|
الوَرْدُ ينْبُتُ فِي العيلفُونْ
|
(في ذكرى المذبحة مرفوعة آلي ا رواح شهداء معسكر العيلفون) (1)
ما الذي يجعل النيل حرباء.. تخلع لوناً و تلبس لونْ؟ و قد شدّ أوصاله كالمصارعِ بعثر أمواجه في الضفافِ.. و أشهر سيف المنونْ! كان يرغي ويزبدُ.. يعلو ويهبطُ .. ثم استدار على بعضهِ يلفظ الطميَ.. يبحث عن صيده في جنونْ! والقرى والبيادر تحلم بالرزقْ والطيبونَ على ضفّتيهِ اطمأنّوا فقد طالما كان يُعطي ويجزلُ.. دون انتظارِ الثناءْ! ولكنه اليومَ جاعَ... وقد يأكل النيل أبناءه.. اذ يجوعْ!!
(2)
وفي ضفّة النيل في " العيلفونْ" أطلّ النخيلُ بأعناقهِ وشوشَ السعفُ للسعفِ ناحتْ على البعدِ " قمريّةٌ" ثم ران السكونْ ودبّتْ على الأرضِ رائحة الخوفْ! طارت الى الوُكناتِ الطيورْ تخلّى عن الضفةِ "السمبرُ".. الرهْو حتّى الأوزّ الذي كان في النهر.. أقلع للبرِ! انّ السكونَ الذي رانَ في الكونِ ليس السكونْ!! وثمةَ شيءٌ يدبّ على الأرضِ يزحف في الموج.. ينفث رائحةَ الموتْ شيءٌ تراه القلوب.. وتعجز كيما تراه العيونْ!! ..وفي الأفق ترنو الى النيل شمس تذرّ شعاعَ الأصيل على العيلفونْ وثمة شيءٌ يحومُ.. تراه القلوب.. وليس تراه العيونْ! والأوز الذي كان في النهر أقلع للبر ان الطبيعة تكشف أسرارها للطيورِ وتفتح أغوارَها للدوابّ لتنبئهم أن شيئاً.. يدبّ على الأرضِ ينفث ريحَ الخرابْ!!
(3)
.. وفي النقطة الصفرْ.. بين انتباهةِ عينٍ وغمضةِ عينْ تنادوا الى لجّة الماءِ ألقوا بأجسامهم في العبابْ اذ رّبما يمنح النهرُ حريةً ربّما يكسر القيدَ والأسرْ كان المعسكرسوط المذلة والقهرْ وكان المعسكر.. وصمة عارٍ على العيلفونٍْ كان حبل الغسيل الذى أرهقته العيوب!! فقد كان ينسج ثوب المنية للقادمينَ اليهْ يجهّز أكفانهم في الشمالِ.ِ. ليدفنهم في الجنوبْ!! تنادوا الى النهر والنهر أرْغَى وأزبدَ
كشّر عن نابهِ واكفهرْ هنا الموجُ يعلو وفي الخلف دوّى الرّصاصُ.. وأحْلى الخياريْنِ ..مُرْ !!
امتطى البعضُ زورقَ صيدٍ على الشطّ والبعضُ لاذ الى جذعِ سنط قديمْ طفى..ثم غاص بهمْ في العميقْ! كان السبيلُ الوحيدُ الى الانعتاقِ هو النهرُ..والنهر جاعْ وقد يأكل النهرُ أبناءه اذ يجوعْ !
(4)
وهاجَ المعسكرُ دوّي الرصاصُ الجبانْ! رصاصٌ يلعْلِعُ.. دنّس طُهْر المكانْ! رصاصٌ تساقط مثلَ المطرْ شواظٌ كفعل الجحيم انهمرْ رصاصٌ .. جحيمٌ .. قضاءٌ أمَرْ أتى من جميع الزوايا من البرّ جاءْ من الماء جاءْ تسّلل عبْرَ فروعِ الشجرْ
وهاج المكانْ! مطرٌ من دخانْ! مطرٌ في حشاهُ المنونْ مطرٌ في القفا والجبينْ مطرٌ من رصاصِ الزنادقةِ الملتحينْ !! وضعَتْ أمّنا الأرضُ أوزارَها ليس في ضفةِ النهرِ.. معركةٌ بين جندٍ وجندْ ولكنَّ في العيلفونْ رصاصاً يمزّق سحْرَ الأصيلْ وساعة نحسٍ تقولْ: هنا قاتلٌ يتعقّبُ خطْوَ القتيلْ!
(5) وفي عَتمةِ الليلِ.. والليلُ أغفى ورانَ على الضفتينِِ السكونْ مشي النهرُ هوْناً سرَتْ نسمةٌ في المكانْ ودبّ وراءَ السحابِ القمرْ رأى وجْهَهُ في العبابِ خجولاً ترى هل مضى زمنُ الشعْرِ والقمر العسجدي؟
(.. وجه القمر سافر يضوي شُعاع ونورْ)1 ............................................ ويا قمَرَ الأمس..فيمَ الكسوف؟ُ وأيْنَ البريقُ وأيْنَ الشعاعْ؟ وهل ذابَ حسُنكَ.. في ساعةِ النحْسِ .. ضاعْ؟ و أيْنَ الحبيبُ الذي .. يشتكيكَ الغرامْ؟ وأين المغنّي الذي أطْربَ الحيّ؟ وانْداحَ تحنانُهُ..بيْنَ "شمبات" و"ابْ روفْ" ؟! ........................................ 2(... يا ليلْ أبقالِي شاهِدْ على حُبّي وجنوني!!) .........................................
كان ليلُكَ يا ليلُ كلّ المُنَى والسلامْ! وكانت بدورك.. كانت نجومُكَ تضْحكُ .. تنْعسُ.. تسقطُ في النّهر والنّهْرُ يغدِقُ آلاءَهُ ينثر الخير للعالمينْ! ويا ليلُ هل ضاقَ صدرك بالجثثِ الطافحاتِ على النهر؟ هل ساءك النوْحُ أم شدّك البوْحُ؟؟
يا ليلُ كُنْ شاهداً.. أنّ ذاك الزمانَ مضى وأنّ الرياحَ التي حاصرتنا أتتْ.. من عيوبِ الزمان الجميلْ ويا ليل كن شاهداً .. أنّ أجمل أطفالنا قادمونْ سيأتون في الأحجيات .. وفي أغنيات الصبايا!! وأنّ الذين قضوا ساعة النحس .. يسعون في الطرقاتِ شعاعاً ويبقون في حدقات العيونْ! وكن شاهدا أنّ أحلامَنا لن تموت وأنّ الورودَ ستنبت حَمْراءَ .. في ضفةِ العيلفونْ!
فضيلي جماع لندن- القاهرة‘ 1999 1- لشاعر الحقيبة آبو صلاح 2- من أغاني الحقيبة
|
|
|
|
|
|