة وأدلة مختلقة، لسنا مضطرين لها بالأساس، ولعله من البديهي هنا القول إن ما سيترتب على تلك المعالجات من نتائج من شأنه الإضرار بالقضية، وتحويل دفة الأمر صوب وجهة أخرى، وهي خدمة هائلة يقدمها البعض لخصومهم بجهالة ورعونة تكشفان عن ضحالة الوعي السياسي، وسوء تقدير عواقب الأمور، فضلاً عن عدم الالتزام بالحد الأدنى من الضوابط والأعراف المرعية في كافة الأوساط الصحافية بدرجات متفاوتة ونظم متعددة في شتى أنحاء العالم.
    ولعل هذا هو ما دفع نقابة الصحافيين في مصر إلى إصدار بيان عاجل، ولكن ليتها ما فعلت، إذ انطبق عليه المثل الشعبي المصري القائل "جاء يكحلها عماها"، فقد تمترس مجلس النقابة من السطر الأول في بيانه إلى ذريعة طالما استخدمتها الأنظمة المستبدة للالتفاف على ما يوجه إليها من انتقادات صائبة، وأقصد ذريعة "عدم التدخل" في ما أسماه البيان "شؤون الصحافة المصرية"، وهي عبارة سخيفة لا معنى لها، فالصحافة في أي مكان من العالم ليست شأناً داخلياً حكراً على المهنة في بلد بعينه، بل هي بالأساس تتدخل في كل الشؤون، وتمنح نفسها دائماً حق انتقاد الاخرين، وهي أيضاً جسر للتواصل بين شتى البشر والثقافات والحضارات، وبين الحكام والمحكومين، وبين العوام والخوص، وهي لذلك شأن إنساني، لاسيما حين يتعلق ما تنشره الصحف بأحوال بلد ما أو ملابسات قضية ما، ثم حين يرد هذا الطرف الممثل لهذا البلد، أو المعنّي في تلك القضية نرفض مجرد الرد متذرعين بكلمة الحق الذي يراد به عين الباطل، وهي "رفض التدخل في الشؤون الداخلية"، وكأنه من حق الصحافة والصحافيين أن يوجهوا للحكومات والشعوب والبشر في أي بلد سواء كان أميركا أو حتى الفلبين، لا فرق، ثم لا يكون من حق ممثل هذا البلد أن يرد على ما نشر من اتهامات لحكومة بلاده التي يمثلها، وإلا اعتبرنا أن هذا الرد "تدخل في الشؤون الداخلية"، التي أفهم أنها تنحصر في سياسات إدارة الصحيفة، ولا تمتد إلى ما تنشره من تقارير ومقالات وأنباء وصور، تصبح بمجرد نشرها حقاً مشاعاً لكل من يمسه المنشور أن يرد عليه وينتقده ويفنده، دون أن تطاله تهم شوفينية، أو ذرائع "عالمثالثية" من طراز "التدخل في الشؤون الداخلية"، وإلا فإن المعاملة بالمثل تستوجب ألا تتناول الصحف العربية الشأن العراقي برمته قبل استئذان الشعب العراقي الذي أصبح الآن يقرأ مئات الصحف اليومية والأسبوعية ليس من بينها صحيفة مصرية واحدة، على حد علمي، وهذا بالطبع تصور غير منطقي، لكنني أسوقه هنا في معرض إثبات عدم منطقية التمترس خلف ذريعة الشؤون الداخلية، والكف عن اللجوء إلى مثل هذه التبريرات التي تنتمي إلى ثقافة الطغيان والاستبداد ودول الستار الحديدي.
    ثم يقفز بيان مجلس النقابة على موضوع القضية، وبدلاً من أن يلتزم بالتعقيب على ما اقترفته تلك الصحف من أخطاء بل وخطايا مهنية جسيمة، نجده يقفز خارج الموضوع، ليتحدث عن الاحتلال الأميركي، والقضية الفلسطينية وشارون والصهيونية، وبقية المتاهات التاريخية، والمشاجب التي طالما علّق عليها المهزومون والمأزومون أخطاءهم، وما صنعوه من كوارث بأيديهم قبل غيرهم.
    ويختتم البيان متطرقاً على استحياء إلى صلب الموضوع، غير أنه لا يلبث أن يسارع لمعاودة لعبة خلط الأوراق حين يهيب بالصحافيين "التعامل بحذر مع بعض المواد التي تنشر في بعض المواقع على شبكة الانترنت، وضرورة التأكد من صحتها وخضوعها للاشتراطات المهنية قبل نشرها حتى لا تؤخذ ذريعة للتنصل من جرائم ثابتة وموثقة، ارتكبها مجرمو الحرب الأميركيين" كما ورد بالنص في ختام بيان نقابة الصحافيين.
    والقراءة المتأملة لذلك البيان تشير إلى أن النقابة انتهجت مسلكاً لا يكتفي بالخلط المتعمد بين ما هو سياسي وما هو مهني، بل ويعظم الخطاب السياسي على حساب الشأن المهني، الذي هو بالأساس دور النقابات المهنية وعلة وجودها، والذي ينبغي أن يتقدم سواه من الأدوار والمهام.
    وفضلاً عن ذلك فقد اتسم بيان النقابة أيضاً بالذرائعية ومنطق التبرير، وراح يخلط الأوراق ويدين ويشجب أوضاعاً سياسية هي بطبيعتها موضع خلاف في الرؤى والرأي والقراءات والمنطلقات، ولا يمكن فرض رأي واحد بعينه في معالجتها، بينما اكتفى البيان بالتماس الخجول مع الشأن المهني رغم كونه المهمة الأساسية للنقابة أي نقابة، والتي يفترض بها أن تلعب دور الحارس الأمين لتقاليد المهنة وأعرافها المستقرة، خاصة لو كانت حيال أمر يشكل خطراً حالاً محدقاً، يهدد مصداقية الصحافة، ويمس جانباً يتعلق بأخلاقيات المهنة وضمائر العاملين فيها، حتى لا تصبح هذه السوابق بمضي الوقت وتواترها، فعلاً مألوفاً ومستساغاً.
    والله غالب على أمره.























                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>

تعليقات قراء سودانيزاونلاين دوت كم على هذا الموضوع:
at FaceBook




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de