خلال رده على المسألة المستعجلة بالبرلمان يوم الاثنين 23/05/2016م، أوضح وزير الإرشاد والأوقاف، عمار ميرغني، أن كلفة إيجار مبنى الوزارة هي (23) ألف دولار شهرياً، وأن هيئة الشؤون الإسلامية والأوقاف الإماراتية، هي التي تدفع هذا المبلغ، ولمدة ثلاث سنوات. (صحيفة الوطن العدد 46000 يوم 24/05/2016م. بعملية حسابية بسيطة وحسب سعر الدولار الموجود بالسوق اليوم (13.75) جنيهاً للدولار (وليس عنقاء وزير المالية؛ دولار الورق الموجود في أضابير وزارة المالية ويستحيل الحصول عليه بسعره 6.1 جنيه للدولار)، نعود للعملية الحسابية ونجد أن تكلفة إيجار مبنى وزارة الإرشاد والأوقاف هي (316250) جنيه شهرياً، يعني (10542) جنيه لليوم الواحد!! هذا المبلغ تدفعه وزارة الإرشاد والأوقاف يومياً من المال العام (بغض النظر عن مصدره)، نظير استئجارها للمبنى. إن المجتمعات في بلاد المسلمين، وفي ظل الدول الوطنية القائمة، فصلت الدين عن شؤون الحياة، ثم خصصت للدين وزارة للإرشاد والأوقاف، أو بأي مسمى آخر، فكانت نتيجة ذلك أن سقط الحكم الشرعي، وغاب عن شؤون الحياة والدين معاً، لأن فكرة الفصل بين الدين والحياة هي عقيدة باطلة تخالف عقيدة الإسلام التي نعتنقها، يقول الله سبحانه وتعالى: } قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ + لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ{. إن وزارة الإرشاد والأوقاف، تدير الأوقاف وترشد المسلمين، ولكن على غير أساس الإسلام، ففاقد الشيء لا يعطيه! إن الأمر لا يتعلق بها وحدها، لأنها مجرد وزارة في نظام يفصل الدين عن الحياة، وهي تسيّر هذه الوزارة على أساس هذا الفصل، لذلك فإن حالة وزارة الإرشاد هي حالة عامة توضح بجلاء كيف يتعامل هؤلاء الحكام مع المال العام! إن ما تدفعه وزارة الإرشاد والأوقاف عن الإيجار خلال الثلاث سنوات هو مبلغ (11) مليار و(385) مليون، فكم يبني هذا المبلغ من مدرسة، أو مستشفى، بل يسد هذا المبلغ حاجة كم أسرة يلفها الفقر والبؤس والشقاء، وسوف يسأل الله سبحانه وتعالى عنهم هؤلاء الحكام الذين يسيرون في طريق الخزي والندامة يوم القيامة! إن ما تمارسه وزارة الإرشاد والأوقاف، وجميع الحكام وأعوانهم في بلادنا اليوم، هو حالة يغلب عليها السفه، فالسفه هو مصطلح شرعي، يطلق على أمثال هؤلاء، يقول ابن القيم: " السفه غاية الجهل، وهو مركب من عدم العلم بما يصلح معاشه ومعاد وإرادته بخلافه). ومن السفه كذلك التبرعات المليارية من المال العام لفرق الكرة، وأرباب الموسيقى والغناء والطرب وغيرهم، هذا المال العام الذي كان حرياً بأن يوضع في رعاية شؤون الناس؛ لقمة في فم جائع، أو دواء في فم مريض، أو كسوة لعريان، أو أمن لخائف. ومن حالات السفه الشائعة، السفر المستمر إلى أقاصي الدنيا وأطرافها، حيث النثريات (الدولارية)، والتذاكر باهظة الثمن، التي تدفع من المال العام، ومن ذلك عقد المؤتمرات المسماة دولية أو إقليمية، أو فئوية التي ينفق عليها بسخاء من المال العام، الذي هو وقف على رعاية شؤون الناس! إن حالات السفه البارزة في تصرفات الحكام، والتي يتندر بها الناس في مجالسهم الخاصة والعامة، هي مظهر من مظاهر المرض، الذي هو إسقاط قيمة التقيد بالحكم الشرعي، يقول الله سبحانه وتعالى: }وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالا مُبِينًا{، ويقول الرسول r: " لا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يَكُونَ هَوَاهُ تَبَعًا لِمَا جِئْتُ بِهِ ". فمن البديهيات أن المال إنما يكتسب وينمى، وينفق بطريقة شرعية، يقول رسول الله r: "لن تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع عن شبابه فيما أبلاه وعن عمره فيما أفناه وعن ماله من أين اكتسبه وفيما أنفقه" (الطبرانى عن أبى الدرداء)، فكيف به عندما يكون هذا المال مال عام، الذي هو أشبه بمال اليتيم؟! وعندما سقطت قيمة التقيد بالحكم الشرعي، وغاب مقياس الحلال والحرام، وفصل الدين عن الحياة، خسرنا الدنيا والآخرة، وهذا هو الخسران المبين إن لم نتدارك الأمر، ونعيد الدين حكماً في كل شأن في حياتنا، في ظل حياة إسلامية تطبق فيها شريعة الإسلام. ففي ظل الحياة الإسلامية قام خليفة المسلمين سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقلب بقضيب من أراك كنوز كسرى التي حُملت إليه، وهو يقول: (إن الذي أدى هذا لجد أمين)، فقال أحد الحاضرين: (يا أمير المؤمنين لقد عففت فعفت الرعية، ولو رتعت لرتعوا). وهي نفس الحياة التي ينادي فيها خليفة المسلمين بأن يؤذن في الناس: (أن قد جاءنا مال كثير إن شئتم عددنا لكم عدا، أو كلنا لكم كيلا)، هو خليفة المسلمين الراعي لشؤون الناس، فيدخل بمكنسته ويكنس بيت المال، مظنة أن يجد درهماً أو ديناراً تقضى به مصلحة لأحد المسلمين. أليست مثل هذه الحياة جديرة بتضحيات المسلمين، فكيف إذا عرفنا أن إيجاد هذه الحياة هو طاعة تفضي إلى جنة عرضها السموات والأرض، يقول سبحانه وتعالى: }يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ{. عبد الرحمن بابكر علي
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة