|
السودان يحتاج «ماجنا كارتا» سودانية بقلم خالد الأعيسر
|
■ في قراءة سابقة الأسبوع الماضي تكهنا بفشل الجولة السابعة من مفاوضات المنطقتين بين الحكومة السودانية والحركة الشعبية قطاع الشمال، التي عقدت قبل أيام قليلة بالعاصمة الإثيوبية أديس أبابا برعاية الآلية الأفريقية برئاسة الرئيس الجنوب أفريقي السابق ثامبو أمبيكي، وأشرنا يومها الى أنها ستنتهي من حيث توقفت الجولة السادسة في أبريل/نيسان الماضي بالفشل.. وقد كان، فقد اعلن تأجيل التفاوض من دون تحديد موعد لبداية الجولة القادمة من المفاوضات. اليوم، أصبح واضحا للجميع، أن الوسطاء لا يزالون يحلمون ويصرون على أن تسير الأمور وفقا لما هو مخطط، بموجب الورقة المقدمة من الوساطة الأفريقية، التي تحدثت عن اعتماد إعلان باريس كمرجعية، مع ضرورة عقد لقاء تشاوري للأحزاب السودانية في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا ومشاركة الحركة الشعبية في الحوار الوطني بالخرطوم. مع كل هذا الاصرار تبدو الهوة واسعة في عدد من القضايا الخلافية بين الأطراف المتفاوضة، وقد وضحت معالم هذا التنافر من خلال تمسك كل طرف وتصلبه، واستماتة بعض التنظيمات نصرة لقضاياها وانحيازا لطروحاتها، وفقا لمطالب «ضيقة» خاصة؛ كما يبدو النظام في المقابل أكثر تشددا في التمسك بعدم توسعة إطار التفاوض الى قضايا لا تمت لأزمة إقليم دارفور بصلة، كما جاء على لسان رئيس وفد الحكومة السودانية في مفاوضات السلام مع الحركات المسلحة، الدكتور أمين حسن عمر.. الأمر الذي سيؤدي بلا شك لفشل العملية التفاوضية مرة بعد أخرى تحت ذرائع مختلفة يتبناها كل طرف من وجهة نظره الخاصة. ثمة سجال صاخب بدأ يتحرك في دائرة القلق السوداني على ما تبقى من تراب، ومن صلب القضايا الخلافية الواقعية والخطيرة التي تتهدد مستقبل وحدة السودان، بعد أن شهدت الأيام الماضية إعلان الأمين العام للحركة الشعبية ياسر عرمان مطالبة حركته بالحكم الذاتي للمنطقتين، باعتبارهما يضمان اغلبية مسيحية، بالاضافة الي الخصوصية الثقافية، وتحذيره في الوقت ذاته من أن رفض الحكومة السودانية لهذا المطلب سيؤدي الى تكرار سيناريو جنوب السودان والمطالبة بحق تقرير المصير والانفصال عن السودان، مع الإشارة بوضوح الى أن مناطق مثل دارفور وشرق السودان وحتى الجزيرة بوسط السودان، باعتبارها ولايات، تستحق أيضاً حكما ذاتيا لإدارة مواردها بشكل افضل ومنفصل عن المركز. رغم الذي تقدم ها هي إثيوبيا تحتفل هذه الأيام بلقاء رموز وقادة المعارضة السودانية، وفي السياق هنالك ضغط من قبل الحركات والجماعات المسلحة الدارفورية لنقل ملف دارفور من الدوحة الى أديس أبابا، في محاولة لدمج العملية السلمية برمتها في مسار واحد، لكن؛ ومن خلال مخرجات اللقاءات السابقة والحالية، يبدو بما لا يدع مجالا للشك أن الخروج من المأزق السوداني يتطلب حوارا سياسيا يشرح قضايا الوطن الاستراتيجية، ويخاطب تَرِكَة الحقب الماضية بعيدا عن التكتيكات والتحالفات الضيقة المبنية على المصالح الحزبية ومصالح الرموز والأفراد، وهذا بدوره يتطلب مداخل ترتكز على تصميم عملية تفاوضية (خاصة) يحمل إطارها العام بنود كثيرة تحدد أجندة الحوار ومدى نفوذ وصلاحيات الأيادي الخارجية «الوسيطة» في اتخاذ القرارات الكفيلة بدفع عملية السلام وتأثيرها على الفرقاء، ومن يشارك في هذا الحوار، مع