ما فائدة البدلة والكرافتة إذا كان الدماغ يشتكي من العلة .. والإنسان حين يفتقد مؤهلات الوزن والمقام فإن المظاهر لا تغطي تلك النواقص .. ورب أشعث أغبر يملك الدماغ الواعي أفضل مليون مرة من ذلك الخاوي كالطبل الأجوف .. الذي يسقط عن الوزن مع أول حرف يبذله .. ولو حاول المرء أن يجاري سواقط الألسن لأفنى العمر وهو يخوض في ساحات النفايات .. وقد تخطت الأمم الراقية مزالق الثرثرة فيما لا يفيد واتجهت صوب المفيد من الأقوال والأفعال والتخطيط والإنتاج والعمران .. تشغل نفسها أولاَ في بناء الإنسان ثقافةَ وفكراَ وتأهيلاَ .. ثم تشغل نفسها ثانياَ ثم في بناء الأوطان .. شعوب قد تخطت مراحل الكلام والثرثرة لتعيش مراحل التخطيط والبناء والنماء والتعمير .. تعمل الليل والنهار لتحقيق أفضل الغايات لأجيالها المقبلة .. ولا تهدر أوقاتها في توافه الأمور .. ودواليب الإنتاج في البلاد المتقدمة لا تتوقف عن الدوران لحظة واحدة مهما تبدلت مجريات الأحداث .. وفي بلاد التخلف نجدها تدور خطوة إلى الأمام لتنتكس ألف خطوة إلى الوراء .. وتلك شعوب الجهل تفني الأعمار في النباح كالكلاب .. وهي في غباء شديد تحتل موقعها في ذيل الشعوب .. والساحات تعج بتلك الشخصيات الكرتونية التي تجتهد بغير سلاح العلم والمعرفة والمؤهلات العالية .. وتنتفخ كالبالون بهواء الزيف وزبد المعارف .. وعند المحك نجدها مجرد أبواق من الهياكل الفارغة الجوفاء .. تلك الشخصيات التي تفتقد المؤهلات العلمية والثقافية والمعرفية .. كما تفتقد مهارات الفكر العالية التي تستحق الوقفة والتأمل والاحترام من الآخرين .. مسخ من الصور لشخصيات تحس بالنقص في أعماقها ثم تريد أن تكمل النقص بالمظهر دون ذلك الجوهر .. وعند المحك والامتحان نجدهم يفتقرون الأدنى ثم الأدنى من صفات الحكمة والعلوم .. أقوام تريد أن توجد لنفسها خانات بين الناس بغير سلاح العلم .. وتلك الكينونة عقيمة بغير ذلك السلاح وبغير مخزون المعرفة .. وتلك النواقص لا تكمل إطلاقاَ برميات الألسن الهامشية .. وفي المليون حرف المبذول قد لا نجد جملة واحدة تفيد السامع أو القارئ .. حروف وكلمات في مقدارها وقيمتها تعادل زبد البحار .. وهي مبذولة لألوان الفتن والشقاق والتناحر والشتات .. وقد تعودنا الخوض في مجاهل الشكاوي والحكاوي والبكاء والنحيب والاستجداء بدل الخوض في مجاهل البناء والتعمير .. ذاك يتظلم وذاك يبكي وذاك يشتكي .. والكل كأطفال الروضة يريد الملاطفة باليد فوق الأكتاف .. مهزلة ما بعدها مهزلة في عصر التقدم والتكنولوجيا .. والأوطان لا تبنى بالعويل والنحيب والشكاوي وبثرثرة الألسن بالغثاء .. ذاك يكتب ويسطر الأكاذيب تلو الأكاذيب ويريد من الآخرين أن يأتوا ليمسحوا له دموع التماسيح من فوق خدوده .. وذاك يمثل ويظن المهارة في التمثيل حين يشتكي لطوب الأرض بأنه مغبون ومظلوم ويريد الإنصاف .. والأمم العاقلة لا تبني حياتها بالتحايل على الآخرين .. ولا تبني حباتها بكثرة العويل والنحيب كالنساء .. فالذي يريد أن يكون علماَ شامخاَ بين الشعوب عليه أن يتمسك بسلاح العلم والمعرفة والحكمة .. ويجتهد في بناء المقدرات الذاتية بالكد والإنتاج والمثابرة .. ويترك تلك السفاسف من الأمور التي تؤخر ولا تقدم .. ولو جلس أحدهم ألف عاماَ يشتكي ويتظلم من أحواله لن يأتي الآخرون ليبنوا له ويعمروا عنه .. فتلك مضيعة في الفراغ .. والأوطان تبنى بنكران الذات والتخلص من نزعات ( الأنا ) .. حيث المصلحة العليا التي تطال الجميع .
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة