من طبيعة الإنسان أن تكون له توقعات، كناتج طبيعي للطموحات، وإلا لما كانت هناك إحباطات في هذه الدنيا .. فإن لم تكن لك توقعات قطعاً لن يصيبك الإحباط .. وللأسف الشديد لن تستقيم الحياة بدون توقعات .. ولكن ستكون الحياة أفضل بالإدارة العقلانية للتوقعات والطموحات بعيداً عن الشطحات وخاصة فيما يخص تنفيد وتطبيق مخرجات الحوار الوطني التي أصبحت ينظر لها كأمل يتيم. من أكثر حالات الإحباط إنتشاراً هو أن تكون متوقعاً من الآخر أن يعاملك كما تعامله، ويحترمك كما تحترمه، ويقدرك كما تقدره ولكن للأسف المبادلة بالمثل قد لا تكون هي الشيء المثالي الذي قد يحدث في كل الأوقات .. فمن أهم مبدئيات إدارة التوقعات معرفة الطرف الآخر بدقة حتى لا تٓرفع سقف التوقعات لتجني الصدمات.
من مفاخري أنني تربطني علاقات وصداقات وطيدة بما يقارب العشرة من الذين شاركوا في الحوار الوطني .. وكلهم خرجوا منه وهم يحملون المخرجات في حدقات أعينهم ويحلمون بوطن يسع الجميع وقد كان ذلك هو شعار الحوار الوطني "السودان وطن يسع الجميع." .. ولكــــــــــــــن .. فقد جانب الحظ من إختار هذا الشعار لأنه شعار فضفاض وماسخ ولا يصف كيفية تعايش الناس بالتساوي ونوعية تواجدهم فوق أرض هذا الوطن .. فأسوار السجون تسع الجميع الذين هم فيها، سجانين ومساجين .. كنت أتمنى أن يكون الشعار شيء مثل مقولتي والتي ظللت أرددها منذ عدة سنوات وهي: "السودان ذلك الوطن الكبير الذي لن يعني أي شيء ما لم يكن كل فرد فيه يعني كل شيء" أو ما يتفوق عليها في المعنى أو حتى ما يشابهها.
تمخض الحوار عن مخرجات إضطلعت على غالبيتها .. فيها الكثير من النقاط التي قد يتفق عليها كل الناس .. وبعض منها قد يكون محل نقد ويتطلب المراجعة .. وبعض منها وبالرغم من إمتيازها تبدو وكأنها أحلام زلوط ولكن ليس لكونها قد تشباه أفكار مستوردة فحسب بل قد يتعثر تطبيقها على أرض واقعنا الذي نعرفه جيدا، في الوقت الحاضر أو حتى المستقبل المنظور .. ولكن لا يستقيم المقال إلا أن نقول: أن تلك الأحكام وحتى المخرجات نفسها قد لا تكون لها قيمة ما لم يتم التوافق عليها وخاصة من طرف السلطة الحاكمة .. فقد تعلن السلطة التوافق كوسيلة لكسب ثقة الشعب ولكن يبقى التحدي الأكبر هو التطبيق الفعلى لتك المخرجات وفي فترة زمنية محددة .. وحتى نتجنب الفشل والإحباط نجد أننا أمام خياران لا ثالث لهما وهما: ١- إما العمل على إقناع السلطة وحزبها ومنسوبيها بتغيير نظرتهم في التمسك بالسلطة والزهد فيها وتركها وركلها والخروج للدعوة في سبيل الله. ٢- إما خفض التوقعات .. وكلا الخيارين أرحم وأسهل من الشطحات التي قد تؤدي للإحباط وما لايحمد عقباه لأن إرتفاع سقف التوقعات المنتظرة قد يكون له المردود السلبي الأكبر في حالة عدم تنفيذ المخرجات .. وبالحساب العقلاني، فمن المحتمل أن تتعثر السلطة وأجهزتها وحزبها الحاكم في قبول ماهو أكبر من حدود تحملها بحسب موازاناتها وحساباتها الداخلية وتوترات مناصريها وطالما هي صاحبة اليد العليا ولها الكفة الراجحة في ميزان القوى .. فقد يتفاقم الإحباط المقيم أصلاً ليتحول لغضب شعبي عارم وإنفلاتات قد تدخل البلاد في مربع اللاعودة واللّاأمان .. عليه: لتكون عقلانياً عليك أن تتوقع ما هو غير متوقع .. وتصدق ما لا يمكن تصديقه .. وأيضاً عليك ترك الأجتهاد في محاولة إنجاز ما يستحيل أنجازه وهو الإعتقاد في أنك بمقدورك تغيير الآخر بمجرد أنك ملكت موهبة تجهيز المخرجات الرائعة.
حقيقة، قد يتعثر على سلطة الإنقاذ وحزبها الحاكم الإعتراف بعجزها وهي تعترف بتلك المخرجات وجمالياتها ومن ثم الإقرار بفشلها وضمور حزبها وضحالة فكره وأنه لم يجود بتلك الحلول من قبل وهي ليست إلا سلطة جثمت على صدر الوطن كجبل أصم كاتم لأنفاسه .. وهنا أستطيع أن أجزم أن يكون أهون على سلطة الإنقاذ أن تقبل الإزاحة بإنقلاب عسكري أو ثورة شعبية من أن تستلم لحضور مهرجان تتويجها كأفشل حكومة عرفها السودان .. ولكنني إيماناً ببركات هذا الشهر الكريم أكضب الشينة وأقول أمنيتي أن يخرج الرئيس في أحد أيام عيد الفطر المبارك في لقاء تلفزيوني يتواصل فيه مع الشعب السوداني، مثل لقاء المكاشفة الشهري للنميري، عليه رحمة الله، يحدث فيه الناس عن الحوار وقرآءته لمخرجاته، وتصوراته لمستقبلها وإمكانية تنفيذها ويستقبل أسئلتهم ويجيب عليها مباشرة بواسطة التلفون أو وسائل التواصل الإجتماعي ومن خلال التلفزيون.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة