|
شعار "هاك رأس أفندينا " يطيح برأس حاكم كردفان إبراهيم كرتكيلا
|
شعار "هاك رأس أفندينا " يطيح برأس حاكم كردفان
إبراهيم كرتكيلا
سأنقل لكم هذه المرة من كتاب الأب جوزيف أهر ولدر " عشر سنين اسر في معسكر المهدي " تمرد الجهادية السود في مدينة الأبيض . قبل الشروع ، أود أن أنبه على ما ذكره البروفيسور أحمد إبراهيم أبو شوك في مقال له بمناسبة مرور تسعة أعوام على رحيل البروفيسور أبوسليم ، ذكر بأن هناك طبعة مترجمة لكتاب الأب جوزيف أهر ولدر . لم أحصل على النسخة المترجمة بعد ، فأنا أتعامل من النسخة القديمة ، فارجو أن تكون الترجمة تمت على يد خبير متخصص وضع ملاحظاته كما فعل البروفيسور أبو سليم مع كتاب نعو شقير . الأب جوزيف اهر ولدر ، شاهد عيان لأحداث حركة الجهادية بمدينة الأبيض . على الرغم من التحذيرات المتكررة لكتابات ومذكرات هؤلاء الأسرى عن أحداث الثورة المهدية وتحاملهم على الدولة المهدية ، ولكن كما يقول البروف أحمد أبوشوك ، ، إن المذكرات والمدونات تختلف بين قارئين ، القارئ المؤرخ والقارئ غير المتخصص ، كل يقرأ بطريقته ، فالمؤرخ يقرأ الأحداث بطريقة أكاديمية - مهنية ، ويضع الأحداث في مسارها التاريخي السليم ، أما القارئ غير المتخصص ، فيوظف المعلومات حسب تطلعاته السياسية و الإجتماعية ، وأجندته الخاصة . يبدو أن كتاب الأب جوزيف أهرولدر كان مرجعاً من مراجع نعوم شقير ، وكذلك مرجعاً للباحث عوض عبدالهادي العطا الذي تناول في بحثه " تاريخ كردفان السياسي في المهدية " أحداث تمرد الجهادية في الأبيض . فماذا يقول الأب جوزيف أُهر ولدر عن حادثة الجهادية السود في مدينة الأبيض ؟ يقول معظم أفراد هذه القوة قاتلوا في صفوف موزنقر باشا وسلاطين باشا ، وهم جنود مشهود لهم بالشجاعة ، وكان عدد أفراد هذه القوة يتألف من ثلاثمائة فرد تحت قيادة مصري مولد (أب مصري ،أم سودانية ) يدعي عبدالله .وكان أفراد هذه القوة يكثرون من التذمر الدائم ، بكونهم دائما يُضعون في مقدمة المعارك ، ومن المعاملة السيئة التى كانوا يجدونها من الأمير ود الهاشمي الذي كان ينعتهم بالعبيد ، وبالتالي فكروا أن يثوروا ضد هذا التعالي ، ووجدوا تفهما من قائدهم المصري . كان خطة الجهادية أن يقوموا بثورة في يوم العيد الكبير (عيد الأضحى ) ، ولكنهم تراجعوا عن الفكرة تحسباً لتعرض الأبرياء من المواطنين للخطر . " يصف الأب جوزيف كيف أنه ستطاع بطريقته الخاصة أن يخلق علاقات جيدة مع أفراد هذه القوة ، واستغرب كيف أن هذه الجماعة ، وحتى حريمهم حرصوا على كتمان سر هذه الحركة وتوقيتها. فيصف لنا كيف أن مقدماً شاباً كان مسئولا عن حراسة الضأن المعز التى يأخذونها من العرب ، كان يمدة باللحم المذبوح من تلك الأنعام ، ومن ثم يبلغون المسئولين بأن هذه الأنعام نقصت بسبب الموت" وكذلك يحكي لنا قصة يقول عنها أنها غريبة عن الحاج سليم البرناوي ، الذي كان وهو يرافق والده إلى الحج عبر الصحراء ، وكيف أنهم وجدوا قبيلتين تقتتلان فانضم إلى أحدى القبيلتين ، ويبدو أن القبيلة التى انضم إليها خسرت المعركة ، ووقع أسيراً ، حيث تم إقتياده إلى تونس حيث تم بيعه هناك ، وينتهي به المطاف في أستانبول ، حيث اصبح رفيق لعب لإبن سيدة ، وبعد فترة تم نقل سيده من تركيا إلى مصر كباشا من الباشوات ، ومن مصر إستطاع أن يؤدي فريضة الحج مع سيده ، وعند رجوعهم من الحج توفى سيده ، وتمت مصادرة ممتلكات سيده ، وتم إرساله هو