|
6/العلمانية، الحوار، والإنتظار المؤجل/خالد الحاج عبدالمحمود
|
بسم الله الرحمن الرحيم "and#1649;للَّهُ and#1649;لَّذِىand#1619; أَنزَلَ and#1649;لْكِتَـand#1648;بَ بِand#1649;لْحَقِّ، وَand#1649;لْمِيزَانَ، وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ and#1649;لسَّاعَةَ قَرِيبٌand#1773; * يَسْتَعْجِلُ بِهَا and#1649;لَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِهَا، وَand#1649;لَّذِينَ ءَامَنُواand#1759; مُشْفِقُونَ مِنْهَا، وَيَعْلَمُونَ أَنَّهَا and#1649;لْحَقُّ، أَلَآ إِنَّ and#1649;لَّذِينَ يُمَارُونَ فِى and#1649;لسَّاعَةِ لَفِى ضَلَـand#1648;لٍand#1773; بَعِيدٍ" صدق الله العظيم الإنتظار المؤجل: يقول البيان، بعد أن ذكر أن دعاة الهوس الديني حجبوا الفكرة عن الشعب، يقول: "ونحن بطبيعة الحال نتطلع إلى اليوم الذي يقتنع فيه شعبنا بهذه الفكرة، ويسعى لتطبيقها".. هذا قول غريب، أنتم تزعمون أن التطبيق إنما يأتي عن طريق اقتناع الأغلبية، وتنصرفون عن الدعوة، إلى العلمانية، فكيف السبيل إلى إقناع الشعب، بعد انصرافكم عن دعوته، طالما أنكم ترون أن تشكيل الأغلبية هو الذي يأتي بالفكرة الأمثل!؟ أنتم في بيانكم، لا تتحدثون عن الوقت، ولا عن المسيح، وإنما عن تكوين الأغلبية، وفي نفس الوقت تنصرفون تماماً عن العمل على تكوين هذه الأغلبية، بانصرافكم عن الفكرة، إلى العلمانية.. هل عدم إقتناع الشعب سبب موضوعي، للانصراف عن الفكرة لغيرها!؟ الأمر الطبيعي أن نقول طالما أن الشعب لم يقتنع بالفكرة، فمن واجبنا أن نعمل على إقناعه، لا أن نترك الفكرة مؤقتاً.. هل ستدعون للفكرة، وتوضحونها بالصورة التي تكون بها مقنعة، بعد أن يقتنع الشعب بها!؟ هذا هو منطقكم، وهو منطق غريب جداً. الفكرة في الأساس هي دعوة لـ"طريق محمد صلى الله عليه وسلم".. وفهمها ميسور جداً.. وحتى "تطوير التشريع" الذي تقوم عليه الدعوة، هو من البساطة بحيث يمكن أن يفهمه أي إنسان.. فالفكرة خطاب للناس، في مستوى ما يدركون، وتكليف لهم في مستوى ما يستطيعون.. والذين التزموا الفكرة ليسوا صفوة، ولا هم أذكى من غيرهم.. الفكرة هي دين الأميين.. كل ما هنالك، أن الله تعالى وحده، هو المتكفل بنصرتها، في الوقت الذي يختاره هو.. وعمل الجمهوريين، قاصر فقط على الدعوة لها، والتبشير بها.. الفكرة دعوة للإسلام، والله تعالى متكفل بنصرة دينه، وهذا أمر حتمي.. المشكلة، كلها في الإيمان.. فإن كنتم تؤمنون أن الهداية على الله وحده.. وأنه تعالى وعد بأنه سيهدي الناس ـ كل الناس ـ لدينه، بحيث ينتصر الإسلام على الدين كله.. وأن الله تعالى قادر على فعل ما وعد به، فهو فعَّالٌ لما يريد.. وأن وقت تنفيذ أمره هذا قد حان، وأذن أن تجئ به البشارة، وأعدَّ له الأرض إعداداً تاماً، بالحاجة إليه، والطاقة به.. إذا آمنتم بهذا، لما خطر ببالكم، مجرد خاطر، ما تقولونه، من التعويق والتشويه والتحريف المتعمد، فكل هذا، هو نفسه مراد من الله، ولا يمكن أن يحول دون الفكرة بصورة دائمة.. ولم يحدث في أي يوم من الأيام، أن قيل لنا أن الفكرة، سيستجاب لها، وتنتصر بالدعوة لها.. بل قيل لنا، أنها لن تنتصر إلا "إذا جاء الإذن وجاء المأذون.. إلا إذا جاء الوقت".. وثقافة "الوقت" أصبحت معروفة، حتى عند غير الجمهوريين، عند من لهم إلمام بالفكرة.. والنصوص القاطعة، في هذا الأمر، كثيرة جداً، في كتب الفكرة.. فالقضية