|
نُخّبْ ما بعد الإنقاذ خالد عثمان
|
مازال مفهوم النخبة مضطرباً في تناوله سودانيا ، إذ أرتبط بالفكر والثقافة أكثر من إرتباطه بالنفوذ ومعظم الناس يعتقدون ان النخبة أو الصفوة فقط هم اناس على مستوى عالي من التعليم والثقافة ولكن في علم الاجتماع السياسي تُعرّف النُخّب بمجموعة من الافراد في المجتمع تتميز او تتفوق على عامة الناس بسيطرتها على المناصب السياسية ، الاجتماعية والثقافية وذلك بتملكها للقوة أو الادوات الأخرى التي تجعلهم متفوقين في شئون الحياة. وحسب هذا المفهوم يمكن تتبع النخب السودانية في التاريخ المعاصر بقيام مؤتمر الخريجين وظهور الاحزاب السياسية. ومع تتطور الممارسة الديمقراطية بعد الاستقلال بدأت ملامح النخب بالتشكل بين صفوف الاحزاب السودانية وظهرت أسماء لامعة مثل مبارك زروق ومحمد أحمد المحجوب وتلاها جيل الشريف حسين الهندي والصادق المهدي، الا أن انقطاع العملية الديمقراطية بسبب تتدخل المؤسسة العسكرية استبدل هذه النخب بالقوة لتظهر مع الانقلابات العسكرية أسماء جديدة متنفذة وواصلة. وعادة ما تهدف هذه النخب لممارسة وظائف سياسية لتنضم الي الطبقات الحاكمة المعزولة عن الجماهير كما يرى عالم الاجتماع (باريتو). وحسب (موسكا ) أحد رواد نظرية النخبة يختلف معنى الطبقة هنا عن المفهوم الماركسي لها الذي يرى ان الطبقة المحكومة الضعيفة أقل تنظيما من الطبقة الحاكمة ويتفق موسكا مع ماركس في أهمية بقاء الطبقة الحاكمة على إستكانة الجماهير. و يمكن إسقاط تعريف ميشيل روبرتو الذي أفترض تحول النشأة والممارسة الديمقراطية للاحزاب الي تنظيمات خاصة بالافراد على حالتنا السودانية (المهدي، الميرغني) ، ويرى روبرتو فائدة ذلك لان التنظيم يحتاج الي مجموعة منظمة تستأثر بالسلطة وهذا عكس ما يطرحه ماركس. وفي مقاله بجريدة الصحافة ، "كسرات النخب السودانية" يرصد د.حيدر ابراهيم علي ويطرح سؤالا مهما ان كان للنخبة المنكسرة نفسياً والمنهزمة سياسيا وفكريا ان تتحمل عبء التغيير والقيام بإخراج الوطن من قاعه، ويخلص د.حيدر ابراهيم " ان المطلوب حالياً هو إحياء الكتلة التاريخية وتقويتها، ثم النزول للجماهير والعمل معها وليس بالنيابة عنها، لأن قدراتها في ظروف القمع أفضل. وشروط قيام الكتلة هي طرح برنامج عمل مؤسس فكرياً وذي طابع قومي متفق عليه، لأنه صحيح التحليل للوضع الراهن"(أنتهى).. والاجابة ببساطة على سؤال الدكتور حيدر هو استحالة تحمل النخب المنكسرة لذلك العبء الثقيل، لتبعثر تلك النخب بعوامل الزمن ولتقطع فترات تمتعها بالنفوذ ولتغير الايدولوجبات المدعومة بالقوة القاهرة للمؤسسة العسكرية السودانية وللمزاج الصفوي والصراع العقيم عند النخب السودانية كما يقول عبدالله الفكي البشير " تفصل بين النخبة السودانية وواقع شعوبها، فواصل وحواجز سميكة وكثيفة، يسهل تتبع مظاهرها وجرد مآلاتها وآثارها. كانت النخبة السودانية –ولازالت- ذات مزاج صفوي، ومترفعة عن الواقع السوداني. لقد أشار الدكتور محمد سعيد القدال (1935م-2008م) إلى المزاج الصفوي لدى النخبة، وإلى عملها الفوقي. وتناول أثرهما في نشأة الحركة الوطنية السودانية في بواكير القرن العشرين، وإلى دورهما في علاقة المثقفين بالجماهير وحركة المجتمع. (أنتهى)." وطرح الاستاذ الدكتور محمد سعيد القدال لا يمكنه استيعابه بعيداً عن الفكر الماركسي . كذلك لا يجب اختزال فهم النخب السودانية في علاقتها مع الجماهير فقط أو تطلعها للسلطة حسب نظرية النخبة، فنظرية النخب السياسية نشأت في الغرب في ظل الديمقراطية الليبرالية وهي معنية بتحالف الرأسمالية مع السياسين واعلام النخبة وخير مثال ذلك الدور الذي لعبه روبرت مردوخ في الفوز الكاسح لحزب الاحرار في أستراليا، ولا ينبغي إغفال دور العولمة وثورة الاتصالات في صناعة النخب الحديثة في السودان وغيره. وفي هذا المجال لايمكن تجاوز ما كتبه الاستاذ زين العابدين صالح عبد الرحمن في مقاله المنشور بجريدة الخرطوم "جدل مشروع النهضة السوداني بين المهدي و الصاوي" " و الملاحظ في العمل السياسي السوداني، إن الأحزاب كمؤسسات سياسية، لم تستطيع أن تقدم أطروحات فكرية و إجتهادات من النخب المنتمية لها، بل إن الأحزاب اعتمدت في الانتاج الفكري علي قياداتها السيد الصادق المهدي في حزب الأمة، الوطني الاتحادي إسماعيل الأزهري في كتابه "الطريق إلي البرلمان" و إن كان كتابا إجرائيا، الحزب الشيوعي عبد الخالق محجوب و من بعد محمد إبراهيم نقد، الحركة الإسلامية الدكتور حسن الترابي، حزب البعث عبد العزيز حسين الصاوي رغم إن الأخير كان حالة إستثنائية، هذا الشح في الاشتغال في الفكر، انعكس برمته علي العملية السياسية، و أغلبية المفكرين السودانيين ظهرت إبداعاتهم الفكرية بعد رحيلهم من مؤسساتهم السياسية و هذه ظاهرة جديرة بالدراسة، و هذا الشح في الانتاج الفكري و الثقافي، جعل الأزمة السياسية تستمر، باعتبار إن النخب التي صعدت للقمة، كانت تمتلك أدوات لا تساعد علي العملية النقدية، أو تصحيح المسارات السياسية" (أنتهى). أضف الى ذلك تنوع الاهتمامات الفكرية والتي لازالت ترواح جدل الهوية والتي ساهم فيها دكتور محمد جلال هاشم وعبد الله علي ابراهيم ، وجدل الدولة الدينية بين نخب الحركة الاسلامية ومعتنقي الفكر الاشتراكي والديمقراطيين. ونعود الي النقطة التي وقف عندها الدكتور حيدر ابراهيم لنطرح من هنا سؤالا مهما عن امكانية صعود النخب الحديثة بعد سقوط النخبة الدينية والعسكرية، وما هي ملامح افكار وقوة تلك النخب لمرحلة ما بعد الانقاذ. ان الصراع الدائر في السودان بين الهامش والمركز وعدم حسم مسائل الهوية أفرز مستجدات جديدة مبنية على الجهوية والعنصرية والفساد ليعود بالسودان الي ما قبل مؤتمر الخريجين أو بالأحرى الي ما قبل قيام الثورة المهدية.
Michels, Robert. 1915. Political Parties: A Sociological Study of the Oligarchical Tendencies of Modern Democracy. http://www.sudaneseonline.com/articles-action-show-id-3430.htm http://www.sudaneseinphilly.com/t1717-topic http://www.sudaneseonline.com/articles-action-show-id-48418.htm ويكيبيديا، الموسوعة الحرة
|
|
|
|
|
|