|
بطاقات مشعثة (12) معتصم الحارث الضوّي
|
بطاقات مشعثة (12)
معتصم الحارث الضوّي
21 سبتمبر 2013
(1)
يقول المثل "حلم الجيعان عيشة".
فجأة، توقفتْ خطاي عند هذا المثل المُحبط. لِم تضع الحكمة الشعبية سقفا..حتى لأحلامنا!
(2)
الإنسان في عهدنا الحاضر حمّال أوجه؛ فهو موظف، وأب، وزوج، ومراقب سياسي، ومتابع اقتصادي، ومجامل اجتماعي.. إلخ.
إذن، هل الأب الذي يمارس دور "سي السيد" في المنزل، والدكتاتور في العمل، وفائق اللباقة مع أصدقائه، والدون جوان أمام السيدات- يعاني من انفصام الشخصية، أم أن تعايُشْ تلك الشخصيات المتنافرة في داخله هو الوضع الطبيعي؟
لستُ أدري!
(3)
خاطبني أحد الأفاضل عبر الزاجلتروني مُعاتبا لأنني لا أستخدم اللهجة العامية كثيرا في بطاقاتي هذه المشعثة، ودار بيننا حوار أثيري شائق، ولأهمية القضية أتناولُها بشيء من التفصيل.
إذا أخذنا بعين الاعتبار قضايا متعددة، منها أن السودان يقع الآن في الموقع الثاني الأكثر مأساوية من حيث انتشار الأمية في الوطن العربي، ومثالا آخر ما أفادني به أحد الأكارم بأن نفرا من طلبة الماجستير في تخصص اللغة العربية لم يُحسنوا كتابة رسالة تتألف من صفحة واحدة –معنّونة للتعليم العالي- دون اقتراف أخطاء إملائية ونحوية كانت كفيلة بمنح الخليل بن أحمد جلطة دماغية! وغير ذلك من الأحاديث المتواترة عن تدني المستوى اللغوي لدى كافة الفئات العُمرية، وخاصة الشباب.
لذا أرى، يا صديقي الأثير؛ أن الإفراط في العامية كما يفعل الأستاذ الفاتح جبرا، أو الإفراط في التأنق اللغوي كما يفعل الأستاذ مصطفى البطل- كلاهما يُبعدُ الكاتب عن أحد أهدافه الرئيسة؛ الارتقاء بثقافة القارئ.
إذن، لا هبوط إلى العامية المفرطة على شعار "الجمهور عاوز كده"، ولا تحليق في شاهق لغوي قد يجده الكثيرون (ربما؟) صعب الفهم أو عسير الهضم.
ألا هل بلّغتْ؟ اللهم فاشهد.
(4)
راسلني أحد الأكارم غاضبا، مُتهما إياي بالوقوع في جريمة "المعاردة"، أي معارضة المعارضة.
قبل أن استكمل، فإنني أحمدُ لهُ أدبه الجم، إذ خاطبني برسالة لاحقة عقب انقضاء دقائق قلائل معتذرا عمّا ظنّه إساءة شخصية، ويشهدُ الله تعالى أنني لم أنظر إلى كلماته الأوائل على هذا النحو.
قضية نظام "الإتلاف" وأطياف المعارضة جدّ شائكة؛ فالناظر المنصف لا يملكُ إلا أن يضربَ كفًا بكفٍ، ويطرحَ حزمة من تساؤلات بدهية من ضمنها: أهؤلاء الذين نعوّل عليهم في إزالة النظام الوالغ في دم الشعب وفكره وقوته؟! هل نخلعُ النظام ليعود الصادق الذي اتضحَ للقاصي والداني أنه يناورُ لمصالحه الشخصية والحزبية الضيقة، أم الميرغني الذي لا يهمه سوى عقاراته وأراضيه؟!
هل لك أن تُقرَّ –يا عزيزي القارئ- بأن هذه التساؤلات لم تدُرْ بخلدك فحسب، بل أنك سمعتها أيضا في محافل خاصة وتجمعات عامة؟!
إذن، القضية مطروقة ومطروحة، وتتطلبُ مقاربة عقلانية لتعريف الخط الفاصل بين تقريع المعارضة لإخفاقاتها التي أضرّتْ أيّما ضرر بالمواطن وأطالتْ عُمر النظام؛ وبين خدمة النظام السفاح –تعمّدا- أو على طريقة "المغفل النافع".
(5)
كانت هدية قيمة تلك التي نفحني الصديق الأثير/ الصادق الرضي مؤخرا. نظرتُ إلى غلاف الإصدارة الأدبية، فصدمني العنوان المفتوح على الكثير من القراءات؛ "إكسير"، ثم قضيتُ في صحبتها سويعات رائعة مع إبداعات شبابية رصينة.
طوبى لأولئك الذي يبذلون "الإكسير".. في عهد السقم المزمن.
* صدر منها عددان حتى الآن (المعلومة تشيرُ إلى أغسطس 2013) بحسب الأستاذ/ الصادق الرضي، وللتواصل مع إدارتها: [email protected]
(6)
كلما نظرتُ إلى أحوال "الإتلاف" مع هذا الشعب الصابر تذكرتُ أبيات الراحل عبد الله البردوني إذ يقول:
ترقّى العارُ من بيعٍ إلى بيعٍ بلا ثمنِ
ومن مستعمرٍ غازٍ إلى مستعمرٍ وطني!
|
|
|
|
|
|