جدل فقد الثوابت العقلية منذ الوهلة الأولى .. كانت لدولة أثيوبيا مخططاتها ومشاريعها .. ثم خطواتها المرسومة بدقة ودراية .. بجانب العزيمة القوية المتحدية بالمضي في تنفيذ المشروع .. وكانت لدولة السودان مواقفها المترددة .. فهي بدأت وكأنها تريد إثبات السيادة السودانية التي تعني الفكاك من التبعية والهيمنة المصرية .. وخاصة في مواضيع اتفاقيات مياه النيل .. وفي خضم تلك الفكرة السيادية فإن دولة السودان تجاهلت وأهملت دراسة مشروع سد النهضة بطريقة علمية جادة بحتة .. بعيدة عن النزعات والتوجسات السياسية .. حيث كان المطلوب منها دراسة الجدوى ودراسة المخاطر والمساوي لذلك السد الحيوي .. وكان من الحكمة أن تتحفظ قليلاَ في قرار الموافقة ذلك المتسارع المتعجل .. وفي نفس الوقت كان من الحكمة أيضا عدم أبداء أي نوع من أنواع الممانعة أو الرفض .. أما دولة مصر الشقيقة فهي أيضا كانت مترددة ومتخبطة في مواقفها إزاء سد النهضة .. فهي في البدايات رفضت فكرة السد جملة وتفصيلا .. وأرادت أن تخلق مواقف عدائية بين أثيوبيا من جانب وبين السودان ومصر من جانب آخر .. إلا أن تلك الوقفة العدائية المتعصبة لم تجد السند المرغوب والمطلوب من الجانب السوداني .. وعندها تراجعت دولة مصر قليلاَ لتواكب الحدث الخطير بنوع من الحكمة والعقل بدلا من تلك الوقفة المتطرفة المتشددة .. وهنا نجد أيضا أن دولة مصر الشقيقة لم تعطي في البدايات تلك الأهمية القصوى لدراسة الجدوى والمخاطر والمساوي والمزايا لذلك السد بقدر ما كان تحركها من منطلقات الفوقية وإظهار العضلات .. ولكنها أدركت في النهاية أن تلك الأسلحة أصبحت لا تملك المفعول ولا تملك الجدوى في ظلال العولمة اليوم . تراجعت الدول الثلاثة عن مواقفها بعد جولات من التردد والتخبط .. فكان ذلك اللقاء الأول للدول الثلاثة الذي وضع بعجالة فكرة الموافقة الثلاثية .. وبعدها فجأة تحركت الجهات المختصة في السودان ومصر لدراسة موضوع مشروع سد النهضة بطريقة متأنية جادة من منطلقات علمية بحتة حيث دراسة الجدوى والمخاطر المستقبلية والمزايا والحصص المائية في مستقبل السنوات ,, وعندها اكتشفت تلك الجهات المختصة الكثير والكثير من الأمور الهامة التي لا بد من أخذها في الاعتبار .. فكان ذلك اللقاء الثلاثي بالأمس في الخرطوم .. ولأول مرة نجد أن موضوع سد النهضة الأثيوبية يتخذ المسار السليم في المجريات والقرارات والدراسات .. حيث عدم التعجل والتسرع في إقامة سد قد يضر كثيراَ بدولة السودان ودولة مصر .. وحيث لا بد من إيجاد مخرج يمكن من قيام ذلك السد بالقدر الذي لا يضر بمصالح الدول الثلاثة .. وتلك خطوات هامة للغاية .. وأخيرا بدأت فكرة السد تنطلق من منطلقات في غاية الأهمية .. وهي منطلقات تراعي المصلحة المستقبلية لشعوب تلك الدول الثلاثة .. وذلك بعيداَ عن النزعات والنزاعات السياسية .. وبعيداَ عن مزايدات السيادة والمواقف للدول الثلاثة .. ونأمل أن تتواصل الدول الثلاثة بنفس روح التوافق والإخاء الذي يمكن من قيام المشروع بطريقة لا تضر بجانب من الجوانب .
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة