|
جنوب كردفان: القبائل العربية والنوبة أصدقاء أم فرقاء (9)
|
جنوب كردفان: القبائل العربية والنوبة أصدقاء أم فرقاء (9)
بريمة محمد أدم/ واشنطن [email protected]
(الجزء الأول)
هل يظل العرب والنوبة حبيسى سياسة فرق تسد البريطانية؟
توطئة: سوف أتحدث عن تهم الرق، طرد النوبة إلي شعوف الجبال وإحتلال أراضيهم وأسوق الحجج التأريخية والوقائع التى تدهض هذه الأفتراءات. وفي معرض الحديث سوف أتحدث عن الجو العالمى العام بعد هذيمة بريطانيا علي أيدى المهدية، ومحاولة بريطانيا تشوية تأريخ السودان والمهدية ونشطائها البقارة وكيف أن كتاب النوبة تمسكوا بذلك التأريخ المغرض لخدمة أغراضهم. كما سوف أتحدث عن دور البقارة في الدفاع عن جنوب كردفان ودارفور وصد الأستعمار وتجار الرق عنهما ودورهما في بناء نسيج إجتماعى متجانس لغوياً وإجتماعياً مما ساعد علي تأسيس مجتمع التعايش السلمى.
(أ) (1)
بعد هزيمة المستعمر ومقتل غرودن باشا وسجن سلاطين باشا على يد الثورة المهدية، أصيبت الأمبراطورية التى لاتغيب عنها الشمس بخيبة أمل أمام المجتمع الدولي الذي تقودة. كان الشارع البريطانى يلتهب إحتجاجاً على مقتل غرودن باشا، الزعيم الذى أستطاع إخضاع شبة القارة الهندية وأصبح مثالاً لأسطورة الرجل الأبيض وذكاءه حتى عندما تم إرساله للسودان كان لوحده دون جيش. كان الشارع البريطانى الملتهب (تماماً كما حدث بعد 11/9) يريد الأنتقام لغردون باشا، سلاطين باشا وإسترداد كرامة برطانيا المهدرة بواسطة الدروايش ونخاسة الرق كما يدعون. أيضاً كان في ذلك الوقت حركات محاربة الرق في قمة نشاطها بل قل عنفوانها حيث قامت بمحاصرة الحكومة البريطانية ورميها بالتنصل عن مبادئها في محاربة تجارة الرقيق حيث يعتبرون غردون باشا أحد أهم مناصريهم (وذلك مجافي للحقيقة حيث كان غردون باشا يقوم بالقبض على الرقيق من القوافل وبدل إطلاق سراحهم يقوم بتمليكهم لجنوده بحجة أن أطلاقهم يجعلهم فريسة لحملات تجار الرقيق). كانت هناك حركة ثالثة مناهضة لعودة الأستعمارإلي أفريقيا هي قوي مناصرة تحرير أفريقيا من الرجل الأبيض الذي جاء أصلاً بسبب تجارة الرقيق ونجحت هذه الحركة فى إعادة كثير من الرقيق المستورد إلي الغرب وتم إستيطانهم في دولة ليبريا في غرب أفريقيا والتى تأسست خصيصاً لذلك الغرض. كانت قوى مناصرة تحرير أفريقيا تضعط في الأتجاه المعاكس للقوى الأخرى – أي تمانع عودة برطانيا إلي أفريقيا. ذلك كان الجو السائد في ذلك الوقت. لكي تقنع بريطانيا العالم بسلامة نواياها (التى أصلاً في حقيقتها إنتقامية) في العودة إلي السودان، قامت بإعادة كتابة تأريخ المهدية والسودان بصورة مشوهه تتهم فيه الثورة المهدية بتجارة الرقيق وترمي قائد الثورة بإغتناء حسناوات القبائل وإظهاره كصبي لعوب شهوانى. شهد كثير من كتاب الغرب بهذا الدور الأجرامي الذي أستمر ثلاثة عشر عاماً، بعد مقتل غردون باشا وهروب سلاطين باشا، من إقامت الندوات، السمنارات، البحوث وكتابة الكتب التى (تفبرك) الحقائق و(تدجن) للعالم وتشوه الثورة الوطنية الدينية. أريد أن أقول أن كل مصادر الغرب التى كتبت بعد ظهور الثورة المهدية ككتابات سلاطين باشا، ونستن جيرجل، ونستغيت، كينى وشوانفورث وغيرها والتى إعتمد عليها كتاب تأريخ النوبة، كلها كتابات مغرضه مشوهه تسئ للمهدية بصورة عامة وللبقارة بصورة خاصة وقد رد السيد الصادق المهدي في إحد رسائله إلي جون قرنق علي هذه الشبهات رداُ وافياً.