جنديا إلى مصوع ضمن قوات موزينقر باشا ، وبعد أغتيال موزينقر ، تم إرساله إلى دارفور ومن ثم إنتهى به المطاف في كردفان". يقول الأب جوزيف إنه حاول استدراج الحاج سليم البرناوي ليعرف عن ما يحاك من قبل الجهادية ، إلا أن الرجل كان حريصاً في كتمانه للسر وحاول الأبتعاد عنه لكي لا يلح في سؤاله ، يقول أعاد لي بعض الأمانات التى كنت قد أودعتها عنده كاملة غير منقوصة ، ومن ثم أختفي أثره بعد الثورة. عن الأحداث يقول الأب جوزيف كنت في ذلك اليوم محموماً ، وكنت مستلقى على عنقريبي مساءاً ، ظهر مذنباً فى السماء أضاء سماء المدينة وجعلت ليلها كنهار من كثرة الأضواء والنجوم المتفجرة. وفي اليوم التالي ، حوالى منتصف النهار أصبت بزعر من جراء سماع صوت الرصاص المتطاير في كل مكان ،وخرجت من قطيتي لأجد الزريبة التى كانت تعج بالناس خالية تماماً من ساكنتها ، وحتى من الحراس ، خرجت مسرعاً لدار أمير الجهادية المصري ( عبدالله ) ووجدته يقف مع إثنين من حراسه أمام داره وهو في حالة هياج ، وعند سؤالي له عن الحاصل ، رد عليّ بأن عبيد بيت المال قد حطموا كل شئ ، وفجاءة ظهر مجموعة من الأنصار يقدر عددهم ب نحو خمسين فرداً وهم في حالة هياج ، استلوا سيوفهم وأخذوا أمير الجهادية معهم إلى ساحة المديرية، وتبعتهم إلى هناك ، وتجمع حوله الأنصار وكادوا أن يفتكوا به لولا تدخل ود الهاشمي ، وهنا بدأ الأنصار يوجهون التهمة لعبدالله بأنه محرض لحركة الجهادية بإعتبار كونه أميرهم ، لقد دافع الأمير عن نفسه وقال بأنه لم يبرح منزله ، لكن دفاعة كان هباءاً ، حيث بدأ بعض الأنصار يصرخون ويقولون أقطعوا راسه ، وجثى الأمير على ركبتيه مستسلماً، حيث هوى رأسه وحارسيه ، ورمي بجثماينهم أمام المسجد ليراه الجميع . يقول الأب جوزيف ، إن الأنصار عندما راؤه في مباني المديرية طلبوا منه أن يعود إلى الزريبة ، ولما كان الزيبة قريبة من المديرية كنت اسمع في الليل اصوات الجهادية وهم مبتهجين حيث كانوا يغنون ويرقصون ويشربون ، ويطلبون من الأنصار مشاركتهم . يواصل الأب جوزيف روايته ، فيقول في اليوم التالي رفع الجهادية سلام الخديوي إيذانا بالولاء للخديوي وخلعهم للمهدية .قرر قوات الجهادية السود مغادرة الأبيض إلى الدلنج بكل عوائلهم ، والعبيد الذين إنضموا إليهم وهناك عينوا أحد جنود سلاطين باشا القدامي يدعي ( بشير ) ربما قصد ( علي يوسف ) ليكون مديرا عليهم ، وتخلوا عن كل مظهر من مظاهر المهدية ، وجعلوا عقوبة الجلد لكل من يحلف بالمهدي ، وواتخذوا شعارهم ( هاك رأس أفندينا ) ومن الدلنج اتجهوا لجبال الأما ومن لجبال الغلفان ( الأنشو ) حيث أعلنوا حكومتهم . يقول الأب جوزيف ، عاد الأمير محمود (عبدالقادر) من أم درمان بعد أدائة ولاء الطاعة للخليفة وتجديده ، ولم يدخل مدينة الأبيض ، وعسكر خارجها ، وقام بجمع قوات بلغت قوامه ثمانية آلاف مقاتل وأتجه نحو الجبال ، حيث حاول إثناء الجهادية عن حركة التمرد و لكنهم رفضوا ، فقاتلهم بشجاعة حتى تم قتله في الجبال ، وكان ذلك في نوفمبر 1885 ، الصحيح ( 20 ديسمبر1885 ). وبعد وفاة الأمير محمود عبدالقادر ، ضم الخليفة عبدالله منطقة الدلنج وما حولها لأمر الأمير حمدان أبي عنجة ، الذي إذاق ، نوبا وعرب المنطقة أكشر العذاب . وغادر الأب جوزيف اهر الأبيض في 25 مارس 1886 إلى الرهد في طريقهم إلى أم درمان .أرجو أن أتمكن تناول فصلاً آخر من فصول كتاب الأب جوزيف أهر.
|
|
|
|
|
|