|
وكان اهلي هم السبب/ وحدان حمدان احمد
|
(كلام عابر) وجدتهم.. ولكن قبل بضعة أسابيع نشرت مقالا على صفحات صحيفة "الخرطوم" وفي عدد من المواقع الإسفيرية أحكي فيها حكاية صديقي السوري المهندس الزراعي عياش الحمش وأسرته الكريمة، داعيا الله أن يحفظهم من كل شر وهم في جوف المحنة السورية. في البداية جمعني العمل قبل أكثر من عقدين من الزمان في مدينة الدمام، ثم عاد عياش لموطنه في حلب، وبقي التواصل الوجداني بيننا، وبقيت العلاقات الأسرية المتينة التي قادتني وأسرتي قبل سنوات مضت إلى حلب الشهباء، عندما سعدت بزيارة أرض الشام التي قال فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم، عن أبي أمامة رضي الله عنه،(صفوة الله من أرضه الشام ، وفيها صفوته من خلقه وعباده ، ولتدخلن الجنة من امتي ثلة لا حساب عليهم ولا عذاب.) رواه الطبراني. وعن سلمة بن نفيل رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : (عقر دار المؤمنين بالشام ) رواه الطبراني. ثم شغلتنا هموم دنيانا التي لا تنتهي من ذلك التواصل الجميل حتى غاب تماما مثلما غابت اشياء كثيرة أخرى عن حياتنا. استجاب الله العلي القدير لدعائي من حيث لا أحتسب، فوجدت قبل أيام رسالة في بريدي الإلكتروني من ابنه المهندس عمر الحمش قال فيها أن أسرتهم الصغيرة بخير، (سالمين وتامين)، لكن والدهم عياش قد رحل إلى دار البقاء قبل أن يري بعيني رأسه الخراب الذي لحق بمدينة حلب، والدماء في الحسكة مسقط رأسهم، والموت في دروب دمشق.كان الله سبحانه وتعالى رفيقا به حتى في الموت.رحل في شهر رمضان إثر نوبة قلبية مفاجئة لم تسبقها علة ولا وعكة،وكان يوم وداعه يوم حزن كبير للدار والعشيرة.كان دعاؤه الأثير في أيامه الاخيرة أن ينعم عليه المولى عز وجل بحسن الخاتمة. أما الأسرة وإن كانت قد نجت من الموت إلا أنها تفرقت في ثلاثة بلدان عربية. تفرق إذن شمل الأسرة السعيدة التي أحببت. قال لي عمر في رسالته الحزينة "المصاب السوري أبشع بكثير مما يعرض على التلفاز، بحيث لم يبق سوريا واحدا على الإطلاق لم يصب في أحد من عائلته". وتتواصل دفقات الحزن "أما المعارف بشكل مباشر،فهناك عشرات القصص.. لم يكن أحد يتخيل هذا المآل الرهيب، لكن لابد مما ليس منه بد". ولكن يبقى الأمل وحلم الغد الأجمل وسط رائحة الموت ونكهة الدماء ودوي الرصاص، فيقول لي عمر "نشرفت وسعدت بالتواصل مرة جديدة بعد فترة طويلة من الانقطاع المباشر، ولكن يعلم الله أن ذكراكم كانت دائما قائمة في قلوبنا. نتمنى الفرج العاجل للبلد لنتشرف بزيارتكم لنا مرة جديدة". حمدت الله أنهم ما زالوا أحياء يرزقون وإن اختلفت بهم الدروب وباعدت بينهم الأسفار، وتفرقوا في بلاد الله الواسعة، بقدر ما حزنت لرحيل أخي عياش الرجل الفخيم الجميل، الذي لو شاهد ما يجري في حلب لمات مرات عديدة قبل أن تحتضنه الأرض التي أحبها ورعى فيها الزرع والخير. ألف رحمة ونور عليه.وأسأل الله أن يجمع شملهم من جديد، وأن تعود حلب سيف الدولة وأبي فراس والمتنبي وعياش لأيامها الغابرة ومجدها القديم،وتطهر نفسها من رجس مصاصي الدماء أيا كانت راياتهم، فالقتل هو القتل، لا دين له ولا هوية. قبل الختام: بكي الشاعر أحمد محمد صالح دمشق عندما اجتاح الفرنسيون عام 1945م، فقال: (صبراً دمشقُ فكل ُّطَرْف باكٍ لما اسـتبيح مع الظـلامِ حِـماكِ جرح العروبةِ فيكِ جرح سائلٌ بكـتِ العــروبةُ كلُّـها لبُــكاك).
ولكن صفوة الله من أرضه يستبيح حماها اليوم القريب قبل الغريب،والصديق قبل العدو،ولا بواكي لها.
(عبدالله علقم) [email protected]
|
|
|
|
|
|