العنصرية في السودان ---- كشف المسكوت عنه بقلم / مجدي ابراهيم أحمد

دعواتكم لزميلنا المفكر د.الباقر العفيف بالشفاء العاجل
مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 12-13-2024, 11:44 PM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
09-11-2013, 06:41 PM

مجدي ابراهيم أحمد


للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
العنصرية في السودان ---- كشف المسكوت عنه بقلم / مجدي ابراهيم أحمد



    العنصرية في السودان ---- كشف المسكوت عنه.

    بقلم / مجدي ابراهيم أحمد
    مستشار قانوني بسلطنة عمان
    [email protected]

    ( التسامح الحق لا يستلزم نسيان الماضي ) .
    (نيلسون مانديلا )

    أبَّان عملي في القضاء و في منتصف ثمانينات القرن الماضي انتُدِبتُ للعمل بمنطقة الدلنج بجنوب كردفان في الفترة التي أطلقت عليها في تاريخ لاحق مداعباً صديقي مولانا / عابر الماحي " قاضي استئناف حالياً بولاية الخرطوم" أيام الطفولة القضائية كناية على حداثة عهدنا بالقضاء حينها ، لم أكن أعرف الكثير عن تلك المنطقة سوى أنها بلد النوبة ، وقد أرتبط النوبة في أذهاننا نحن أبناء النيل الشمالي بأنهم عرقية أفريقية خالصة تم أستغلالها في الأعمال ذات الطابع اليدوي الشاق ، وقد كنت وبصفة خاصة أشفق عليهم وأنا صغير وهم يحملون مخلفاتنا الأدمية مفرب كل يوم في جرادل من الحديد يتم سحبها من فتحة من خارج منازلنا بمنطقة الشعبية بالخرطوم بحري ، تلك المنطقة التي أنشأتها حكومة عبود وتم توزيعها على صغار الموظفين والعمال في مطلع ستينات القرن الماضي ، وكان الصبية يطاردونهم وهم يفرغون حمولتهم على عربات صنعت خصيصاً لهذا الغرض صائحين بأصواتهم الطفولية النحيلة الحادة ( عفوووووونة) ! ، وقد كنت أتألم لهذا المنظر حينها رغم صغر سني وتنتابني مشاعر الغضب والألم ، ولم يستوعب عقلي الصغير السبب وراء عهد هذا النوع من الأعمال المهينة لبشر مثلي يمشون في الاسواق ويأكلون الطعام ويتغوطون كما نفعل جميعاً.
    حين كبرت أدركت أن حكومتنا في ذلك الوقت كان في مقدورها أن تُجنب هذه الفئة من أخواننا في الوطن هذه المذلة لو أنها بذلت جهداً في تغيير نظام الصرف الصحي البدائي ذاك ، سيما وأن مبتدعوه وهم الانجليز قد الجمت الدهشة أحدهم " ضابط أداري حينذِ" حيث ذكر أنه عندما زار السودان في آواخر الستينات وجد أن ذلك النظام ما زال مطبقاً على الرغم من أن خطة الحكومة الانجليزية اعتمدته كنظام مؤقت للتخلص من المخلفات الآدمية لحين تطبيق نظام صرف صحي أكثر تقدماً " نظام المصاص كما طبق لاحقاً " ( كتاب /حكايات كنتربري السودانية ، وهو عبارة عن قصص اداريين أنجليز عملوا في السودان آواخرأيام الاستعمار البريطاني المصري ) .
    وما ينطبق على النوبة ينطبق على عرقيات أخرى بالسودان كالجنوبين قبل الأنفصال وبدرجة أقل أخواننا بغرب السودان .
    هناك شعور زائف بالعلو والنقاء العرقي لدى أبناء الشمال والوسط النيلي في السودان ،ومصدره في تقديري يعود في جزء كبير منه للوهم من جانب وللظروف المواتية من جانب آخر ، أما الوهم فمبعثه أعتقاد بخلو أعراقهم من شائبة الزنجية الافريقانية والتعلق بانتماء عربي زائف ، ورغم الدراسات الكثيرة التي كُتبت في هذا الجانب الا أن أدقها لم يخلص لأثبات انتماء خالص لهذه العرقية للعرب وأنتهى لتكون شخصية هجين برزت للوجود نتيجة لتزاوج المهاجرين الأوائل من اليمن والجزيرة العربية للسودان في قرون ماضية مع السكان الاصليين وواقع الحال أن كثير من الباحثين يعتقد بأن العروبة العرقية المشار اليها هي عروبة ثقافية وليس عروبة بيولوجية ( وجهي عربي كصحراء الربع الخالي ورأسي أفريقي يموج بطفولة شريرة ) ( موسم الهجرة للشمال – الطيب صالح ) ، وأما الظروف المواتية فتمثلت في أن هذه العرقية قد أتيح لها من ظروف التفوق والنمو ما لم يتح لغيرها بحكم موقعها الجغرافي من ناحية وقربها من مصادر العلم والاشعاع " مصر مثالا " ، وأقترابها من مصدر الثروة والقوة من ناحية أخرى " صلة مؤسسي الدولة السودانية الحديثة بالاستعمار – طائفة الختمية مثالاً " ، مما مكنها من احتكار المعرفة / الأرض / ونحوهما من مصادر القوة ، في حين قعدت العرقيات الأخرى دهوراً في الجهل والتخلف والتبعية الاقتصادية بحكم الموقع الجغرافي " البعد عن مصادر الاشعاع والمعرفة " ،وبفعل سياسات الاستعمار " المناطق المقفولة في الجنوب مثالاً " ( أضاءة :القى د.منصور خالد في بعض مؤلفاته ضوء كاشفاً على هذه المسألة ، أنظر مثلاًسفره الموسوم/ جنوب السودان في المخيَّلة العربية) .
    ظاهرة العنصرية والتعالي على الآخر الذي تضمه رقعة جغرافية واحدة وتاريخ مشترك مع الشمال والوسط النيلي القت بظلالها على المشهد السياسي والاجتماعي في السودان ، وقد نُسب لفيليب غبوش رئيس الحزب الفيدرالي السوداني الراحل قوله :( ليه حامد بريمة يكون وراء وسامي عز الدين قدام ) !، في اشارة لحارس مرمى المريخ الاسطوري الشهير الذي ينتمي لعرقية النوبة ، ولا عب خط وسطه السابق الراحل سامي عز الدين الذي ينتمي لعرقية السودان النيلي الأوسط . بعض المراقبين يعتبر أن ارتفاع الوعي لدى العرقيات التي تعرضت للتمييز في السودان نتيجة لانتشار التعليم وسطها أدى الى تعمق احساسهم بالتمييز على اساس عرقي وقد بلغ بهم التطرف مبلغ الحديث عن عدم وجود رئيس للسودان " القديم " من خارج عرقية الوسط الشمالي النيلي منذ الاستقلال حتى الآن " الكتاب الاسود الشهير ". ظهور الحركات المسلحة ومشكلة دارفور يعزو بعض المراقبين جزء من دواعيها للآسباب الآنفة ( أنظر الى دلالات تكرار لفظ المساواة في أسماء تلك الحركات ).
    المثير للدهشة أن الآخر لا يرى في السودانيين فرق أو أختلاف سواء من ينتمي منهم للشمال أو الوسط أو الجنوب أو الشرق او الغرب ، وفي مسقط سألني عدد من الزملاء العمانين بعد الانفصال عما أذا كنت أنتمي عرقياً للشمال أو الجنوب ، وهو سؤال قد يسبب للكثيرين منا صدمة خصوصاً ممن رضع من ثدي الاحساس الزائف بالنقاء العرقي دهوراً !. مثال آخر نظرة أبناء شمال الوادي للسوداني الشمالي في السينما المصرية وأظهاره في مهنة ########ة " بواب" ، في جلباب أبيض وعمامة ، أضافة للون الأسود الداكن المبالغ فيه ، واللغة العربية المتكسرة ، تحمل مفهوم النظرة المتعالية من أقرب الشعوب للسوداني غض النظر عن جذوره العرقية ، وهي ضربة أخرى لدعاة النقاء العرقي أو الجذور العربية القحة .
    من المثير هنا أيضاً أن بعض العرقيات المحسوبة على الشمال النيلي كالسكوت والمحس لا تتحدث عن انتماء عربي ولا لسان عربي ، وانما تتحدث عن انتماء للحضارة النوبية وتتحدث بالرطانة المحلية لتلك المناطق ، وقد كنا نطلق على بعض زملائنا ودفعتنا في القضائية ومنهم مولانا الشاعر المعروف عبد الأله زمراوي وزميلنا قاضي الاستئناف يحى فضل- ممازحين- الأعاجم لأنتماءهم للمناطق المذكورة والتي لم تكن تعرف العربية ، وقد حكى لى مولانا زمراوي أن العربية لم تكن لغة التخاطب في منطقتهم وأنه لتشجيع الطلبة في المدارس للتحدث بها ابتدعت المدرسة نظام قلادة يتم تعليقها على رقبة كل من يتحدث العربية أثناء النهار ، ويحاول كل طالب التخلص منها بتعليقها في رقبة زميله ويتم آخر اليوم الدراسي معاقبة الطالب الذي توجد في رقبته القلادة . ومن ثمًّ فأن العروبة هنا هي عروبة ثقافة لا عروبة عرقية .
    من المسائل المثيرة للأهتمام في موضوع التمييز أو العنصرية أنها احياناً كثيرة تكون بين العرقية نفسها التي تشعر بالاضهاد ، وفي ظني ان ذلك ما هو الا ماكينيزم للدفاع عن النفس ورمي المنقصة بآلآخر ، ففي اثناء وجودي بالدلنج لاحظت أن بعض قبائلها تتباهي بعرقيتها على القبائل الأخرى " دلنج سودان نجمنغ المان ".وبعض العرقيات تلتمس فرع نسب لدى العرقيات التي تدعي النقاء العرقي " فلان اصلوا عربي لكن فيهو عرق في الغَّرابة " ! أو تحو ذلك. وتجتهد الفتيات من العرقيات الأكثر سمرة في التماس اللون الأبيض من خلال الاستخدام الُمفرض للمراهم الطبية ومنتجات التجميل النافع والضار منها، والغريب أن الفتيات الأقل سمرة المنتميات للشمال والوسط النيلي يلجأن لذات الوسائل للحصول على بشرة بيضاء ، وناتج ما يحصل عليه كل فريق هو فرق في درجة السمرة !.
    طبيعة الأشياء والبشر هي الاختلاف ( وخلقناكم شعوب وفبائل لتعارفوا ) ( قرآن كريم ) ، ولا فرق بين أبيض ولا أسود أمام الله الا بالتقوى . ولذا فأن محاولة التشبه بالغير التماساً لنقاء مزعوم أو جمال متوهم أو ثقافة أفضل سيدخل المتشبه في ضيق التقليد فلا هو احتفظ بخصائصه الاصيلة ، ولا هو عدًّ في معية من يتشبه به كالطاؤوس في القصة المعروفة.
    البعض يحاول جاهداً نفي الزنوجة عنه أعتقادأً منه بأنها قرين كل المثالب ، فقد عدها البعض – أي السواد سمة الزنج – بأنه قرين السحر والشر ، وبعض المتقدمين كابن خلدون في مقدمته اعتبر الزنج أكثر ميلاً للهو والرقص وشرب الخمر بحكم تكوينهم البيولوجي ، ورغم عدم قناعتي بوصف أبن خلدون الذي كان يتحدث بلغة عصره أذ لو أدرك عصرنا عصر الخريطة الجينية والبصمة الوراثية DNA لربما كان قد أتى بنظرية مغايرة ، وحتى نظريته في وصف الزنج لا تسعف أدعياء العروبة الخالصة في بلادنا بل العكس ربما تدعم أكثر فرضية غلبة الزنوجة على سائر أهل السودان ، أذ حكى لى أحد أعمامي المهتمين بالتراث والتاريخ أن النساء في أقاصى شمال السودان كنًّ يصنعن الخمر بالقيزان " أناء كبير يستخدم للطهي في المناسبات قديماً " في الأفراح ويشربنه ! .
    وبالمقابل اعتبرهم البعض كالجاحظ ((150-255هـ) المؤلف الموسوعي الكبير، الذي جمع بين الجغرافية والتاريخ والفلسفة والعلوم الأخرى، في كتابه "فخر السودان على البيضان"، أبرز فيها فضائل السود ومحاسنهم وصفاتهم الإيجابية، وتبعه ابن المرزبان في الحقبة نفسها برسالة "فضل السودان على البيضان". ويجمع الجاحظ في رسالته "فخر السودان على البيضان" بين دور السود الروحي الإسلامي، وإعزاز النبي والصحابة لهم، وبين فضائلهم الحضارية الأخرى، أي بين دورهم في تاريخ التقوى الدينية، ودورهم في مجال العمران؛ .
    الطبري، المفسر والمؤرخ المسلم المعروف، وصف نبي الله موسى نفسه بقوله:" وكان موسى عليه السلام رجلا آدم أقنى جعدا طوالا". قصص الانبياء – دار الفكر ص 290 ،وآدم صفة تعنى أسمر أو أخضر.
    "ويبدو ان البشرة السوداء الناعمة التي عدتها التوارة من مميزات السودانيين، كانت من مقاييس الجمال في ذلك الزمان البعيد. فالحسناء التي شاركت في إنشاء نشيد الانشاد بالعهد القديم، كانت سودانية البشرة"
    وهنا لابد من الانتباه إلى أنًّ الكتاب المقدس في نصه الاصلي، العبري والارامي، يستعمل كلمة Cush "كوش" اسما لبلاد السودان. أما النص الاغريقي واللاتيني المنقول عن النصين، العبري والارامي، فيترجم كوش إلى "اثيوبيا" Ethiopia للاشارة إلى السودان الحالي. وكان الاغريق يطلقون على بلاد كوش "اثيوبيا" وهي كلمة أغريقية تعني بلاد ذوي الوجوه السوداء او المحروقة بالشمس. أما الانجيل، لما كان قد كُتب ابتداء باللغة الاغريقية، فقد استعمل كلمة اثيوبيا للاشارة إلى السودان الحالي .(السودان في نصوص الكتاب المقدس( التوارة والانجيل) .. بقلم: عبد المنعم عجب الفيا – صحيفة سودانايل /الإثنين, 09 نيسان/أبريل 2012 ).
    أذأ ليس هناك مشكلة في اللون الأسود أو ألأسمر ويتعين أن يكون ذلك موضع أعتزازنا ، وحتى للمحتفين بانتمائهم العربي من ناحية عرقية هناك دراسات تشير الى أن اللون ألأسمر كان هو لون عرب الجزيرة العربية الأصلية واللون الابيض الذي يميزهم حالياً هو نتاج تزاوجهم مع هجرات لشعوب أخرى .

    وقد حاول بعض الساسة أبان حكومة الوحدة الوطنية في عقابيل نيفاشا أن يجدوا وشيجة بين النوبة في جنوب كردفان والنوبيين في أقصى شمال السودان ، ورغم عدم وجود بحوث علمية جادة لأثبات هذه النظرية فأن مجرد أثارة هذه الفكرة عُدت ضرباً من الكفر لدى غلاة العنصريين ، وليت علماء الانثروبولوجي بحثوا في هذا الجانب لربما كانوا قد أتوا بنظرية تدعم وحدة الأعراق والجذور في بلادنا للتخفبف من غلواء التجاذب العرقي والأثني . ولعل دعوة الراحل قرنق للسودانوية هى الأقرب لوصف الحالة العرقية السودانية.

    تاريخياً تطرق الراحل محمد اراهيم نقد في كتابه الشهير "علاقات الرق في المجتمع السوداني" لجزء من جذور هذه المشكلة ، ومن المُحدثين الاستاذ شوقي بدري كتب كثيراً عن العنصرية والعرقية في السودان ، وكتاباته في هذا الجانب بسيطة ومباشرة وتأسر القلب .
    ظهرت العرقية حتى في المدارس الشعرية " ، أنظر مثلاً لدلالات تسمية الحركة الشعرية التي عرفت في ستينيات القرن الماضي في السودان بأسم مدرسة الغابة والصحراء، وكذلك الأمثلة المتداولة ( البجي من الغرب ما بسر القلب ) ، و في الغناء الشعبي واشعار الفخر وأغاني الدلوكة ، وحتى في احتفائنا بالمغنيين يعتقد المراقبين أن بعض المغنين رغم نبوغهم لم يجدو حظهم من التقدير الذي وجده اضرابهم من العرقيات المحسوبة على أهل الشمال النيلي أو أهل الوسط (رمضان حسن مثالاً) بسبب من أنتمائهم لعرقيات من خارج العرقية ذات الجذور العربية ، وعلى مستوى المفكرين يتملكك العجب لعدم احتفائنا بالمفكر والسياسي الكبير د. فرانسيس دينق " قبل الانفصال " رغم سطوع نجمه في االمحافل الاقليمية والدولية مما يخلق تسائل مشروع عن دور للعرقية في ذلك التجاهل .
    على مستوى المصاهرة لا زالت غالبية الأسر الشمالية / الأوسطية النيلية تعتبر مصاهرتها لمن ينتمى الى العرقيات السودانية الاخرى تابو محرم ، ومن خرج منها على هذا الأمر عانى وأبناءه من ثمرة تلك الزيجات من الاستهجان والنبذ الاجتماعي ، وهذه المسألة وغيرها من المسائل التي أوردناها في هذا المقال كانت السبب المباشر في الاحتقان والشعور بالدونية و بالاضهاد لدى تلك العرقيات ، وتظهر ردود الافعال على ذلك -بحكم قانوني التراكم والانفجار- في شكل عنف ظاهر " حركات مسلحة / قتل ونهب وسلب كالذي حدث في يوم الأثنين الدامي على عهد حكومة الفريق عبود ، أو عقب موت قرنق على عهد الانقاذ " ضمن اسباب أخرى، أو في شكل احقاد دفينة تتلمس الفرصة للتعبير عن نفسها ، وفي تأثر النسيج الأجتماعي للبلد .
    لا يعتبر التعدد الاثني مشكلة فى حد ذاته ، بل بالعكس يعتبر مصدر أثراء ثقافي ، ولكن تبرز المشكلة عندما يتم تسيسه ، وهذا هو جوهر المشكلة .
    في معجم اكسفورد كلمة Ethnic متعلقة بالعرق Race والعرقية هى انتماء جيني الى مجموعة بشرية ( سامية ،حامية ، أو آرية ) ، ولا تعني بالضرورة انتمائك الثقافي الذي يحكم آرائك وتصوراتك ونمط حياتك والاهم هويتك .
    من الضرورى التفريق بين ( المجموعة الاثنية كمجموعة أو أفراد تنحدر من نفس الأسلاف وتُوحد بينها خصائص بيلوجية وأنماط سلوكية وراثية لا تتوافر الا لمن يولد أو ينشأ داخل تلك المجموعة الاثنية المعينة )،وبين الأثنوية كأيدلوجيا Ethnocentrism أو التمركز حول الذات ( وهي مصطلح نفسي يعبر عن التحيز الى مجموعة أثنية بعينها ضد المجموعات الأثنية الأخرى وتفضيلها عليها ، وتصور خصائص لها تميزها على كل المجموعات الأخرى مما ينتهي الى شيئ من العنصرية ) .(دارفور من أزمة دولة الى صراع القوى العظمى – د.عبده مختار موسى " استاذ جامعي وباحث وصحفي "، مركز الجزيرة للدراسات – طبعة 2009 ) .
    العرق أو العنصر هو أحد المكونات الضرورية والأساسية للمجموعات البشرية على أساس بيولوجي يوجد خصائص مميزة مثل الشكل والتركيب العضوي واللون وأفتراض وجود جينات موروثة مشتركة . أما العرقية أو العنصرية فهو ما قد ينتج من أرجاع " القومية " أو الأثنية ثم تركيز الاثنية على الاعتداد بالجانب البيولوجي الذي يقود الى الأيمان بتميز عنصر على عنصر وعرق على عرق فيقود الى تلك الصراعات والكوارث ) ( المرجع السابق ) .