ليست التشويه المتعمد، ولا عدم المقدرة، وإنما هي قضية واحدة، واضحة، هي "الوقت". ولكنكم، لا تردون الأمور إلى الله، وتغيِّبون الحقيقة وتُحَكِّمون عقل المعاش وحده، فتنصرفون عن أمر الله، إلى أمركم، أو ما تتبعونه من أمر غيركم!! فأنتم تتبنون العلمانية، وما جاءت الفكرة إلا كبديلٍ لها، لأنها عملياً فشلت في حل مشكلات الإنسانية المعاصرة.. وتتحدثون عن فصل الدين عن الدولة، كحل.. وأساساً لا يوجد دين حتى يفصل أو لا يفصل عن الدولة.. القضية تتعلق بواقع تاريخي في الغرب.. ومرشدكم يجزم بأنه لا توجد دولة دينية، ولا يمكن أن توجد، وعليه الحديث عن فصل الدين عن الدولة، حديث لا معنى، ولا قيمة له، وإنما هو مجرد غطاء ـ مكشوف ـ للتحول للعلمانية.. والعلمانية تمثل الواقع، فهي ليست في حاجة إليكم، وتحولكم إليها لا يقوم على شئ، أكثر من التنازل عن الفكرة.. أما الدين أو العلمانية.. أما الفكرة، أو الواقع العلماني الذي تدعو الفكرة إلى تغييره.. والأمر لا يحتاج إلى ذكاء، لندرك أنه إذا لم يجيء الوقت سيظل الواقع علمانياً كما هو.. ليس في السودان وحسب، وإنما في كل العالم.. والاخوان المسلمون، ليس لهم فكر، يمكن أن يغيِّر العلمانية، ويأتي بالإسلام كبديل.. فمهما حكموا، فلا شئ يتغير.. والتغيير أساساً، لا يتم بمجرد الحكم.. فحتى إذا جئتم أنتم إلى الحكم، وحكمتم، ليس السودان فحسب، وإنما العالم أجمع، فلا يمكن أن يتم أي تغيير إيجابي!! البديل، الذي يطرحه البيان، هو فصل الدين عن الدولة، وإقامة نظام حكم ديمقراطي، يقوم الآن، ولفترة إنتقالية، على أساس فصل الدين عن الدولة.. وإبدال المرجعية العنصرية، بمرجعية إنسانية، تحكمها المواثيق الدولية لحقوق الإنسان ثم إقامة المنابر الحرة وحمايتها.. كل هذا الذي تقولونه موجود في العالم، ومع ذلك مشكلاته في ازدياد!! ولا أدري ما هي المرجعية العنصرية التي يراد التحول عنها.. في الواقع، لا توجد في السودان أي مرجعية عنصرية، حتى لو وجدت بعض مظاهر العنصرية، لكنها ليست مرجعية.. كل هذا مجرد كلام إنشائي لا قيمة له.. وهو مجرد ترديد لأقوال النعيم. المرجعية الإنسانية التي تحكمها المواثيق الدولية لحقوق الإنسان، هذه مرجعية النعيم، التي يقول عنها: "من وجهة نظري، فإن الإطار التوجيهي لحقوق الإنسان، كما شرحته باختصار آنفا، يوفر وسيلة لتحقيق وتجسيد هذا الإجماع والتضامن، كما يوفر أيضا المضمون المعياري للعدالة الاجتماعية والحرية الفردية التي يجب على المجتمع المدني الكوكبي أن يسعى لتحقيقها". فحقوق الإنسان، كما هي في المواثيق الدولية، ليست مرجعية بالمعنى الديني الذي أضفاه عليها د.النعيم.. والجوانب الإيجابية منها لا تجد التطبيق، في الدول التي تتبنى هذه المواثيق وتعمل على فرضها.. بل هذه الدول ـ الدول الكبرى ـ هي أكبر من يخرج على مواثيق حقوق الإنسان، بصورة سافرة.. أكثر من ذلك، وأخطر، هو أن الإنسان نفسه معرض للفناء، في ظل سيادة النظام العلماني.. فهو قد أوجد من السلاح ما هو كافٍ لفناء الحياة على الأرض.. واستخدام هذه السلاح أمر وارد في كل وقت.. وظهور شخص مثل هتلر، أمر وارد.. وقد ظهر قبل هذا، ولا يوجد ما يمنع أن يظهر من جديد.. فقضية السلام هي المحك.. ومن المستحيل أن يقوم سلام، في إطار الواقع العلماني السائد، الأمر الذي يجعل التغيير، على مستوى العالم ضرورة. على كلٍ، إذا كان التغيير، يتم عن طريق ما تزعمون فلا توجد أي حاجة للفكرة. يقول أصحاب البيان: "ثم إن نظرنا إلى غايتنا النهائية، لا يزال قائماً في كل حين"!! إنكم تخدعون أنفسكم!! ما هي غايتكم النهائية!؟ هل هي الفكرة وانتصارها!؟ كيف يكون نظركم لا يزال قائماً وأنتم الآن انصرفتم عن الأمر!؟ أول شروط الإنتظار، وأدب الإنتظار، الإيمان بأن أمر الله قد أظلَّ، وهو محتمل الوقوع في أي لحظة، وهذا ما هو غائب عند أصحاب البيان، كما بيَّنا.. فأساس الإنتظار عندهم غائب، فحديثهم عن الإنتظار، ليس أكثر من خداع للنفس.. على كلٍ، زعيمكم النعيم يقول أنه ليس "وقتجياً"، ولو جاء المسيح الآن لن يغير شيئاً إذا لم يغيره بنفسه "إذا جاء المسيح الآن، لن يحل مشكلتي إذا لم أحلها بنفسي".. (الحلقة الثانية نص رقم 51). فأنتم أساساً تتبعون طرح النعيم، فالطبيعي أن يكون انتظاركم كانتظاره.. إنكم تنتظرون أمركم، لا أمر الله.. انتظاركم هو ما جاء في قولكم: "ومن هذا الصراع الفكري الحر، ستجيء الفكرة الأمثل، وستلتف حولها الأغلبية، فيكون بها النظام المنشود"!! هذا ما تنتظرونه، حسب قولكم.. هذه الفكرة التي ستجيء بطريقتكم، هذه فكرتكم أنتم، وليست الفكرة الجمهورية، كما هي عند الأستاذ محمود.. فالفكرة الجمهورية، كما هي عند الأستاذ، لن تنتصر إلا بما قاله الأستاذ: مجيء إذن التطبيق ومجيء المأذون، كما أوردنا النص.. وهي حين تجيء، لن تلتف حولها الأغلبية في السودان وإنما الجميع، وفي العالم كله!! فبديلكم هذا، لا علاقة له بالفكرة، ولا يمثلها في شيء، وإنما هو طموحات ذاتية عندكم، تقوم على وهم أنكم يمكن أن تصبحوا حكاماً، عن طريق استغلال الفكرة.. وهو تطلع مستحيل!!. حكمتك يا رب!! يستبعدون أمر الله، وينتظرون أوهامهم!؟ في الواقع أنتم لم تعودوا أصحاب رأي!! ليس لكم أي رأي.. وهذا ما يفيده قولكم: "ولكن لا يكفي ان تصدر كل جماعة بياناً، وإنما يجب ان تسعى هذه الجماعات المختلفة، لتتحاور مع بعضها البعض، وتصل الى مباديء عامة، يمكن الإتفاق حولها وتطبيقها".. هل هذه هي الوحدة الفكرية، التي تتحدثون عنها، عندما قلتم: "وليس وراء الوحدة العاطفية، غير الوحدة الفكرية، التي هي السبيل الوحيد، لإحداث ثورة التغيير".. على كلٍ، بيانكم لم يذكر غيرها. أية علمانية!؟: ما هي العلمانية التي يتبناها دعاة البيان، عندما يدعون لفصل الدين عن الدولة!؟ العلمانية في أي مستوى من المستويات، وفي أي معنى من المعاني، تقوم على مبدأيين أساسيين هما، أولاً: الدنيوية.. فكلمة علماني مأخوذة من النسبة لهذا العالم ـ الدنيا.. فالعلمانية منذ أن نشأت، نشأت ضد دعوة الكنيسة، بنعيم الآخرة، التي يضحى لها بنعيم الدنيا، ودعت إلى النعيم في هذه العالم، في الدنيا، ورفضت الآخرة، ورفضت كل ما وراء.. رفضت الغيب، وركزت على المشهود، المحسوس.. أما الأساس الثاني، فهو العقل، وحريته، بعيداً عن التصورات الدينية، التي يتبناها رجال الدين.. ففصل الدين عن الدولة، يعني فصلها عن المرجعية الدينية، في توجيه قضاياها.. فالدين ليس هو المرجعية، وإنما المرجعية هي العقل وحده.. فلا التشريع، ولا الأخلاق، ولا أي شأن من شئون الدولة والناس، يقوم على مرجعية الدين، وإنما كل شئ يقوم على مرجعية العقل وحده، وفي إطار العمل لهذه الدنيا، ولا شئ غيرها.. فأول ما يُفصل عن الدولة هو الله، ومرجعيته.. ومعه الآخرة، وما يتعلق بها من وعود.. هذا هو الأمر المشترك في جميع التصورات العلمانية.. وبعد هذا الأمر المشترك، هنالك اختلافات كثيرة بين العلمانيين.. فمجرد قولك فصل الدين عن الدولة، يعني فصل البعدين المذكورين، من أبعاد الدين.. العلمانية لا تمنع أن يكون الله موجوداً.. ولكن في حالة وجوده، لا دور له في هذا العالم، حتى ولو كان هو الذي خلقه.. فقد ترك قوانين الطبيعة وحدها، لتسييره، ولذلك لا ينبغي إقحامه، في أي شأن من شئون هذا العالم.. أما العقل، فهو صاحب كفاية ذاتية، لحل جميع مشكلات العالم، ولا يحتاج إلى إعانة من خارجه.. وهكذا، أي صورة من صور المرجعية الدينية مبعد، عند العلمانية في أي مستوى من مستوياتها. ولكن أصحاب البيان، من المؤيدين لدكتور النعيم، المنافحين عن طرحه، وفي بيانهم هذا هم يتبنون مقولاته الأساسية.. هم شركاء له في ما جاء في البيان، ولذلك العلمانية التي يتحدثون عنها هي علمانية النعيم.. وقد قالت الأستاذة أسماء محمود مثلاً: "بجد نفسي متفقة مع النعيم في كل طرحه، بما في ذلك الدعوة للدولة المدنية، وأعتبره يعبر عني تماماً".. لقد سبق أن قلت أنني لا أعتقد أن الأستاذة أسماء تعرف طرح النعيم، ولكن هذا لا يعفيها من مسئولية تأييده.. علمانية النعيم تقوم على استبعاد المنطق الديني، والأخذ بالمنطق المدني.. وعنده المنطق الديني ذاتي ويقوم على العقيدة، فهو لا يستطيع حل مشكلات الدولة الحديثة، بكل تعقيداتها.. والدين يقوم على الإختلاف، ولا يمكن أن يحقق الإتفاق ...إلخ. موقف النعيم من الله، يعبر عنه قوله: "أنا لا أفكر في سبب إيماني بالله. هذا الموضوع لا يهمني إطلاقا. بل أنا لا أفكر فيه حتى. ولا أهتم أن أوضح أسبابا لذلك. أنا لا أحتاجه، لأدافع عنه أمام أي شخص، وبالمناسبة هذا هو السبب الذي قادني إلى قناعتي السياسية بوجوب تطبيق الدولة العلمانية".. هام جداً، الوقوف عند الجملة الأخيرة.. فما قاده إلى وجوب تطبيق الدولة العلمانية هو موقفه المذكور من الإيمان بالله، وليس حكم الاخوان المسلمين، أو الهوس الديني.. ولذلك قول البيان، هذا قول مضلل.. ويواصل النعيم فيقول: "لأكون واضحاً، أنا لا أهتم كثيراً بأن أقنع الناس الذين لا يؤمنون بالله، بأن الله موجود.. هذا ليس واجبي.. بالنسبة لي شخصياً، هذا أمر ليس من أولوياتي أنا لا أهتم إن أصبح كل العالم مسلمين، أو ظلوا مسيحين بالنسبة لي هذا الموضوع غير مهم".. وجود الله أو عدم وجوده، عند النعيم أمر غير مهم، الأمر كله ليس من أولوياته.. وتكتمل صورة موقف النعيم من الله، عندما نرجع إلى مبدأ (الواسطة البشرية)عنده، وإلى تصوره لله.. فعنده الذي يفعل في حياة البشر هو الواسطة البشرية، وليس الله، وهذا مبدأ أساسي من مبادئه.. ولقد سبق أن أوردنا النصوص في ذلك.. وأهم من هذا تصوره لله.. فالله عنده كائن يخضع للواقع والطبيعة، أسمعه يقول: "ولكن الأمر فيما يخصني هو أن هذا هو موقفي! وهذه بالطبع هي عقيدتي في كيفية حدوث الأشياء في الكون. فأنا لا أعتقد أن الله يفعل الأشياء في هذا الكون بطريقة متجاوزة للوجود المادي أو خارقة للطبيعة. إن الله يفعل في الوجود عبر الواسطة البشرية.. فالبشر هم الذي يتصرفون ويتخذون المواقف.. إننا نحن البشر من نفعل أو نفشل في الفعل.." (الحلقة الثانية نص رقم 6) هذا هو مستوى إبعاد الله في علمانية النعيم.. فهو لا يحتاج لله، والله نفسه لا يعمل بصورة تتجاوز الوجود المادي، وخارقة للطبيعة.. فهو مثله مثل أي كائن، مقيد بالمادة وقوانين الطبيعة!! وأهم من ذلك عند النعيم، أن الفاعلية للبشر، فهم من يفعلون أو يفشلون في الفعل.. هذه هي أهم نقطة في فصل الدين عن الدولة.. وهي تجعل بوضوح، الفصل، هو فصل الله عن الدولة، للاعتبارات التي ذكرت. ولما كانت عند النعيم، الفاعلية للبشر، فلا شيء يخرج عن فعلهم، فهم وحدهم الذين يفعلون أو يفشلون في الفعل.. وعلى هذا الأساس، يقرر النعيم أن كل شيء صناعة بشرية، بما في ذلك الدين نفسه.. وهذا يشكل جوهر علمانية النعيم، والمبدأ الأساسي فيها.. وفي هذا الصدد يقول د.النعيم: "كمسلم، فأنا دائما أطلق التقرير (الهرطقي) أن الدين علماني، وهذا القول ربما يبدو متناقضاً، في العبارة. ولكن واقع الأمر هو، أنه ليس لنا من سبيل لأن نعتنق الدين، أو نعقله، ونتأثر به، أو نؤثر فيه، إلا عبر الواسطة البشرية. فواسطتنا، كبشر، هي العامل الحاسم في تحديد، وتعريف، ديننا. وبهذا المعنى فإن الدين علماني.. الدين من صنع البشر.. وموقفي هنا، هو أن أؤكد علمانية الدين، هذه، التي أتحدث عنها، حيث يمكن، من هذا المنطق، إخضاع الدين للسياسة، أي جعله عنصراً، وذخراً، سياسياً.. وهذا المفهوم ينطبق، بنفس المستوى، على الثقافة.. فأنا، عندما أتحدث عن الدين والثقافة، إنما أتحدث عنهما بنفس المعنى، أي بمعنى أن كلاهما من صنع البشر، وأن كلاهما يمكن إعادة صنعهما، من قبل البشر"!! (الحلقة الثانية نص رقم 5) الدين عند النعيم، علماني وصناعة بشرية.. وهذا يعني أنه يتعلق بالدنيا فقط، ويعتمد بصورة كلية على العقل وحده.. هذه هي علمانية النعيم التي يتبناها أصحاب البيان، ويقدمونها للشعب السوداني، ويزعمون أنها في الوقت الحاضر هي الحل.. فالإسلام، مستبعد بصورة مبدئية، ونهائية، وليس في المرحلة فقط كما زعم البيان.. وعند النعيم، حتى في الماضي، لم يكن الإسلام هو سبب صلاح المسلمين، فهو يقول: "أن المسلمين لم يصبحوا بشراً صالحين بسبب أنهم مسلمون، كما أن المسيحين لم يصبحوا مسيحين صالحين، بسبب أنهم مسيحيون، وهلم جرا".. وهذا يعني أن الدين لم يكن سبباً لصلاح البشر، ولن يكون. علمانية النعيم، تستبعد الدين بصورة قاطعة، ولها أبعاد أخرى، أشرنا لها.. فمن مبادئه الهامة النسبوية الذاتية، في الفكر والأخلاق.. فقد رأينا أنه عندما يتحدث عن إسلامه، فهو يعني إسلامه هو الخاص، وليس الإسلام العام، أو إسلام بقية المسلمين.. وهذا، عنده، ينطبق على كل إنسان، فالجميع نسبويون.. وأساساً، عنده، يوجد أفراد فقط، ولا يوجد مجتمع.. وكذلك الحال بالنسبة للأخلاق.. عنده، لا توجد أخلاق مسبقة، ولا قيم أخلاقية ثابتة، وإنما الأخلاق، هي ما يختاره الفرد لنفسه، فهو يقول مثلاً: "بالنسبة لتطور القيم الإنسانية أقول أن القيم الإنسانية هي ما يحدده كل فرد لنفسه، نسبة لتفكيره وغرضه، إنها مسألة خيار أخلاقي لكل فرد، سواء مارس هذا الخيار أم لا".. فإذا قال النعيم، بعد هذا، أنه لا توجد دولة دينية، وأن الشريعة من صنع البشر، إلى آخر ما سماه "هرطقات"، فهذا وضع طبيعي بالنسبة له، طالما أن الدين نفسه صناعة بشرية. ومن مبادئ علمانية النعيم الأساسية، "المنظور التاريخي" وهو يعني أن التاريخ وما يحدث فيه من تغيرات، هو الذي يحدد ما هو صحيح، دون التدخل من أي جهة أخرى.. وقوله في هذا: "النقطة التي أود أن أعلق عليها هي المنظور التاريخي الذي أؤمن به. فالآن الحديث عن حقوق المثليين والمثليات يبدو أمراً مؤسسا جداً ومقبولا جداً، ولكن هذا الأمر ظهر مؤخراً جداً، جداً، في هذا