حينما كان الصادق المهدي، رئيساً للوزراء في التعددية الثالثة، كان يصغي باهتمام لإفادات من وزير الخارجية الأثيوبي..الإمام كان يلوم دولة أثيوبيا على دعمها للحركة الشعبية التي يتزعمها الدكتور جون قرنق..حرك الوزير فنجان قهوة من على المنضدة كان يظن أنه يمنع التواصل مع ضيفه..بصراحة تحدث وزير خارجية منغستو بعبارة ارتكزت في قاع عقل الأمام الصادق حين قال" إن لم يكن قرنق موجودًا لاخترعناه".. التعبير كان يشير لمواقف السودان الداعمة والمتعاطفة مع حركة استقلال أريتريا في ذاك الوقت. قبل أيام استقبلت بلادنا جثامين عدد من أبطال الجيش السوداني الذين يحاربون في معركة إعادة الشرعية لليمن..خطوة مساندة السعودية في عاصفة الحزم كانت موفقة لأنها أخرجت السودان بشكل نهائي من المعسكر الموادد لإيران..تلك الخطوة صححت أخرى كانت في الاتجاه المغاير تماماً حينما وقفت الحكومة السودانية مع العراق في احتلاله للكويت.. ذاك يعني أن السودان كان محتاجاً لموقف صادم وله ضجيج حتى ينال القبول الدبلوماسي وقد كان. الملاحظ في الأشهر الماضية أن ثمة اندفاعاً سودانياً بمعدلات زائدة تجاه الحماس لعلاقة استراتيجية مع الخليج..حتى وصلت تخوم الأماني لأن تكون بلدنا عضوا بمجلس التعاون الخليجي..ذاك المجلس لم يستوعب العراق أيام أمجاده الاقتصادية رغم أن ذاك البلد يشاطر تلك الدول ذات الخليج..كما ظلت الاْردن واليمن وحتى المغرب تأمل في نيل تلك العضوية ..التركيبة السكانية والطبيعة السياسية تتشابه مابين دول مجلس التعاون وتلك الطامحة..رغم ذلك لم يتحقق المراد ويتمدد ذاك المجلس المحافظ ليشمل غير الدول الست. هنا يجدر أن نسال أنفسنا عن سقف الشراكة الذي يمكن أن تتحقق مع تلك الدول البعيدة نسبيًا بمعايير الجغرافيا باستثناء المملكة العربية السعودية ..للسودان أرض خصبة ومياه عذبة ربما تحقق الأمن الغذائي في المستقبل لهذه الدول التي تستورد جل غذائها من بلاد بعيدة ..شركاؤنا في الخليج لديهم المال والخبرة المتراكمة في مجال القطاع الخاص..استبيان أسس الشراكة المستندة على قواعد المنفعة الاقتصادية يجب أن يبعدها عن آفاق الشراكات العسكرية التي لا تستقر على حال..من غير المفيد أن يلعب السودان دور الحارس للمؤسسات وبإمكانه أن يكون شريكاً ..هذا الدور هز صورة مصر يوم اندفعت بشدة في حرب اليمن..بل حينما طالت المعركة اضطر الزعيم جمال عبدالناصر للانسحاب حتى يتفرغ لمعاركه في جبهة سيناء المحتلة وقتها. في تقديري أن الوقت مناسب لإعادة جرد الحساب في علاقتنا الدولية..هنالك التماس حاد بين حدود الأمن القومي لكل دول المنطقة ..مثلاً إذا وقعنا الآن اتفاق دفاع مشترك مع أثيوبيا تكون الرسالة موجهة لمصر وأريتريا ..إذا ما التحمنا عسكرياً مع الخليج نجد أنفسنا تحت مرمى الغضب الإيراني ..التهافت على التقارب مع أمريكا يجعل روسيا تتشكك في الاعتماد على صديق قد يستدير راجعاً إلى جهة معادية. بصراحة..أفضل الخيارات المتاحة الآن هي تصفير المشاكل مع كل الدول..البداية تكون بالابتعاد عن أي خطوات يمكن تفسيرها بالعدوانية ..ومن بعد ذلك تأسيس العلاقات على أسس اقتصادية بحتة..كل العلاقات التي تبنى على المصالح الاقتصادية المشتركة تكون أكثر أقوى وأطول استدامة .
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة