|
هل السودانيون متسامحون؟
|
هل السودانيون متسامحون ؟ الشفيع الجزولى email: [email protected] /- /الدوحة من حين لآخر ، ترد في مقالات الباحثين والكُتّاب ، أحاديث عن تسامح السودانيين والدعوة للعوده لما أسماه الباحث الدكتور خالد المبارك ، تراث التسامح، في مقالة نشرت بسودانايل . وقد أورد الكاتب قصة شهيره ، فحواها أن اتحاد العمال السودانيين ، الذى كان على قيادته الشيوعيين في مطلع الخمسينات من القرن الماضي ، تفاجأ بزيارة ينوي القيام بها وفد نقابي صيني ، ولما كان الاتحاد مفلساً وليس لديه المال الكافي لإستقبال الوفد ، قرروا جمع تبرعات من القادريين . وعند ذهابهم للسيد عبدالرحمن المهدي ، أبدى إستعداده للتّكفل بكل المصاريف ، مانعاً إياهم من الاستمرار في جمع التبرعات . بادئ ذى بدء ، نحاول إجلاء ما نعنيه بالتسماح في مقالتنا هذه . دون الدخول في معمعة التعريفات نعيد ما أتفق عليه طالبي الديمقراطية وحقوق الإنسان في معنى التسامح ، ألا وهو قبول الآخر المختلف في رأيه وفكره ودينه وأصله وفصله . وهذا القبول ليس قبولاً نظرياً أو قبولاً عاطفياً وإنما يعني قبول التساوي في الحقوق والواجبات المدنيه في ظل دستور المواطنه . وعلى ضوء ما سبق ، نرى ما إذا كان السودانيون متسامحون ! أول ما يتبادر إلى الذهن ، ما إذا كان يستقيم عقلاً أن يكونوا متسامحين في الوقت الذي يتقاتلون فيه تسع وأربعون عاماً متواصله . تاريخ السودان ملئ بأخبار الإقتتال . فمآسي التصفيات التي نفذها تحالف الفونج والعبدلاب ضد النوبيين ما زالت جاريه على الألسُن رغم مرور 500 عام عليها ، وذلك إنما يقف دليلاً على قسوتها . فالنوبيون ما زالوا يلعنون يوم سوبا ، تماماً مثل لعن الشيعه ليوم كربلاء . وتاريخ المهديه زاخر بأخبار المذابح والقتل . فأهل المتمه ، ما زالوا يروون تفاصيل المذبحه التي قادها محمود ود أحمد ضدهم ويصفون كيف كان المولود يُرمى إلى أعلى ويتم تلّقيه بالحربه أو السيف ، وعن أن النساء ألقت بأنفسهن في النهر مفضلات ذلك على السبى ومذبحة البطاحين اللذين سُلخت أقدام منْ تم أسرهم ، حيث ساقوهم للمشنقه وأرجلهم تنزف الدم . وحين إختلف ود جار النبي ، وهو أحد قادة المهدية ، مع على ود حلو ، حُكم عليه بالإعدام وأثناء سوقه إلى لحبل المشنقه أصّر على فك قيده ، قائلاً ، أنه لن يسير مقّيداً أمام الناس ، فأمر الخليفة بقطع رجليه من الكعبين وأُخرج القيد منهما دون أن يفك . ومنذ عام 1955 وحتى هذه اللحظه التي نكتب فيها ، ما زال الإقتتال هو الفعّال. وما ارتكبته الحكومات العسكرية من قتل وتعذيب لأبناء جلدتهم لا يحتاج إلى بيان . يخطئ من يُلصق تهمة رفض الآخر والقتل بالحكومات العسكرية وحدها ، فالحكومات المدنيه أيضاً فعلت ذلك مع إختلاف قليل في المستويات ، والأمثله على ما نقول كثيرة نذكر منها ، المؤامرات التي حاكها قادة وزعماء الأحزاب ضد بعضهم البعض وإقامة الائتلافات غير المبدئيه والتي سميت خطأً بالديمقراطية. ومنها طرد نواب منتخبين من البرلمان بعد ليّ عنق الدستور ورفض قرار المحكمة العليا في ذلك . وليس آخرها قتل الجيش في حكومة المحجوب الثانية المدنيين في الجنوب بالجُملة . والتي لم يجد لها المحُدِثون وصفاً غير أنها كانت تصفيه عرقيه . يثير دهشة من يستبصر الأمور بعنايه ، كيف يَلصق البعض صفة التسامح على شعب هذا حاله ؟. ذلك تاريخ أغلبه قتل وعُنف ، والقتل ، إنما هو أقصى درجات رفض الآخر ، إذ يتحول رفض الرأي إلي رفض كامل لوجود حامل ذلك الرأي . وفي محاولة لمعرفة أصل هذا الإدعاء بالتسامح ، نجد أن هناك خلط بين التسامح بالمعنى الذى قصدناه والمساومه التي جبل عليها السودانيون . والمساومه فيما نعتقد نوعان ، مساومه إيجابيه مطلوبه وأخرى سلبيه مرفوضه وما يمارسه السودانيون هي الأخيره ، تلك التي لا تدع الامور تصل الي غاياتها ويُعّبَر عن ذلك بمقوله (( باركوها )) وهي بدورها مستنده على ما يمكن تسميته بقانون (( الخاطر )) وقوة (( الخاطر )) في المجتمع التقليدي لا يحتاج إلى شرح ، حيث يجبر الفرد على القيام بما ليس في قناعته . ولا يستطيع تجاهل ذلك وتجاوزه إلا جسور . ونظن أن تلك إحدى الأرضيات التي نشأ عليها قانون عفى الله عن ما سلف ، ذلك بجانب دواعيه السياسيه . وبعد هذا ، نظن أننا لا نعدو الحق إن قلنا أن ما قام به السيد عبدالرحمن المهدي ، طيب الله ثراه ، نحو النقابيين الشيوعيين ، كان كرماً من زعيم غني ومقتدر ، ولا شأن لذلك بالتسامح . أجدى وأنفع للسودانيين إعادة النظر فيما يصبغونه على أنفسهم من صفات ليست فيهم ، وهي كثيرة ، ولا مناص من ذلك إن كنا نريد بلوغ التسامح بالمعنى المطلوب . إن مصطلحات ومفاهيم النقد والنقد الذاتي والسؤال والمحاسبه والإعتزار وكلمات من قبيل آسف وشكراً ، ما زالت تشق طريقها في قاموسنا السياسي والثقافي بصعوبه ومجاهده إن لم تكن بمجالدة . فتلك هي المفاهيم التي لا يستقيم التسامح دون الإعتراف بها وممارستها ، فماذا نحن فاعلون ؟ الشفيع الجزولى
|
|
|
|
|
|