|
يا معلم الشعوب أطلق رصاصة الرحمة على نظام الظلم فإنه ينازع/الصادق حمدين
|
يا معلم الشعوب أطلق رصاصة الرحمة على نظام الظلم فإنه ينازع/الصادق حمدين إن إسقاط وتغيير الأنظمة المتجبرة والمستبدة التي تقهر شعوبها وتذلها كنظام ما يسمى بالإنقاذ الوطني الذي ظل جاثما على صدر الشعب السوداني لأكثر من عقدين من الزمان لا تأتي نتيجة مباشرة للظلم، إنما نتيجة للإدارك والوعي بهذا الظلم، ومعرفة أسبابه وفهم مسبباته والشعور بفداحته وثقل وطأته واليأس من بوادر كل أمل في فرج قريب. ومرحلة الوعي بالظلم هي المرحلة الفاصلة واللحظة الحاسمة التي تدفع الشعوب المظلومة والمقهورة للثورة على سارقي قوتها وظالميها وجلاديها وقاهريها، والعمل المثابر والدؤوب من أجل التغيير والخلاص من نير الظلم. والبحث عن وضع أكثر عدلا وإنصافا. فالظلم بمختلف أوجهه ـ ومع تعاقب الأنظمة الحاكمة مدنية كانت أم إنقلابية عسكرية ـ قد وقع على كل فرد من أفراد الشعب السوداني، مع اختلاف في الدرجة هنا، والمقدار هناك. وبلغ الظلم درجاته القصوى عندما استولى نظام الجبهة الإسلامية القومية الإقصائي المتحربن الذي ظل يغير لونه كل ما ألمت به نائبة على النظام الديمقراطي القائم وقتذاك، وتحكم في رقاب العباد ومقدرات البلاد فأذاق الشعوب السودانية شتى أنواع الطغيان والقمع والقهر، فلا نجد فردا أو أسرة أو قبيلة أو حيا أو قرية أو مدينة أو إقليما إلا وكان له من ظلم هذا النظام نصيب. حتى الدولة السودانية نفسها ككيان موحد لم تسلم من هذا الظلم وأصابها خنجر التقسيم الغادر فأصيبت بالكساح المُقعد، فأصبحت دولة مكتئبة تستصرخ أبناءها لتحافظ على باقي أوصالها من التقطيع. مخطيء من ظن أن الطغاة لا يُقهرون والمستبدون المتسلطون لا ينكسرون عندما تتعرض إرادتهم لامتحان عزيمة الشعوب التي لا تُقهر، فالشعوب الحرة وحدها هي صاحبت القرار في أن تحدد متى للطغاة أن يرحلوا. ومخطيء أيضا من ظن أن كبرياء الشعب السوداني قد انكسر وأن كرامته وحريته قد صادرها المتأسلمون، فالشعب السوداني العظيم قد ثار وانتفض يطلب حياة العزة والكرامة، وهو يردد قول المهاتما غاندي: (عندما أشعر باليأس أتذكر التاريخ وكيف أن الحقيقة والحب كانت تكسب دائما في النهاية. كان هناك طغاة وقتلة، وكان يبدو أنهم لا يقهرون، ولكن في النهاية كانوا يسقطون). أو هكذا كان القتلة والطغاة والمستبدون يعتقدون أن آلة قمعهم الأمنية قادرة على حمايتهم من غضب ثورات الشعوب، وإن أجهزتهم الأمنية بمختلف مسمياتها ستكون متاريس حصينة وعاصمة منيعة لهم من سيل الشعوب الهادر، وطوفان الجماهير الجارف. يحدثنا التاريخ القريب أن دكتاتور تونس زين العابدين بن علي سقط وهو يردد يائسا في آخر خطاباته المنبرية بأنه بعد عقدين من الزمان قد فهم جيدا ما استغلق عليه من طلاسم العزة والكرامة والحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية. فهم الدكتاتور متأخرا أو هكذا ادعي الفهم بأن هناك من بطانته وسدنته من زيًن له الواقع على غير حقيقته، ووعد بإنزال أشد العقوبات عليهم ومحاسبتهم إذا منحه الشعب التونسي فرصة أخرى للإصلاح. لم يشفع لطاغية قرطاج الذي كان يظن نفسه مركزا للكون استجداؤه المهين لشعب أذله وقهره كل تلك السنين بأن يظل رئيسا عليهم ولو لساعة واحدة، فلملم في عجلة من أمره حطام وقاره المبعثر وولى الدبر صوب المجهول هائما يطلب الحياة التي سلبها من الكثيرين. ولحق به دكتاتور آخر، وهو يردد في آخر خطابات وداعه، إنه وبعد ثلاثة عقود عجاف قد فهم الدرس وأنه سوف يلبي مطالب شعبه، وإن مصر المباركية ليست تونس البني علية، وجاءه الرد سريعا من صاحب السلطة الأصيل بأن يرحل وحسب. وفهم الدكتاتور الهرم وبعد فوات الأوان أن الأنظمة والحكومات تستمد قوتها بالرضا الشعبي عنها، وليس من التمترس خلف ترسانة الأسلحة والقوات متعددة المسميات والوجوه، وغيرها من أدوات البطش والسحل والقمع. ولم تفلح كل ترسانات قمعه وأدوات قهره في كسر إرادة الشعب المصري الثائر لإرضاء كبرياء طاغية قصر عابدين الجريح بأن يظل رئيسا عليهم لأيام معدودات، فحمل جراحه مهزوما وانتبذ ركنا قصيا في زنزانه رطبة يناجي فيها نفسه مسترجعا ذكرى أمجاد لن تعود أبدا. وفي مسرحية هزلية قال ملك ملوك إفريقيا عقيد ليبيا وزعيمها الأبدي وصاحب قصور باب العزيزية أن تونس ومصر ليستا الجماهيرية العربية الليبية الشعبية الاشتراكية العظمى، فقاد مظاهرة كوميدية ضاحكة ضمت مؤيديه ومطبليه ولجانه الثورية ومرتزقته . وحينما ثار شعبه الغاضب أنكرهم وقال مخاطبا لهم في صلف أعمى من أنتم؟، ووصفهم بالمقملين والجرذان وأخذ يردد في هذيان يقظته بأن الملايين سوف تزحف لتنقذ نظامه المتهاوى، وانتهى به المقام في مجرى قذر كجرذ جائع مذعور، فأودعه شعبه متحف الخزي والعار، تلاحقه اللعنات إلى يوم يقف فيه الناس حفاة عراه. وأخذ طاغية اليمن السعيد الشاويش علي عبد الله صالح صاحب القصر الجمهوري يستحث شعبه أن يلحق بقطار الظلم والدم، إشارة إلى الاصطفاف معه، فأخذ يردد بصوت يائس: فاتكم القطار، فصار أحد ركاب عربة نفايات قطار الطغاة ليستقر في مزابل التاريخ حيث ينتمي كل المتنمرين والمستأسدين على شعوبهم، وأصبح بذلك أول طاغية يدخل جهنم ويخرج منها على مرأى ومسمع كل شعوب الأرض وهو حي يرزق، عندما تم تفجيره وحرقه بالنار التي أصلى بها شعبه لأكثر من ثلاث عقود من الزمان. وما زال طاغية سوريا وساكن قصر المزة "الممانع" ينازع ويقاوم السقوط ويرفض في إصرار عنيد أن يلحق بنادي الطغاة ليشغل مكانه الذي ظل شاغرا لوقت طويل، فأخذ يقاوم ويمانع والغا في دماء شعبه، فلم يُبق حجرا على حجر، فأصبحت سوريا الحضارة والتاريخ ركام يسكنها الموت ويلفها الصمت، فلم يعد لديه ما يحكمه بعد أن أباد وشرد وهد ركنا من أركان مكونات الدولة وهو الشعب. وأبواب مزابل التاريخ ما زالت مشرعة على مصرعيها في انتظار قدومه الميمون. فأصاب الرعب طاغية السودان وطريد العدالة