|
مقال رقم (2) اللواء/ تلفون كوكو ابوجلحة من الذى فتن النوبة مع البقارة ؟!
|
عزيزى القارئ ، فى خمسينيات القرن الماضى وقبله كانت قبيلة النوبة تعانى معاناة تصل لحد العبودية والرق . فكلمة عبد هذه يمكن أن تسمعها نهاراً جهاراً يتلفظ بها بعض السفهاء من قبائل شمال السودان لبعض أبناء وبنات النوبة إمعاناً فى إذلالهم.. وكما تجد أن القائمين بإدارة دولاب الدولة السودانية حينذاك إنتهجوا نهجاً معيباً فى تخصيص المهن الصحية للنوبة وذلك بغرض إهانتهم ... وبالإضافة إلى هذا كان أبناء وبنات النوبة هم خدم البيوت .. هذا الوضع المهين للنوبة أصبح يؤرق ويحرّق ويؤلم قلوب كثير من شباب النوبة المثقفين والطلاب فى الجامعات والمدارس الثانوية وأصبحوا يفكرون بجدية لإيجاد حل ينهى هذا الوضع المهين .. فقامت بذرة طيبة من خيرة ما أنتجتهم بنات النوبة فى مدرسة كادقلى الثانوية ( تلو ) وجلسوا فى إجتماع تاريخى عصفوا فيه أذهانهم وعقولهم وجعلوها تتقد ليخرج لهم الطالب البطل كوكو جقدول بفكرة ضرورة قيام تنظيم نوبى سرى حالاً ينهى العوامل الموروثة لإهانة شعب النوبة إجتماعياً وإقتصادياً وسياسياً.. وكان هذا فى 1974م وما كان من الحضور وإلا أن أيدوا هذه الفكرة بنسبة 100% ومنه قام التنظيم وإختير له إسم كمولو بمعنى الشباب .. وخص التنظيم نفسه بهذا الإسم ذلك لأنه أقتنع بأن تنظيمات الأباء المتمثلة فى جمعية جبال النوبة منذ الاربعينات وإتحاد عام جبال النوبة منذ الستنيات لم تقم بواجبها المنوط بها وذلك بإنتشال النوبة من الذل والهوان .. فأصبح تنظيم كمولو السرى نشط وفعال . إذ فى فترة ليست بالطويلة تمكن من تجنيد كثير من شباب النوبة فى الجامعات والمدارس الثانوية والموظفين والمثقفين وبعض العسكريين فى القوات المسلحة والشرطة وجهاز الأمن والعمال والمزارعين والرعاة . وقد أسس له دستور يهتدى به ويتقيد به.. وفى زمن بسيط ظهر نتائجه المعنوية والسياسية ـ إذ ولأول مرة في تاريخ النوبة أصبح أبناء وبنات النوبة يعتزون بنوبيتهم بدلاً من أنهم كانوا يخجلون منها .. وفوزوا كل من دانيال كودى لمجلس الشعب القومى ويوسف كوه مكى لمجلس الشعب الإقليمى 1981م .. وعندما إندلعت الحرب فى جنوب السودان فى مدينة بور 16/ 5/ 1983م بقيادة المقدم كاربينو كوانين بول وفى أيود بقيادة المقدم وليام نون بانج ومغادرتهم السودان إلى أثيوبيا ليلحق بهم رفاقهم الآخرين عقيد. د/ جون قرنق ديمبيور ، رائد/ أروك طون أروك ، رائد/ سلفاكير ميارديت . ومنه أسسوا حركة سياسية وجيش شعبى ـ ومنفستو ينادى بالنضال من أجل وُحدة السودان ـ وأرسلوا هذا المنفستو إلى تنظيم كمولو فى جبال النوبة عبر/ د . لام أكول أجاوين بجامعة الخرطوم أنذاك ـ وثم جلس المكتب التنفيذى للكمولو لدراسة المنفستو .. وجاء قرار العقلاء الناضجين فى المكتب التنفيذى بالتريث وجمع معلومات أكثر عن هذه الحركة الشعبية والتأكد من صحة ما جاء في المينفستو ... إلا أن بعض الشباب وكنت منهم بالإضافة إلى أحد الكبار وهو يوسف كوه قرروا ضرورة الإسراع فى مقابلة رئيس الحركة والتأكد من بيانهم ، فتم تكليف يوسف كوه مكى بالسفر لمقابلة رئيس الحركة الشعبية بأديس أبابا فى نوفمبر 1984م.. وبعد وصوله ولقائه برئيس الحركة الشعبية والجيش الشعبى عقيد. د.جون قرنق دى مبيور أرسل كوه رسالة إلى الشباب يؤكد لهم فيها بأن الحركة قومية وتقاتل من أجل السودان كله.. وهى ليست بحركة إنفصالية كحركة الأنانيا ون ـ وصل الخطاب فى 24/ 12/ 1984م.. وعليه غادر الشباب مطار الخرطوم فى يوم 2/1/ 1985م إلى أديس أبابا ...وفى 6/ 4/ 1985م إنتفض الشعب فى الخرطوم ضد نظام حكم النميرى أدى إلى إزالته من السلطة وإستلام عبدالرحمن سوار الذهب نيابة عن المنتفضين .. وتعهد سوار الذهب بتسليم الحكم لحكومة منتخبة خلال عام واحد.. وقد أوفى بوعده وسلم السلطة لحكومة مدنية منتخبة كان الفائز فيها هو الصادق المهدى رئيس حزب الأمة فى عام 1986م ..
القارئ العزيز ، كانت هذه المقدمة مدخلاً لهذا المقال .. فما يهمنى هنا من هذه المقدمة هو التأكيد على أن جمهورية السودان منذ الإستقلال 1956م لم تشهد ولم تعرف أى تنظيمات أو منظمات أو جماعات ، أو مجموعات عسكرية مسلحة غير نظامية غير موجودة فى دستور السودان تدار بواسطة قسم حكومى خارج نطاق وزارة الدفاع خارج نطاق القيادة العامة ، خارج نطاق قوات الشعب المسلحة ... فمثل هذه المجموعات كانت غير موجودة منذ إستقلال السودان 1956م وحتى سقوط النميرى 1985م .. مشهد قوات الشعب المسلحة كان معروفاً حتى للملكية ، فهم يعرفون القيادة العامة التى تدير قوات الشعب المسلحة ويسمعون بفروعها المختلفة برئاساتها ، ويسمعون بوحداتها.. الإدارة ، المشاة ، الإستخبارات ، الإشارات ، الإمدادات ، التدريب ، العمليات ، المدرعات ، المدفعية ، المهندسين ، المالية ، المظلات ، الدفاع الجوى ، الصيانة ، القضاء العسكرى ، الإنتاج العسكرى ...إلخ ..وهذه هى الوحدات المعروفة حتى للمدنيين .. ولكن يشهد التاريخ السودانى الحديث ، وتشهد قوات الشعب المسلحة أن تدهورها ، وتفككها ، ومرمتطها ، وتعجيزها ، وإختراقها ، والإستهانة بها ، وإهانتها بدأ منذ 1986م ... ونحسب أن المتابعين للشأن العسكرى فى السودان يتذكرون جيداً موقف ضباط قوات الشعب المسلحة فى بيانهم الشهير لرئيس الوزراء السيد الصادق المهدى ... " فبأى آلا ربكم تكذبان " ..
عزيزى القارئ ، ما جعلنا نهتم بتاريخ السيد الصادق المهدى هو أننا نحن أبناء جبال النوبة فى الحركة الشعبية لتحرير السودان قد بدأ نشاطنا السياسى التعبوى في عهده .. فعندما حاولنا الدخول إلى جبال النوبة بقوات تحت مسمى ( وُوُلف ) لواء + سرية.. تحت قيادة ريك مشار تنج عبر بئر بلايل وحفير أياد وقردود أم ردمى فعند وصولنا طُمطم تصدت لنا فصيلة من الجيش النظامى وإنسحبت على أثره كل هذا العدد الكبير من قوات الجيش الشعبى عائدين إلى جنوب السودان بما فيهم قائد القوة .. كان هذا فى يوم 2/ 2/ 1986م ... وبعد تأكدنا أن الجنوبيين يهابون العمليات فى جبال النوبة عليه طلبنا من ريك مشار بأن يسمح لنا بالرجوع إلى جبال النوبة بغرض التجنيد بقوة صغيرة بحجم فصيلة .. فوافق على ذلك ونظم لنا مهمة لجبال النوبة ، وعند وصولنا إلي جبال النوبة وخلال سبعة أشهر تمكنا من نشر الفكرة فى مناطق شرق وجنوب الجبال . كما أوصلنا رسائلنا لولايات شمال السودان...وعليه عندما سرى فى عروق الشباب هذه المعلومات هرولوا إلينا سراعاً... بل ومارسوا علينا ضغطاً شديداً بغرض توصيلهم إلى ميادين التدريب حالاً ... وبالفعل تحركنا بهم إلى أثيوبيا فى خريف 1987م ...
