|
ولادة في الهواء الطلق/صلاح يوسف
|
تضاربت الأقوال - حول ما أشيع عن وجود تلوث بكتيري في قسم النساء والتوليد بمستشفى الخرطوم تسبب في إغلاقه - بين من ينفي التصريح بوجود التلوث ومن يؤكده ويضيف بأن القسم تم تعقيمه وكان من المفترض افتتاحه يوم الأحد الماضي بعد أن جاءت نتائج المعمل القومي بخلوه من أي بكتيريا، وهي معلومات لم تنسب لوزارة الصحة الولاية أو لإدارة المستشفى بقدر ما إنها توفرت للصحف من بعض العاملين والهيئة الفرعية لعمال المستشفى بما يفيد بأن الإغلاق يندرج ضمن أتجاه لتجفيف المستشفى من بعض أقسامه وتحويلها إلى مستشفيات طرفية اسوة بأقسام أخرى طالها النقل. ولعل ما يعنينا هنا إنه نتيجة لهذا الإغلاق – الذي لم يتم نفيه ولم يعلن عنه قبل وقت كاف - لم يتمكن القسم من استقبال حالات ولادة عاجلة لا تحتمل التأخير مما أدى إلى وفاة سيدتين بعد اسعافهما من ارتفاع ضغط الدم ومضاعفاته قبل تحويلهما إلى مستشفيين أخريين، وولادة ثلاث سيدات في حرم المستشفى لأن الطلق فيما يبدو لم يمهلهن للذهاب إلى مستشفيات أخرى. فإذا كان في الإمكان الولادة في الهواء الطلق دون عون فريق طبي ما الذي يحول دون أن يتم التوليد داخل غرف المستشفى في مثل هكذا حالات ولو بأقل الإمكانات الطبية طالما أن القسم مغلق؟ لعل المتأمل لهذا المشهد بخلفياته المربكة وتداعياته الحزينة والذي كان مسرحه أعرق مستشفى حكومي في عاصمة البلاد، يتحسر على ما وصلنا إليه من حال في الطب الإسعافي والعلاجي، ويحزن على حال المنتشرين في الأصقاع البعيدة الذين لا تعرف المؤسسات الطبية إلى مدنهم وقراهم سبيلاً. وهو بلا شك سيصاب بخيبة أمل إزاء ما يراه من تدن في مستوى النخوة وغياب للإنسانية، ومن تقليص لأقسام مستشفى الخرطوم يطال مرة قسم الحوادث ويلغي مرة مستشفى جعفر أبنعوف للأطفال ويغلق مرة قسم النساء والتوليد والقائمة ستطول بحجة تخفيف الضغط على المستشفى وتقريب الخدمات إلى المواطنين بنقلها إلى المناطق الطرفية التي كان يتوجب الالتفات إليها وتهيئتها كإضافة بحكم تمدد العاصمة وتزايد سكانها وليس على حساب تقليص المستشفى الأم الذي يقصده المرضى من مختلف مدن البلاد لثقتهم في قدراته. وحيث أن الإفادة الرسمية حول هذه الملابسات لم تعلن حتى كتابة هذا المقال، فالمأمول وضع النقاط على الحروف وتوعية المراجعين والمراجعات وعامة المتأثرين بمصير هذا المستشفى وما إذا كان علينا الاعتماد عليه مستقبلاً أم أن هناك بدائل حكومية بعينها لا تقل عنه كفاءة يمكن اللجوء إليها. وكعادة الذين يعقدون المقارنات وجدت نفسي أعود للذاكرة لأكتشف أننا قبل أن يتطور الطب ونتخصص في أمراض النساء والتوليد وفتح اقسام للتوليد بالمستشفيات الحكومية، والخاصة بهذا الكم الهائل، لم نكن نسمع كثيراً عن تقاعس مستشفى عن استقبال حالات الولادة حين يتطلب الأمر ذلك كحالة طوارئ، بل أن عمليات التوليد كانت تتم دون مقابل وعلى جناح السرعة كأسبقية أولى. ومعروف أيضاً إن أغلب حالات الولادة، فيما مضى من زمان، كانت تتم عند التعثر بمستشفى (الدايات) أو (القابلات) بعد تحديث الاسم، أو بالمنازل على أيادي قابلات ماهرات يعود الفضل في تدريبهن إلى إنشاء مدرسة القابلات في العام 1920م قبل كلية الطب التي بدأت عام 1924م حسبما جاء في كتاب البروفيسور حسن بله الموسوم (أطباء السودان الحفاة – قصة نجاح بهرت العالم). إن الدور الذي لعبته مدرسة القابلات في وضع أسس علمية وتدريبية للعديد من القابلات، رغم أنهن في ذلك الوقت لم يحصلن على أي مستوى تعليمي، قنن ممارستهن للتوليد في المدن والقرى ليقمن بذلك بكل ثقة وكفاءة جعلت الجميع يعترفون بتميزهن بالمهارات العالية والنظافة المشهودة والمعارف المكتسبة التي جعلتهن بمنأى عن الوقوع في مثل تلك الأخطاء التي نسمع عنها الآن بعد قرن من الزمان. فما الذي أقعدنا عن المضي إلى الأمام حتى باتت بدائية الماضي أنقى سيرة من علمية الحاضر؟
|
|
|
|
|
|