الدولية الجنرال عمر البشير صاحب قصر غردون بوضع اليد، وأخذ يهذي في يقظته ومنامه بأن السودان ليس كباقي الدول العربية التي اجتاحتها رياح التغيير لأنه أنجز ثورته القاصدة حضاريا منذ العام 1989م. وصار يتحدى الشعب السوداني مدعيا رجولة زائفة لم يتم اختبارها حتى هذه اللحظة وقال: (الدايرنا يطلع لينا برة)، فقبل الشعب السوداني التحدي بعد أن أرهقه الظلم مستلهما ثورته على جلاديه وسارقي قوته وحريته من تجاربه الذاتية، ومن مخزون تاريخه الثوري الخاص، مستمدا إرثه النضالي من ثورتين أزاح بهما أعتى الدكتاتوريات، فخرج كالسيل الهادر ولم يجد الدكتاتور راكزا كعادته لأنه يتوارى عن الأنظار عند كل وطيس حامي. وعما قريب سوف يفهم طاغية السودان أن الشعب السوداني لا يمكن إرهابه وتخويفه بأدوات القهر والقمع. وإعلام الكذب والتزييف. وغدا سوف يدعي طاغية قصر غردون بأنه قد فهم الدرس، ويستعطف هذا الشعب الأبي في ذلة مهينة بأنه يريد فرصة أخرى للإصلاح، وسيأتيه رد الشعب السوداني واضحا وسريعا إن الشعوب لا تعطي من يذلها فرص أخرى. وأن الأوان قد فات. المال وقوة الاقتصاد هما عصب الدول كما أن الفقر هو مذل الرجال الذي قال فيه على كرم الله وجهه لو كان الفقر رجلا لقتلته، وعجبت لمن لا يملك قوت يومه أن لا يخرج شاهرا سيفه. ها هو الشعب السوداني العظيم في سبتمبر الذي سوف تنتصر بقوة عزيمته يخرج شاهرا صوته عاليا ليجهز على نظام الذل والفقر وهو ينازع متشبثا ببقاء لن يدوم طويلا. تروي لنا عبر التاريخ أن كل إمبراطوريات الطغاة انهارت عندما أصاب خزائنها الإفلاس نتيجة للفساد والانحلال والسفه. ولنضرب مثلا بدولة الخلافة الأموية التي امتدت إلى ما يقارب القرن من الزمان لوجه الشبه والمشتركات السالبة الكثيرة التي بينها وبين هذا النظام المتأسلم الذي جعلها مرجعية له ليتبع طريقها حذو النعل بالنعل مهتديا بهديها في سياسة الاقصاء للآخر وتقريب ذوي القربى ونهج السيف والمال لمن ينازعها الملك. عندما أصاب الدولة الأموية الإفلاس وانهار بيت مال المسلمين خرج آخر خلفاؤها مروان بن محمد بن مروان الذي عُرف بالحمار بسبب عمله الدوؤب لدرء الثورات والفتن ضده، مستعطفا جنده وسدنته ليدافعوا ويصدوا عنه طلائع حوافر خيل بني العباس الذين كانوا على مشارف قصره، ولم يشفع له سخائه السابق لهم. وهكذا سيكون مصير طاغية السودان مع الذين ما التفوا حوله وهتفوا باسمه إلا لأنه يغرف لهم من بيت مال المسلمين بغير حساب. الطغاة لا يقرؤون التاريخ أبدا، وإذا قرؤوه لا يفهمونه، ولا يأخذون منه العبر، ولكنهم يقرؤون ويفهمون فصلا واحدا منه فقط وهو باب قهر الشعوب التي لم يسجل التاريخ لنا بين ثنايا صفحاته لطاغية واحد بأنه انتصر على شعبه، وأن أدوات بطشه وزبانيته قد حمته من غضب الشعوب. إن هذا النظام المتهاوي والمنهار ينازع فلم تبق له إلا رصاصة السقوط التي سوف يطلقها عليه معلم الشعوب قريبا. الصادق حمدين [email protected]
|
|
|
|
|
|