|
هل تحولت "العلمانية" لدين جديد يقمع مخالفيه
|
هل تحولت "العلمانية" لدين جديد يقمع مخالفيه تداعيات حظر الحجاب في فرنسا محمد أحمد إبراهيم الرياض – السعودية [email protected]
"من حق أي متدينة أن ترتدي غطاء للرأس ... والقرار خاطئ" كانت هذه كلمات راهبة كاثوليكية ظهرت في شاشات التلفزة وهي تشارك في مسيرة احتجاج على حظر الحجاب في فرنسا ، فقد كان اليوم السابع عشر من يناير للعام 2004م هو يوم "الحجاب العالمي" إذ انطلقت فيه مسيرات احتجاج في أكثر من 25 دولة تجاه السفارات والبعثات الدبلوماسية الفرنسية في مختلف أنحاء العالم في مناشدة جماعية منهم لباريس العدول عن مشروع قرار حظر الحجاب في المدارس والإدارات الحكومية الفرنسية باعتباره رمزا دينيا ، بالإضافة إلى دعوات كثيرة وحملات إرسال خطابات بريدية انطلقت أيضا في فرنسا ودول أخرى بهدف إيصال رسالة واضحة، مفادها أن عدد الرافضين لحظر الحجاب يفوق عدد المؤيدين له .
تأتي هذه التظاهرة بعد أن أعلن الرئيس شيراك دعمه لهذا الحظر ووجه البرلمان الفرنسي بسرعة تبني قانون خاص بمنع العلامات الدينية المميزة في المدارس وأماكن العمل قبل حلول العام الجديد . وبرر الرئيس شيراك قراره بـ " ضرورة تكريس واحترام العلمانية التي تقوم عليها الجمهورية لحماية القيم الفرنسية ، وعدم توظيف الحرية الدينية بشكل خاطئ لتصبح مصدراً للتمييز والاعتداء على حرية الآخرين "
لم تكن فرنسا - الحريصة دوما على "النمط العقلاني" في سياستها تجاه دول العالم وبالذات الدول العربية والإسلامية - تتوقع ردة الفعل العنيفة الناتجة عن هذا القرار ولا تداعياته الداخلية والخارجية ، والتي بدأت من مسلمي فرنسا " المعنيين بالقرار " لتنداح وتشمل العالمين العربي والإسلامي والمسلمين في بقية دول العالم . وبالرغم من أن المعنيين بالقرار هم المسلمين في فرنسا تحديدا ، إلا أن جهات أخرى عديدة من بينها منظمات حقوقية غير إسلامية وجمعيات علمانية وحتى كنسية شاركت في الاحتجاج لمسوغات أخلاقية باعتبار أن القرار يعد تدخلا سافراً في "حريات فردية" يجب التمتع بها وأن أي شخص له مطلق الحرية في معتقداته وممارسة شعائره الدينية دون أي تدخل من أي جهة حكومية أو غير حكومية ، طالما أنه لا يتعدى على حقوق الآخرين .
شيراك بهذا القرار "المتحيز" ضد المسلمين – والذي ربما كانت تقف وراءه جهات معينة عملت على تمريره – لا يكون فقط قد ارتكب خطأً فادحاً بمنعه الطالبات والموظفات المسلمات من ارتداء الحجاب وفقا لإرادتهن الحرة وأوامر دينهن ، ولكنه أيضا انتهك مبادئ العلمانية في فرنسا والتي تنادي بفصل الدين والممارسات الدينية عن الحياة العامة ، كما أن القرار يمكن أن ينتهي بالمسلمين إلى العيش في عزلة عن الآخرين ، حيث يمكنهم أن يتحركوا في اتجاه إنشاء مدارسهم الخاصة وأعمالهم الخاصة وينكمشوا في "جيتوهات" كالتي كان يعيش فيها اليهود مما يفقدهم التواصل مع الآخرين ويحد من مساهمتهم في المجتمع .
القرار أيضا يناقض المبادئ العامة للثورة الفرنسية نفسها والتي نادت بالحرية والمساواة والعدل مما يجعلنا نتساءل عن جدوى مثل هذا القرار وفي هذا التوقيت بالذات الذي يمر فيه المسلمين بأزمات حقيقية منذ أحداث الحادي عشر من سبتمبر ، إلا إذا صنفناه ضمن مجموعة الضغوط التي يواجهها المسلمين في الغرب منذ ذلك التاريخ .
ولكن .. "رب ضارة نافعة" فقد جعل هذا القرار المسلمين محط الأنظار في العالم الغربي ، وأظهرهم كقوة ضاغطة لا يجب الاستهانة بها وأن على الساسة الغربيين أن يعيدوا النظر عدة مرات قبل أن يصدروا مثل هذه القرارات التي تتعلق بعقيدتهم . كما أن من تداعيات القرار الجيدة أيضا أن لندن مرشحة لاستضافة مؤتمر دولي يضم معارضين بارزين وزعماء جماعات مناهضة للحظر الفرنسي للحجاب تضم مسلمين وغير مسلمين مما سيعزز من القضية ويعطيها بعدا دوليا خاصة وأن نحو 1.2 مليون مسلم بريطاني يخشون من مغبة تكرار تلك الخطوة الفرنسية في بريطانيا - مثلما فعلت بلجيكا- وذلك رغم تأكيد المسئولين البريطانيين لهم على أن ذلك لن يحدث.
وفي الولايات المتحدة الأمريكية خرجت جماعات إسلامية ويهودية وجمعيات للسيخ تمثل منظمات لحقوق الإنسان والحقوق المدنية والحقوق الدينية جنبا إلى جنب في تظاهرات احتجاج ضخمة أمام سفارة فرنسا بواشنطن وقنصلياتها المنتشرة بالولايات المتحدة ، غير الندوات التعريفية التي ستعقد في المدن الأمريكية الأخرى التي لا يوجد بها بعثات دبلوماسية فرنسية . كما أن المساجد في تلك الدول ستفتح أبوابها لاستقبال غير المسلمين الذين يرغبون في معرفة الأكثر حول الحجاب والدين الإسلامي بصفة عامة ، والسبب الذي دفع المسلمين لمطالبة شيراك بالتراجع عن طلبه بحظر الحجاب .
مهما كانت الأسباب التي دفعت الرئيس الفرنسي لإصدار مثل هذا القرار "المتعسف" ، وحرمانه لفئة دينية تعيش في سلام تحت حكمه من ممارسة حق أصيل مرتبط بعقيدتها من غير أن تتعدى على حقوق الآخرين ، مهما كانت تلك الأسباب "مقنعة" و "خطيرة " فإن القرار يعد "كبوة سياسية" تُحسب على الجمهورية الفرنسية وسجلها الطويل في مجال الحريات وحقوق الإنسان .
|
|
|
|
|
|