القارئ العزيز ، عندما وصلت تقارير الأمن والإستخباراتالحكومية إلى مكتب رئيس الوزراء الصادق المهدى عبر وزير الدفاع فضل الله برمة ناصر قامت الدنيا ولم تقعد .. فما كان منهما إلا وأن قررا عمل خطة مضادة يصدون بها هذه الأعداد الكبيرة من المستجدين والذين حتماً سيعودون بعد تدريبهم إلى ديارهم وحتماً سيشكلون تهديد أمنى على الحكومة المركزية فى الخرطوم ... فبدلاً أن يقوم وزير الدفاع بالعمل مع رئيس هيئة الأركان ونوابه فى وضع خطة عسكرية مضادة وذلك بفتح مراكز التدريب لتدريب قوات إضافية للتصدى لهذه المجموعات المتمردة حال عودتها .. لجأ وزير الدفاع مع رئيس الوزراء إلي وضع أسهل الخطط التى لا تكلفهم وهى تعبئة المواطنين الأبرياء من قبائل البقارة المسيرية والحوازمة بأن حياتهم ومواشيهم فى خطر وأن أبناء النوبة إنخرطوا فى التمرد لجلب السلاح بغرض شن الحرب على القبائل العربية وشن الحرب على الإسلام . وبالطبع فإن المواطن العادى البسيط عندما يستمع إلى هذه الإفتراءات ومن أرفع مسئول فى وزارة الدفاع بالإضافة إلى رئيس الوزراء فلا مجال لقلبه وعقله غير التصديق .. فقرر رئيس الوزراء الصادق المهدى مع وزير الدفاع فضل الله برمة ناصر توزيع سلاح الكلاشنكوف على جميع الرعاة وأصحاب الماشية بحجة الدفاع عن مواشيهم .. وكذلك قرروا توزيع السلاح على المواطنين القادرين على حمل السلاح في مناطق التماس بدعاوى الدفاع عن أنفسهم من قوات التمرد التى ستدخل المنطقة فى القريب العاجل ... وهما كانا غير أمينين وغير محايدين فى هذا القرار .. لأن القرار لم يشمل المواطنين النوبة والرعاة من النوبة وأصحاب الماشية من النوبة .. لأن خطتهما كانت تقضى بخلق سياج قوى من المواطنين المسلحين المؤتمنين ضد قوات الجيش الشعبى .. السيد الوزير بصفة خاصة والذى ينتمى إلى قبائل البقارة لم يوفق فى قراره هذا .. لأن نظرته للأمور لم تتجاوز تحت قدميه .. ولم ينظر للماضى القريب عن تاريخ المسيرية والنوبة.. والحوازمة والنوبة.. فلم تكن بينهم الإعتداءات السافرة مثل عداواتهم مع قبائل الدينكا وقبيلة الرزيقات ... ولم ينظر إلى العلاقات المتطورة بين هذه القبائل مع النوبة .. وكذلك فهو أيضاً لم يجهد عقله لرؤية المستقبل الذى خطط له أن تحترب هذه القبائل مع النوبة ! لمصلحة من ؟ هو بنظرته السطحية هذه كان يعتقد بأنه يحمى أهله المسيرية ويقويهم بينما نسى أنه يزرع في الفتنة التي سيحصدها الأجيال ، وأنه سيدمر صمام الأمان الذى بناه أجداده مع النوبة هذا من ناحية .. وكما أن رئيس الوزراء عندما تقدم له وزير الدفاع بهذه الخطة التى لم يستشر فيها هيئة قيادة قوات الشعب المسلحة صدق على تنفيذها لأنه يؤمن بقدرة المواطنين المسلحين .. فقد هزم جده محمد أحمد المهدى قوات هكس باشا فى الأبيض ، وأحتل بها مدينة الخرطوم على يد قوردون باشا قبل مئتين عاماً .. ولذلك لازال الإمام الصادق المهدى يحلم بمجد جده ويعتمد على قوات الأنصار على أنها ستحقق له طموحاته فى يوم من الأيام تهتدون ، تفلحون ، ونسى أن لكل زمان رجاله الذين إختارهم القدر وهم فى بطون أمهاتهم ..
ونواصل فى المقال القادم ,,,,,,,,,,,,,
|
|
|
|
|
|