|
الراحلون في مسامات الليل
|
قصة قصيرة الثالثة صباحا أو ( الراحلون في مسامات الليل ) راشد أوشي الثالثة صباحا . . . . . . لبعا (عزرائيل ) يق دفاتره وينتقي ميقاته المفجع ، بينما كنت داسقط في جب الأحلام المتضاربة ، قلب (عزرائيل ) الصفحة وتسلل العم (بشير )إلى قاع الليل وصار ينادي الموتى : - يا (عوض) ! يا (صالح)! يا (محمد) أنى آتى ! (محمد) كان هناك ، ينتظر قدوم روح تسكن بجواره ، في مساء اليوم الثالث لاندماج العم (بشير) في عالمة الفسيح قال أحد أبنائه : عند الواحدة والنصف صباحا أيقظني صوته الضعيف المضطرب ، طلب مني اجلس بجواره وابحث عن الروح في جسده ، كان يريد كعادته دائما ، أن يعرف كل شيء ، تحسست رجله اليسرى فوجدتها كالصقيع في ليل الشتاء المظلم ، أدركت انه سيذهب ويتركنا نتخبط في دموعنا ، لن يعلو له صوت غدا ، لن يخرج كرسيه ويجلس تحت الشجرة ، سيسقطه الشارع من ذاكرته ، لن يساوم المرض أو الموت بعد الآن قال وهو يبتسم الشيء الذي فعلته تلك الليلة أنى توضأت وصليت وتوسلت لعزرائيل أن لا ياخذه ) . الثالثة صباحا . . . . . . كالأصوات التي تندلق من مغارات سحيقة ، كنقر الخوف علي حلمي ، كالانزلاق في بؤرة تسبح في الظلام ، أصوات/ ريح / وشوشة / هدير / همس / لغط / بكاء / عويل / دفوف / كل هذا انحدر نحوي وارتطم بحلمي الأخير وتناثر / وجوه / شفاه / عيون / دموع / شخوص / جنازة / ، عندما فتحت مسام الرؤية فاجئني الضوء الساطع ، في الشارع ،كانت هناك أقدام وأصوات تهرول وأشياء تتساقط ، عندما رحل العم (بشير) صرخت بناته ونتفن شعورهن وركضن خلف جثمانه وتساقطن . في الثالثة صباحا . . . . . كان ( أمشير) يجرح دموعنا ويجمد أطرافنا ، كنا نركض ذاك يأتي بطورية ، وذاك يرمي مجراف علي كتفه ، ثم تجمعنا أمام البيت الذي شهد وجود الراحل وغيابه ، كانت النسوة يثكلبنا، ، بعد قليل أتت العربة وقفزنا علي ظهرها وانطلقنا نسلك الطرقات الخاملة ، خلف ظهورنا رمينا نباح الكلاب و خشخشة أوراق الشجر الميتة وأعمدة الكهرباء المنتصبة في ضجر ، كانت العربة تهتز و تترنح بعنف ، كنت أفكر في الذي رآه الميت قبيل مغادرته عالمه الصغير ودخوله الملكوت الأعظم ! الثالثة صباحا . . . . . . . . . . ويذوبون في المدى المجرح بالسؤال، يتجاوزون بقايا ذكرياتهم ويقبرون أحلامهم ويتفاعلون ويولدون في كفن ، يرون النعوش تتأرجح أمامهم ، لمن تلك الغيوم الغابرة ؟! ، سيكون الأمر كالمرور بأمكنة وأزمنة في لحظة تاريخية ينهزم فيها الوزن وكيمياء الزمن ، لم يحدث أحد الموتى حتى الآن بآخر ما روي ، كان الجسد يتهيأ لرحمه القديم، الأرض رحمهم ومبعثهم الجديد ، في اليوم الثالث لرحيل العم ((بشير)) حكي أحد أبنائه : (( كان الأمر في غاية السرية ، كل الروي كانت تخصه وحده كان يبتسم ، وأحيانا يعبس وجهه ، كان يمد يده وكان سيقبض روحه ، كان يهمهم ))!! الثالثة صباحا . . . . . بينا