البلد، في هذه الثقافة. كما تعلمون، إذا رجعتم عشرين سنة في الماضي، سوف لن تجدوا نفس القدر من التسامح والتفهم لحقوق المثليين وحقوق المثليات، على النحو الذي تجدونه اليوم. وهنا أيضا تأتي عملية التطور والتفاعل، وهو تطور وتفاعل نحتاج أن ننظر إليه من منظور تاريخي" (الحلقة الثانية نص رقم 13). هذه هي المعالم الأساسية لعلمانية النعيم.. وهي علمانية تحول إليها من موقف سابق، هو الفكرة الجمهورية.. يقول النعيم في ذلك: "كان لدي أيضا إحساس بالصراع والتناقض الداخلي، بين انتمائي كمسلم، وبين رغبتي في تحقيق أشياء أخرى في حياتي، كأن أكون ناشطا وداعية حقوق إنسان. وقد قادتني محاولة التوفيق في هذا الصراع إلى دراسة حقوق الإنسان، حيث كنت في البداية أفكر في كيفية تحقيق التوفيق بين الإسلام وحقوق الإنسان. وفي مطلع الثمانينات من القرن الماضي انحزت إلى جانب حقوق الإنسان كمبدأ أولي، وثابت، ومسلم به. (كما ترون فإني أغيّر رأيي فعلا، وأعتقد أن هذا شيء صحي جدا لأن يفعله المرء" (الحلقة الثانية نص رقم 23).. نلاحظ ما يلي: 1/ النعيم غيَّر رأيه، بعد "إحساس بالتناقض والصراع الداخلي" بين إنتمائه كمسلم، وبين رغبته.. واختار أن ينحاز إلى جانب رغبته، على حساب إنتمائه كمسلم. 2/ هذا التحول كان "في مطلع الثمانينات"، يعني قبل الحكم على الأستاذ محمود. 3/ بعد التحول أصبحت مرجعيته هي حقوق الإنسان "كمبدأ أولي، وثابت، ومسلم به". 4/ هذه المرجعية ـ حقوق الإنسان ـ هي نفس مرجعية البيان، ويشير إليها في قوله: "وليس هنالك من سبيل يراعي ويحترم هذا التنوع، ويتجاوز هذين المأزقين، إلا إقامة نظام حكم ديمقراطي، يقوم، الآن، على أساس فصل الدين عن الدولة، واحترام حقوق الإنسان وحرياته الأساسية، بمرجعية إنسانية، تحكمها المواثيق الدولية"!!. وهذا يؤكد، بصورة قاطعة، أن البيان يقوم على طرح النعيم، ومرجعيته، وتصوره العلماني.. وهو كما الشأن عند النعيم، يقوم على تحول في الموقف من الإسلام ـ الفكرة ـ إلى العلمانية.. كل ما هنالك، أنهم يزعمون أن هذا التحول مؤقت.. وهذا زعم واضح البطلان، إذ أن موقف صاحب الدعوة الأصلي، يناقضه تماماً.. وما يكمل تصور تحول النعيم، وتغيير موقفه، قوله التالي: "في الواقع فإن الكتاب الأول الذي أصدرته عندما غادرت السودان في الثمانينات كان بعنوان _نحو تطوير التشريع الاسلامي (1990م)_ وفي هذا الكتاب رفضت بوضوح فكرة الدولة العلمانية أو العلمانية، كطريق يمكن للمسلمين أن ينتهجوه للتقدم الى الأمام. ولكن بمرور الوقت تبين لي أن فهمي للعلمانية، من حيث أنها ضد الدين، ومعادية للدين، هو الذي كان سلبياً، وأن الوضع ليس بالضرورة كذلك، وبدأت أعيد النظر في موقفي. وتوصلت الآن إلى أن أعتنق فكرة الدولة العلمانية بالكامل" (الحلقة الثانية نص رقم 23).. التصور الذي يقوم عليه هذا الكتاب المذكور، هو تصور الفكرة الجمهورية ـ الإسلام ـ وهو تحول عنه، دون أن يبيِّن الخطأ فيه، ولم يتحول إلى اعتناق فكرة الدولة العلمانية بالكامل، فحسب، وإنما هو تحول إلى العلمانية الشاملة، كما وضحنا من أقواله. أصحاب البيان، عن علم أو عن جهل، يتبعون علمانية النعيم، ويؤيدونها، ويقدمونها للشعب السوداني، وعلى طريقته، في ازدواجية الخطاب، والإظهار والإخفاء حسب المصلحة، يخفون عن الشعب الأبعاد التي ذكرناها. الدعوة للحوار مع رفضه!!: حل أصحاب البيان المشكلة، حلاً، ميسوراً جداً: تجيء الديمقراطية، وتقوم المنابر الحرة، ويتم الصراع الفكري "ومن هذا الصراع الفكري الحر، ستجيء الفكرة الأمثل، وستلتف حولها الأغلبية، فيكون بها النظام المنشود"!! هل يوجد أيسر من هذا!؟. المنابر الحرة موجودة في العالم، والصراع قائم، منذ زمن طويل.. ومشاكل الإنسانية في ازدياد مستمر.. أم تراهم يتحدثون عن مشكلة السودان وحده، بمعزل عن بقية العالم!؟ لقد أصبحت مشكلة العالم واحدة، في جميع أقطاره.. وهي أساساً، مشكلة أخلاق، كما سبق أن ذكرنا.. ولكن لنحصر أنفسنا في المنابر الحرة والحوار في مستوى السودان وحده.. ما الذي يقدم في الحوار في هذه المنابر الحرة!؟ بالنسبة لجماعة البيان، هم قد تركوا الفكرة "مؤقتاً".. فهم كبقية الأحزاب، يقدمون العلمانية.. وهم وبقية الأحزاب لا يملكون أي مذهبية.. وبدون المذهبية القادرة على حل مشكلات الناس، يستحيل أن يجيء حل.. هم تركوا فكرة الحل "مؤقتاً" ثم ذهبوا يبحثون عن الحل في غير مظانه!! ومن قال أن الذي ينتصر في الإنتخابات هو "الفكر الأمثل"!؟ من ينتصر في الإنتخابات، في صورتها الحالية، هو الأكثر تنظيماً وتمويلاً، والأفضل دعاية، والأصح قراءة لرغبات الناخبين.. العامل الحاسم هو المال.. والحق ليس هو ما عليه الأغلبية.. وعدد المسلمين في العالم اليوم، كثير جداً، ولكنهم جميعاً على باطل، إلا فرقة واحدة.. وإذا اجتمع جميع المبطلين، لن يفعلوا شيئاً، أكثر من تقوية الباطل.. أم تراكم ستقدمون في هذه المنابر الحرة الفكرة، وهي ستنتصر، وتصبح "الفكرة الأمثل" ويكون بها النظام المنشود!؟ هذا أمر مستبعد جداً، لأنكم أخرجتم بيانكم، أساساً، لتقولوا أنكم تركتم الفكرة ـ مؤقتاً ـ للأسباب التي ذكرتموها، وانحزتم إلى العلمانية ـ فصل الدين عن الدولة.. وأهم من هذا كله، هل أنتم أنفسكم ملتزمون بالحوار الحر!؟ منذ زمن طويل أنا أدعوكم لمناقشة طرح النعيم، كما يقدمه صاحبه، وحسب أقوال محددة، وأنتم ترفضون الحوار، وتؤيدونه بصورة مبدئية، وتزعمون أن ما يقدمه هو فهم من داخل الفكرة.. فما لكم ومال الحوار الحر حتى تتبنوه في بيانكم.. طرحت عليكم، وبصورة متكررة، أقوال النعيم، المحدّدة والموثَّقة، لنسمع رأيكم فيها.. وظللتم دائماً ترفضون، وتزعمون أنكم بصدد الأسلوب، وليس المحتوى، وفي نفس الوقت تتحدثون عن المحتوى!! والآن أنا أكرر ما ظللت أفعله دائماً، وأطالبكم بقول رأيكم بوضوح حول أقوال النعيم وأفكاره، التي تؤيدونها.. ولقد ذكرت لكم بعض هذه الأقوال، وقد سبق أن كتبت في هذا الموقع، الحلقة الأولى، والحلقة الثانية، من أقوال النعيم.. وأنا في نهاية مساهمتي هذه، سأكتب الحلقة الثالثة من أقوال النعيم، موثقة، ونحب أن نسمع رأيكم فيها.. وقبل هذا، أرجو أن نسمع رأيكم، في نص النعيم الذي أوردناه، ويقول فيه أن الدين صناعة بشرية، وأنه علماني، ولا يختلف في ذلك عن أي ثقافة ـ راجع النص ـ هل هذا القول يمثل فهمكم أنتم للإسلام!؟ هل هذا القول، يمكن أن يكون فهماً صحيحاً، للفكرة، ولا يختلف معها في شيء!؟ المنابر الحرة، يمكن أن تنشر الفكرة، إلى حد، ولكنها من المستحيل أن تنصر الفكرة!!. 1. إنكم ترفضون الحوار الحر، وتتبعون من يرفضه، بصورة مبدئية، وتتبنونه وتقدمونه للشعب السوداني.. د.النعيم يرفض الحوار، بصورة حاسمة.. هو بصورة مبدئية، يزعم أن البشر لا يمكن أن يتفقوا!! اسمعه يقول: "(الصراع الإنساني والاختلاف هي الصفة اللازمة للطبيعة البشرية، وستبقى كذلك حتى يوم القيامة)" وقد قال في حوار جرى مع بعض الأخوان بالولايات المتحدة: "(البحب أوكده إنو ما في فرصة لحسم هذه المسألة.. أنا رأيي كده.. أحمد دالي ولاّ غيرو من الأخوان والأخوات رأيه كده.. دي مسألة حتفضل كده.. أنا رأيي أنا ما مختلف.. عبدالله فضل الله أو عمر أو أي زول رأيه أنا مختلف، كويس.. خلاص!! ما في فرصة لحسم الموضوع ده).. من حوار د. عبدالله في أثنز مع الأخوان".. ومبدأ النسبوية، الذي قال به النعيم، وتؤيدونه فيه، يجعل الحوار بين البشر، لا قيمة له، بصورة مبدئية ونهائية.. يقول النعيم: "ليس هناك وسيلة موضوعية مستقلة لتقرير ما إذا كان الإنسان على حق أو على باطل، فكل إنسان يعتقد أنه على حق، ويعتقد أن الذين يوافقونه على حق، وليس هناك وسيلة موضوعية لتقرير من هو على حق أو على باطل إلا بحكم إنسان آخر قد يكون هو على حق أو على باطل"!! فإذا كانت معرفة الحق من الباطل، مستحيلة بهذه الصورة التي يتحدث عنها النعيم، فما هي قيمة الحوار!؟ النعيم يرى أن جميع الناس نسبويون، يقول د.النعيم: (أود أن أقول شيئا هنا ربما يمكنكم البناء عليه في النقاش الذي سيتبع.. أنا أعتقد، مثلما بعضنا على علم، بكل تأكيد ، بهذا الشد والجذب حول عالمية ونسبوية حقوق الإنسان، وأحب أن أعلن أن موقفي في ذلك هو أننا كلنا نسبويون.. ليس هناك أناس عالميون "كوكبيون") (الحلقة الثانية نص رقم 11) فالنسبوية، في الفكر، وفي الأخلاق، تعني ان يكون الفكر ذاتياً، والأخلاق ذاتية، فليس فيها مجال للموضوعية، التي يقتضيها الحوار، فكل فرد يفسر الأمور كما شاء هو.. فالنسبوية، تبعد أي شيء مشترك بين البشر، حتى يصبح من الممكن الحوار بينهم. لا يمكن أن تتبنوا طرح النعيم، وفي نفس الوقت تتحدثوا عن الحوار الحر!! ثم لنفترض جدلاً، أن هنالك حوار حر، يمكن أن يقود إلى اتفاق، فإن هذا يمثل فقط جانب الشريعة.. فأين ذهبتم بجانب الحقيقة، وهو الأهم!؟ من مبادئ الفكرة الأساسية، الأخذ بالشريعة والحقيقة وفي وقت واحد.. فالأخذ بالشريعة وحدها، دون الحقيقة خطأ.. والأخذ بالحقيقة وحدها، دون الشريعة خطأ.. وهذا هو معنى رؤية الفاعلين: الفاعل الحقيقي ـ الله ـ والفاعل المباشر.. فأين ذهبتم بالفاعل الحقيقي!؟ قد ضيعتموه، عندما تبنيتم فصل الدين عن الدولة، فأصبحتم في غنى عن الإذن والمأذون، وزعمتم أنكم ستحققون الأمر بأنفسكم. إذا ضيعتم رؤية الفاعلين، فأنتم لغيرها أضيع، ولن تفلحوا في أي شيء، لأن أي شئ من دون رؤية الفاعلين مستحيل!! والغريب أنكم غيبتم الفاعل الحقيقي ثم تنتظرون التغيير!!. وأنتم في تغييبكم له، هو الذي ساقكم بمكره إلى ما أنتم فيه.. وقد ظللت، طوال الوقت أذكر نفسي، وأذكركم بخطورة المكر الإلهي. إن لسان حالكم يقول لله: انتظرنا أمرك، وانتظرنا، وطال الإنتظار، ونحن لن ننتظر بعد اليوم، وسنأتي بأمرنا بأنفسنا.. ويأتي الرد من حضرة القدس "أَتَىand#1648; أَمْرُ اللَّهِ فَلَا تَسْتَعْجِلُوهُ، سُبْحَانَهُ وَتَعَالَىand#1648; عَمَّا يُشْرِكُونَ". أما نحن، فلأننا مستعجلون ـ بلسان الحال بعون الله ـ فإننا ننتظر ما هو أسرع، وهو أمر الله تعالى، وليس أمركم، ولا أمر أنفسنا.. وأمر الله لن يأتي إلا بغتة.. ونحن رابحون دائماً، إن شاء الله، ما دمنا في انتظار أمر الله، وآخذين بالأدب الذي يقتضيه الإنتظار.. فأمر الله لكل الأكوان وليس لكون دون كون!!.
خالد الحاج عبدالمحمود رفاعة في 2/1/2014
|
|
|
|
|
|