|
إعلان كمبالا:حول مستقبل الترتيبات الدستورية في السودان
|
نحو استقرار دستوري في السودان" الصادر عن ورشة الخبراء حول "مستقبل الترتيبات الدستورية في السودان" كمبالا، يوغندا، 26 و27 يناير 2004 ديباجة اجتمع في كمبالا بيوغندا في يومي 26 و27 يناير 2004 بدعوة من مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان وباستضافة حركة عموم أفريقيا تسعة عشر من الخبراء/ات السودانيين وعدد من المراقبين المصريين واليوغنديين، وبعض الخبراء الدوليين لمناقشة المعضلات الدستورية التي واجهت وتواجه السودان. وقد ناقش المجتمعون، على الرغم من تباين خلفياتهم الفكرية والمهنية والأكاديمية، بصبر القضايا الخلافية من أجل محاولة الوصول إلى صيغ تساهم في خلق إجماع دستوري بين المجموعات السودانية المختلفة. وتمثل الملاحظات والتوصيات التالية ثمرة ذلك الجهد المثابر والرغبة المخلصة في تجاوز الأزمة السودانية المزمنة. توصل المجتمعون/ات إلى أن عدم الاستقرار السياسي هو السبب وراء عدم الاستقرار الدستوري بعد مرور ما يقرب من الخمسين عاماً على الاستقلال. وأن عدم احترام التنوع الثقافي والقومي والديني، فضلاً عن محاولة حسم الخيارات السياسية الكبرى باللجوء إلى القوة والانقلاب العسكري أو بمجرد الأغلبية البرلمانية قد أثبت فشله. وقد نتج عن هذا الفشل العديد من النزاعات المسلحة التي نجم عنها خسارة ملايين الأرواح والتدهور المريع في كافة أوجه الحياة في البلاد. وأكد المجتمعون/ات على أن أي ترتيبات دستورية في الفترة المقبلة في السودان يجب أن تتأسس على تحول ديمقراطي حقيقي يكفل التعددية والحقوق والحريات الأساسية وسيادة حكم القانون. ودعا المشاركون/ات كافة القوى السياسية إلى نبذ العنف والانقلابات العسكرية وتجنب الوسائل غير الديمقراطية كأسلوب للوصول إلى السلطة أو لحل الخلافات، واعتماد الحوار والتداول الديمقراطي للسلطة. مبادئ عامة ناشد المشاركون/ات طرفي عملية السلام الحالية السعي إلى التوصل الى اجماع وطني بين القوى السياسية المختلفة حول اتفاقيات السلام بين الحكومة والحركة الشعبية لتحرير السودان، وتأسيس الانتقال على قاعدة الاجماع الوطني، والديمقراطية، والمشاركة الواسعة. ورأى بعض المشاركين ألا حاجة للنص في الدستور/ الدساتير المقبلة على أي مصدر للتشريع باعتبار أن التشريع هو مسئولية المجلس التشريعي المنتخب. رحب الحاضرون/ات بالتقدم في مفاوضات السلام الجارية الآن وعبروا عن تمنياتهم بأن تؤدي إلى اتفاق على وقف الحرب، إلا أنهم يرون أن استيعاب وجهات النظر الأخرى في الاتفاق ضرورة لازمة للوصول لحلول دائمة وتحقيق سلام مستدام. أجمع المشاركون/ات على ضروٍرة إشراك كل القوى السياسية في الحكومة القومية التي ستتولى زمام الأمور في الجزء الأول من المرحلة الانتقالية (قبل الانتخابات) بهدف تأسيس هذه المرحلة على قاعدة الاجماع الوطني. أكد المشاركون على أهمية أن يعكس الدستور/ الدساتير المقبلة الفهم المترابط وغير القابل للتجزئة لحقوق الإنسان (الحقوق المدنية والسياسية، والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، والحقوق الجماعية)، مع التأكيد على الحق في التنمية وادماج منظور النوع والنهج المؤسس على الحقوق rights-based approach. وأكدوا على ضرورة أن تلعب الدولة دورا اقتصاديا فعالا في مجال تقديم الخدمات الأساسية وإرساء البنية التحتية، بما يعزز الوحدة الوطنية الطوعية ويزيل الاختلال التنموي. وأكدوا على ضرورة مراعاة التنوع العرقي والديني والثقافي في كافة سياسات الدولة بما يؤدي إلى تعزيز الوحدة الوطنية، وترسيخ مبادئ التعايش السلمي والتسامح والتعاضد. ودعا المشاركون/ات إلى إقامة انتخابات عامة وفقاً لقانون جديد بعد سنتين أو ثلاثة من بداية الفترة الانتقالية حتى تقوم السلطة التنفيذية على تفويض شعبي، وان يجاز الدستور بواسطة هيئة تأسيسية منتخبة. أكد المجتمعون/ات على أهمية إرساء مبدأ المحاسبة على كل انتهاكات حقوق الإنسان سواء ارتكبتها كيانات حكومية أو كيانات خارج الدولة non-state actors وترسيخ قيم العدالة ووضع أسس دولة حكم القانون في السودان، واتفقوا على أهمية وضع الضوابط الدستورية والقانونية للحيلولة دون وقوع انتهاكات لحقوق الإنسان في المستقبل. رأى المشاركون/ات ألا تتقيد عملية مراجعة الدستور بالدستور الحالي أو أي دستور آخر، وأن تسترشد بحصيلة النقاشات والمداولات السابقة التي تمت في إطار سعي السودانيين للوصول لتوافق دستوري منذ عام 1956، كما أن من المهم بمكان الاستفادة، بشكل خلاق، من تجارب الشعوب الأخرى. شدد المشاركون على ضرورة إشراك كل القوى السياسية ومنظمات المجتمع المدني في اللجنة التي سيعهد إليها بمراجعة الدستور، على أن تجيز اللجنة قراراتها بالاجماع أو ما يشبه الاجماع. نوه المشاركون/ت إلى أهمية تعزيز الروح الدستورية (constitutionalism) باعتبارها لا تقل أهمية عن الدستور نفسه، إذ من خلالها تتأكد حقوق المواطنة وقيم المشاركة. كما أكدوا على أهمية نشر ثقافة الديمقراطية، وحقوق الإنسان، والسلام، والتسامح بشكل يرسخ هذه القيم في الثقافة السياسية ويجعل من انتهاك مبادئ الديمقراطية والانقلاب عليها أمراً مداناً أخلاقياً وسياسياً وقانونياً.
الجيش والسياسة أجمع الحاضرون/ات على أن ظاهرة الانقلابات العسكرية التي ميزت سودان ما بعد الاستقلال قد أضرت بالمؤسسة العسكرية السودانية بنفس القدر الذي أضرت فيه بالتجربة السياسية. وأكدوا على ضرورة وضع الإطار الدستوري الذي ستعمل فيه القوات المسلحة، على أن تمارس دورها في حماية الدستور على أساس تفسير المحكمة الدستورية ومن خلال مجلس أمن قومي تمثل فيه القيادة العسكرية. كما نوه المشاركون/ات بأهمية التأكيد على قومية الجيش ومهنيته وحمايته من الاختراق والتجريم القانوني لاختراق الجيش من قبل القوى السياسية. أوصى الحاضرون بضرورة مراجعة هيكل القيادة وإلغاء منصب القائد العام واستبداله بهيئة أركان مشتركة، مع إعادة تنظيم شاملة للقوات المسلحة تستوعب اتفاق الترتيبات الأمنية الراهنة وتطوره من أجل معالجة متطلبات ما بعد الفترة الانتقالية. شكل الدولة وأجهزتها الرئيسية ناقش المجتمعون/ت شكل الدولة وأجهزتها الرئيسية وقد أجمعوا على ضرورة النص الواضح في الدستور على الفصل بين السلطات الثلاث وعلى استقلال القضاء عن السلطتين التشريعية والتنفيذية، وعلى ضرورة وجود نظام فعال للفحص والموازنة (checks and balances). أما فيما يتعلق بالاختيار بين الجمهورية الرئاسية والجمهورية البرلمانية فقد اتفق المشاركون/ات على ضرورة مواصلة النقاش في هذه الفضية، وعلى ضرورة الوصول إلى صيغة تجعل اختيار الشعب لأحدهما اختياراً قائماً على المعرفة الحقيقية بخصائص النظامين. أكد المشاركون/ت على ضرورة إعادة بناء الهيئة القضائية والأجهزة العدلية على نحو يؤمن استقلالها الفعلي في إطار إصلاح قضائي يعالج الممارسات الخاطئة المتمثلة في قرارات الفصل والتعيين التي تمت على أسس سياسية. أجمع المشاركون/ت ضرورة أن تخضع الدولة والأفراد لحكم القانون.
لحقوق والحريات والأساسية والحريات الأساسية ■ أجمع الحاضرون/ات على ضرورة النص الواضح في الدستور على الحقوق والحريات الاساسية بما يضمن تمتع جميع المواطنين بها مع توفير الضمانات الكاملة ضد تغول السلطة التنفيذية على تلك الحقوق والحريات بما في ذلك الحماية القضائية المستقلة. وقد رأى المشاركون ضرورة النص على إلتزام السودان بكافة معاهدات حقوق الإنسان التي صادق عليها. وأجمع المجتمعون أيضاً على ضرورة أن يتم تضمين أي اتفاقية صادقت عليها الدولة في القوانين المحلية وعلى أن ينص على ذلك بشكل آمر في الدستور. أكد المشاركون/ت على ضرورة عدم تقييد الحقوق والحريات الأساسية بأي قيود تعتبر مهدرة لأصل الحق، وأن تقتصر القيود على تلك التي تنظم ممارستها وفق ما ورد في المواثيق الدولية. أكد المجتمعون/ات على أنه وإن كان من الطبيعي تقييد بعض الحريات في حالات الطورائ التي تهدد حياة البلاد، فقد أمنوا على ضرورة أن يكون القيد في الحدود اللازمة لمواجهة ما استدعى حالة الطوارئ، وضرورة النص على القيد أو القيود في قانون، وأن تخضع حالة الطوارئ والقيود الناجمة عنها للرقابة القضائية المستقلة. أكد المشاركون/ات حاجة البلاد لإنشاء لجنة وطنية لحقوق الإنسان وفق المعايير الدولية وبالاستفادة من التجارب والتراث الدولي في هذا المجال.
النظم الانتخابية ناقش المشاركون/ت النظم الانتخابية المختلفة، بما في ذلك النظام الفردي المباشر ونظام القائمة، فاقترح بعض المشاركين/ات ضرورة تخصيص دوائر للقوى الحديثة بما في ذلك دوائر للمهنيين والنساء. ورأى البعض الآخر أن منح الأفراد المصنفين كقوى حديثة صوتين يتعارض مع الديمقراطية. واقترحوا أن يتم ضمان تمثيل النساء في المجلس التشريعي عن طريق تخصيص مقاعد للنساء. أجمع المشاركون/ت على ضرورة تمثيل كافة الأحزاب السياسية ومنظمات المجتمع المدني في لجان الانتخابات المختلفة، بما يضمن عدالة العملية الانتخابية.
إدماج حقوق المرأة في الدستور أكد المشاركون/ت على: ضمان مشاركة النساء في صناعة الدستور مع الأخذ في الاعتبار أن النساء لا يمثلن كتلة واحدة متجانسة. ضمان ادماج حقوق المرأة في الدستور وفق أحكام دستورية واضحة ومحددة تنص صراحة على عدم التمييز ضد النساء في كافة المجالات. مع الوضع في الاعتبار خصوصية وضع النساء في المناطق التي تعاني تهميشاً تاريخياً، وكذلك في الريف، والمناطق الحضرية الفقيرة، والمناطق المتأثرة بالحرب. الالتزام بجميع المواثيق الدولية لحقوق الإنسان بما في ذلك الاتفاقية الدولية للقضاء على كافة أشكال التمييز ضد المرأة والميثاق الأفريقي لحقوق الإنسان والشعوب.
الدين والدولة أجمع المجتمعون/ات على ضرورة أن تكون المواطنة هي أساس الحقوق والواجبات في السودان، وضرورة أن يُنص في الدستور على حرية المعتقد وعلى المعاملة المتساوية للأديان في التعليم والإعلام. وبينما رأى عدد من المجتمعين أن ذلك يتطلب فصلاً بين السياسة والدين بشكل يؤكد دولة المواطنة، رأى البعض الآخر أن الدين عامل حيوي في توجيه الشئون العامة، وأنه لا يتعارض مع حقوق المواطنة المتساوية في إطار الممارسة الديمقراطية طالما أن الأغلبية في الإقليم أو الأقاليم اختارت ذلك. ورأى فريق ثالث أنه ينبغي تجنب الصيغ الفلسفية في تحديد علاقة الدين بالدولة كأن يقال بالعلمانية كمعيار، أو فصل الدين عن السياسية، بل وضع معايير موضوعية لتنظيم علاقة الدين بالدولة. واقترح هذا البعض أن تكون المواثيق المتعلقة بحقوق الإنسان هي المعيار لتنظيم علاقة الدين بالدولة.
