|
.... وانكسر المرق... الشريف! هاشم كرار
|
حين يموت شاعر ضخم، تفقد الامة- أي أمة- جانبا عظيما من ألقها، وتوهجها،
وشاعريتها.. وتصاب باليتم!
اختطف الموت، في السودان، آخر انفاس، شاعر الشعب محجوب شريف،
وكان آخر نفس منه، يصعد ويهبط.
الإسم بالكامل.. إنسان،
الشعب الطيب والدىّ،،
الشعب حبيبي وشرياني،
أداني بطاقة شخصية. المهنة بناضل، ويتعلّم، تلميذ في مدرسة الشعب..
المدرسة فاتحة ع الشارع،
الشارع فاتح في القلب، والقلب مساكن شعبية!
عاش حياته كلها نظيفا، وأمينا، وتطهريا، منحازا أبدا للكرامة، والعدل والإعتدال.
الشعر عنه قضية وطن، وقضية انسان.. وكان شعره كله، تجسيدا لحباته الفذة: لا سرق،
ولا داهن، ولا تملق، ولا كان بين بين، ولم يمسك العصا، في يوم، من النص، ضد الطغاة،
والمستبدين، أصحاب الكرباج، والزنزانة، والطلقة، والمدفع أب ثكلي!
" وحياة الشعب السوداني.. في وش المدفع تلقاني،
قدام السونكي ح تلقاني،
وانا بهتف تحت السكين، الثورة طريقي..
وايامي معدودة.. وتحيا الحرية!
عاش حياته كلها، من زنزانة إلى زنزانة، غير أنه ماعرف الإنكسار، ولا الشكوى،ة ولم يقل- تحت التعذيب
البدني والمعنوي- " الروب". ظل جسورا، يعطي الزنازين روح الغنا والثورة وشموس الصباح:
" مساجينك.. مساجينك.. نغرد في زنازينك.. عصافيرا مجرّحة بى سكاكينك.. نغني ونحن في أسرك.. وترجف انت في قصرك.. سماواتك دخاخينك.. للسودان مواقفنا.. وللسودان عواطفنا،ولما تهب عواصفنا.. فما حيلة قوانينك؟!"
عاش ضد العسكر، وضد الحرب، وضد الانفصال الكريه، وضد المتاجرة بالدين، واحتكار الهزيلين دينيا لرب الناس أجمعين.
عاش بسيطا، مع البسطاء ولهم.. أدار مبادرات شعبية لانتشال أطفال الشوارع، والنساء اللآئي ينتزعن لقمة اطفالهن من النيران في الشوارع، وحين أسلم آخر انفاسه التعبانة، أجهشت كل انفاس البسطاء.. واحسوا بنوع من اليتم الغريب.
عايش بايمان.. وصبر فولاذي ما يعانيه من اعطاب في رئتيه.. وظل حتى وهو في كمامات الاكسجين، بغني لشعبه.. وللبسطاء، وللوطن الذي اتحد وتوحد وتماهى حبه، مع حبه لشريكة عذاباته وأحلامه، وتماهى مع حبه لأبنتيه الجسورتين.
مات محجوب شريف، كما يموت أي حى، غير أنه سيبقى حيا، نابقى السودان وشعبه، الذي يلبس الآن السواد
|
|
|
|
|
|