إلزام المجتمع الدولي لدعم عملية بناء الثقة بين الأطراف خلال التفاوض ووضع ضمانات لتطويق وتحجيم أي تفلتات من شأنها تعطيل تنفيذ ما سيتم الاتفاق عليه من تفاهمات. الطريق الى السلام في السودان والحل الشامل لكل القضايا المصيرية طويل وشاق للغاية ومليء بالتحديات، ربما لأنه شائك وقد مضى على وجوده زمن طويل، ولكنه في الوقت ذاته ليس مُستبعدا أو مستحيلا، وتكمن معالجاته في ضرورة أن يتمثل الفرقاء السودانيون «ماجنا كارتا سودانية»، كوثيقة عظمى تماثل الماجنا كارتا الإنكليزية، التي يحتفل البريطانيون هذه الأيام بذكراها الثمانمئة (وهي الوثيقة العظمى التي أسست للديمقراطية في عهود الظلام وتتكون من مجموعة متنوعة من الوثائق يشار إليها بالاسم الشائع ماجنا كارتا «المصطلح الأكاديمي باللاتينية» وقد صدرت لأول مرة عام 1215 وما تزال تشكل الأساس للوائح الأنظمة الداخلية في إنكلترا حتى يومنا هذا، وقد وصفت بأنها الميثاق العظيم للحريات في إنكلترا والحريات في الغابة. وقد كانت واحدة من أهم الوثائق القانونية في تاريخ أعرق ديمقراطيات العالم لأنها شكلت الأساس لمبادئ الدستور، وكل ما يتعلق بحكم الملك ومحدودية نفوذه وسلطته في انكلترا وقد كانت مهمة أيضا وذات تأثير تاريخي قوي وفعال في زمن الحرب الأهلية الإنكليزية وألهمت مضامينها وثيقة حقوق دستور الولايات المتحدة الأمريكية بكل تعدده وتنوعه) وهي تجربة عظيمة في التاريخ البشري الإنساني من شأنها أن تصلح كمثال يقتدى به لوضع حدا للخلافات السودانية المتصلة بالحريات والمشاركة السياسية والصلاحيات الدستورية لتقتل الجهوية والعصبية القبيلية التي استشرت في كل بقاع السودان. وفي ظل هذا التشابك في القضايا السودانية وتعقيداتها، التي امتدت لأكثر من نصف قرن من الزمان، لابد أن يتوافق فرقاء الصراع على نموذج سوداني معاصر يقدم التضحيات مهما كان حجمها، وصولا للانتقال الديمقراطي على هدي «الماجنا كارتا» الانكليزية، على أن تستند هذه العملية إلى كل الوثائق والتفاهمات السابقة، بداية من مؤتمر الحوار حول قضايا السلام الذي تبنته الإنقاذ في بدايات عهدها، مرورا بمؤتمر القضايا المصيرية الذي عقد في أسمرا، الفجر الجديد، البديل الديمقراطي، مقترح حزب الأمة، رؤى قوى الاجماع الوطني، مطالب التجمعات الشبابية المختلفة، خطاب الرئيس البشير في يناير الماضي وانتهاء بإعلان باريس. هذا وحده سيكون الطريق الأمثل والكفيل لوضع اساس توافقي للحوار الوطني السوداني والخروج من مستنقع مَنْ الذي يحكم السودان، وولوج نقطة تتلاقى فيها مصالح الدولة العليا ويتفق حولها الساسة وتنال رضا الشعب على كيفية حكم السودان، وفقا لخيارات الأطراف كافة التي أجملتها الوثائق السودانية المتعددة في نظام فيدرالي أو فيدرالي اقليمي هجين، أو اتحاد حر أو نموذج لاجماع قومي يستند إلى كل هذه الخيارات المتعددة السابقة وصولا للمشروع الوطني الجديد الذي يستوعب الدروس والعبر من انفصال الجنوب، وينأى عن تكرار السيناريو ذاته في منطقة أخرى، ويقدم تصورا لبناء دولة سودانية موحدة وقوية متماسكة وفق مشروع قومي يتخطى كل العقبات ويستوعب جميع المكونات وكل الكفاءات. ٭
mailto:[email protected]@yahoo.com كاتب سوداني مقيم في بريطانيا القدس العربي اللندنية - الجمعة 28 تشرين الثاني (نوفمبر) 2014 - 6 صفر 1436 هـ
|
|
|
|
|
|