|
يا للهول.. إنهم يتعبّدون لله بـ التحلل..! - بقلم يوسف الجلال
|
إذا وقف متهم – أي متهم – بالتعدي، أو التصرف في المال العام، أمام لجنة تحقيق مختصة بالنظر في قضايا الثراء الحرام أو المشبوه، وقال لأفراد اللجنة بعيون دامعة ولغة خاشعة، إن يده حينما امتدت إلى المال العام، ما كانت تهدف إلى السرقة، ولا كانت تحركها غريزة تملك المال العام دون وجه حق، وإنما كانت ترمي بصورة جلية إلى "التعبُد لله"، فلن يلومه أحد.. صدقوني لن يلومه أحد، طالما أن وزير العدل محمد بشارة دوسة قطع في حواره مع مقدم برنامج مؤتمر إذاعي في يوم (الجمعة) الماضي، بأن "التحلل من الأموال المشبوهة أو الحرام له أسانيده من الشريعة، وأنه نوع من التعبُد لله".
تخيلوا أن وزير العدل ينافح عن قانون مكافحة الثراء الحرام والمشبوه، على الرغم من أن ذاك القانون حوى ثغرة كبيرة، يمكن أن يتسرّب عبرها المتهمون بأكل المال العام، من بين يدي لجان المحاسبة والتحقيق. بل إن الوزير قال قولته تلك، في ظل الانتقادات الحادة التي تم توجيهها إلى القانون، وتحديدًا إلى المادة الخاصة بالتحلل من المال الحرام والمشبوه، بعدما شرْعنت لإفلات "غسان ورفيقه عبد الجبار" من يد العدالة الباطشة، في قضية فساد مكتب والي الخرطوم عبد الرحمن الخضر. فيومها خرج "الشابان" من فخاخ الإدانة، خروج الشعرة من العجين.
أما الأدهى من ذلك، فإن القانون نفسه – الذي ينافح عنه دوسة ويتمسك به - لا يعاقب المتحلل بالطرد أو الإبعاد من الوظيفة، وإنما يشرعن لاستبقائه بحجة أنه تحلل من المال المسروق أو المنهوب، بل إن الموظف "المتحلل" يمكن أن يظل في "ذات" الموقع الذي جعله ينهب ويسرق ويتجاوز..! وهذه واحدة من أكبر نقاط ضعف القانون. فبدلاً من إلغاء القانون جملة واحدة، يصر وزير العدل على تنقيحه وتعديله، حتى بعد فضيحة "غسان قيت"، مع أن المنطق والوقائع تسند خيار إزاحة القانون في نسخته القديمة من خارطة الوجود القضائي، والاستعاضة عنه بتشريعات رادعة.
أنا هنا لا أدعي الالمام بالتفصيلات الفقهية الشائكة، ولا أزعم الدراية الكاملة بتعقيدات المسائل الدينية، ولكن بمقدوري أن أقول بثقة وافرة، إن حديث وزير العدل، يمكن أن يفتح الباب أمام جدل فقهي كبير، ويمكن أن يكون حديثه موضع نزاع فقهي أو سياسي. لكن أهم من ذلك كله، فإن حديث "دوسة" ربما يكون سبباً في تسويق نوع جديد من العبادة، من الراحج أنها ستغري كثيراً من العباد، من أصحاب النفوس الهشة والضعيفة.
أما ما يؤكد قولنا عاليه، هو أن "دوسة" نفسه، عاد وأعلن عن ادخال تعديلات "واسعة" على القانون، وخصوصًا مادة (التحلل). وهذا أمر جيد، لكنه يفتح الباب أمام تساؤل ملحاح، "أليس من العجيب والغريب أن تُوصد أبواب التحلل، طالما أن هناك من يتعبدون بها إلى الله. ثم لماذا ندهم خلوتهم وخشوعهم بإلغاء مادة التحلل، وهل هناك ما يبرر هذا في الشرع، وهل القرار ضد التعبُّد لله بالتحلل..!".
-- Yousif Aljlal
|
|
|
|
|
|