|
شعب جاني ، حكومة مجني عليها/ د. حسن بشير محمد نور - الخرطوم
|
د. حسن بشير محمد نور - الخرطوم
شعب جاني ، حكومة مجني عليها
كلما ضاق الحال بالحكومة وأحكمت الأزمات قبضتها عليها تهب لإقناع الشعب بأنه قد أعياها وأثقل عليها بما تمن عليه من دعم للسلع والخدمات مما جعله (الشعب) يعيش في رغد من العيش تاركا الحكومة تعاني من القهر والحرمان. كم من مرة أعلنت الحكومة إنها تقوم ب(إصلاح اقتصادي) لإعادة التوازن للاقتصاد، بينما هي تعرف تماما أنها تعمل بكل همة وعزم علي تدمير ما تبقي من الاقتصاد السوداني بإجراءات مالية ونقدية مدمرة ترفع من تكاليف الإنتاج وتقلل يوميا من القوة الشرائية لما تبقي من دخل، لما لا يقل عن 90% من الشعب السوداني من عمال، فلاحين، موظفين، حرفيين، صغار المنتجين ، وبل وحتى ضاق الأمر بالمستثمرين فهربوا من السودان طلبا للنجاة بأموالهم.
ما هي وظيفة الحكومة أصلا؟ أليس من وظائفها الحتمية واجبة النفاذ ان توفر قوت الشعب واحتياجاته من سلع وخدمات؟ أليس من واجبها ان توفر ضروريات الحياة من مأكل ومشرب، تعليم وصحة؟ ماء وكهرباء؟ بنيات تحتية وامن اقتصادي يطعم فيه الإنسان من جوع ويأمن من خوف؟ إذا لم تكن هذه الأشياء من صميم واجبات الحكومة ومن أول وظائفها فما هو دورها إذن؟ هل تأتي الحكومات ليغتني المسئولين التنفيذيين والمحسوبين علي الحكومة وان يعيشوا في رفاهية لا تمس بينما تعاني غالبية الشعب من شظف العيش ومهانة الفقر والحرمان؟ اي حكومة لا تقوم بتلك الوظائف هي حكومة فاشلة تقود الدولة التي تحكمها في أفضل الأحوال إلي فشل مؤكد.
إذا أردتم ان تعرفوا حقيقة الدعم وإجراءات الإصلاح فبالله عليكم انظروا الي معدلات التضخم ومستويات الأسعار للسلع والخدمات الأساسية في دول العالم الثالث من حولنا (مثلا دول شمال أفريقيا)، لتدركوا ان اغلب دول العالم تتوفر فيها الحاجات الأساسية مقارنة بمعدلات الدخول الحقيقية ومستويات الفقر بأسعار اقل بإضعاف المرات من السودان. ينطبق ذلك علي القوت الأساسي (كالخبز او الذرة)، الصحة، التعليم، اللحوم والخضر والفواكه، مواد البناء، أسعار الكهرباء والمياه. ان لم يكن ذلك بشكل مطلق وهو الغالب، فبشكل نسبي قياسا علي نسبة الدخول التي تذهب لتلبية الحاجات الأساسية.؟
هذا الموضوع لا يحتاج الي شرح أكاديمي او تحليل قياسي أو نمذجة ما وإنما يدرك بالحس السليم ومن طبيعة الأشياء. نعيد القول للمرة ال... (لا ادري الكم؟) ونقول ان مشكلة البلاد هي أزمة قومية شاملة يبدأ حلها من المشكل السياسي الملتبس يمر ذلك عبر قرارات قاسية شديدة المرارة بالشروع في إعادة بناء الدولة السودانية بحكومة قومية انتقالية تعمل علي (حلحلة) الملفات المستعصية ومن أولها إيقاف الحروب وإعادة هيكلة الدولة السودانية علي أسس دستورية جديدة، وصولا إلي انتخابات حرة نزيهة مراقبة دوليا. بدون التوافق القومي التام حول أزمة الحكم فلن يتوفر حل للازمة الاقتصادية التي تعصف بالبلاد وستؤدي الإجراءات الحكومية المزمع إعلانها الي مزيد من التأزم وستقرب البلاد أكثر فأكثر من كارثة قومية محتومة.
لقد سبق أن نبهنا مرارا وتكرارا إلي أن مثل هذه الإجراءات التي تسمي (برفع الدعم والإصلاح الاقتصادي) في ظل الوضع الاقتصادي المأزوم الذي يعيشه السودان، هي خداع للذات لان لا احد يمكن إقناعه بصحتها وهي تقع ضمن تجريب المجرب الذي فشل مرة تلو الاخري ولن يجد في هذه المرة إلا فشلا اشد قسوة ونتائج أكثر تدميرا قياسا علي جميع العوامل والمؤشرات الاقتصادية المعروفة في علم الاقتصاد السياسي. رأينا من واجبنا التنبيه لخطورة الإجراءات المنتظرة والتي تنوي الحكومة القيام بها وتستميت دفاعا عنها ، خطورتها الاقتصادية والاجتماعية ومن الأفضل البحث عن بدائل عاجلة مثل لجم التوترات الأمنية، المضي قدما في إصلاح العلاقات مع الجنوب بشكل يضمن تدفق البترول وفتح الحدود والاستعانة بقروض أجنبية اسعافية إذا توفرت لها مصادر. يضاف الي ذلك الحل الذي بيد الحكومة بالأخذ من أموالها المجنبة والودائع الخارجية، إضافة لإجراءات تقشفية صارمة تطال السلطة التنفيذية ومجالسها التشريعية في المركز والولايات. لكن تترسخ لدينا قناعة بان شيئا من ذلك لن يحدث، الأمر الذي (سيدحرج) السودان في الهاوية التي بدأ السقوط فيها منذ فترة غير قليلة من الزمان.
|
|
|
|
|
|