    أذاً المشكلة ليست في العرق أو العنصر أو المكونات الثقافية له أو وجود أختلاف في الخصائص البيولوجية لمكونات المجتمع السوداني ، ولكن المشكلة تكمن في تعالي عرق على عرق بناء على نقاء متوهم أو أستناداً الى روايات اسطورية غير موثقة علمياً كتلك التي تربط جينياً بين بعض قبائل شمال السودان بالعباس عم النبي ( صلى الله عليه وسلم ) للتمسح بشرف الانتماء للأشراف ،أو تلمساُ لبركات الاتباع كما يفعل بعض ادعياء الصوفية ، أو كسباً لمكانة أو وجاهة أو زعامة سياسية . وحتى بفرض أثبات صحة هذه الصلة فلم يكن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ممن يستخدمون هذا التميز الاثني لالتماس مكانة أو تميز أونفع دنيوي ، وأنما كان دائماً ما يميز الرجل بعمله لا بعرقه ، وتبرز هنا أمثلة للعديد من الصحابة الذين بزغ نجمهم على الرغم من انتمائهم اصلاً لعرقيات غير عربية كسلمان الغارسي وصهيب الرومي .
    جاء عند ماكمايكل ما يوحي بأن (الدم) العربي أرفع من الدم الإفريقي،
    " ما ينبغي أن نذكره هو أنه إذا كان السودانيون نتاج امتزاج العنصر العربي الإفريقي، فلا ننسى أن العنصر العربي كان هو الظافر المنتصر ـ منه الفاتحون ـ ومنه السادة، الذين أسروا العبيد واقتنوا الرقيق، وملكوا الأرض، فلا عجب أن يحاول أحفادهم تغليب العنصر السيد على العنصر المسود في
    تكوينهم، الطبيعي أن يكون شعورهم الأول هو التقليل من أهمية العنصر المغلوب أو إنكاره بتاتاً".
    ما سبق قد يفسر ظاهرة تمسك أهل الوسط والشمال النيلي بتغليب العنصر العربي داخلهم على العنصر الأفريقي .
    والعنصرية في السودان في وقتنا الراهن في تقديري هى عنصرية أجتماعية ثقافية ولا تصل الى نموذج الفصل الحاد بين العرقيات كالنموذج الجنوب أفريقي " الأبارتهايد سابقاً" وتبعاته .
    نحن نحتاج وبشدة للأعتراف بالمشكلة والتصالح مع من وقع ضحيتها ، نحتاج للأعتذار لكل من أكتوى بنار العنصرية من أخواننا في الوطن من العرقيات التي كانت ضحية لها ، ولكل من كتم أوجاعه لسنوات من جراء هذا المرض ، أو تجرع المهانة ،ونحتاج قبل ذلك لأن نفيق من وهم النقاء العرقي أو نفي الزنوجة المتوهم ،لأن الزنوجة تجري في دمائنا جميعاً والفرق هو فرق في الدرجة والنسبة كالخمر ما أسكر قليله فكثيره حرام لافرق ، وبهذا المعنى نحتاج للاعتذار لأنفسنا.
    في ختام هذا المقال أعتقد أن هناك عمل كثير ينتظرنا لمحاولة التعمق في فهم هذه الظاهرة وأخضاعها الى الدراسة العلمية المتعمقة ، والعمل على تجسير الفجوات بين الأثنيات والأعراق المتعددة التي يضمها السودان ، وبث الوعي بين أفراد المجتمع وتبصيره لمضارها وآثارها الكارثية على بقاء السودان موحداً ، والأبتعاد عن الخطاب الأثني الحاد وعدم أقحام العرق والعنصرية في معتقدات الناس الدينية ، والأحتفاء بالقواسم المشتركة بين مختلف الأثنيات التي يضمها الوطن وما أكثرها ، أن لم يكن لهذا الجيل الذي ورث تلك المنقصة " العنصرية " أباً عن جد فلأجل أبنائنا وبناتنا القادمين و( عشان الحاجات تبقى كويسة ) ، والله من وراء القصد .

    كلام ذو صلة :
    أنا من إفريقيا صحرائها الكبرى وخط الاستواء
    شحنتني بالحرارات الشموس
    وشوتني كالقرابين على نار المجوس
    لفحتني فأنا منها كعود الأبنوس
    وأنا منجم كبريت سريع الاشتعال
    يتلظى كلما اشتمّ على بعدٍ تعال
    ( صلاح أحمد أبراهيم )
    كلام ليس بعيد الصلة :
    لا تَعذُل المُشتاقَ في أَشواقِهِ ... حتّى يَكُونَ حَشاكَ في أَحشائِه
    (أبو الطيب المتنبي)























                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>

تعليقات قراء سودانيزاونلاين دوت كم على هذا الموضوع:
at FaceBook




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de