(2)
بعد كل المكر والخداع تأكد البريطانيون أن محاول تشوية صورة الأمام وعزله عن أنصارة لم تفلح، ومن ثم عمدوا إلي تشويه صورة أتباعه، فرموا البقارة بالتهور (بدل الشجاعة)، أتهمومهم بأنهم رقيق للأمام في مدينة أم درمان، وتارة أخرى بأنهم نخاسة الرق في جنوب كردفان ورم###### بأنهم عرب غزاة جاءوا من أجل الغنى في تجارة الرقيق (وبالتالى وجب طردهم من المنطقة وتخليص المستضعفين) وأن قدوم البقارة إلي جنوب كردفان تزامن مع إزديادة تجارة الرقيق البغيضة وأتهموا البقارة بطرد قبائل النوبة إلي شعوف الجبال وأحتلال أراضيهم كل هذه الأتهامات هي محاولة لزرع الفتن بين النوبة والعرب (سياسة فرق تسد ) في المنطقة وزرع الفتن صفة غالبة في كل تأريخ بريطانيا القديم والحديث في السودان: كالحدود بين مصر والسودان ( حلايب)، سياسة المناطق المقفولة (جنوب كردفان، النيل الأزرق والجنوب)، الحدود بين السودان وأثيوبيا (تحديداً مصير مدينة قمبيلا الحدودية)، الحدود بين السودان وكينيا (مثلث ألمى الذى تسكنه قبائل سودانية وكينية تتصارع على المراعى والمياة)، إقتطاع مثلث عوينات (الجزء الشمالى الغربى) وإهدائه إلي الأسرة السنوسية في ليبيا، إقتطاع منطقة البحيرات الغنية من منطقة الجنوب السودانى والتى تمتد حتى بحيرة فكتوريا وإهدائه إلي الملك ليوبولد ملك بلجيكا الذى يحتل يوغندا وغيرها. وقد تفتقت الذهنية البريطانية الجبارة أن سياسة فرق تسد بين العرب والنوبة سوف تخدم مصالحها الأنية في ذلك الوقت والمستقبلية في زماننا هذا، كما فعلت في جنوب السودان الذى أثمرت فيه تلك السياسات بعد أكثر من نصف قرن من الزمان. فقد لقنت بريطانيا أبناء الهامش أساليب التفرقة تلقيناً، وليس هناك دليل أقوى من كتابات فرانسيس دينق في بذر التفرقة بين الأفارقة والعرب.
(3)
إذن هناك نمط خبيث أتبعته الحكومة الأستعمارية لتفكيك وتفتيت السودان والزج بأبناءه في خلافات حتى تضمن ولائهم وتكون الوسيط بينهم وبهذه الوساطة تضمن التحكم في مصائرهم. أنظر كيف (تنصلت) وتبرئت بريطانيا عن تجارة الرقيق (ونفضت يدها بيضاء) وحولت سفنها، التى كانت تحمل الرقيق سابقا،ً إلي جهاز لمراقبة الشواطئ الأفريقية ولتفتيش سفن العالم الأخري، هل كان ذلك إيماناً بمنع تجارة الرقيق؟ كانت بريطانيا (مهووسة) ومولعة بالتجسس والتحكم في شؤون العالم. عندما كان أتجاه الريح يهب مع تجارة الرقيق كانت بريطانيا ثانى الداخلين في محرابه (بعد البرتغال ذات السبق الشيطانى في هذا المجال) وعندما أصفر زرع تجارة الرقيق ولم يأتى من الأُكل إلاًّ نكدا كانت بريطانيا أول الباحثين عن (شماعة) لتأليق آثامها ضد الشعوب الأفريقية المضهدة. وبهذه الشطارة التى تحسد عليها بريطانيا إستطاعت أن تلصق تهم الرق بالثورة المهدية ونشطائها البقارة، علماً أن برطانيا تمثل القوة القاهرة في ذلك الوقت – كأمريكا اليوم، وبالتالى يسهل عليها تمرير أجندتها الشريرة من خلف ظهر العالم، فقد قامت برطانيا بتسويق موت غردون على أن السكوت علية ردة من شعوب العالم المتحضرة في محاربة تجارة الرقيق (كما في إدعاء محاربة الأرهاب اليوم) وإنتصاراً لنخاسة الرق (الأرهابيون اليوم). لكن لماذا صدّق كتاب النوبة هذه الإدعاءات وهللوا لها، هل لأنها تصب في مجرى خطابهم العدوانى ضد القبائل العربية؟ أم لأنها تحاكم تأريخياً القبائل العربية التى جاءت من إجل الأسترقاق كما يدعون؟ أم أنها محاولة إعلامية للنيل من أبناء القبائل العربية الذين قاتلوا من أجل البقاء حتى إنتصروا بقوة عزيمة ومجاهدة وصبر؟ أم لأنها تستدر عطف شعوب العالم وتكسب قضيتهم زخم إعلامى حتى لو كان من خلال التلفيق والكذب؟ (4)
إن أتهام بريطانيا للبقارة بتجارة الرقيق قصد منه ضرب الأساس الدينى لهذه القبائل الذي ينّبي على أساس التسامح والتامسح نغيض الرق وأن لب الأمر وجوهره هو رغبة بريطانيا في محاربة البقارة بالوصاية عن طريق دفع النوبة لقتال البقارة كما يفعل اليهود اليوم بأمريكا في قتال الشعوب العربية والأسلامية في فلسطين والعراق. ولم نأثر علي تأريخ مكتوب لحروب الوصاية ولكن نتائج الأحداث ومدلولاتها (الخلاف الحاد بين البقارة والمستعمر من جانب وتبنى البريطانيون لسياسات مسالمة تجاه النوبة من الجانب الأخر) تشير إلي الرغبة في إفتعال تلك الحروب التى فشلت إما لوعى البقارة او النوبة أو لحقيقة التعايش السلمى الذى حال دون حدوثها. أما أزدياد تجارة الرقيق كلمة حق أريد بها باطل. ويعزى السبب في أزدياد تجارة الرقيق لدخول المستعمر للمنطقة حيث كانوا يدفعون أجور الجند رقيقاً (فقد زكر د. شوقى الجمل في كتابه تأريخ سودان وادى النيل عن طرد أعداد غفيرة من الضباط الذين يستغلون الجنود في صيد الرقيق ودفع رتب جنودهم من الرقيق). إن تكالب القوى الأمبريالية إلي أفريقيا في ذلك الوقت كان سببه أصلاً البحث عن الرقيق وأوثق دليل أن حملة محمد على باشا إلي السودان كانت بحثا عن الرقيق والذهب، ولا أظن أن هناك مثقف سودانى يعرف مقدار خردلة من تأريخ السودان لا يدرى هذه الحقائق؛ فبربك أجبنى من تدعى أن البقارة كانوا تجاراً للرقيق: هل كان البقارة هناك في درهات الخديوية في مصر يخططون لتجارة الرقيق؟ أم لأن مصر أم العروبة التى أتى منها محمد علي نشترك معها في الأصول العربية وبالتالى نحن مشاركين في الإثم بناءاً علي الأصل العربى؟. فقد ورد عن د. محمد سليمان الاتي: "لقد تفاقمت غزوات الأسترقاق، بصورة كبيرة، إبان الحكم العثمانى والتى بدأت بأستيلاء حكام الخديوية علي السودان عام 1821م. ولقد قام حكام كردفان من قبل السلطات الأستعمارية بشن العديد من الحملات العسكرية علي الجبال بحثاً عن الذهب في جبال شيبون والعبيد" وهذا يعتبر رداً على أدعاءات د. محمد سليمان الباطلة ضد البقارة والتى أبطلها بنفسة في هذه الفقرة من كتابه (السودان حروب الموارد والهوية). هناك مغالطات سخيفة في كتابات البريطانين في شأن البقارة، تارةً هم رقيق للأمام المهدي وتارةً نخاسة رق في جنوب كردفان، مما يوحى أن تلك الأتهامات هى في سياق الأتهامات التى نشاهدها اليوم التى تحاول النيل من الأسلام والعروبة في شخص البقارة. أما الأتهام بطرد النوبة إلي شعوف الجبال دعوة لمناصرة أهل الجبال ضد الغزاة البقارة أو إثارة الضمير النوباوي لطردهم، بالتالى قصد من هذا الأتهام عدم أحقية القبائل العربية في المنطقة حتى يمكنهم أجلاءها وممارسة مايحلوا لهم فيها. إن هذا الأتهام، أيضاً، ثبت بطلانه، حيث أن الرق نغيض التعايش والمصاهرة التى أوردها بروفسر يوسف فضل حسن و مكى شبيكة وغيرهما من المؤرخين الذين تحدثوا عن أنتشار الأسلام في أفريقيا بطرق سلمية (هذا التعايش الذى نراه إلي بداية إندلاع الحرب الأهلية). إن هجرة شعوب العالم أرتبطت إما بأسباب قاهرة أو أفكار جزرية جعلت تلك الشعوب تهجر مواطنها الأصلية إلي مواطن جديدة. وقد كانت هجرة الشعوب العربية من أجل رسالة الدين. وأن شعوب مثل الحلب (القجر، تجدهم في سوق أم درمان يتجولون) الذين يوجدون في جميع بقاع العالم، هم في الأصل هنود هربوا من الأضهاد العرقى في الهند. إن الأسباب والظروف التى دعت شعوب النوبة للهجرة إلي الجبال لم تكن معروفة، وإن كان هناك قبائل كقبيلة عبرى التى تقطن جبال الشوايا أو الأطورو هى ذات صلة بقائل السكوت في شمال السودان وفرت وإحتمت بالجبال عصياناً لخدمة المعابد النوبية. إن هجرة النوبة الى الجبال وسكنهم في قممها أرتبط بتلك الظروف التى دعتهم الي ترك مواطنهم الأصلية، لم يكن للرعاة البقارة أيّ دور فيها، كما لم يكن للأستعمار الحديث الذى أجتاح القارة السمراء في أوائل القرن الرابع عشر بسبب تجارة الرقيق أيّ دور في ذلك. دعنى أثير هذا الجدل، إذا كان النوبة أصلاً يستوطنون السهول في جنوب كردفان حتى دخول البقارة إلي المنطقة لماذا أرتبطت أسماء النوبة بأسماء الجبال التى يوجدون بها؟ أين كانت مدنهم التى أسسوها؟ ماهى إرتباطاتهم بشعوب العالم الأخرى؟ عندما دخل الرعاة جنوب كردفان كانت المنطقة وعرة تسكن سهولها الأفيال وأسراب الزراف، وقد أشاد الرحالة والأستعمار بفروسة الرعاة نتيجة لأصطيادهم للفيل بواسطة الرماح والخيل. ثم أخيراً لماذا لم نسمع عن هولاء الرحالة أو الأستعمار يتحدث عن دفاع النوبة عن مدنهم وقراهم التى أجتاحها البقارة؟ لم تكن هناك أصلاً قرى أو مدن بل لجأ النوبة إلي رؤوس الجبال منذ أن وطأت أقدامهم جنوب كردفان.
(ب) (1) في الجزء الأول (أ) تحدثت عن الشبهات المغرضة ضد البقارة نشطاء الثورة المهدية. في هذا الجزء (ب) سوف أتطرق إلي حقائق تأريخية أخرى أولها لماذا لم تقم بريطانيا بنفس الحملة الشرسة ضد الفور مع أن إمتلاك الرقيق شئ متعارف علية تماماً في سلطنات الفور في ذلك الزمان، لماذا آوت مملكة تقلى البقارة إذا كانوا أصلاً يسترقون و يتاجرون بأبنائها في أسواق النخاسة ولماذا لم تقم بتلك الحملة ضد الكبابيش في شمال كردفان هل لأن الكبابيش رفضوا الوقوف مع المهدية أم لأنهم هربّوا سلاطين باشا من حبسه؟ (2) إن من الملاحظ أن البريطانين لم يشنوا حملتهم الدعائية ضد سلطنات الفور، التى كانت تمتلك رقيقاً بأعداد هائلة، يسخره السلطان وأعوانه لخدمة السلطنة (راجع كتاب محمد التونسى عن السودان الغربى الذى تحدث فيه بدقة عن سلطنات الفور). كانت حملة البريطانين الدعائية مسلطة ضد البقارة والسبب الأساسى يتمثل في أن فرسان البقارة كانوا يرابطون في المناطق الواقعة بين دارفور وقوات الزحف البريطانى. وقد وصل عجز البريطانيون أمام عناد البقارة إلي ذروته بما أورده الرئيس محمد نجيب عام 1943 عندما كان ضابطاً في السودان في كتابه (رسالة عن السودان ص 5) حيث أشار إلي رغبة البريطانيين في فصل إقليم دارفور وتسليمه إلي الناظر إبراهيم موسى مادبو زعيم قبائل الرزيقات (وذلك في محاولة لإرضاء البقارة ولكن لا أدرى هل لأرضاءهم من إساءتهم بالرق أم هى سياسة فرق تسد أخرى بين السودان ومصر). وفي عرف الحروب الحديثة فإن قبائل البقارة كونت أول حرب عصابات ناجحة في أفريقيا (حرب غوريلا) أرغمت المستعمر للتازل، حيث يهجم الفرسان على معسكرات القوات البريطانية بصورة خاطفة ثم يهربون وسط الغابات والوديان مخلفين خسائر فادحة في العتاد والمؤون وفي بعض الأحيان يقومون بقطع طرق القوافل والحملات العسكرية (طرق الإمداد) وتخريب المزراع الذى يزرعها المواطنون لصالح مؤونة الجند وغيرها وذلك هو سبب حنق وحقد بريطانيا ضد شعب البقارة الأبى. وقد كان دور البقارة بارزاً في طرد الزبير باشا زعيم النخاسة إلي بحر الغزال وقد ذكر د. شوقى الجمل في كتابه (تأريخ سودان وادى النيل) ما نصه ص 173 (وقد لاقى الزبير باشا الأمرّين في قتال عرب الرزيقات، وبلغت خسائره في الرجال أكثر من 700 رجل بين 10-28 أغسطس 1873)، وقد نجح الزبير باشا في كتابة صلح مع عرب البقارة تمكن من خلاله بالأنفراد بقتال الفور حيث هزمهم في مواقع عدة متتالية إنتهت بمقتل السلطان أبراهيم وتسليم دارفور إلي الحكم الثنائى دون قتال يذكر. كانت بحر الغزال (معقل الزبير) ودارفور هما أكبر معاقل الرق في السودان. وقد أبلى فرسان البقارة بلاء عظيماً في منع سلاطين الفور و الزبيرباشا ورابح كبير من الزحف نحو الجبال التى تعتبر مراعيهم الخصبة ( رابح هو إحد أهم تجار الرقيق بعد الزبير باشا وأبنه، تأريخ رابح كبير لم يكن معروفاً للمثقف السودانى كما هو معروف في الجارة تشاد). كانت سياسة فرق تسد تسدعى إثارة الفتن بين النوبة والبقارة حتى يمكن إقحامهم في معارك جانبية مفتعلة كان منها إلصاق التهم الجائرة جزافاً بالبقارة ليكونوا في مواجهة مع النوبة في جنوب كردفان. نخلص من هذا أن إلصاق تهم الرق، النخاسة، والتقول على حقوق القبائل إدعاءات قصد منها سياسة فرق تسد. (3) مملكة تقلى الأسلامية التى تأسست 1530 في جبال تقلى الواقعة في الركن الشمالى الشرقى من جبال النوبة وبسطت سلطتها علي تلك الجبال وفرضت إستقلاليتها عن ملكوك الفونج وسلاطين الفور، كان عماد هذه المملكة الدين الأسلامى وثقافته العربية. وقد ذكر د. رأفت غنيمى الشيخ في كتابه (أفريقيا في التأريخ المعاصر ص 324) أن ملوك تقلى يهدفون إلي نشر الأسلام وثقافته عن طريق التبشير العادى والأختلاط والمصاهرة وتشجيع القبائل العربية علي الأستقرار. وقد ظهرإجماع تام من كتاب تأريخ السودان الحديث أن الأسلام إنتشر عن طريق المصاهرة والتبشير. إذن إذ جاز لنا نسأل أين الأدعاء بطرد النوبة إلي شعوف الجبال والكهوف؟، أين الأدعاء بالأسترقاق؟. (4) لماذا لم يقم البريطانيون بحملتهم ضد الكبابيش في شمال كردفان مع أن تراث هذه القبائل الذى ينبى على النهب (تراث الحمبتة أو الحمباته) في الماضى شبيه بتراث الغارات (النهيض) عند قبائل البقارة. هذان التراثان: النهيض عند البقارة والحمباتة عند الكبابيش ينبنيان على أخذ مال الغير عنوة (رجالة وحمرة عين إذا إردت)؛ وسوف أتحدث عن تراث النهيض في مقال لا حق. لكن السبب في تقاضى الأستعمار عن سوءات الكبابيش يعد إلي عدم تدخلهم في حروب ضد الأستعمار بل تضامنهم معه في بعض الأحيان حيث قاموا بتهريب سلاطين باشا من حبسه، ولا أريد محاسبة شعب الكبابيش فإن التأريخ لا يحاسب، لكن نتيجة لوقفة شعب البقارة في وجه الأستعمار سواءاً كان في كردفان أو دارفور هى السبب وراء الأدعاءات المتكررة ضدهم. وقد ورد في كتابات البريطانيين يصفون البقارة بأنهم مقاتلين أشاوس وغيرها من صفات الفروسية التى تشير أن عن الأستعمار (قاس) بحر البقارة في الفروسية فوجدوه عميقاً. إضف إلي ذلك أن منظمات محاربة الرق كانت منظمات كنسية همها الأول نشر الرسالة المسيحية في الجبال وبالتالى أصتطدمت برسالة شعب البقارة المسلم مما جعلها تساعد في الحرب الأعلامية ضد شعب البقارة ولم يكن الكبابيش في إصتطدام مع تلك المنظمات، مما يشير أن الدعاية ضد البقارة دعاية مغرضة لا تنبنى علي حقائق موضوعية.
خلاصة:
يتضح جلياً أن الحملة البريطانية والنوباوية الدعائية ضد البقارة قصد بها تشويه صورة البقارة زوراً وإقحامهم في عداءات كان الغرض منها سياسة فرق تسد. ففي واقع الأمر أن البقارة دافعوا عن جنوب كردفان وعن أقليم دارفور دفاعاً اشاد به حتى خصومهم. فقد عمل البقارة بجهد محاولين خلق نسيج إجتماعى متجانس لغوياً وديناً في جنوب كردفان وعلي مر قرون، مما أفرز تعايش حقيقى ساعد في تجنب حروب أقليمية في المنطقة. نشير إلي عمق هذا التعايش بتنشئت أجيال من النوبة الرعاة الذين عاشوا في كنف القبائل الرعوية، وشاركوا القبائل في كل أمور حياتها اليومية المعشية والأجتماعية، صار هذا الفصيل ينتمى إلي القبائل العربية في كثير من المناطق وقد أثر تأثيراً إيجابياً في حياة المنطقة وسكانها بشقيهم العربى والنوباوي. وفي المقابل تكونت قبائل عربية ذات صفات نوباوية أكثر منها عربية وهذه القبائل عاشت مع قبائل النوبة وأشتركت معها في أحتفالات الحصاد والزراعة وخرجت معها في الصيد الجماعى (ما يسمى دا ريه). إن من الملاحظ الأحتفالات التى تشترك فيها القبائل في المنطقة بعفوية تامة، والتداخل الأجتماعى اليومى في الأسواق، المدارس والمؤسسات وغيرها. كل ذلك يؤكد حقيقة التعايش السلمى ويدحط إدعاءات الأسترقاق، السلب والنهب التى إدعاها الأستعمار وأمن بها كتاب النوبة.
|
|
|
|
|
|