مسائل القوميات أجمع الحضور على تفضيل أن يكون السودان كيانا وطنيا موحدا وتعزيز هذه الوحدة بالسياسات والتشريعات والهياكل المناسبة. كما أكدوا على حق الجنوب في ممارسة حق تقرير المصير في نهاية الفترة الانتقالية وعلى ضرورة احترام نتيجة الاستفتاء حتى لو أدى إلى نشوء دولة مستقلة في جنوب السودان. وقد أجمع الحضور على ضرورة إنشاء نظام إقليمي وحكم محلي يقوم على التعددية والانتخاب وأن توكل إليه مسائل التنمية الاقتصادية والتعليم والثقافة والشؤون الاجتماعية والإعلام، وعموماً إدارة الإقليم من كل النواحي ما عدا المسائل التي تكون من اختصاص المركز بموجب الدستور وأن يتم إعداد قانون للحكم اللامركزي يستفيد من التجارب السابقة ويأخذ بإيجابياتها آخذين في الاعتبار الوضع الخاص للجنوب والذي ستتم معالجته بموجب اتفاقية السلام المزمع توقيعها. ونادى بعض المشاركين بالعودة الى نظام الأقاليم الستة. ورأى بعض المجتمعين/ات ضرورة النص في الدستور الانتقالي وفي الدساتير التالية على الحق الدائم لجميع القوميات الموجودة في السودان في تقرير المصير متى ما رأت ذلك باعتباره حقا أساسياَ وضمانة لحقوق الشعوب المهمشة. وأكدوا أن ذلك هو السبيل الديمقراطي لخلق وحدة طوعية وعادلة في السودان. ورأى البعض الأخر أن المخرج هو معالجة الاختلال في نظام الحكم بقيام حكومة قومية في الجنوب وقيام ولايات في الشمال تحت ولاية الحكومة المركزية وتحديد نصيب أقاليم السودان في الثروة والسلطة. وأكد المجتمعون على ضرورة تقوية آليات ومؤسسات الدولة التي تعمل في مجالات فض النزاعات والمعالجة الوقائية لأسباب التوتر الاثني والقومي والديني بما يعزز فرص التعايش السلمي.
مسار بناء الدستور أمن المجتمعون/ات على ضرورة أن يتم بناء الدستور من خلال مشاورات واسعة تنظمها لجنة دستورية يتوفر فيها الحياد أو القومية وعليها أن تقوم ببرنامج مشاورات مكثفة وموسعة مع المواطنين في كل أجزاء البلاد، وتأسيس قنوات مناسبة تتيح لكافة القوى الاجتماعية والسياسية نقل وجهات نظرها إلى اللجنة، وردود فعلها على المقترحات الأولية، مع السعي للوصول إلى الفئات الأكثر تهميشا بشكل مخطط له. وأكد المشاركون على ضرورة أن يتم عقد مؤتمر قومي دستوري يحضره ممثلو الأحزاب القائمة والمجتمع المدني أو مندوبون منتخبون لذلك الغرض.
وفي الختام شكر المجتمعون/ات مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان على تنظيمه هذه الورشة الهامة، وأشادوا بالدور العظيم الذي يقوم به المركز لصالح حقوق الإنسان في المنطقة على وجه العموم، وفي السودان على وجه الخصوص. وقد دعا المشاركون مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان أن يقوم ، منفرداً أو بالتنسيق مع آخرين، بعقد مؤتمر تمثل فيه مختلف القوى السياسية ومنظمات المجتمع المدني لتطوير وتوسيع النقاش حول الموضوعات المتعلقة بالترتيبات الدستورية وما يتعلق بها من مهام.
المشاركون (حسب الترتيب الأبجدي) الباقر العفيف، أكاديمي السر أحمد سعيد، خبير عسكري الصادق سيد أحمد شامي، محام الطيب زين العابدين، أستاذ العلوم السياسية، جامعة الخرطوم حسن مكي، عميد مركز الدراسات والبحوث الأفريقية، جامعة أفريقيا العالمية زينب عباس بدوي، ممثلة مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان بالخرطوم سيد عيسى، محام شان مادوت، قاض طه ابراهيم، محام عبد السلام حسن عبد السلام، المستشار القانوني لمنظمة أفريقيا العدالة (لندن) ومنسق الورشة عبد المحمود حاج صالح، النائب العام الأسبق عطا البطحاني، رئيس قسم العلوم السياسية، جامعة الخرطوم فيصل محمد صالح، صحفي كمال الجزولي، محام وكاتب مجدي النعيم، المدير التنفيذي لمركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان محجوب محمد صالح، رئيس تحرير الأيام محمد سعيد الطيب، باحث زائر بمعهد راؤول وولينبيرج لحقوق الإنسان والقانون الإنساني الدولي، السويد محمد محجوب هارون، صحافي وأستاذ جامعي ندى مصطفى، مديرة المنظمة الأفريقية الصحة والتنمية، لندن
|
|
|
|
|
|