العربة تلهث وأمشير يرمينا بحبه القاسي ، حاولت أن أعيش اللحظة التي نبدأ فيها بفقدان كل شيء ، رسمت صورة لنعشي وتخيلت الملائكة تخرج من كتفي وتعرج صوب الغيوم الداكنة ، بيد أن فشلت في الخروج برؤية واضحة للحظة التي أغادر فيها أمي وأخواتي وأصدقائي والجيران ، اللحظة التي تبدو كخفقات وومضات بعيدة ، كحيوات خاصة كتب علي كل واحد منا أن يعيشها منفرد ومتوحد اكثر مع نفسه كصفاء الموت كسكوت الريح وزمجرة (أمشير) .!! الثالثة صباحا . . . . . زمان الموت / في صحوته المنتفضة / لم يقدم رجلا أو يؤخر أخرى ، كنا قد انطلقنا وعقارب الساعة ترتعش وتزحف نحو الثالثة ، كان يفترض أن نكون عند مشارف المقابر عند الثالثة والنصف صباحا ، بيد أن شيء من هذه الافتراضات لم يصدق ، عندما نظرت الساعة وجدت العقارب جميعها متجمدة ، إحداها كان عند منتصف الليل ، إحداها عند الثالثة تماما ، وإحداها زحف قليلا ثم تجمد في منتصف المسافة ، كنا قد قطعنا شوط لا بأس به ، كانت النجوم الآفلة تحدد اتجاهها ، كانت الطرقات تتدفأ بذكريات وتخاصم نباح الكلاب وصرير الصراصير و فظاظة الليل الجارح ، كان ((أمشير )) يصفعنا وجوهنا بقوة ويفصد دموعنا بلذة ، كنت أفكر : الليلة طوي العم ((بشير)) آخر ذكرياته وانسرب في الليل الغشيم ، لم يفعل سوء ، لم يزجر زوجته ، ولم يسب أحد ، لم يكذب ، بل صلي العشاء واغمض غمضته الأخيرة أنت لم تفعل شيء من هذا ، لا أحد يعرف متي يأتي الموت ، غدا أو ربما الآن ، السيارة تسير بسرعة كبيرة ، يمكن لأحد إطاراتها أن ينفجر ، يمكن أن يلوح شبح في الطريق ، يمكن للعربة أن تدلقك في جوف العالم الثاني ، ماذا فعلت لهذه اللحظة ؟! ، لم تصل العشاء ليلة البارحة ومارست العادة وصحوت علي أصوات أقدام تهرول ، تري كيف ستلاقي وجهه الأكرم وأنت نجس ؟! كم مرة خرجت في جنازة ، في كل مرة كنت تري الموت أمامك وتفكر في أنثى ، هذه المرة قد لا تجد الوقت الكافي لتفكر ، قد تشيح الدنيا بما فيها بوجوهها وتنكفي العربة ، لماذا ينحدر بنا الموت إلى الأسفل. . ؟! الثالثة صباحا . . . . . وصلنا . . . . . هبطنا . . . . . ضربنا الأرض حتى قالت كفي . . . ضربت بقوة ، حتى اقهر أصوات الدفوف داخلي ، حتى أنجو من خبلي ، حتى ينتهي العمل ونرتمي علي ظهر العربة ونغفل عائدون . ضربت . . . . . - يا (عوض) ! ضربت . . . . . يا(صالح)! ضربت . . . . . - يا (محمد) أني عائد !! ضربت ،حتى يموت خوفي وترحل أصوات الدفوف عني ، حتى يخرج الصباح أنفاسه الأولى ، في غمرة إحساسي بالخوف لم الحظ أن الرفاق قد توقفوا عن العمل وراحوا يبحلقون في وطيف ابتسامة يلوح في شفاههم فجأة ، انفجرنا ضاحكين ، هع ، ضحكنا ، هع ، ضحكنا . . . . .!! الثالثة صباحا . . . . . استوي القبر علي عرشه وتساقطنا أرضا ، ومن بعيد بدأت الأضواء تلوح وتنحسر . . . . . الثالثة صباحا . . . . .!! يونيو/2002 كوستي
|
|
|
|
|
|