|
السكة حديد..الطيب النقر
|
أبتهل إلى الله تعالى أن يسبغ على هذه المؤسسة العريقة ثوب العافية ضافياً فضفاضاً، وأن تبدي حكومتنا المشبل طاعة وإذعاناً لحنين شعب يتوق إلى الخلاص من تلك الوسائل التي لها تبعات يعتمد عليها ما تبقى من أطباء، ويعتزون بها، لأنها تضمن لهم تلك الجموع الهادرة التي تترى إلى عياداتهم الخاصة طلباً للعلاج من ويلات الأسقام التي داهمت أجسامهم الضامرة نتيجة الغضب والسخط، فالمؤتمر الوطني الذي يزعم أنه قد محا الجهل وأزال الغفلة، لم يدرك بعد أن ارتفاع وتيرة الضغط بين محكوميه أسبابه خلاف سياسته الخرقاء، هو تلك الوسائل التي تنذر شعبه بالخطر العظيم، ومما لا يند عن ذهن أو يغيب عن خاطر، أن المصلحة العامة تقتضي مسألة يسيرة لا تثير في نفوس السود ناراً تتأجج، أو لهيباً يضطرم، مسألة لا تحتاج إلى دفاع أو نضال من قبل أرباب الحكم والتشريع، فبث الحياة في هذا القطاع الذي أخذته العلل وحامت حوله نشغات الموت، لن تجد فيه هذه الأمة بطشاً أو عسفاً، فالموصلات التي أذاقت قاطني هذه الديار أصنافاً من العنت، وألواناً من المكروه، كانت تقذف في أذهان هؤلاء المنكوبين بفضل تعنتها ودلالها أسئلة مفادها لماذا تتعلق الدولة بما لا سبيل إليه؟ وتتهالك على ما لا خير فيه؟ فما تمس إليه الحاجة وتدعو إليه الضرورة وتقتضيه المنفعة، أن تعود هذه الوسيلة التي تهدئ ثورة النفوس وتلطف حدة القلوب، إلى سابق عهدها من البريق والمجد، ويعود شغف الناس بها، لأنها لا تتحرش بهم، أو تتنمر عليهم، أو تخضعهم للعذاب بغير حساب، فالسكة حديد التي يحدوني الأمل بأن تؤثرها الدولة بالاهتمام والرعاية أقف في ذكراها عند شيء واحد لا أعدوه إلى غيره، الدقة التي كانت من أهم الأشياء التي تميزها، نعم إن السكة حديد التي لا تخفى أجيال عدة اغتباطهم بها برئت من وصمة التخاذل في تقييم الوقت الذي لا يعبأ به أصحاب الوسائل الأخرى، لأجل ذلك ظفرت بعشق الناس لها لأنها كانت مثالاً للرقي، وأنموذجاً في الانضباط، والحق يقال أنها حافظت على تقاليدها، وسجلها الناصع من الشوائب، حتى تهاوت في عهد الإنقاذ التي أمعنت في تحقيرها والاستخفاف بها، والإسراف في تحصيل وسائل نقل أخرى لم تجد نفعاً، أو تشفي غليلاً، ولكن دعوني أسأل في إلحاح أيها السادة لماذا تقف الإنقاذ موقف العذول بين المحبين؟ لماذا فرّق المؤتمر الوطني بين الشعب والسكة حديد التي أحبها وكلف بها؟ وما هو تفسير تلك الظواهر التي عجزت عن فهمها العقول؟ فالإنقاذ تعلم أن أهل السودان قاطبة لا يحسون عشقاً أو غراماً، ولا يجدون حباً أو هياماً إلا بالتردد على تلك المحطات العتيقة التي يلتئم فيها شملهم بمن يحبون، أو يهطل دمعهم عندها مدراراً حزناً لفراق من يعزون، غاية آمالنا أن تحدثنا الإنقاذ في صباح يوم ما عن أسبابها ودوافعها التي حدت بها لإهمال ذلك الخطين المتوازيين اللذين فجرا قريحة شاعر، وألهما خيال كاتب، لماذا لا تظهر حكومة المؤتمر الوطني شيئاً من المودة، وحسن الاستعداد لتوثيق الصلات بينها وبين تلك المؤسسة العريقة؟ لقد التمس سادتنا كل الحلول العرجاء، وسلكوا كل الطرق التي أودت بهم إلى صحراء التيه، وبقيت معضلة الموصلات عصية على الحل، وانتهى بهم التنظير إلى الفشل والإخفاق، وها نحن أولاً نسمع بعد التورط في كل هذه المحاولات العقيمة، أن حكومة ولاية الخرطوم سوف تبعث في أرصفة السكة والترام القوة والحياة، بعد أن لاقى الناس من عقابيل أزمة الموصلات ونكرها ما يطاق وما لا يطاق. والحقيقة التي لا يرقى إليها شك، والواقع الذي لا تسومه مبالغة، أن اعادة النبض لهذه المؤسسة الباذخة سوف يجتث من المهج المتكدرة المشقة والضيق، ومن الأفئدة الساخطة التبرم والاستياء، فعزم ولاية الخرطوم قد أنعش نفوساً، وأحيا آمالاً، ظنت أن أبواب الرجاء قد أوصدت، ورائد التوفيق قد ذهب بعيداً... وما نريده من حكومة الخضر أن تريحنا بعد تعب، وترضينا بعد سخط، وتأخذ في تنفيذ مثل هذه المشروعات التي تكشف عنا مظاهر العسر والبؤس والفاقة. < السابق التالي > تعليقات تعليقات
|
|
|
|
|
|